في صباح أول أمس، قرر والد طفلة لم تبلغ من العمر عامين السماح لها بالخروج للهو أمام مسكنه، الكائن في مركز البلينا بمحافظة سوهاج. عقب حوالي 10 دقائق خرج من مسكنه للاطمئنان عليها ففوجئ بعدم تواجدها. بعد محاولات مضنية قرر الأب التوجه إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن اختطاف ابنته دون تسمية متهم بعينه. استمر الغموض قرابة 24 ساعة، تم بعدها الكشف عن ملابسات القضية. حيث أسفرت جهود فريق البحث أن وراء ارتكاب الواقعة تلميذين أبناء عمومة «8 سنوات»، و«13 سنة»، تربطهما صلة قرابه بالطفلة المختطفة.
اعترف الطفلان بأنهما عمدا إلى استدراج المجنى عليها للتعدى عليها جنسيًا. إلا أنها قاومتهما، فحملها أحدهما وانصرف بها مسرعًا من المكان بقصد التعدي عليها. قبل أن يلقيها بفتحة ترعة مغطاة بقرية «بنى حميل».
هذه القضية بتفاصيلها فتحت الباب أمام العديد من التساؤلات حول اهتمام الدولة بمحافظات وجه قبلي. ومدى تعاونها مع الجمعيات الأهلية في تنمية هذا القطاع الجغرافي المهمل. فضلاً عن غياب دور حملات التوعية والتثقيف التي تقودها رفقة الجمعيات الأهلية.
كيف حدد القانون عقوبة جرائم الأطفال؟
قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل عام 2008 يحدد كيفية محاكمة الأطفال في الجرائم المختلفة، وذلك ضمن الضوابط التالية:
جهة اختصاص محاكمة الأطفال: تتولى محكمة الطفل دون غيرها محاكمة الأطفال في الجرائم التي تقع منهم، بحسب المادة 95 من القانون. وقد عرف القانون الطفل بأنه كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة.
وتتشكل محكمة الطفل في كل محافظة محكمة أو أكثر للأحداث، وبقرار من وزير العدل، ويحدد دوائر اختصاصها، بحسب المادة 120 من القانون. بينما تتشكل هيئة المحكمة من 3 قضاة. ويعاون المحكمة خبيران من الأخصائيين؛ أحدهما على الأقل من النساء، ويكون حضورهما إجراءات المحاكمة وجوبيًا. وعلى الخبيرين أن يقدما تقريرهما للمحكمة بعد بحث ظروف الطفل من جميع الوجوه، وذلك قبل أن تصدر المحكمة حكمها.
المسموح لهم حضور محاكمة الأطفال: حددت المادة 126 من يجوز لهم حضور محاكمة الطفل. وهم أقاربه والشهود والمحامون والمراقبون الاجتماعيون. بالإضافة إلى من تجيز له المحكمة الحضور بإذن خاص. وللمحكمة أن تأمر بإخراج الطفل من الجلسة بعد سؤاله أو بإخراج أحد ممن ذكروا في الفقرة السابقة. ذلك إذا رأت ضرورة، على أنه لا يجوز في حالة إخراج الطفل أن تأمر بإخراج محاميه أو المراقب الاجتماعي.
كما لا يجوز لمحكمة الحكم بالإدانة إلا بعد إفهام الطفل بما تم في غيبته من إجراءات. وللمحكمة إعفاء الطفل من حضور المحاكمة بنفسه، إذا رأت أن مصلحته مقتضى ذلك. ويكتفى بحضور وليه أو وصيه نيابة عنه، وفي هذه الحالة يعتبر الحُكم حضوريًا.
توقيع العقوبة على الطفل في الجناية
وفق المادة 111، فإنه «لا يحكم بالإعدام ولا بالسجن المؤبد ولا بالسجن المشدد على المتهم الذي لم يجاوز سنة الثامنة عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة». وأشارت المادة إلى أنه مع عدم الإخلال بالمادة 17 عقوبات -الخاصة بتخفيف العقوبة- فإنه إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه 15 سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المشدد يحكم عليه بالسجن (يصل لـ15 سنة). وإذا كانت الجريمة عقوبتها السجن يحكم عليه بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر.
وأجازت المادة للمحكمة أن تستبدل عقوبة الحبس بالتدبير المنصوص عليه في البند 8 من المادة 101. وهو أن تحكم بإيداع المتهم إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
عقوبة الطفل في الجنح: إذا ارتكب الطفل الذي تجاوزت سنه 15 سنة جنحة معاقبًا عليها بالحبس جاز للمحكمة بدلاً من الحكم بالعقوبة المقررة لها أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها في البنود (5) و(6) و(8) من المادة (101) من هذا القانون. وهي: الاختبار القضائي أو العمل للمنفعة العامة بما لا يضر بصحة الطفل أو نفسيته. وتحدد اللائحة التنفيذية لهذا القانون أنواع هذا العمل وضوابطها. أو الإيداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
مكان احتجاز الأطفال: تلزم المادة 112 بعدم احتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع البالغين في مكان واحد. وأن يراعى في تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة. ووضع المشرع عقوبة الحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على سنتين. ذلك فضلاً عن غرامة لا تجاوز 5 آلاف جنيه على كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفلاً مع بالغ أو أكثر في مكان واحد.
استئناف أحكام محكمة الطفل: يكون استئناف الأحكام الصادرة من محكمة الطفل أمام محكمة استئنافية تشكل بكل محكمة ابتدائية من ثلاث قضاة، اثنان منهما على الأقل بدرجة رئيس محكمة.
أرقام صادمة عن الصعيد
منذ سنوات يعيش خط الصعيد حالة من التهميش. مئات الكيلومترات التي تفصل بينه وبين العاصمة هي ذاته المساحة الفاصلة بين ما تشهده القاهرة من حملات توعية وتثقيف وغيرها، وما تشهده محافظات الصعيد من إهمال وتهميش.
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تحتل محافظة سوهاج المركز الثاني في معدلات الفقر. وذلك بنسبة تبلغ 59.6% مقارنة بالمحافظات الأخرى. وهو ما يعني أنه على مدار 3 سنوات أو أكثر لم يتغير الحال كثيرًا في هذه المحافظة، التي تعد البوابة الاستراتيجية لتنمية جنوب مصر. بما تملكه من مقومات تنموية واستثمارية متنوعة.
يشير تقرير الجهاز المركزي إلى معدلات الأمية بالمحافظات عام 2017. وقد سجل الوجه القبلي أعلى نسبة أمية، بمعدل بلغ 37.2% فى المنيا، و35.9% في بني سويف، و34.6% فى أسيوط، و34% في الفيوم. بينما كانت النسبة 33.6% في سوهاج، فيما حققت أسوان أقل معدل 19.1%.
وفي الوجه البحري كانت أعلى نسبة في معدلات الأمية 32.9% في البحيرة، تليها بـ 28.5% كفرالشيخ، ثم بـ25.9% الشرقية. فيما سُجل أقل معدل 20.2% في محافظة دمياط.
أما المحافظات الحضرية، فقد سجلت الإسكندرية 19%، بينما وصلت نسبة الأمية في القاهرة إلى 16.2%. وفي السويس بلغت النسبة 15.3%. وجاءت بورسعيد بأقل معدل، بلغ 14.1%. فيما سجلت محافظات الحدود أقل المعدلات، مسجلة 12% في البحر الأحمر، و16.6% فى جنوب سيناء.
تتضح دلالة هذه الأرقام جليةً في معدلات البطالة والجريمة. وقد أرجع تقرير صادر عن وزارة الداخلية السبب وراء زيادة معدل الجرائم. فضلاً عن ظهور أنماط جديدة للجريمة، وسهولة تنفيذ البعض لجرائم السرقات إلى قصور المواطنين في وسائل تأمين ممتلكاتهم. إلى جانب غياب الوعي الاجتماعي والثقافي. وأيضًا ظهور أنماط جديدة للجريمة، والتأثيرات الناجمة عن الأعمال الفنية من الأفلام والمسلسلات.
الآباء.. المتهم الأول في جرائم الأطفال
وجه دكتور علم الاجتماع جمال فرويز أصابع الاتهام في الجرائم التي يرتكبها أطفال إلى الآباء وتغيبهم عن دورهم في توعية أطفالهم بالمقام الأول. موضحًا أنه في القرى وخاصة بقطاع الصعيد تزداد معدلات الإنجاب. ذلك على الرغم من الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها هذه المحافظات. اعتاد الآباء إنجاب الأطفال وتركهم خلفهم.
الآباء هم المتهم الأول في قائمة طويلة من المتهمين، تشمل: انتشار الأمية والبطالة وعدم وجود دور حقيقي للجمعيات الأهلية في التوعية. فضلاً عن غياب دور أجهزة الدولة.
يقول فرويز: “ذلك النوع من الجرائم يحتاج إلى نظرة أكثر قربًا للصعيد والوقوف على أزماته”. ومن وجهة نظره فإن الأسر لابد أن تحاسب على الجرائم التي يرتكبها الأطفال. فمن غير شك لو أن هناك متابعة من الأهل لأطفالهم لما انزلقوا إلى هذا النوع من الجرائم. لو أن الأب أو الأم يتابعان أطفالهم أولاً بأول لما وقعت جرائم. نحتاج إلى وقفة حقيقية وأن يتم تنظيم برامج توعوية خصيصًا للصعيد وأهله، كما يضيف دكتور علم الاجتماع.
وسائل التواصل الاجتماعي كذلك ليست بعيدة عن دائرة الاتهام. إذ يبدأ الأطفال في سن صغيرة متابعة منصات التواصل دونما أي رقابة من الوالدين أو المدرسة. هنا، يتحول الهاتف والتطبيقات الموجودة عليه إلى المعلم والقائد لأطفال لم يصلوا بعد المرحلة السنية التي تسمح لهم بالحكم على الأمور، نسبة إلى معرفتهم وإدراكهم.
ويشير «فرويز» أيضًا إلى غياب الوازع الديني، فيقول: منذ سنوات نطالب بتغيير الخطاب الديني. ففي الصعيد خاصة يعاني الناس من أفكار مختلفة، في ظل غياب المتابعة الدقيقة لهذه الأفكار. جريمة «طفلة سوهاج» مرشحة للتكرار مرارًا في حال استمر غياب الوازع الديني. يجب أن تكون هناك خطوات واضحة العالم نحو تنمية الصعيد في مختلف المجالات.
في جرائم الأطفال.. الجميع مخطئ إلا مرتكبوها
يرى هاني هلال، أمين الائتلاف المصري لحقوق الطفل، أن الجميع مقصر في هذا النوع من الجرائم. خاصة لأنها تقع في الجزء المهمش والواقع من حسابات الدولة والجمعيات الحقوقية -من وجهة نظره- والطفل هنا ليس مجرمًا بقدر كونه ضحية ثقافة ووعي غائب، يشترك الجميع في وصوله إليه.
يقول هلال: «بلا شك الطفل مرتكب الجريمة رأى أو سمع عن الجنس ولم يجد من يعطيه معلومات صحيحة حوله، هنا يبرز غياب الوعي والثقافة. هذه نتيجة متوقعة منذ سنوات».
يطالب هلال بضرورة أن تتضمن الاسترتيجية الوطنية لحقوق الإنسان المقرر تطبيقها العام المقبل، نشر الثقافة والتوعية والاهتمام بالإنسان. إذ أنه دون الإنسان لا سبيل لتجاوز مثل هذه الأزمات. مشددًا على ضرورة تسليط الضوء أكثر عن المسكوت عنه في الصعيد، وطرح القضايا المغلقة والانتهاكات الجنسية التي تحدث، ويتم التكتم عليها، خوفًا من الفضيحة والعار.
كذلك، ينادي بضرورة أن يتم تدريس مادة عن الثقافة الجنسية في المدارس والجامعات. إذ بات ضروريًا في ظل ما تشهد الحياة من تطور ألا يتم التعامل مع الثقافة الجنسية وكأنها فعل إباحي. فهي فعل إنساني وطبيعي لاستمرار الحياة، ولا يمكن الاستمرار في تجاهله. وعلى المؤسسة الدينية أن تفتح عقلها على الحديث عن الثقافة الجنسية، حتى لا تتكرر مثل هذه الأزمات والحوادث.