قررت نيابة جنوب القاهرة الكلية 8 نوفمبر إخلاء سبيل الأستاذ أحمد حلمي المحامي من سرايا  النيابة، وذلك بعد التحقيق معه بخصوص المذكرة المرسلة من السيد المستشار رئيس محكمة جنايات الإرهاب، وذلك بزعم مخالفة الأستاذ المحامي لقواعد الترافع، بأن طلب عدم إثبات الأسماء بشكل تهكمي، كما ذكرت المذكرة أنه علق على أداء النيابة في التحقيقات بأسلوب به استخفاف وتهكم.

ولما كان المحامي في أدائه لمهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره الحر المستقل واستقلالية المحاماة باعتبارها مستمدة من طبيعة وظيفته الاجتماعية كمشارك للقضاء في إقامة العدل تعني حرية ممارسته لمهنته واستقلاليته في آلية الدفاع عن موكله، يمكن القول إن أهم معوقات استقلال المحاماة هو انتهاك حقوق الإنسان وتغييب الديمقراطية وحكم القانون فالتربة الخصبة لسيادة القانون وضمان استقلال ركني العدالة القضاء والمحاماة هو حماية حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادتهما سيادة لدعائم العدالة.

وقد قضت بشأن ضمانة الحق في الدفاع المحكمة الدستورية العليا في القضية ١٩٨ لسنة ٢٠ ق – دستورية – على أن الناس لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في النفاذ إلى قاضيهم الطبيعي، ولا في نطاق القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم الخصومات القضائية المتماثلة، ولا في فعالية ضمانة حق الدفاع التي يكفلها الدستور أو المشرع للحقوق التي يدعونها، ولا في اقتضائها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروط طلبها … بل يجب أن يكون للحقوق عينها قواعد موحدة سواء في مجال التداعي بشأنها أو الدفاع عنها.

نقابة المحامين
نقابة المحامين

وقد سبق أن أثارت مرافعة الأستاذ فريد الديب حال ترافعه عن الرئيس المعزول محمد حسني مبارك في أعقاب ثورة يناير ضجة على كافة الأصعدة، إذ أنه قد استفاض في دفاع كثير ضد ثورة 25 يناير 2011، ووصفها بالمؤامرة وليس بالثورة، وقد طالب الكثيرون حينها تقديمه للمحاكمة أو تقديم بلاغات ضده على أساس اتهامه للشعب المصري، وقد استدعى ذلك حينها طرح السؤال المهم عن مدى أحقية المحامي فيما يبديه من دفوع في سبيل الفوز بالبراءة لموكله، وهل من حقه التقليل من شأن الآخرين أو الحط من قدرهم، أو تشويه إنجازاتهم ، وربما كيل الاتهامات لخصومه في سبيل تبرئه موكله، أو النيل منهم بألفاظ قاسية وربما جارحة أحيانا، ولكن كانت الغلبة لصالح أن الحق في الدفاع حق كفله له القانون من ممارسة حقه في الدفاع عن موكله باعتبار المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وتأكيد سيادة القانون في كفالة حق الدفاع عن المتهم، ويمارس الدفاع هذا الحق في استقلال تام ولا سلطان عليه في ذلك الا ضميره وأحكام القانون، حيث يقر نص المادة – 47 – من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 وتعديلاته، أن للمحامي الحق أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله، وألا يكون مسئولا عما يورده في مرافعته الشفهية أو في مذكراته المكتوبة، ولا يقيد حق المحامي في دفاعه سوى أن يكون ما أبداه من دفاع يستلزمه حق الدفاع ، ولا يمثل ذلك إخلالا بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية، ويؤكد قانون المحاماة على حق المحامي في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب.

ومن زاوية النصوص فنجد أنه على المستوى الحقوقي، فقد أكدت المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين، التي اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، والذي عُقد في هافانا بتاريخ 27 أغسطس سنة 1990 أن هناك ضمانات للمحامي أثناء تأدية عمله، أهمها أن تكفل الحكومات للمحامين القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق، عدم تعريضهم ولا التهديد بتعريضهم، للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية والاقتصادية وغيرها نتيجة قيامهم بعمل يتفق مع واجبات ومعايير وآداب المهنة المعترف بها، وأن يتمتع المحامون بالحصانة المدنية والجنائية بالنسبة للتصريحات التي يدلون بها بنية حسنة، سواء كان ذلك في مرافعاتهم المكتوبة أو الشفهية أو لدى مثولهم أمام المحاكم أو غيرها من السلطات التنفيذية أو الإدارية.

وتلك المبادئ لا تخرج عما أقره الدستور المصري من مبادئ ذات صلة بحق الدفاع منها نص المادة 98 بأن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول. واستقلال المحاماة وحماية حقوقها ضمان لكفالة حق الدفاع، كما أقرت المادة 198 على أن يتمتع المحامون جميعاً أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التي تقررت لهم في القانون مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال. ويحظر في غير حالات التلبس القبض على المحامي أو احتجازه أثناء مباشرته حق الدفاع.

يقر نص المادة – 47 – من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 وتعديلاته، أن للمحامي الحق أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله، وألا يكون مسئولا عما يورده في مرافعته الشفهية أو في مذكراته المكتوبة، ولا يقيد حق المحامي في دفاعه سوى أن يكون ما أبداه من دفاع يستلزمه حق الدفاع ، ولا يمثل ذلك إخلالا بأحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية، ويؤكد قانون المحاماة على حق المحامي في أن يعامل من المحاكم وسائر الجهات التي يحضر أمامها بالاحترام الواجب.

ويعد الحق في الدفاع من أهم ركائز المحاكمات العادلة، إذ لا تتحقق فاعلية العدالة والغاية من المحاكمات إلا بضمان حماية الحق في الدفاع وكفالة حرية المدافع في القول والمرافعة وعدم جواز مؤاخذته عما يبديه أمام المحكمة أثناء مرافعته، أذ يمثل الحق في الدفاع ضمانة لحسن سير مرفق العدالة ويدعم الحق في التقاضي بشكل عام، ولكن إذا ما تم تكبيله بالعديد من القيود، أو عدم إتاحة الفرصة للمحامين في الترافع وحمايتهم من الناحية الواقعية من المؤاخذة بما يقولونه أثناء ممارستهم لواجبهم في الدفاع فإن ذلك يعد إرهاقا لحقوق الأفراد ذاتهم في الحصول على المحاكمات العادلة والمنصفة، وهي غاية المحاكمات ذاتها، إذ أن التقاضي ذاته دون حماية حقوق المحامين في أداء أعمالهم بحرية يكون مبتوراً وقاصراً عن تحقيق غايته، وهو الأمر الذي يخل بهيبة القضاء أمام المتقاضين، ولا يحقق الغاية من وجوده. وفي هذا المعنى قالت محكمة النقض المصرية في حكمها رقم 20238 لسنة 84 قضائية أن حق المتهم في الدفاع عن نفسه أصبح حقاً مقدساً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً إدانة بريء.

فلابد إذن من إتاحة ذلك الحق بكل ما تعنيه كلمة إتاحة أمام جميع الهيئات القضائية، ولا يمكن التعلل بالتقليل من شأنه بكثرة عدد القضايا، أو قلة عدد المحاكم أو القضاة، إذ أن المحاكمة وخصوصاً الجنائية منها لا تستقيم ولا تصح دون وجود لحق الدفاع بشكل كاف لتحقيق قيمة العدالة نفسها.