مثّلت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. لحظة قصوى ومحتدمة من التصعيد في سياق محلي وإقليمي معقد ومتشابك يقع العراق تحت وطأته.

السيناريو الأقرب والمحتمل الذي تشكل سريعاً وبصورة تلقائية إثر الإعلان عن عملية الاغتيال الفاشلة بواسطة الطائرات المسيرة. هو تورط القوى السياسية والطائفية الشيعية المرتبطة بإيران في الحادث. لا سيما بعد خسارة تحالف “الفتح” بقيادة هادي العمري الفادحة والمدوية بالانتخابات التشريعية.

منزل الكاظمي الذي تعرض للهجوم المباغت بواسطة طائرة مسيرة. يقع في المنطقة الخضراء في بغداد ضمن منازل أخرى لمسؤولين حكوميين وأمنيين. فضلاً عن مقر الحكومة العراقية، والسفارة الأمريكية، والعديد من البعثات الدبلوماسية. غير أن الرسالة المفخخة التي حملتها تلك المحاولة في المنطقة المحصنة أمنيًا. هي الإعلان عن تمرد السلاح المتفلت بيد العناصر الميلشياوية. والدخول في عمليات انتقامية مع مؤسسات الدولة. بعد التهديدات المتواصلة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات. ومن ثم، محاولة التأثير على أي مفاوضات بشأن محادثات تشكيل الحكومة القادمة.

مصطفى الكاظمي
مصطفى الكاظمي

رئيس الحكومة العراقي الذي انتقل من منصبه الأمني باعتباره مديراً لجهاز المخابرات إلى رئاسة الحكومة. بعد عملية اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني ورئيس هيئة الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، في مطار بغداد.  في ذروة التصعيد الخشن بين إيران والولايات المتحدة، أثناء فترة دونالد ترامب. لا يراوح مكانه في دائرة اتهامات القوى المسلحة المدعومة من إيران. ومثلما اتهمت الأخيرة “أصابع محلية” بالوقوف وراء تزوير الانتخابات بالتعاون مع “أطراف خارجية. سبق وأن ألمحت بنفس الصيغة إلى تعاون الكاظمي مع واشنطن في تسهيل عملية اغتيال القياديين بالحرس الثوري.

تهديدات عصائب أهل الحق

ولا تعدو عملية استهداف الكاظمي أمراً جديداً أو عرضياً. حيث إنه قبل تنفيذ الحادث أعلنت المنصة الإعلامية لعصائب أهل الحق “صابرين نيوز”. عن معلومات شخصية تخص مسؤولين أمنيين في المنطقة الخضراء. ومن بين هذه المعلومات تفاصيل تتصل بصورهم وعناوين منازلهم. بل إنهم طالبوا المحتجين والفصائل المحتشدة عند أطراف تلك المنطقة بالانتقام و”الثأر”.

وظهر قائد “العصائب” قيس الخزعلي في مقطع فيديو. وهو يطالب بالثأر من “دم الشهداء”. وقال بلهجة تحذيرية في بيان: ستتحملون مسؤولية دم الشهداء. كان للمحتجين مطلب واحد ضد الانتخابات المزورة. والرد بالرصاص الحي يعني أنكم المسؤولون عن هذا التزوير. والثأر لدم الشهداء هو مسؤوليتنا وسنحاكمك”.

زيارة قائد فيلق القدس إلى العراق

وفي أعقاب ذلك الحادث. قام قائد فيلق القدس قاسم قاآني بزيارة إلى العراق. في محاولة لضبط الأوضاع. حيث التقى قادة الفصائل المسلحة والمجموعات الولائية. ونبذ القائد العسكري الإيراني التصعيد مع الحكومة العراقي. بل طالب بقبول نتائج الانتخابات.

وكالة “مهر” الإيرانية. نفلت عن مصادر أن القائد في الحرس الثوري أكد على ضرورة “الابتعاد عن أي عمل يهدد أمن العراق”. وشدد على ضرورة تلبية مطالب الشعب والمعترضين بشكل قانوني.

وقالت وكالة الأنباء العراقية إن “قاآني وصل (الاثنين) الماضي إلى بغداد، وذهب مباشرة إلى مكتب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والتقى به”. وتابعت: “الاجتماع ركز على محاولة اغتيال الكاظمي، وأبلغه قاآني بأن سياسة التهديد التي يتعرض لها لا تمثل طهران، ولن تتبنى إيران ذلك”.

وتشير المصادر الصحفية إلى أن قاآني ذهب بعد الاجتماع مع الكاظمي والتقى مجموعة من قادة الفصائل المسلحة وزعماء سياسيين.. وأبلغهم بضرورة التهدئة وعدم الذهاب باتجاه التصعيد. كما التقى قائد فيلق القدس، زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، وشدد على ضرورة بذل جهوده للتهدئة.

احتجاجات على نتائج الانتخابات في العراق
احتجاجات على نتائج الانتخابات في العراق

التحقيق في قتل المتظاهرين

وإلى ذلك، أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي القاضي الدكتور فائق زيدان الخميس. أن تزوير الانتخابات لم يثبت إلى الآن.  مشيراً إلى استمرار التحقيق في ملفي محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي واستهداف المتظاهرين في محيط الخضراء.

وقال زيدان، في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية، إن تزوير الانتخابات إلى الآن لم يثبت بدليل قانوني. مضيفاً أن التحقيق بقتلة المتظاهرين في محيط المنطقة الخضراء الجمعة الماضي مستمر وبانتظار انتهاء أعمال اللجنة التحقيقية التي شكلها رئيس الوزراء لعرضها على الهيئة القضائية.

وأوضح أن ملف التحقيق بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لدى اللجنة المشكلة من قبل رئيس الوزراء. ولم يعرض إلى الآن على القضاء ولا يزال في مراحله الأول.

وخلال لقاء صحفي غير رسمي. أجاب السكرتير الصحفي للبنتاجون، جون كيربي. على أسئلة بخصوص زيارة وفد الكونجرس الأمريكي إلى تايوان وهجمات الطائرات المسيرة في العراق.

واشنطن توجه الاتهامات لطهران

وقال كيربي إن وزارة الدفاع الأمريكية “تفترض” أن الميليشيات المدعومة من إيران شنت هجمات في العراق وحوله. ووقعت عدة هجمات كان آخرها محاولة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي، الأحد الماضي، حين هاجمت طائرات مسيرة مقر إقامة رئيس الوزراء في بغداد.

وأضاف كيربي: هذه الهجمات ترتكب من قبل جماعات الميليشيات المدعومة من إيران. ولديهم إمكانية الوصول إلى الموارد، والأدوات القاتلة لتنفيذ هذه الهجمات”.

وأوضح كيربي: لا يمكنني التحدث بدقة كبيرة عن توقيت هذه الهجمات ولماذا تحدث. في أوقات معينة. على عكس أوقات أخرى.

وتابع: كل ما يمكنني قوله هو أننا نركز على التهديد. إنه ليس مجرد تهديد لنا. بل لشركائنا العراقيين كما اتضح من الهجوم على رئيس الوزراء (العراقي). ونحن نأخذ ذلك على محمل الجد”.

خلافات الفصائل الموالية لإيران

ثمة تحليل لافت يشير إلى حدوث فجوة بين المجموعات الولائية والحرس الثوري الإيراني. بعد اغتيال سليماني، الذي شكل مقتله وغيابة فراغاً هائلاً. بينما تظهر القوى المسلحة العراقية الشيعية تمرداً بين الحين والآخر على طهران، بل وخروج عن طواعيتها. لا سيما بعد مطالبات عديدة تم الإعلان عنها من قبل النظام في طهران بضرورة تخفيض التوتر مع الحكومة وعدم استهداف المصالحة الأمريكية. استجابة للمحادثات النووية في فيينا، وذلك في توقيتات محددة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.

ووفقاً لوكالة رويترز. فقد ساندت إيران فصائل كبيرة مثل كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وعصائب أهل الحق. وكلها فصائل قادرة على نشر آلاف من المقاتلين المسلحين. وتتمتع بوضع شبه رسمي وذلك للمساعدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “دعش”. غير أن قادة فصائل قالوا إن المسؤولين في طهران أصبحوا، بعد مقتل سليماني وبعد الربط علناً بين المتظاهرين المحتجين على الفصائل وبين إيران، يرتابون في بعض الفصائل التي تعهدوها بالرعاية وتراجع دعمهم لها.

وقال أحد القادة، بحسب “رويترز”: اعتقدوا أن تسريبات من إحدى الفصائل ساعدت في التسبب في مقتل سليماني. ورأوا انقسامات على مصالح شخصية ونفوذ فيما بينها. وقال آخر تراجعت الاجتماعات والاتصالات بيننا وبين الإيرانيين. لم نعد نعقد اجتماعات منتظمة وتوقفوا هم عن دعوتنا إلى إيران”.

هجمات الميليشيات 

ويشير الباحث في معهد واشنطن مايكل نايتس إلى أنه في 31 أكتوبر الماضي. أطلقت أربعة صواريخ في بغداد. سقطت جميعها قرب مبنى جهاز المخابرات الوطني العراقي. تحت قيادة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي. واتجهت الاتهامات نحو ميليشيا (عصائب أهل الحق)، التي كانت الخاسر الأساسي في الانتخابات التشريعية، التي أجريت مطلع الشهر الماضي.

وفي 29 يوليو الماضي، استهدف صاروخان الموقع نفسه، في وقت كان الكاظمي قد أنهى لتوه جولة “الحوار الإستراتيجي”، في واشنطن، وذلك في إشارة إلى خيبة أمل الميليشيات إزاء عدم التوصل إلى اتفاق حول انسحاب القوات الأميركية والدولية بالكامل من البلاد.

ويتابع نايتس: “أطلق الصاروخان من موقع قريب من شارع فلسطين، على الجانب الشرقي من نهر دجلة في منطقة خاضعة لسيطرة ميليشيا (كتائب حزب الله). ولم تنشر شبكة (صابرين نيوز) وفريق (كوثريون) والوسائل الإعلامية الأخرى تفاصيل عن الحادثة. وتزامن ذلك مع زيارة قائد (فيلق القدس)، التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، العراق، لجهة حض الميليشيات على تقييد عملياتها المناهضة للولايات المتحدة، والقبول بتبديل المهمة ظاهرياً إلى عملية: “غير قتالية”.

وأفادت التقارير أن الهجوم الصاروخي، نهاية الشهر الماضي؛ قد تزامن وزيارة رئيس الحكومة العراقي لـجهاز المخابرات الوطني العراقي. ورغم أن هذه المزاعم ليست صحيحة، بحسب الباحث في معهد واشنطن. فإن الحادث يشكل مثالاً جديدًا عن إرهاب المقاومة ضد مؤسسة وطنية عراقية تعتبر من أبرز المساهمين في القتال ضد تنظيم (داعش). ويردف: تعتبر المقاومة جهاز المخابرات الوطني، دائرة الدعم الأساسية لـلكاظمي، وتحاول ممارسة الضغط للطعن في نتائج الانتخابات، التي تجد فيها مؤامرة تشمل الكاظمي و”جهاز المخابرات الوطني العراقي وقوى خارجية”.

ونفذت الميلشيات عدة هجمات على جهاز المخابرات العراقي، خلال العام. ومن بينها اغتيال الضابط، محمود ليث محمد، مارس 2021. لكن عملية الاغتيال الفاشلة جاءت “بعد وقت قصير من نقل الكاظمي، 300 ضابط عينتهم المقاومة، ولا سيما (عصائب أهل الحق)، من مقر جهاز المخابرات إلى مواقع بعيدة. وفي 15 مارس، هددت الميليشيا بـ”إذلال الكاظمي وهزيمته”. يقول نايتس.