تفاقمت أزمة نقص الأسمدة في المحافظات المصرية. مع إحجام الشركات المنتجة في توفير طلبيات الجمعيات الزراعية للضغط على وزارة الزراعة من أجل تحريك سعر التوريد الذي يناهز 3 آلاف جنيه للطن.
تورد الشركات المنتجة الأسمدة نحو 55٪ من إنتاجها لوزارة الزراعة بسعر تحدده الأخيرة مقابل إمدادها بالغاز الطبيعي. على أن تتولى بيع النسبة المتبقية في السوق الحرة أو التصدير للخارج.
شهدت أسعار الأسمدة عالميا قفزات ضخمة مع أزمة ارتفاع أسعار الطاقة. وتوقفت بعض الشركات الكبرى عن العمل في خضم أزمة كورونا. ما جعل سعر الطن عالميا يعادل نحو 14 ألف جنيه. ما يعني أن الشركات تورد للحكومة بسعر يقل بـ10 آلاف جنيه للطن الواحد.
وطالبت جمعية موزعي الأسمدة بزيادة الدعم المقدم لأسعار الأسمدة من 3 آلاف جنيه للطن. إلى 6 آلاف جنيه. للقضاء على ظاهرة وجود سوقين للسماد أحدهما في الجمعيات الزراعية والأخرى سوداء وصل فيها سعر الطن إلى 10 آلاف جنيه ببعض المحافظات.
تباع شيكارة السماد المدعمة في الجمعيات بسعر 160 جنيها. وكانت تباع في الوقت ذاته في السوق الحرة بنحو 220 جنيها قبل أن تقفز إلى 450 جنيها. مع تنامي الطلب من قبل المزارعين لتوفير احتياجات الموسم الشتوي الذي يتضمن محاصيل استراتيجية في مقدمتها القمح، وبنجر السكر.
مع ارتفاع الأسعار قلل المزارعون الكميات المطلوبة لفدان القمح من 3 أجولة إلى جوال واحد. ما يهدد الإنتاجية. وبعضهم غير من المحاصيل الاستراتيجية لأخري واعتمد على السماد العضوي في التسميد.
السيد القصير، وزير الزراعة، قال في تصريحات صحفية. إن الاستهلاك المحلي لا يتجاوز 60٪ من الإنتاج. معتبرا أزمة الأسمدة عالميا مع نقص الإنتاج على مستوى العالم لإغلاق عدد كبير من مصانع الأسمدة أبان جائحة كورونا.
رسم الصادرات
وكانت وزيرة التجارة والصناعة. أصدرت قراراً، في يونيو الماضي. بتعديل رسم الصادر على صادرات الأسمدة الأزوتية بواقع 2500 جنيه للطن لمدة عام. ينتهي في يونيو 2022 لكنه لم يعد مجديا. أمام الارتفاع الكبير للسعر حتى بعد إضافة قيمة الرسم ذو ربحية كبيرة للشركات.
ويوجد في مصر 17 شركة لتصنيع الأسمدة الزراعية بمختلف أنواعها. في مقدمتها الأزوتية والنيتروجين، أشهرها أبو قير وأبو زعبل. التي تورد إنتاجها للجمعيات مقابل الحصول على الغاز الطبيعي بسعر تفضيلي.
تشتكي الشركات حاليا. من ارتفاع تكاليف الإنتاج وفي مقدمتها الغاز الطبيعي الذي ارتفعت أسعار توريده الشهر الماضي بنسبة 28٪.
يقول منتجو الأسمدة، في مؤتمر «الزراعة والغذاء» الذي تم تنظيمه أمس السبت. إن رفع سعر الغاز يجعل الشركات تخسر في الطن الواحد. حال توريده لوزارة الزراعة بالأسعار الحالية (3 آلاف جنيه) نحو 550 جنيها للطن الواحد.
وقال المهندس محمد الخشن، رئيس جمعية موزعي الأسمدة، في كلمته خلال المؤتمر. إن سبب الأزمة وجود سعرين لسلعة واحدة. مطالبا بوضع حلول جذرية لحماية الصناعة والاستثمار والفلاح لمضاعفة سعر التوريد لوزارة الزراعة.
يختلف تأثر الشركات برفع أسعار الغاز بحسب طبيعة الإنتاج فشركة مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو-. قالت إنه لا تأثير على منتجات الشركة بعد رفع سعر الغاز الطبيعي المورد. بينما قالت الشركة المالية الصناعية أنه يؤثر على تكلفة إنتاج السماد المحبب بنسبة 10%. موضحة أن ذاك النوع من السماد يمثل 40٪ من إنتاجها.
لجنة حكومية
شكلت الحكومة لجنة من عدة وزارات لمراجعة أسعار الأسمدة في السوق المحلية. التي توردها المصانع لوزارة الزراعة. لبحث تحريك أسعار توريد الشركات للجمعيات بعد مطالبات بزيادة الأسعار لتتماشى مع ارتفاع التكلفة والسعر العالمي.
أصدرت وزارة الزراعة تعليمات للمديريات بصرف نصف حصة الأسمدة لمن لا يملك كارت الفلاح مؤقتا، وعدم صرف باقى الحصة إلا بعد الحصول على الكارت. والأمر ذاته بالنسبة للأراضي المنزرعة خارج الزمام بشرط عدم وجود مخالفات مع جهة الولاية.
يرجع الفلاحون المشكلة إلى رغبة الشركات المنتجة في تحقيق الربحية على حساب المزارع المصري. وأن منظومة التوزيع تعاني منذ عقود من تعدد القرارات الخاصة بالتوزيع. بين التعاونيات والبنك الزراعي والجمعيات الزراعية، قبل أن تنفرد الأخيرة بالتوزيع.
تستهلك مصر سنوياً ما يقرب من 15 مليون طن من مختلف أنواع الأسمدة. بينما يتم إنتاج 22 مليون طن، موزعة بين “نترات -يوريا” 12 مليون طن. والفوسفات بنحو 6 ملايين طن. والبوتاسيوم بنحو 250 ألف طن..
اعتبر النائبان مجدي ملك وحسب عبدالوهاب، عضو لجنة الزراعة والري في مجلس النواب. البيانات المتضاربة حول أزمة الأسمدة دليل علي وجود عشوائية إدارية.
وطالب النائبان بمراجعة الكميات التي سيتم تصديرها. بجانب تغيير منظومة النقل التي تراخت على توصيل الحصص المخصصة للجمعيات.
وجاءت الأزمة رغم تطبيق الكارت الذكي الذي يوفر للمزارع صرف ودفع أقساطه سواء لبنك التنمية أو الجمعيات. ويتيح للوزارة معرفة المحصول الذي زرعه الفلاح ومكان زراعته. ما يساعدها علي اتخاذ القرار المناسب في مواجهة أي طارئ.
مشكلة المديونية
يقول عطية صلاح، مزارع من الغربية. إنه اضطر للاستدانة من أجل توفير احتياجات الفدان الذي يملكه من الأسمدة، التي قفزت من 480 جنيها إلى 1350 جنيها.
حال استخدام الفلاحين الكميات المعتادة ترتفع تكلفة الزراعة. ويفتح المجال أمام تعثر بعضهم في سداد مديونيات البنك الزراعي. خاصة أن بعضهم يحصل على قروض من البنك على أن يتم السداد بعد بيع المحصول.
يضيف صلاح أن العائد من الزراعة لم يعد مجديا مع ارتفاع أسعار الحرث والري والأسمدة والعمالة الزراعية التي تجعل المزارع يزرع دون مقابل مجد.
يزيد سعر طن الأسمدة، كلما ابتعدت المحافظة عن مناطق الإنتاج الرئيسية التي تتركز في دمياط والإسكندرية، بسبب تكلفة النقل، فطن اليوريا ارتفع في السوق الحرة إلى 10 آلاف جنيه بمحافظة أسوان، ما يعادل 500 جنيه الشيكارة الواحدة.
تزيد المعاناة بالنسبة لملاك محاصيل الفاكهة الذين لا يمكنهم الاعتماد فقط على الأسمدة التقليدية مثل النترات واليوريا. فالمحصول يحتاج إلى مواد، مثل البوتاسيوم الذي قفز سعر الطن منه، بنحو 45% إلى 13 ألف جنيه.
وأكدت نقابة الفلاحين أن الأسمدة ضرورية لتعظيم إنتاجية المحاصيل الشتوية الاستراتيجية مثل القمح والذرة وقصب السكر. وأن استمرار نقص الأسمدة يسمح بازدياد السوق السوداء وإضافة أعباء جديدة على المزارعين.
يقول نادي عزام، الخبير الاقتصادي. إن حل مشكلة الأسمدة يتطلب زيادة دعم الدولة للشركات المنتجة عبر تخفيض سعر الغاز ومنع التصدير إلا بعد توريد الكميات التي يحتاجها المزارعون.
يوضح عزام أن توفير الاحتياجات المحلية والتصدير معا يحقق مصلحة المزارع في سماد معقول التكلفة. والشركات في تجنب الخساَرة، ويسمح للاقتصاد المحلي بتحقيق عائد تصديري يناهز 2.5 مليار دولار، بعد الارتفاعات الأخيرة في السوق العالمية.