يُجسّد الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة، والذي جرى يومي 8 و9 نوفمبر الماضيين. المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطاني الراحل ونستون تشرتشل “في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم.. هناك مصالح دائمة”.

بدا ذلك جليًا في لهجة الخطاب الودية التي اتبعها وزيرا خارجين البلدين أمام كاميرات الإعلام. حيث التأكيد على الصداقة القديمة بينهما وليس بلديهما فحسب. رغم الفتور الذي شهدته العلاقة عقب تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، مقارنة بعلاقة سلفه ترامب بحاكم القاهرة.

رغم ذلك، يظل ملف حقوق الإنسان هو الأكثر حضورًا لدى جماعات الضغط والمعنيين بالملف المصري. والذين يستمرون في إصدار التقارير حول الحالة الحقوقية في مصر. والضغط على الإدارة الأمريكية لتحث نظيرتها المصرية على المزيد من الإصلاحات.

تراجع الحقوق أمام المكاسب

رغم تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في بداية ولايته، بأنه سيركز على ملف حقوق الإنسان. إلا أن الدور المصري في الملفات الحيوية في الشرق الأوسط. مثل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، والانتخابات الليبية، ومجريات الأمور في السودان. دفعت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن تعنتها الحقوقي.

بدا ذلك جليًا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة. فبينما فشلت العديد من المساعي الدولية -من ضمنها الولايات المتحدة- لوقف إطلاق النار. استطاع القائمون على ملف النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي بجهاز المخابرات المصري. التوسط بين الطرفين لإنهاء تراشق الصواريخ الذي استمر لاثني عشر يومًا.

بعدها، شهدت القاهرة أول اتصالات الرئيس بايدن. الذي هاتف الرئيس عبد الفتاح السيسي ليومين متتاليين، رغم امتناعه في الشهور الخمس الأولى منذ توليه.

السجل الحقوقي

كان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد براكس. أكد أنه “جرى البحث في حقوق الإنسان في مصر خلال الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري”. مضيفا: “أوضحنا للقادة المصريين في السابق خطوات محددة يجب اتخاذها على مستوى حقوق الإنسان”. مع الإشارة إلى أن “حقوق الإنسان دائما على الطاولة عندما نتحدث مع المسؤولين المصريين”.

وقبيل انطلاق جلسات الحوار، أرسلت “مجموعة العمل المعنية بمصر”. وهي مجموعة من خبراء الشؤون الخارجية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تشكلت في عام 2010. رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، لحثّه وفريقه على “الحديث بصراحة عن سجل مصر المروع في مجال حقوق الإنسان”.

ووفق الرسالة، طُلب من بلينكن أن يضغط على الوفد المصري “بشأن الحاجة الملحة لإجراء تحسينات ذات مغزى”.

وانتقدت المجموعة ما وصفته بـ “قمع المشاركة السياسية السلمية، وقمع الانتقادات بشدة حتى ولو كانت معتدلة، بما في ذلك من خلال الاستخدام المنهجي لعنف الدولة”.

وعددت المجموعة نقاط الانتهاكات. منها “قيام الأجهزة الأمنية بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القضاء ضد المعارضين. وأحكام الإعدام والسجن المشددة في محاكمات تفتقر إلى أبسط عناصر الإجراءات القانونية الواجبة”.

وأضافت: “يعاني المعتقلون السياسيون من الاختفاء القسري، والتعذيب والإهمال الطبي المتعمد، والحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى والوفاة في الحجز. بينما تحافظ الأجهزة الأمنية على وسائل الإعلام والمجتمع المدني تحت رقابة مشددة.

يعاني المعتقلون السياسيون من الاختفاء القسري والتعذيب والإهمال الطبي المتعمد والحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى

سلوك غير مقبول

أشارت المجموعة كذلك في خطابها إلى قيام الحكومة المصرية بـ”حجب مئات المواقع دون أساس قانوني. بما في ذلك موقع الحرة الذي تموله الحكومة الأمريكية”. واعتقال المدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين، والمدونين، والعلماء، والباحثين، والناشطين. وقمع منظمات المجتمع المدني”.

وادعت المجموعة أنه “لا يُعفى المواطنون الأمريكيون والمقيمون بشكل شرعي من المعاملة القاسية في مصر. تعرضوا للإعدام في الحجز والاعتقال والسجن لأسباب سياسية. حتى أن النظام احتجز أفراد عائلات المواطنين الأمريكيين كشكل من أشكال الضغط”.

وأشارت إلى أن هذا “سلوك غير مقبول من دولة تسميها إدارة بايدن بـ”الشريك الحيوي”.

ورغم الخطوات الأخيرة التي قامت بها الحكومة المصرية تجاه تحسين الملف الحقوقي. مثل إلغاء حالة الطوارئ في البلاد، وإعلان الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان. وجعل عام 2022 عامًا للمجتمع المدني. لكن المجموعة أشارت إلى أن ما صاحب ذلك من تعديل بعض القوانين، أفرغ تلك القرارات من مضمون حقيقي.

ووصف الموقعون على الرسالة، وهم باحثون بشؤون الشرق الأوسط. الخطوات المصرية بأنها “استراتيجية تجميلية من غير المرجح أن تؤدي إلى تحسين وضع حقوق الإنسان في البلاد”.

مطالب حقوقية

في ختام الرسالة، دعت المجموعة الإدارة الأمريكية إلى “الضغط على مصر لإجراء إصلاحات جوهرية في مجال حقوق الإنسان”. عبر الالتزامات التي تم التأكيد عليها في المذكرات التي قدمتها المنظمات غير الحكومية والعديد من الحكومات. أثناء عملية المراجعة الدورية الشاملة في مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة العام الماضي.

وأضافت: “يجب أن تشكل الأساس لحوار شامل حول ممارسات حقوق الإنسان في مصر. كما تتداخل هذه الالتزامات مع الأولويات العاجلة التي حددتها المنظمات الحقوقية المصرية”.

وتشمل الأولويات إطلاق سراح السجناء السياسيين. وقف الاعتقالات خارج نطاق القانون. مراجعة أحكام الإعدام. وقف الملاحقات الجنائية لنشطاء حقوق الإنسان. تعديل قانون الأحوال الشخصية. عدم حظر المواقع. إنهاء استخدام الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء.

وتشمل الأولويات كذلك ما وصفته المجموعة بـ”وقف قمع المجتمعات المهمشة. بما في ذلك الأشخاص والنساء والأقليات الدينية من مجتمع الميم، والنساء، والأقليات الدينية. والقضاء على انتشار التعذيب داخل السجون المصرية.

 

مطالبة بالتحسينات

نتيجة لمثل الخطاب السابق، وتماشيًا مع المبدأ الأساسي في العلاقات الخارجية لإدارة بايدن حول إظهار حقوق الإنسان في التعاملات مع الدول الحليفة. بدا أن المناقشات بين الوفدين لم تحظ بالسلاسة نفسها بشأن الملف الحقوقي. حيث أشار وزير الخارجية الأمريكي إلى ختام الحوار مع استمرار المناقشات بين الوفدين فيما يخص حقوق الإنسان.

في الوقت نفسه، أوضح أن بلاده “ترحب ترحيبًا حارًا” بإطلاق مصر لاستراتيجية وطنية لحقوق الإنسان. وقال: “نحن ملتزمون بالعمل معًا لتحقيق الأهداف الرئيسية. مثل إصلاح أنظمة الاحتجاز السابقة للمحاكمة. وحماية الحق في حرية الصحافة وحرية التعبير”.

وأشار إلى أن هناك المزيد من المجالات التي يمكن فيها اتخاذ خطوات إيجابية بالنسبة لقضايا أخرى مثيرة للقلق. وأن إجراء تحسينات ملموسة ودائمة على حقوق الإنسان أمر ضروري أيضًا لتعزيز العلاقات الثنائية.

وأكد أن الولايات المتحدة “ستواصل دعم هذه الجهود بأي طريقة ممكنة”.

مواصلة الحوار

أمّا الخارجية المصرية. فقد قالت في بيانها الرسمي إن الجانبان أجريا “حوار بناء” حول حقوق الإنسان والحريات الأساسية. بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية، وحرية التعبير، ومكافحة العنصرية. وتمكين المرأة، والحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. كما شمل الحوار موضوعات حقوق الإنسان في المحافل متعددة الأطراف.

واستطرد بيان الخارجية: “رحبت مصر بانتخاب الولايات المتحدة بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ورحبت الولايات المتحدة بالاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان وكذلك بالخطط الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان في البلاد بالتعاون مع المجتمع المدني، وقد اتفق الجانبان على مواصلة الحوار حول حقوق الإنسان”.

وأوضح سامح شكري، وزير الخارجية المصري، أنه “إذا كان هناك درس يمكن تعلمه من الأحداث في السنوات الأخيرة. فهو أن هناك حاجة مستمرة للتأمل المتبادل فيما يتعلق بالتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا”. حسب حديثه للصحفيين في غرفة بنجامين فرانكلين بمبنى الخارجية الأمريكية.

وأشار وزير الخارجية إلى أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تم إطلاقها مؤخرًا بتأييد رئاسي. تم تطويرها من خلال عملية استشارية واسعة النطاق. بمشاركة نشطة من أصحاب المصلحة المجتمعيين. وأوضح أن قرار الرئيس السيسي الشهر الماضي بإنهاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء مصر “دليل قاطع على عزمنا على مواصلة شق طريقنا نحو دولة ديمقراطية حديثة. ولصالح مواطنينا أولاً وقبل كل شيء”.

وردًا على التقارير الحقوقية، أكد شكري أنه “يجب الاعتراف بأن الأمر متروك في النهاية للشعب المصري، ليقرر بنفسه ما يريده فيما يتعلق بالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي من شأنه أن يضمن ويعزز رفاهية المواطنين المصريين”.