لا يزال مصير عشرة مواطنين مصريين نوبيين مجهولا، في ظل غياب الشفافية في إجراءات المحاكمة التي تقام ضدهم في المملكة العربية السعودية. وسط اتهامات للسفارة المصرية بالرياض بالتخاذل.
كانت أولى جلسات محاكمة 10 نوبيين مصريين في السعودية، الأربعاء الماضي، على خلفية تنظيم مؤتمر عام 2019 لتكريم أبطال النوبة في حرب أكتوبر عام 1973. وضعوا خلاله مجموعة من المشاركين في الحرب من أصل نوبي أعلاهم رتبة المشير طنطاوي، وزير الدفاع الراحل باعتباره أحد أبناء النوبة. وصورا لشخصيات أخرى مثل الصول أحمد إدريس صاحب فكرة الشفرة النوبية التي استخدمت في الحرب.
ورغم الإفراج عن المحتجزين الـ 10 بعد شهرين من احتجازهم على ذمة القضية. فاجأت السلطات السعودية المواطنين العشرة بمعاودة القبض عليهم في 14 يوليو 2020 وبعد 4 شهور من القبض عليهم. تم نقلهم من سجن الحائر في مدينة الرياض، إلى سجن عسير في مدينة أبها.
والمواطنون المصريون المعتقلون هم، عادل سيد إبراهيم فقير، رئيس الجالية النوبية الحالي في مدينة الرياض، وفرج الله أحمد يوسف، رئيس الجالية النوبية السابق في مدينة الرياض. ورئيس الأسرة النوبية، وجمال عبد الله مصري، رئيس جمعية قرية دهميت النوبية في الرياض. وأعضاء جمعية قرية دهميت محمد فتح الله جمعة، وهاشم شاطر، وعلي جمعة علي، وصالح جمعة أحمد، وعبد السلام جمعة علي. وعبد الله جمعة علي، بالإضافة إلى وائل أحمد حسن، عضو جمعية قرية توماس النوبية في الرياض.
النوبيين العشرة.. بلاغ كيدي
يروي أحد أبناء المواطنين المعتقلين في السعودية – طلب عدم ذكر اسمه – أن أغلب المحتجزين من كبار السن. والذين عاشوا في البلاد لثلاثين عاما، وأكثر، ويعملون مع الحكومة هناك، سواء مستشارين، أو غيره. كما أن المسألة لم تتخط أي قوانين معروفة، إذ أن الأسر والروابط النوبية معروفة في السعودية منذ الستينات. وعلى رأسها جمعية أبوسمبل، ونشاطها ثقافي بحت، يخص كل ما هو نوبي فقط، وغير مسيس.
أما خلفية القضية فيرجعها الابن إلى خلافات جرت بين أحد أعضاء الأسرة النوبية، وباقي الأعضاء، إذ أراد هذا الشخص تحويل الفاعلية المقررة إلى فاعلية سياسية كبيرة تقام في أحد القاعات. ولكن أعضاء الأسرة رفضوا تسييس الأمر، أو المبالغة فيه، والاكتفاء بإقامة ندوة ثقافية- تراثية لا سياسية في مقر الجمعية النوبية. وعلى أثر ذلك قام هذا الشخص بتهديد الأعضاء باللجوء إلى الأمن المصري، والسعودي، في حال قاموا بالإعلان عن الفاعلية دون موافقة على برنامجها وقد كان.
تجاهل السفارة المصرية للقضية
وعن دور السفارة المصرية في المسألة فيحكي الابن: “لجأنا إلى السفارة منذ البداية وتوسمنا فيها خيرا على اعتبار أن أغلب المقبوض عليهم هم أصدقاء لموظفي السفارة منذ عقود. ولكن حتى الناحية الإنسانية تم تجاهلها من قبل المسؤولين هناك”.
يستطرد الابن بمرارة: “مع بداية الأزمة تبرأت السفارة من المواطنين العشرة، في بيان رسمي، على اعتبار مخالفتهم للقانون. رغم أنه لا يعفيها من متابعة القضية، ثم عندما استفسرنا عن المحاكمة أنكرت السفارة تماما وجود أي محاكمة. رغم الشروع فيها” قائلين “لو في محاكمة كنا عرفنا”.
أما الصالون المعني بالفاعلية فهو نشاط ثقافي تابع لجمعية الأسرة النوبية يقام فيه كل شهر ندوة منذ العام 2016. فالأمر ليس بجديد على السلطات هناك، كما ان الأسرة النوبية نفسها تعمل منذ السبعينات. وقد حصلت على موافقة موثقة بنشاطها من قبل السفارة المصرية نفسها.
كما ان رئيس الأسرة عادل فقير تم دعوته من قبل السفارة قبل شهرين من القبض عليه كرئيس للأسرة النوبية في الرياض. بمناسبة الاحتفال بثورة يوليو 1952، ما يعني اعتراف واضح بنشاط الأسرة، التي انكرت السفارة عملها لاحقا خلال أزمة القضية.
وتابع: ” فضلا عن ذلك لم تقم السفارة بتعيين محامي للدفاع عن المواطنين من طرفها، كما تجاهلت طلب الأسر بالحصول على نسخة من لائحة الاتهامات. ولم تحاول تقديم أي مساعدة، وعلى أثر ذلك انتدبت المحكمة محامي من جهتها” واصفا التجربة بالأسوأ في محاولة التواصل والمتابعة مع السفارة.
وقد علمت الأسرة أن التأجيل الأخير للمحاكمة جاء بناء على طلب المحامي الذي لم يسبق أن قابل المعتقلين. أو اطلع على مستندات القضية كما هو متعارف عليه، وقد قام المواطنين المصريين العشرة بتسليمه مذكرات دفاع تخصهم، فطالب بالتأجيل للنظر فيها، ودراسة الأوراق.
إدانات حقوقية
كان عدد من المنظمات الحقوقية المصرية قد أصدروا بيانا في يوليو الماضي في ذكرى مرور عام على اعتقال النوبيين العشرة. انتقدوا فيه موقف القنصلية المصرية بالسعودية والتي أصدرت بيان تنصلت فيه بشكل غير مباشر من مسؤوليتها عن المقبوض عليهم. وتقاعسها عن التدخل بشكل مباشر وواضح للإفراج عنهم أو حتى تقديم الدعم القانوني لهم.
وعلى مستوى الجهات الرسمية الأخرى يقول الابن: “لم نترك بابا إلا وطرقناه من وزارة الهجرة إلى الخارجية. وحتى النواب النوبيين في المجلس السابق والحالي وجميعهم تجاهلوا قلقنا المشروع إزاء المعتقلين” مستدركا: “لم نجد استجابة حقيقية من أيا من الأطراف سوى النائب السابق محمد أنور السادات الذي وعد بمحاولة الوساطة والحل.
ويقول الابن “حتى الآن لم يتم إعلامنا بلائحة الاتهامات، والقضية يشوبها الكثير من عدم الشفافية. ففي حال كان الاتهام الاجتماع دون ترخيص كما أعلنت السلطات في المرة الأولى وهو الاتهام الذي يوجب الغرامة. فلماذا يتم تحويل القضية في المرة الثانية إلى المحكمة الجزائية المتخصصة والمعنية بقضايا الإرهاب والمبالغة في التنكيل بالمعتقلين”.
جدير بالذكر أن المحكمة الجزائية المتخصصة هي محكمة استثنائية وضع أسسها ولي العهد محمد بن سلمان تحظى بالعديد من الانتقادات الدولية. نتيجة غياب الشفافية عن إجراءاتها، كما أن مواد القانون، والعقوبات التي تعمل بناء عليه غير واضحة.
تصعيد غير منطقي وغياب الضمانات
ما بين القبضة الأولى والثانية حدث تصعيد غير منطقي وغير مفهوم، ففي المرة الأولى تم الاتصال على المعتقلين ثم القبض عليهم بهدوء. أما في المرة الثانية وبعد اخلاء سبيلهم فقد تم اعتقالهم بطريقة يحدها العديد من الانتهاكات منها الادعاء بأنهم من الفرق الطبية. ثم اقتحام منازلهم وتفتيشها ومصادرة مختلف الأجهزة الالكترونية الخاصة بهم، وفقا للابن.
استنكرت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية استمرار احتجاز المعتقلين العشرة ومحاكمتهم أمام المحكمة المختصة بقضايا الإرهاب. وتابعت المنظمات في بيان لها، أول أمس، موضحة “نرفض محاكمتهم في غياب محاميهم، ودون اطلاعهم على لائحة الاتهامات الموجهة إليهم/ منتقدين موقف القنصلية المصرية هناك”.
وقالت المنظمات إن المحاكمة تفتقر للحد الأدنى من ضمانات المحاكمات العادلة. إذ تم حرمان المتهمين من الحق في توكيل محام، منذ لحظة القبض عليهم وطوال مدة استجوابهم.
قلق بشأن الوضع الصحي للمعتقلين
وفي مطلع الشهر الجاري طالبت منظمة العفو الدولية السعودية، بإطلاق سراح النوبيين العشرة المعتقلين فورًا. حيث اعتبرتهم المنظمة محبوسين فقط لممارستهم حقوقهم الإنسانية، وقالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “إنه لأمر مثير للسخرية أن تحتجز السلطات السعودية هؤلاء الرجال النوبيين المصريين لمدة 16 شهراً تقريباً. وتحاكمهم الآن لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير في محاولة تنظيم فاعلية مجتمعية”.
فهؤلاء الرجال مقيمون منذ فترة طويلة في السعودية، وينظمون فعاليات لإحياء الذكرى كل عام دون مشاكل. وما كان ينبغي أبدا أن يُعتقلوا أصلاً، ويجب إطلاق سراحهم فوراً”.
وقالت المنظمة “لم يتم احتجاز هؤلاء الرجال بشكل غير قانوني فحسب، بل منعوا أيضاً من الاتصال بعائلتهم بشكل منتظم. ولم يُسمح لهم سوى بالوصول إلى المحامين المعينين من قبل الحكومة، في حين أن اثنين منهم. على الأقل، من كبار السن، وفي حالة صحية غير جيدة. ويجب على السلطات السعودية ضمان تلقيهم، بشكل كامل. للرعاية الطبية، وحصولهم على محامين من اختيارهم، وتمكّنهم من الاتصال المنتظم بعائلاتهم”.
وكان أحد المعتقلين وهو الرئيس السابق للأسرة النوبية فرج الله أحمد يوسف ويبلغ 64 عاما ويعمل مستشارا للآثار والسياحة لدى الحكومة السعودية. تعرض لوعكة صحية بعد إصابته للقدم السكري نتيجة الأساور الحديدية، ولم يتم علاجه خلال فترة اعتقاله الأولى. فأجري له العديد من العمليات الجراحية نتيجة المرض، كما تم إلقاء القبض عليه قبل تمام شفائه، وقد عبرت أسرته عن قلقها إزاء وضعه الصحي مرارا.