بلباس أبيه وكثير من الغموض، أطلَّ سيف الإسلام القذافي على الليبيين من داخل لجنة انتخابية، وهو يعلن عن رغبته في استعادة عرش الزعيم الراحل، محدثًا ارتباكًا في المشهد الانتخابي المعقَّد بطبيعة الحال.
ظهر سيف القذافي بحديثٍ مقتضب ومخيف، قوبل بصمت رسمي وسياسي، واعتراف المفوضية العليا للانتخابات باستيفاء شروط الترشح، تاركًا سيلاً من الأسئلة عن قانونية خوضه السباق الانتخابي، وكيفية تفاعله مع بقية المكونات، لاسيما مع غموض مشروعه السياسي، أو حتى بين أنصاره الذين ربما ينقسمون حول عديد المترشحين من بني جلدتهم.
هذا المشهد المرتبك يترك عدة سيناريوهات، إما إحالة ليبيا إلى حرب ضروس بدت ملامحها فور ظهوره، من خلال آليات عسكرية استعرضت قوتها في المنطقة الغربية، أو رفض ترشحه في مرحلة الطعون والذهاب إلى الانتخابات بأقل الخسائر، أو توفيق أوضاعه القانونية وخوضه غمار معركة غير معروف عواقبها.
* الظهور الأول.. شيء من سيرة القذافي الأب
بعيون تلتفت يمينًا ويسارًا، إمّا ترقبٌ وقلقٌ، أو ثقة مَنْ عاد لينتقم، كأنّ شريط ذكريات عشر سنوات، خاصة عامها الأول، أعيد أمام أعينه في لجنة الإدارة الانتخابية بمدينة سبها، بدا نجل القذافي غامضًا في أدق التفاصيل، لكنَّ ملامحه تحدثت عن كثير من شخصيته.
المشهد الأول في ظهور سيف الإسلام، ارتداؤه لباس أبيه المعتاد، خاصة خلال خطابه الشهير لأنصاره في 2011، حين كان يتوعد بملاحقة المحتجين: «بيت بيت.. دار دار.. زنقة زنقة». وداخل اللجنة الانتخابية التزم سيف الصمت التام، سوى نظرات تجوب المكان يتخللها تفكير، ثم التعبير عن تملمه من حديث أحد الموجودين، يستغرب برفع حاجبه، ويردد: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، ثم يواصل التوقيع على أوراق الترشح.
وينتقل بعدها لمشهد تنظيمي كما هو مقرر أن يتحدث المرشح من داخل المقر الانتخابي بخطاب للشعب، اكتفى القذافي الابن بكلمات قرآنية: «ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.. والله غالب على أمره ولو كره الكافرون»، ثم غادر المشهد مؤقتًا.
لم يتحدث نجل العقيد عن أي شيء، لا برنامج انتخابي، ولا خطوات قادمة، لا الماضي الأليم ولا المستقبل (غير المعروف). لكن كلماته ونظراته واستنكاره تشير إلى أن الرجل يستوحي كثيرًا من أبيه، أو يرى مَخَائِل من شباب أبيه، باعتباره مفكرًا سيُوسِّع على البشرية ضيقًا. وعندما تحدث القذافي بين يدي الثورة عن الخارجين عليه لم يرهم إلا جرذانًا، ها هو نجله يستعين بكلمات قرآنية ضد الكفار، أيُّ كفار يقصدهم السيف، ليس معروفًا.
https://www.youtube.com/watch?v=ZOK5EMaekJQ
صمت سياسي.. وموقف المفوضية
ورغم أنّ خطوة سيف القذافي متوقعة، لكن ربما كان السياسيون يقولون لعله يمزح، أو لن يغامر، غير أنه فعلها فالتزم الجميع الصمت، ليس معروفًا هل هو صمت الصدمة أو الحيرة أم ترتيب الأوراق، هل يُجمّع نجل العقيد الراحل أبناء فبراير في جبهة مقابلة لأبناء سبتمبر؟ الواضح أن الموقف المعلن الوحيد هو استيفاء الرجل شروط الترشح التي أقرها قانون الانتخابات الصادر عن مجلس النواب.
اقرأ أيضًا| ليبيا.. ماذا تعني عودة سيف القذافي؟
جاء ذلك في بيان للمفوضية العليا للانتخابات التي قالت إن سيف القذافي، تقدم بمستندات ترشحه لمكتب الإدارة الانتخابية سبها، مستكملاً جميع المسوغات القانونية، وبذلك أصبح لدى المفوضية مرشحان اثنان فقط للرئاسة حتى الآن، بالإضافة إلى عبدالحكيم بعيو الذي قدم ملفات إلى مكتب الإدارة الانتخابية في مدينة طرابلس.
المنطقة الغربية: الحرب بديلة للانتخابات
الموقف الآخر المعلن، جاء عبر مكونات اجتماعية من المنطقة الغربية، خرجت في بيانات فردية يتلوها بضعة أفراد أمام الكاميرا يقولون إنهم لن يقبلوا ترشح نجل القذافي للانتخابات الرئاسية، وأن المقار الانتخابية باتت مغلقة لحين رفض أوراق ترشح سيف والمشير خليفة حفتر.
البيان الأقل حدة، جاء على لسان مجلس أعيان مصراتة، الذي رفض إجراء انتخابات دون التوافق على قاعدة دستورية، في إشارة لرفض قانون الانتخابات. ودعا إلى تنظيم تظاهرات «بهدف إفشال المؤامرة»، التي تتمثل في ترشح «من استخدم القوة المفرطة في مواجهة ثورة الشعب الليبي».
اقرأ أيضًا| 5 مشاهد قد تجعل الانتخابات الليبية “وجبة حرب”
لكن الموقف الأكثر تطرفًا جاء من مدينة الزاوية، حين قال بيان صادر عن من يطلقون على أنفسهم «قادة وثوار الزاوية»: إن الانتخابات بشكلها الحالي ستقود إلى «حرب لا نعرف مداها ونتائجها وستكون حربًا ضروسًا لا تبقي ولا تذر»، وأنهم «لن يسمحوا بفتح المراكز الانتخابية داخل المدينة».
وفي الزنتان، كانت اللقطة الأكثر خوفًا على المسار السياسي، حين جابت آليات عسكرية تحمل لافتات: 17 فبراير باقية.. نعم للانتخابات لا لترشح سيف، انتهى العرض العسكري ببيان لم يقل في لهجته المهددة بالحرب من بيان الزاوية، باعتبار أن رد الفعل على ترشح نجل القذافي هو الحرب لا غيرها.
من أمّن سيف القذافي إلى لجنة سبها؟
المشهد الأخير في ظهور سيف القذافي في سبها، طبيعة القوات التي حرستها إلى اللجنة الانتخابية ثم العودة إلى مكانه الآمن في الجنوب. الصور التي نشرتها مفوضية الانتخابات تظهر ضابطًا يقف خلف سيف، ظهر في السابق خلف رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة خلال زيارته الأخير إلى مدينة سبها.
لكن مقاطع مصورة جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي- لم نتحقق من صحتها- تظهر رتلاً عسكريًا قيل إنه يحمي سيف القذافي خلال انتقاله إلى لجنة سبها الانتخابية، وتردد أن هذه القوات التي بدت أنها شبه نظامية تتبع كتيبة أبو بكر الصديق التي كانت في السابق مسؤولة عن حراسة سيف في محبسه بالزنتان، قبل أن يصدر آمر المنطقة العسكرية الغربية العميد إدريس مادي قراراً بحل الكتيبة في يونيو 2017.
أيًا كانت الجهة التي تحمي سيف القذافي حاليًا، فإن جهة النقطة ليست ذات أهمية باعتبار أن قبيلة القذاذفة نفسها لا تزال تمتلك قوات قادرة على التواجد في المشهد العسكري بليبيا، بيد أنه لا يمكن إنكار حالة الحضانة السياسية والأمنية لنجل القذافي باعتباره يتمتع بحقوق كاملة وغير مدان.
* هل يصلح سيف القذافي لخوض الانتخابات؟
الجدل الأهم الآن، هل بات سيف القذافي يتمتع بالحق القانوني الذي يسمح له بالترشح للانتخابات دون أن يكون عُرضة للطعن في الداخل أو ملاحقة جنائية بالخارج. بالإضافة إلى القاعدة الجماهيرية، ومواقفه السياسية، في مقابل منافسين آخرين، هل تعطي سيف رقمًا ثقيلاً في المعادلة؟
الموقف القانوني
من الناحية القانونية، يشترط قانون انتخاب رئيس الدولة أن يقدم المرشح إقرارًا بعدم صدور حكم نهائي في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، وأن يرفق الإقرار بشهادة الحالة الجنائية، وهو ما قدّمه سيف القذافي ضمن حزمة الأوراق التي تضمنت أيضًا تزكيات الترشح للمنصب. وتنص شروط الترشُّح على منصب رئيس الدولة، التي نشرتها المفوضية العليا للانتخابات، أن يُزكَّى من عدد لا يقل عن 5 آلاف ناخب مسجلين بقاعدة بيانات تسجيل الناخبين.
اتهم سيف القذافي بارتكاب جرائم حرب، خلال انتفاضة 2011، بعدما أُلقي القبض عليه نوفمبر من العام نفسه، عندما كان يحاول الهروب إلى خارج ليبيا. بعدها ظهر سيف في قفص الاتهام برفقة 36 مسؤولًا سابقًا في نظام القذافي، انتهت بإصدار محكمة جنوب طرابلس في يوليو 2015، أحكامًا بالإعدام بحق المتهمين في القضية.
واستأنف نجل القذافي والمتهمون الآخرون على الحكم أمام المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية في ليبيا)، والتي أصدرت في 27 مايو الماضي، قرارًا بإلغاء الحكم وأمرت بإعادة محاكمة المتهمين مرة أخرى، وبالتالي فإن سيف غير مدان بجريمة حتى الآن، وهو ما يتفق مع نص قانون الانتخابات.
لكن المعضلة ربما تأتي من المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب منذ القبض عليه السلطات الليبية بتسلمية، لخضوعه للمحاكمة أمامها على جرائم حرب وانتهاكات جسيمة خلال الانتفاضة الشعبية، لكن ليبيا تقول إنها المسؤولة عن محاكمة مواطنيها وترفض دائمًا تسلميه.
القانونيون الليبيون يرون أن موقف سيف سليم من الناحية القانونية، لكونه مشمول بقانون العفو عن رموز النظام السابق الصادر عن مجلس النواب. لكن وزير العدل بحكومة الوفاق السابقة، قال إن بنود القانون لا تنطبق على سيف القذافي، وبرر ذلك بأن القانون اشترط التعهد المكتوب بالتوبة، وعدم العودة للإجرام، والتصالح مع المجني عليه وعفو ولي الدم، وهو ما لم يفعله سيف الإسلام، وتلك معضلة أخرى قد تسمح بإعادة سيف إلى السجن بعدما أفرج عنه في يونيو 2017، عملاً بقانون العفو العام.
القاعدة الشعبية
لا ينكر أي متابع للمشهد الليبي حاليًا أن صوت أبناء سبتمبر، أنصار القذافي، تزايد خلال الفترة الماضية، ومعهم قطاع عريض ناقم على فبراير ومآلاتها، والحروب التي أنهكت الدولة خلال السنوات الماضية، وهو ما خلق حالة شعبية داعمة لنجل العقيد الراحل، وهو ما يتسق مع تعليقات البعض بأنه «في ليبيا الممزقة ربما لو عاد القذافي الأب من قبره يحكم، بعد عشر سنوات دامية حكمت فيها الميليشيات والمرتزقة البلاد».
يمتلك سيف القذافي ظهيرًا جماهيريًا رئيسيًا عبر «التيار الأخضر»، الذي أعاد إحيائه على مدار السنوات الماضية، وهو يمتد من زليتن شرقًا مرورًا بالخمس وقصر خيار والقره بوللي غربا، وهي مساحة جغرافية تمثل كتلة تصويتية لا يُستهان بها. كما يضمن الرجل ولاء قبائل القذاذفة والورفلة والمقارحة، بالإضافة إلى قبائل ورشفانة (جنوب طرابلس) وبعض قبائل الجبل الغربي مثل الصيعان والعربان. ووفق «نيويورك تايمز»، تشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا إلى أن قطاعًا عريضًا من الليبيين – بنسبة 57% في منطقة واحدة – قد عبّروا عن ثقتهم بسيف الإسلام.
هذا القطاع العريض إذا ما وضع بجوار فئة كبيرة ناقمة على أحداث 2011 بعدما كانوا أنصارها، فإن نجل القذافي يبقى رقمًا رئيسيا في الانتخابات إذا تسنى خوضها، فقطعا سيعبر إلى مرحلة الإعادة، ووقتها ستكون فرصته كبيرة لاستعادة مقعد الرئاسة.
للاطلاع على قانون انتخاب رئيس الدولة في ليبيا اضغط هنا
الخريطة السياسية
بنظرة ثاقبة إلى الخريطة السياسية، فإن سيف القذافي يبدو الأكثر اقترابًا من الجميع، فمن جهة يمتلك أنصارًا في الشرق رئيسيين، فإنه كوّن على مدار السنوات الماضية حلفاء بالمنطقة الغربية، وهو ما أسفر عن عملية إفراج منظمة عن رموز نظام أبيه خلال الأشهر الماضية، فيما يتردد عن علاقة سيف برئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة. أما المنطقة الجنوبية فهي أكثر المناطق المضمونة للرجل على مستوى الكتل التصويتية.
وبذلك يكون سيف قد فكك جبهة المنافس الرئيس لدى أنصار النظام السابق، وهو المشير خليفة حفتر قائد قوات شرق ليبيا، الذي تجمّع حوله في مرحلة ما أنصار النظام السابق، لكنّ إخفاقاته العسكرية، لاسيما فشله في السيطرة على مناطق الغرب، أفقدته هذا الزخم، وأظهرت تلك الأطراف الموالية للنظام السابق تململاً من فكرة استمرار دعم الجنرال، بعدما كان اسمه مرشحًا بقوة لتولي الحكم.
اقرأ أيضًا| هل تستطيع ليبيا انتخاب الرئيس؟
حاولت روسيا أن توفق بين حفتر وسيف، لتوحيد صفهما لكنها فشلت، بحسب وكالة «بلومبرغ»، التي نقلت عن ثلاثة أشخاص على دراية بالمحادثة، بأن موسكو سهلت في أواخر 2018، مكالمة هاتفية بين حفتر وسيف الإسلام، لمحاولة التوافق بينهما، لكن لم تسر الأمور على ما يرام. بيد أن الغريب أن سيف نقل للروس مدى ازدرائه لحفتر، وأخبرهم أن 80% من الذين يقاتلون إلى جانب حفتر موالون له.
* 4 أسئلة بإجابات افتراضية غير علنية
هذا المشهد الغامض، خلق أربعة أسئلة لم يجب عنها سيف الإسلام القذافي قبل التقدم بخطوات تدريجية نحو الحكم، مفادها: هل غيَّر سيف أفكاره تجاه معسكر فبراير؟ وما هو مشروعه الانتخابي؟ وما موقف النخبة الحالية من ترشحه (معسكري الشرق والغرب)، وكيف سيتعامل أنصار سبتمبر (النظام السابق) مع وجود أكثر من مرشح عنهم؟.
هل غيَّر سيف أفكاره تجاه معسكر فبراير؟
الواضح أن نجل العقيد الراحل لا يزال يتمسك بكامل موقفه تجاه الفبراريين، يستند في ذلك إلى عامل الزمن الذي منحه حق العودة بثقل فترة حرب دمرت ما تبقى من دولة كانت منهكة بطبيعة الحال، ففي حديثه مع «نيويورك تايمز» مؤخرًا ألمح سيف لهذا المشهد بقوله إن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا من وهْم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم. ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يصف تحوّله من أسير إلى أمير منتظر، فقال: هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي
يتزداد المشهد وضوحًا لدى إجابته على سؤال عما إذا كان يتعاطف بأي شكل من الأشكال مع المشاعر التي دفعت المتظاهرين للمطالبة بالتغيير العام 2011، فجاء ردّه قاطعًا: «هؤلاء كانوا أشرارًا وإرهابيين وشياطين». هنا يتضح لمن وجّه سيف كلماته القرآنية من مكتب سبها الانتخابي.
ما هو مشروع سيف الانتخابي؟
جاء سيف القذافي محمّلا بذاكرة ما قبل 2011، عندما روّج لمشروع تصحيحي، باعتباره يحمل فكرًا ديمقراطيًا. ورغم أن نجل العقيد الراحل لم يطرح أية مشروع انتخابي أمام الليبيين، لكن تصريحاته المتواترة توحي بأنه استدعى نسخة مشروع «ليبيا الغد» الذي أطلقه عام 2006، وهي الفكرة التي ساندها الشباب قبل سقوط النظام السابق، باعتبارها تمثل فكرة «الإصلاح من الداخل»، بدون خسائر.
اقرأ أيضًا| “العودة للملكية”.. هل تُخرج ليبيا من أزمتها؟
وعندما دشّن أنصاره حملات انتخابية افتراضيا عبر فضاء السوشيال ميديا، استحضروا هذا المشروع، الذي بدا للبعض منقذًا لسنوات هدر خيرات الليبين، من خلال النهوض بليبيا اقتصاديًا واجتماعيًا. وقتها كانت مهمة سيف الإسلام وفريقه الذي كوّنه من الشباب في مشروع «ليبيا الغد» تقديم مقترحات مشاريع للجهات المختصة. وبالفعل سلّم الفريق مقترحات بشأن مشاريع تنموية لمجلس التخطيط الوطني عام 2008، وتضم إقامة مشاريع سكنية وصحية وتعليمية، وفي مجال المواصلات والنقل والطاقة والاقتصاد والتبادل التجاري، وقدرت تكاليف تلك المشاريع بحوالي 200 مليار دولار.
ما يرشح هذا المشروع هو تقاطعه مع مشروع رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة، (ليبيا المستقبل)، الذي يتقاطع في الكثير منه مع مشروع سيف القذافي، وهو ما فتح الباب للحديث عن تحالف مبني على وحدة الهدف والإجراءات. يتقاطع ذلك مع الطفرة الإنشائية والتنموية التي بدأها الدبيبة خلال الأشهر الأخيرة، بالتوازي مع عودة الحديث مرة أخرى عن مشروع سيف وعقد بعض أنصاره لقاءات داخل ليبيا وخارجها لإحيائه، حيث تحدثت وسائل إعلام عن عقد لقاءات معلنة وأخرى سرية لفريق المشروع، وحضر أنصار سيف القذافي لقاءات وندوات وحلقات نقاش حول المشروع.
ما موقف النخبة الحالية من ترشح سيف؟
لم يتضح أي موقف رسمي لأيٍّ من النخب السياسية الموجودة حاليًا، لا بالقبول أو الرفض، سوى بعض التصريحات التي يُفهم منها أنَّ سيف مُرحَّب به سياسيًا، وإن كانت هذه المواقف في مراحل سابقة تغيرات معها الظروف والأحداث، ولعل أهمها موقف خليفة حفتر الذي سئل في لقاءات صحفية عن احتمالية ترشح نجل القذافي فأجاب بقوله: «ولمَ لا؟ إذا كان يريد لعب دور سياسي فلا مشكلة».
كما أن رئيس المجلس الرئاسي الحالي يمتلك رؤية لا تمانع من دور للنظام السابق، خاصة أن محمد المنفي هو الراعي الحصري لملف المصالحة مع رموز نظام القذافي وقاد مبادرة للإفراج عنهم خلال الأشهر الماضية، وعندما سئل في باريس قبل ساعات عن رأيه في ترشح سيف أجاب بشكل دبلوماسي يوحي بعدم ممانعة، حيث قال: «يجب ألا تكون هناك خلافات على المرشحين الذين تنطبق عليهم بنود القوانين الانتخابية، بمجرد الموافقة على ترشحهم»، وفق ما نقلت وكالة رويترز.
اقرأ أيضًا| ليبيا.. ماذا تعني إعادة إحياء عائلة القذافي؟
إجمالاً فإن أنصار فبراير يرون أن سيف القذافي سجل هدفًا في مرماهم بالوقت الضايع، والأجسام السياسية بالمنطقة الغربية الموالين لخليفة حفتر يتحسسون رؤوسهم وهم يفقدون الدعم الذي جرى تكوينه على مدار السنوات الماضية في مواجهة نظرائهم في المنطقة الغربية، وهو ما يعني أن سيف يبقى أكثر المؤهلين في الملعب المرتبك والمنقسم، إن لم تحدث صفقات تجمِّع مؤيدي 2011 في خانة واحدة.
كيف سيتعامل أنصار النظام السابق مع وجود أكثر من مرشح عنهم؟
الحديث هنا يدور حول نية الدكتور محمد الشريف أحد رموز النظام السابق الترشح للانتخابات الرئاسية، بعدما جرى رصد وصوله طرابلس قبل أيام قادمًا من الأدرن، بعدما غادر ليبيا منذ الإفراج عنه من سجن الهضبة عام 2016. والشريف الذي تولى منصب رئيس جمعية الدعوة الإسلامية ووزير التربية والتعليم في أوائل السبعينيات يتمتع بشعبية واسعة بين الليبيين، ومعروف بكونه شخصية معتدلة، ويكاد يكون الشخصية الوحيدة من أنصار النظام السابق الذي لا يكرهه أنصار فبراير، ويحظى بدعم تيار الإسلام السياسي، إضافة لبعض الأطراف في شرق ليبيا.
بخلاف الشريف، يبقى المرشحين عن المنطقة الشرقية ومن بينهم المشير خليفة حفتر واحدًا من الشخصيات التي ربما تفتت جبهة النظام السابق، وإن كان سيف القذافي هو الأكثر حظًا بين الجميع لدى أنصار سبتمبر.
* السيناريوهات المحتملة
إزاء ما سبق، فإن المشهد الليبي وصل مرحلة من التعقيد يصعب على الجميع التنبؤ بمستقبله، بيد أن الأحداث مرشحة للسير في 3 اتجاهات على النحو التالي:
– التحول إلى حرب أكثر ضراوة من سابقتها، وهو ما بدا من موقف المنطقة الغربية، التي بدأت تحشد عسكريًا لمنع سيف القذافي وخليفة حفتر، وهو ما يتسق مع حديث سابق لرئيس مجلس الدولة خالد المشري الذي قال: «إذا جاء حفتر رئيسًا فإن المنطقة الغربية ستقاوم بقوة السلاح»، هنا سيضيف إليه اسم سيف القذافي.
– رفض ترشيح سيف عبر مرحلة الطعون؛ وهنا يكون ترشحه من الأساس بهدف تمرير الانتخابات، حيث تتحول المعركة من تفاصيل قانونية إلى رفض ترشح سيف في حد ذاته، وفي تلك الحالة تكون الإطاحة بسيف هدف جماعي لمعسكري الشرق والغرب اللذين يرون في سيف مهددًا لفرصهما في الانتخابات.
اقرأ أيضًا| هل يحقق “القانون الأمريكي” استقرار ليبيا؟
– إيجاد مخرج قانوني يسمح بترشح سيف، وفرض سياسة الأمر الواقع، ومعاقبة معرقلي الانتخابات، وحماية نتائجها بآليات دولية استنادًا إلى «بيان باريس» الأخير، الذي نص صراحة على فرض عقوبات دولية على أي طرف سيعمل على عرقلة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد.