تستخدم نقابة المهن الموسيقية سلطة أبوية في ضبط سوق الغناء بمصر. في معركة تشبه إلى حد بعيد الصراع الحاصل بين جيلين؛ أحدهما يتمسك بما يراه قيمًا وجد عليها آباءه يستميت في الدفاع عنها. فيما ينظر الآخر إلى إمكانية الإضافة والتنقيح والتطوير لمواكبة العصر. وهي معركة أزلية وتتجدد على كافة الأصعدة.

منذ أن اعتلى «هاني شاكر» عرش نقابة المهن الموسيقية، وهو يلجأ إلى المنع والوقف والشطب لحل أزماته مع بعض الفنانين. وقد بدأ هذا بتأديب الفنانين الأجانب الذي يقيمون حفلات في مصر يرتدون فيها ملابس -من وجهة نظره- تجرح الذوق العام المصري، إلى أن وصل لمعركته مع مطربي المهرجانات.

يرى هاني شاكر فيما يقدمه مطربو المهرجانات ترويجًا للإسفاف والانهيار الأخلاقي. وأنه المسؤول عن الزود عن الذوق العام ومشاعر الجمهور العربي والمصري. حتى وإن كان تشارك مع أحمد سعد في أغنية شعبية، تحت اسم «يا بخته». يراها «دمّها خفيف وكلماتها سهلة ومعبرة جدًا».

 

أصدر هاني شاكر في 2020 قرارًا بمنع كل مطربي المهرجانات من مزاولة المهنة. وطالب البواخر السياحية والفنادق بعدم التعاون معهم. في البدء، اعتبر البعض أن ما يحدث من هاني شاكر ليس إلا محاولة ترويض للجيل الجديد الذي وجد لنفسه مساحة خاصة خارج إطار النقابة. لذا كان لابد وبشكل حتمي أن يشهر سلاح الوقف والشطب والمنع في وجه الجميع بلا استثناء.

استمر السجال بين مطربي المهرجانات ونقابة المهن الموسيقية أو بالأحرى هاني شاكر. حتى وصل إلى شطب عضوية حسن شاكوش من نقابة المهن الموسيقية. وذلك على خلفية خلافه مع المطرب الشعبي رضا البحراوي.

 

https://www.youtube.com/watch?v=lmtfIF_qErg

أوضح نقيب المهن الموسيقية هاني شاكر، أن سبب منع حسن شاكوش من الغناء هو استخدامه ألفاظًا خارجة أثناء تواجده على خشبة المسرح. وأن القرار جاء بإجماع مجلس إدارة نقابة المهن الموسيقية.

وقال شاكر: «بمنتهى الصراحة موضوع حسن شاكوش دا واللي صدر ضده من قرار الإيقاف بسبب التطاول الغريب والكلام الغريب اللي قاله في إحدى حفلاته. وهو كلام إباحي يعاقب عليه القانون».

كل جديد يهاجم.. صراع الحداثة والقدم في الغناء

يقول الناقد الفني، خالد شاهين، إن المعركة بين نقابة المهن الموسيقية ومطربي المهرجانات تشبه إلى حد كبير الصراع القائم بين الحداثة والقدم. مثالاً على ذلك، عندما ظهر أحمد عدوية مقدمًا لونًا جديدًا من الموسيقى والكلمات مختلف بشكل كبير عن الذي كان موجودًا في ذلك الوقت.

«السح الدح أمبو» كانت ثورة في عالم الأغنية المصرية. وقد تعرضت لهجوم كبير في ذلك الوقت، ولم ينصرها سوى الزمن. الآن عدوية أحد أكبر مطربي الأغنية الشعبية في مصر والعالم العربي.

يرى شاهين، في تصريحه لـ«مصر360» أن نقابة المهن الموسيقية مطالبة باحتواء هؤلاء الشباب، ووضع ضوابط لهم. ويضيف أن هذه الضوابط لن يعترض أحد عليها في حال وضعت بشكل محدد وواضح.

الدور التنظيمي الغائب عن النقابة

المهرجان والراب في سياق واحد يعتمد كليهما على أداء مختلف وكلمات مختلفة. البعض منهم يخرج عن القواعد العامة. لكنهم مؤهلين لأن يلتزموا بالقواعد في حال تم تسوية الخلافات مع النقابة، وفق شاهين، الذي يتساءل عن موقف هؤلاء في حال تم منعهم، وضمانة رد فعلهم. ناصحًا بأن يتم التعامل مع مؤديي المهرجان والتراب بشكل مختلف عن المعتاد.

وفق شاهين، النقابة دورها في الأساس تنظيم عمل الفنانين وتهيئة بيئة صالحة لخروج أجيال ومواهب جديدة. لكن ما يحدث غير ذلك تمامًا. لا نسمع عن النقابة سوى في الأزمات فقط. وخاصة مع مطربي المهرجانات والتراب. يجب أن يتخطى دور النقابة ما هو أكبر من مجرد المراقبة دون ترشيد وتوجيه وتدريب هؤلاء الشباب.

ويقترح شاهين أن يتبع نظام جديد في التعامل معهم ولو تضمن ذلك دورات تدريبية وورش عمل للشباب الجدد من مؤديي المهرجانات والتراب. وذلك في سبيل تعريفهم بالقواعد الواجب توافرها حتى يسمح لهم بالغناء. لا أن يتم منع بعضهم هكذا. لأن الأزمة ستبقى ولو بشكل خفي.

النقابة لا تقبل تجاوز الخطوط الحمراء

يقول علاء عامر، المستشار القانوني لنقابة المهن الموسيقية، إن النقابة قررت أن تقف بالمرصاد لكل من يحاول أن يتجاوز الخطوط الحمراء المتعارف عليها في المجتمع المصري. ولن يتم التجاوز عن أخطاء الشباب لمجرد أنهم شباب. فهناك قواعد عامة أخلاقية يجب الالتزام بها.

«اعتاد مؤديو الراب أن يحصلوا على تصريح اليوم الواحد حتى يتمكنوا من الظهور في الحفلات الغنائية، لكن لم يخضعوا لاختبارات بشكل أو بآخر».

ويرى المستشار القانوني لنقابة المهن الموسيقية، في حديثه لـ«مصر360»، أن ما يحدث هو تعدي أخلاقي وديني في المقام الأول. وحسب وصفه هناك «غزو أخلاقي وديني» بشكل ممنهج. وذلك يلزمه أن يلتزم الجميع بقواعد لا يجب الخروج عنها بأي حال.

النقابة تفتح أبوابها للجميع، وليس هناك تحيز ضد فن معين، ولكن لا يمكن السكوت عن أية محاولات تمس القواعد الأخلاقية والمجتمعية، كما يقول عامر.

يضيف عامر أن البعض يزعم أن مروان لم يتفوه بتلك الكلمات، ولماذا يعاقب. ببساطة لأن الحفلة على أرض مصر وعلى اسم مروان بابلو. كان يجب عليه الاعتذار في حينها أو الاعتذار بعد الحفلة. لكن أن تمر الأزمة مرور الكرام، فهذا غير ممكن. أما الأمر بالنسبة لحسن شاكوش فهو أخلاقي. لا يجوز أن يتفوه فنان بمثل هذه الكلمات أمام الجمهور وعلى خشبة المسرح.

تغيير القواعد

يقول ياسين زهران، الناقد الفني المتخصص في الراب، إن النقابة تمارس نوعًا من التعنت الفج في وجه الرابر في مصر. ويضيف: كنت أتمنى أن يكون قرار الوقف من قبل النقابة على مراحل، وألا يتم المنع بشكل قاطع. هل طرحت النقابة سؤال: ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء الشباب بعد أن يتم تجريدهم من أسلحتهم، التي ليست سوى فن ونوع جديد من الموسيقى؟

يضيف زهران، في حديثه لـ«مصر360»: «كان الأولى أن تبحث النقابة في كيفية احتواء هؤلاء الشباب وتضع القواعد العامة التي يجب الالتزام بها، وأن تمنحهم مهلة للاستفادة من المساحة الأكبر التي باتت مفتوحة أمامهم. يجب أن تعيد النقابة حساباتها من جديد».

كشف هيئة وليس اختبار في الغناء

يرى ياسين زهران أن اختبار نقابة المهن الموسيقية تشوبه العديد من المغالطات. ويقول: «لا يمكن أن تعين لجنة لاختبار تامر حسني وتكون هي ذات اللجنة التي تقيم مغنيي الراب. هناك اختلاف كبير بين أنواع الموسيقى وطريقة الإلقاء وغيرها من الأمور. يجب أن تعيد النقابة النظر في الأمر برمته، وأن يتم الاعتراف بالراب، وأن يتم إعداد لجنة من متخصصين لفحص المقتدمين للنقابة».

أما عن الاختبار في حد ذاته، فيقول: «هو أشبه بكشف الهيئة الذي يعتمد على التقييم باعتباره ممثلاً عن النقابة والثقافة في مصر، يتم النظر إلى الاسم الفني والشكل والهيئة. هو أشبه بالاختبارات التي تعدها الكليات والمدارس الخاصة، معني أكثر بالشكل والهيئة وليس بما تقدمه من فن، وأكد على ذلك الحديث قول هاني شاكر بأنه لن يقبل أن يتم قيد أحد في جداول النقابة يسمى عنبة أو زوكش أو غيره من الأسماء، إذن الأمر لا يعتمد فقط على الغناء».

«الأزمة الحقيقية في المفاجأة التي نزلت كالصاعقة على رؤوس المعنيين بالفن والموسيقى في مصر، الصدمة الأولى من وجود فن جديد والصدمة الأكبر وجود جمهور عريض يستمع إليهم وبدأت تتهافت عليهم شركات الإنتاج. ما زالت النقابة والعاملين في الفن مقتنعين أن الفن نوع واحد والخروج عنه ليس إلا خروجا عن المألوف والعرف السائد»، يقول ياسين زهران.