يمكنك أن تشاهد على يوتيوب عدة مقاطع من برامج مختلفة، يظهر فيها الفنان الكوميدي المحبوب بيومي فؤاد وهو يحكي قصة وقعت له في الهند، أثناء تصوير أحد الأعمال السينمائية هناك، وملخص القصة أن الفنان طلب من أحد العاملين بالفندق الهندي، أن يجهز له وجبة من علبة “بولوبيف” كانت بحوزته، ثم فوجيء بالعامل يتراجع خائفا ورافضا، خصوصا بعد أن رأى وجه البقرة –التي يقدسها الهندوس– على العلبة، ويكمل فؤاد القصة التي حكاها في عدة مناسبات قائلا “الإفيه” التالي:

– كنت بطلب منه يعمل لنا الإله بتاعهم بالبيض!

وهنا تنفجر الضحكات من مضيف البرنامج ومن الحضور.

من يشاهد اللقطة التي يحكيها الفنان ببراعة، قد يظن أن الفنان، وحضور البرنامج الضاحك، هم ممن لا يجدون غضاضة في المزاح وإلقاء النكات حتى فيما يخص الأديان والمقدسات، لكننا نعلم بالطبع أن الأمر ليس كذلك، وأن الفنان، والحضور نفسه، وجمهورنا المصري/ العربي أمام الشاشات أو عبر الإنترنت، يرفض بشدة مجرد المسّ بمعتقداته، حتى لو كان على سبيل المزاح، وحتى لو لم يصل الأمر إلى درجة الحديث عن الإله، بغض النظر عن أن البقرة ليست إلها عند الهندوس كما يدعي “الإفيه” الذي ألقاه الفنان.

لابد أنك أدركت إلى أين يصل هذا الحديث، أي إلى “التريند” الذي استدعاه أحدهم فجأة من الماضي، والخاص بالقس المشلوح زكريا بطرس، ولا أقصد بذكر “إفيه” بيومي فؤاد أن أقارن بين الأمرين، ذلك أن خطاب زكريا بطرس هو خطاب كراهية طائفي وشرير، ولا يمكن أن يُقارن بنكتة أو مزحة مهما كانت، لكن القصد أن الازدواجية التي نعيش بها، ازدواجية التعامل مع المقدسات “بوشّين”: وجه مازح وضاحك فيما لا يخصنا، ووجه عابس وغاضب فيما يخصنا. هي ازدواجية ستبقى تنفجر في وجوهنا كل حين. إن ذلك القس المشلوح مقيم في مكان ما مجهول خارج الحدود، ولكن الغضب غير المسيطر عليه، الغضب الذي يشتعل كلما رسم أحدهم – فيما وراء البحار-  كاريكاتير أو قال نكتة أو أطلق سبة، هو غضب يهددنا نحن، يهدد سلامنا الاجتماعي، ويتيح لكل عابث أو حاقد، أو حتى متآمر، أن يطلق الشرارة تلو الشرارة، أملا في أن تُشعل إحدى الشرارات الحريق.

إن إسكات مليارات البشر ممن لا يدينون بعقائدنا أمر مستحيل، وتصوّر أننا سوف نرغم كل شخص في قارات العالم الست –مهما حقر شأنه– على احترامنا هو أصعب من المستحيل، وفضلا عن استحالته فهو لم يكن ممكنا حتى في عصر الرسالات نفسها، واجتراح الحملات تلو الحملات متصورين أننا ندافع عن الدين أو عن الرسول هو تصرف يحمل من الغرور البشري فوق ما يحمل من اللاجدوى، لأن الأفكار والعقائد والإيدلوجيات – فضلا عن الكراهية المتعمدة – تشتعل كلما حاولت إطفائها، والحل سهل، سبقنا إليه مليارات البشر ممن يؤمنون بمئات الأديان: تجاهل المستهزئين، ولا تحاول أن تلقم كل عاوٍ بحجر ، وإلا قضيت عمرك منحنيا تبحث عن الأحجار.