بعد توقف دام سنوات، عاد الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر، بدعوة أمريكية، تستهدف إعادة ترتيب الأوراق. وقد مهدت القاهرة لتلك الدعوة بمواقف أثبتت نفوذها الإقليمي، وبخطوات إصلاحية في ملف حقوق الإنسان، يبدو أنها أرضت واشنطن وإدارتها الديمقراطية، التي حملت استراتيجية مخالفة لما تمتعت به مصر في عهد دونالد ترامب.

في 8 و9 نوفمبر الجاري، التقى وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، نظيره المصري سامح شكري في واشنطن على رأس وفدين ممثلين للبلدين. حيث ناقشا عدة قضايا، من بينها التعاون الدبلوماسي والعلاقات الاقتصادية الثنائية. وأكد الجانب الأمريكي على الدور الحاسم الذي تلعبه القاهرة في المنطقة. بينما آثار مخاوف بشأن آخر التطورات في الجوار الجنوبي لمصر. خاصة فيما يتعلق بالخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة. إلى جانب الانقلاب العسكري الأخير في السودان. فضلاً عن حالة حقوق الإنسان في مصر.

الحوار الاستراتيجي.. خطوة في لحظة حاسمة

المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) بحث في دلالات عودة الحوار المصري الأمريكي. وقد استند على آراء باحثيه الخبراء في شؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط. فقالت أليسيا ملكانجي إن إعادة إطلاق الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر جاء في لحظة حاسمة في علاقاتهما. بعدما اتخذت إدارة بايدن موقفًا أكثر تشددًا تجاه حقوق الإنسان، وفرضت شروطًا جديدة على مساعدتها الأمنية لمصر، التي أقنعها التغيير المقلق في الاستراتيجية الأمريكية تجاهها، ودفعها إلى تحسين سجلها في قضية حقوق الإنسان.

وقد أطلقت مصر في سبتمبر استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان تمت مناقشتها. وفي أكتوبر، قررت إنهاء حالة الطوارئ. وكلها مبادرات رحبت بها الإدارة الأمريكية، التي احتاجت إلى رؤية بعض التغييرات السياسية من أحد حلفائها الحيويين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق ملكانجي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النشاط الدبلوماسي الأخير للقاهرة في تحقيق الاستقرار في المنطقة -كما في غزة وليبيا- أعاد تأهيل مصر كشريك أساسي. وهي -في الوقت نفسه- بحاجة إلى دعم اقتصادي وعسكري وسياسي من الولايات المتحدة لاستعادة دورها الإقليمي التاريخي. وتلك الأولويات المشتركة في المستقبل يمكن أن تدفع إدارة بايدن إلى تخفيف اهتمامها بقضية حقوق الإنسان. إلى جانب تعزيز العناصر الرئيسية التي كان الاتصال الأمريكي المصري يعتمد عليها دائمًا. بما في ذلك التعاون السياسي والعسكري والعلاقات الاقتصادية، كما ترى ملكانجي.

 

أليسيا ملكانجي
أليسيا ملكانجي

 أستاذ مساعد للتاريخ المعاصر لشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وهي أيضًا عضو هيئة تدريس في ماجستير الهجرة والتنمية بجامعة لا سابينزا في روما، ومنسقة الوحدة الاجتماعية والسياسية بها. وكانت عضوًا في العديد من مجموعات العمل في برامج المسار 2 التي يرعاها وزير الخارجية الإيطالي حول الديناميكيات السياسية والاقتصادية والأمنية الليبية المعاصرة وقضية الحرية الدينية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط.

الحوار المصري الأمريكي.. النفوذ قبل الحقوق

تقول الباحثة في معهد الدراسات الإيطالي، إيمي هوثورن، إن إدارة بايدن تزعم أنها مركز حقوق الإنسان في العالم. لكنها في تعاملها مع مصر همّشت حقوق الإنسان من أجل تعزيز العلاقات.

وهي ترى في عقد الحوار الاستراتيجي -رفيع المستوى- بين البلدين مكافأة لمصر، وأحدث مثال على نهج بايدن. ففي حين أن الولايات المتحدة تقول إنها أثارت ملف حقوق الإنسان في هذا الحوار. لم يذكره بيان الخارجية إلا بشكل عابر، لتجنب استعداء مصر، على حد قولها.

وتضيف هوثورن أن الدافع الرئيسي للبيان، هو إشادة الولايات المتحدة بمصر. بالإضافة إلى إعلانات الدعم الاقتصادي، وبيع طائرات هليكوبتر أباتشي بمليار دولار أمريكي.

ووفق هوثورن، فإن فريق بايدن يرى أن الاقتراب من النظام المصري سيخلق «نفوذًا» يمكن للولايات المتحدة استخدامه لانتزاع «تنازلات حقوق الإنسان الضئيلة جدًا». لكنها تؤكد أن الإدارات الأمريكية السابقة جربت هذه الاستراتيجية دون نجاح. وتضيف أن «التشدد مع مصر يبدو أكثر فاعلية فيما يخص هذا الملف». وأن المخاوف من أن يعرض ذلك المصالح الأساسية للأمن القومي الأمريكي للخطر مبالغ فيها.

 

إيمي هوثورن
إيمي هوثورن

خبيرة في شؤون الشرق الأوسط. عملت في أكتوبر 2015 كزميلة أول مقيمة في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي، حيث ركزت على سياسة الولايات المتحدة تجاه مصر والاستراتيجيات الأمريكية والأوروبية لدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي في فترة ما بعد 2011. وقبل الانضمام إلى المجلس الأطلسي في أبريل 2013، كانت معيّنة في وزارة الخارجية الأمريكية لمدة عامين، حيث ساعدت في تنسيق الدعم الأمريكي لعملية الانتقال في مصر، وقدمت المشورة بشأن استجابة الولايات المتحدة للربيع العربي.

الحوار المصري الأمريكي والصراع الإسرائيلي الفلسطيني

يقول أوفير وينتر إن واشنطن بحاجة للقاهرة، كما هي القاهرة بحاجة لواشنطن. وهو يرى أن الحوار الاستراتيجي الأمريكي المصري الذي عقد الأسبوع الماضي يثبت هذه الحاجة لا سيما في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

إذ أن مصر هي الوسيط الوحيد بين إسرائيل وحماس. كما أنها العائق الأخير في وجه تهريب الأسلحة من شمال سيناء إلى قطاع غزة. وأيضًا الفاعل الرئيسي المحتمل لتنفيذ عملية إعادة إعمار القطاع. وعلاوة على ذلك، نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وتأثيرها السياسي، والاعتراف الواسع بدورها الرائد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -بما في ذلك من قبل معظم الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة- تساعد القاهرة واشنطن في مساعيها لتحقيق الاستقرار في المنطقة. فضلاً عن تقليص العلاقات المباشرة المشاركة في النزاعات الإقليمية والمحلية.

أوفير وينتر
أوفير وينتر

هو زميل باحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS ومحاضر في قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب. حاصل على درجة الدكتوراة من قسم تاريخ الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب. وقد ركزت أبحاث الدكتوراة التي حصل عليها على سعي مصر والأردن لإضفاء الشرعية على معاهدات السلام مع إسرائيل بين عامي 1973-2001. وهو مؤلف كتاب الصهيونية في الخطاب العربي.

سد النهضة.. ليس قضية أمريكية

يقول فيديريكو دونيلي -زميل أبحاث ما بعد الدكتوراة بقسم العلوم السياسية في جامعة جنوة- إن مصر كانت تتوقع موقفًا حازمًا من قبل واشنطن فيما يخص أزمة سد النهضة الإثيوبي. ومع ذلك، يبدو أن إدارة بايدن لم تضع بعد استراتيجية واضحة ومتماسكة بشأن هذا النزاع.

وإلى الآن، يظهر الرئيس الأمريكي بايدن مترددًا في استخدام نفوذه على واحد -أو أكثر- من المتنافسين فيأزمة السد. بينما موقف الصين -في المقابل- مختلف، ويمنح إثيوبيا دعمًا دبوماسيًا كبيرًا. وهو موقف ينبع من احتياج بكين للطاقة التي سيولدها سد النهضة في تزويد المنطقة الصناعية الشرقية المملوكة لها على بعد نحو 32 كيلومتر من العاصمة أديس أبابا.

ويضيف دونيلي أنه في الوقت الحاضر، تتحول مخاوف الولايات المتحدة إلى الأزمات الداخلية بدلاً من مساعدة شريكيها (مصر والسودان). فالهدف الأساسي للبيت الأبيض حاليًا هو تجنب التصعيد الذي قد يجر القرن الأفريقي بأكمله إلى الفوضى. والشعور العام هو أن التطورات المستمرة للأزمة الإثيوبية الداخلية سيكون لها حتمًا آثارًا كبيرة على قضية سد النهضة.

وفي هذه الحالة، سيزيد نجاح أبي أحمد في مواجهة التحديات الداخلية من تعقيد المفاوضات بشأن السد. بينما إذا غادر منصبه أو وصل الصراع الداخلي إلى طريق مسدود، فسيكون هناك مجالاً لإحياء المحادثات بين إثيوبيا ومصر والسودان. كما يتوقع دونيلي أن تتبع الولايات المتحدة موقف الاتحاد الأوروبي في تعزيز الآليات المالية لتمكين مصر من تعويض إثويبيا في مقابل حل أزمة السد نهائيًا.