أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أمس الاثنين. تحليلاً موجزًا عن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في 11 سبتمبر الماضي. ووصفها بأنها “مناورة تنكر الواقع الحالي لأزمة حقوق الإنسان في مصر”.
يشير التحليل، الصادر في عشرين صفحة، إلى أن الاستراتيجية تهدف فقط إلى إيهام المجتمع الدولي والدول المانحة بأن هناك عملية إصلاح سياسي تجري في مصر. ومن ثم “تكريس هذا الواقع وتحصينه من الانتقاد الدولي”.
هوّة بين الادعاء والواقع
يرى مركز القاهرة أن وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، تجسد “حالة الإنكار المزمنة لمشكلة حقوق الإنسان في مصر، وغياب الحد الأدنى من الإرادة اللازمة للإصلاح”. وأن هدفها الأساسي “تبييض الموقف المصري بعد الانتقادات الدولية المتصاعدة لملف حقوق الإنسان”. إذ تتزامن هذه الاستراتيجية مع تولي إدارة أمريكية جديدة، تعهد رئيسها في حملته الانتخابية بأنه سيدير العلاقة مع مصر بشكل مختلف. وفي أعقاب إعلان مشترك -غير مسبوق- من 32 دولة أمام الأمم المتحدة، ينتقد بحدة وضعية هذا الملف في مصر.
في ورقته التحليلية الموجزة، حلل المركز دلالات الفلسفة العامة للاستراتيجية. وانتقد تكليف وزارة الخارجية بإعدادها “وليس أية وزارة معنية بالشأن الداخلي المصري”. كذلك أبدى ملاحظة على إجراء أول مناقشة عامة للاستراتيجية مع صناع القرار ومراكز التفكير والمجتمع المدني في الولايات المتحدة، وليس مع المصريين.
وبيّن التحليل “الهوة بين الادعاءات والواقع العملي”. فبينما تُجمع التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية مستقلة مصرية ودولية، وعن الأمم المتحدة، وعن حكومات أجنبية والبرلمان الأوروبي، أن حقوق الإنسان في مصر “تعاني بشدة”، بدت مشكلة حقوق الإنسان في مصر -وفق الاستراتيجية التي تضم 78 صفحة- وكأن مصدرها “هو الشعب ذاته”. ما أسفر عن «حلول واهية لا صلة لها بجوهر المشكلة». إذ، لم تقدم الاستراتيجية وعدًا بالإصلاح أو بالتراجع عن السياسات الجارية. وإنما اكتفت ببضعة مقترحات ذات طابع تقني جزئي. مثل تدريبات للقائمين على إنفاذ القانون، أو العمل على رفع الوعي القانوني لدى المواطنين.
موّجهة للخارج
حسب قرار تشكيلها الصادر عن رئيس مجلس الوزراء، رقم 2396 لسنة 2018، تعني اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان بوزارة الخارجية -التي تولت إعداد الاستراتيجية- بالرد على الانتقادات الدولية التي توجه لمصر في المحافل الدولية. ويرأس اللجنة وزير الخارجية. ويتولى أمانتها قطاع حقوق الإنسان والمسائل الإنسانية والاجتماعية الدولية بوزارة الخارجية.
وفق المادة الأولى من القرار، فإن الهدف من تشكيل اللجنة هو “الرد على الادعاءات المثارة ضد جمهورية مصر العربية بشأن حقوق الإنسان”. أما اختصاصات اللجنة -المادة الثالثة- فهي “وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان. وصياغة رؤية مصرية موحدة للتعبير عنها في المحافل الدولية والإقليمية. ورصد ودراسة ومعالجة المشكلات المتعلقة بحقوق الإنسان المثارة على الصعيد الدولي. وإعداد الردود على الادعاءات المثارة”.
خطأ في التشخيص
يرى التحليل أن الحكومة المصرية أخطأت في تشخيص المشكلة. بينما التحدي الأول الذي يواجه واضعو أية استراتيجية في أي مجال، هو التشخيص السليم للمشكلة التي من أجل علاجها توضع تلك الاستراتيجية.
ويضيف أن كافة التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية مستقلة مصرية ودولية، وعن الأمم المتحدة، وعن حكومات أجنبية، والبرلمان الأوروبي، تُجمع أن حقوق الإنسان في مصر تعاني من تدهور هائل. وهي تشير إلى انتهاكات منهجية جسيمة لحقوق الإنسان تقترفها -بشكل شبه يومي- مؤسسات أمنية.
في المُقابل، تؤكد استراتيجية الحكومة المصرية أن مصدر مشكلة حقوق الإنسان في مصر هو الشعب ذاته. بما في ذلك محدودية وعي المواطنين، وتقصير الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني.
وقد أُعلن رسميًا -بعد أيام قلائل من إطلاق الاستراتيجية- أن مصر تخلو من أي انتهاك لحقوق الإنسان.
يضيف التحليل: “بناءً عليه، لا تتعهد الوثيقة بوضع حد للقمع اليومي الضاري بالمخالفة للدستور والقانون واللوائح الحكومية. وإنما تكتفي فقط بالتوصية عشرات المرات بتوعية المواطنين”.
حالة من الإنكار
يخوض التحليل في توغل الوثيقة أكثر في حالة الإنكار، واختزال المشكلة في “ضعف ثقافة حقوق الإنسان، وبعض الموروثات الثقافية الخاطئة التي تتعارض مع قيمها ومبادئها”. مع تجاهل المسؤولية الرئيسية للخطاب الرسمي وأجهزة الإعلام والمؤسسات الدينية ومناهج التعليم.
ويشير إلى القيود الحديدية المفروضة على الحرية الأكاديمية وحريات الرأي والتعبير. فضلاً عن التضييق بحق المنظمات الحقوقية المستقلة على مدار 10 سنوات متواصلة. وما أدى إليه ذلك من إهدار جهود المنظمات الحقوقية المستقلة، في نشر ثقافة حقوق الإنسان على مدار عدة عقود. كما يلفت إلى تراجع في مستوى التوافق الشعبي على حقوق الإنسان. الذي بلغ ذروة تجسده خلال انتفاضة يناير 2011.
ويقول التحليل إن «الوثيقة والتصريحات الرسمية المتكررة تسير في الاتجاه المضاد تمامًا، إذ تُحمِّل الربيع العربي مسؤولية تدهور حقوق الإنسان».
سياسة الانتهاكات
يوضح التحليل أنه رغم إشارة الاستراتيجية -بشكل مبتسر- إلى عالمية حقوق الإنسان غير القابلة للتجزئة. إلا أنها صمتت تمامًا عن السياسة الرسمية المعلنة يوميًا، والتي تؤكد بشكل قاطع أن قيم حقوق الإنسان العالمية هي قيم غربية بالأساس، ولا تصلح للمصريين. ويلفت إلى أن تلك السياسة “ترفض بشكل علني مبدأ التكامل بين الحقوق المدنية والسياسية مع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتؤكد على ضرورة تجزئتها”.
“كثيرًا ما تُدني التصريحات الرسمية من شأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فتساوي بينها وبين أداء الدولة لوظائفها اليومية الاقتصادية والاجتماعية”، وفق التحليل. وهو يؤكد أن لهذا انعكاسات في مناهج التعليم بمراحله المختلفة وفي التناول الإعلامي الرسمي. وأيضًا في دعم الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي السائد الذي يكرس خصوصية ثقافية متسامحة مع أنماط من انتهاكات حقوق الإنسان.
فرص مُهدرة
يتضمن التحليل قراءة موجزة في منهجية الاستراتيجية من خلال تحليل تعاملها مع الحقوق المدنية والسياسية. موضحًا نقاط القوة والفرص التي أهدرتها مؤسسات الدولة. فرغم ما يخص الحقوق المدنية والسياسية من مواد دستورية وتشريعات وطنية تدعم تلك الحقوق. إلا أن الوثيقة -وفق التحليل- لم تقدم تفسيرًا لـ”عدم التزام هذا الدستور والحقوق والضمانات الواردة فيه”. بل “واصلت الوثيقة حالة الإنكار، وتجاهلت الانتهاكات اليومية لحقوق المصريين، على صعيد السياسات والتشريع والممارسات، وإفلات مرتكبي تلك الجرائم من المحاسبة”.
ويعدد التحليل بضع نقاط، منها الحق في الحياة وسلامة الجسد. فضلاً عن الاحتجاز التعسفي والحق في الحرية الشخصية. والحق في المحاكمة العادلة. وحقوق السجناء والمراقبة على أماكن الاحتجاز. إلى جانب الحق في الخصوصية وحرية التعبير.
كذلك أوردت الاستراتيجية عددًا من العوامل التي تعوق حقوق الإنسان في مصر. والتي يمكن إجمالها في ضعف ثقافة حقوق الإنسان، والموروثات الثقافية الخاطئة التي تتعارض مع قيمها ومبادئها. وضعف مستوى المشاركة في الشأن العام، وضعف التواجد المجتمعي الفعال للأحزاب السياسية. بالإضافة إلى عدم انخراط الشباب في العمل الحزبي.
ويشير التحليل إلى أن الاستراتيجية تناقض ما يحدث على أرض الواقع، بخصوص الحق في حرية التعبير. والتجمع السلمي. وتكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية. وكذلك المشاركة السياسية وتكوين الأحزاب، والحق في حرية الدين والمعتقد.