الألفاظ الخارجة أو الإباحية في الأغنية المصرية ليس أمرا مستحدثا أو جديدا لكنه موجود في التراث الشعبي. تغنت به الطبقات الشعبية واستطاعت أن تعبر من خلاله عن حياتها ورغباتها بكل جرأة. ورغم أن معظم هذه الأغاني غير مسجلة لكن توارثتها الأجيال ونقلتها الجدات من جيل لجيل حتى وصلت إلينا.

نشهد اليوم هجوما كبيرا على أغاني المهرجانات أو الأغاني الشعبية أو حتى أغاني الراب والتراب. على اعتبار أنها تحمل “إباحية وابتذال”، رغم أنها إعادة إنتاج لأغاني التراث المصري. تستخدم نقابة المهن الموسيقية سلطة أبوية في ضبط سوق الغناء بمصر. في معركة تشبه الصراع الحاصل بين جيلين.

وظهرت الألفاظ الخارجة و”القبيحة” في أغاني التراث الشعبي بشكل واضح خاصة في أغاني الأفراح بدءا من التنجيد حتى ليلة الزفاف. ومنها “هو عليه يجيب الفستان، وأنا عليَّا أقلع له وأنام”. “أعملي له حلة محشي يغرق فيها ما يطلعشي.. أهو جالك أهو”. و “الليل طويل وحركاته كتير أنا اللي بطني بتوجعني لا واد ولا بنتي هتنفعني أنا عاوزة حبيبي يدلعني ويشيل ويحط على السرير”. و”شَعري بيوجعني من إيه؟ شَعري بيوجعني من شدّ امبارح.. خدّي بيوجعني، من أيه؟، خدّي بيوجعني من بوس امبارح يا اللي على الترعة حوّد على المالح”. وأغنية “أول ما دخل.. هيه دخل ع البوتجاز.. هيه فرجها الجهاز.. هيه واتكل ع الله، تاني ما دخل.. هيه دخل ع الأوضة.. هيه لبسها الموضة.. هيه واتكل ع الله”، و”يا منجد علي المرتبة واعمل حساب للشقلبة”.

الأغنية الشعبية والتراث

أيضا الأغاني الشعبية الجديدة معظمها مأخوذة من التراث الشعبي مثل أغانٍ “كعبوا كعبوا، وحبيبي وأنا ألاعبو”. أو “التوتو نَيّ” أو “حَط إيده ياه”، “يا بتاع النعناع منعنع”. لذا نجد التراث عبر بصدق عما يدور في أذهان الناس والمشاعر بشكل صريح.

وفي عشرينيات القرن الماضي ظهرت الطقاطيق وهي أحد أشكال الغناء، عبرت بوضوح وصراحة ودون تحفظ عن المشاعر الحقيقية. مثلما غنت منيرة المهدية في تعبيرات صريحة عن رغبة الحبيبة في قضاء ليلة مع حبيبها في أغاني “حبك يا سيدي غطى ع الكل”. و”ليلة ماجه في المنتزه”، وأشهر طقطوقة “بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة”.

فيما غنت نعيمة المصرية طقطوقتها الشهيرة “هات الإزازة واقعد لاعبني”، و”لك عليا لما تجيني تبقى ليلة أُبَّهة”. بينما غنت الآنسة مفيدة “خد لك يوم وأنا ضامنة التاني، مش ممكن يا حبيبي تسلاني”. وتغني آسيا ندا “سرير النوم”.

على نفس النهج غنى عبد اللطيف البنا طقطوقة “إيه رأيك في خفافتي”. وطقطوقة “ارخي الستارة اللي في ريحنا”. وطقطوقة “ما تخافش عليَّا، أنا واحدة سجوريا”.

الطقطوقات والغزل الصريح

ويعتبر زمن الطقطوقات (1910 – 1930) هو الأكثر جرأة وإباحية في الأغاني حيث امتازت الطقطوقات بالغزل الصريح.

كل هذه الطقاطيق كتبت على يد بديع خيري والشيخ يونس القاضي وبيرم التونسي. وشارك كل ملحني هذه الفترة في تلحينها، مثل أحمد صدقي ومحمد علي لعبة وداوود حسني وإبراهيم فوزي. وسيد درويش وزكريا أحمد ومحمد القصبجي.

منذ أن اعتلى “هاني شاكر” عرش نقابة المهن الموسيقية، وهو يلجأ إلى المنع والوقف والشطب لحل أزماته مع بعض الفنانين. وقد بدأ هذا بتأديب الفنانين الأجانب الذي يقيمون حفلات في مصر يرتدون فيها ملابس -من وجهة نظره- تجرح الذوق العام المصري. إلى أن وصل لمعركته مع مطربي المهرجانات.

تقول الدكتورة نهلة إمام أستاذ العادات والمعتقدات الشعبية بالمعهد العالي للفنون الشعبية. لمصر 360 “في تراث المجتمعات التقليدية الأغنية فرصة للطبقات الشعبية للتعبير عن نفسها ورغباتها وحياتها اليومية دون تقيد بالتقاليد”. موضحة عدم وجود “ذوق جمعي” فالذوق متنوع وفق الطبقات والأفكار والنوع الاجتماعي والمرحلة العمرية.

وتشير إمام إلى أن فكرة منع أغاني المهرجانات أو التراب أو غيرها من الفنون ما هو إلا “وهم”. في ظل الانفجار المعرفي وتطور وسائل الإعلام، قائلة: “لا يمكن ممارسة رقابة فنية في الوقت الحالي”. معتبرة أن فتح المجال للمواهب والفنون المختلفة هو الحل.

أستاذ العادات والمعتقدات الشعبية توضح أن أغاني التراث كانت مليئة بالألفاظ القبيحة والغزل الصريح. ولم تخدش وقتها حياء المجتمع لأنها تقدم في سياقها الطبيعي في ليالي الأفراح والحنة والتنجيد وغيرها.

مهرجان “مديحة” الذي يقدم معالجة إباحية وقباحة

ومن جانبه يوضح الدكتور محمد شبانة أستاذ الموسيقى الشعبية، وعميد المعهد العالي للفنون الشعبية. أن الألفاظ الخارجة والمعالجات الفنية لما يطلق عليه التابوهات ستظل موجودة لأنها مكون من مكونات الحياة. قائلا: “ربنا خلق بداخلنا مشاعر ووجدان وغرائز وكل ما يعبر عن النفس البشرية”.

https://www.youtube.com/watch?v=IvvyDO0gh30

أكد أن الخروج عن المألوف في الأغاني مسلك غريزي ليس له علاقة بالعصر ولا الوجدان. وأشار لمهرجان “مديحة” الذي يقدم معالجة إباحية وقباحة. لافتا إلى عدم وجود ذوق واحد للفرد فذوق الفرد يتغير وفق متغيرات كثيرة. ويمكن أن يسمع الشخص أغاني أم كلثوم وكذلك يسمع أغاني المهرجانات.

يوضح شبانة أن الصراع الجاري حاليا ما بين النقيب ومطربي المهرجات هو صراع اقتصادي وليس صراع فني. والمتوقع أن يفتح النقيب الباب للمواهب والفنون بمختلف أنواعها، حيث من الأفضل تنظيم المعالجات غير المألوفة وليس منعها.