تقع مدينة مأرب -جنوبي اليمن- تحت وطأة تصعيد عسكري محموم مؤخرًا، من قبل الحوثيين. بينما يواصل الجيش اليمني التصدي للحملة الميدانية المسلحة. وذلك على الرغم من الجهود الأممية الساعية للتوصل إلى تسوية سياسية، وهدنة لإحياء محادثات السلام، وبحث أفق سلمي للحل بين الأطراف اليمنية.
يواجه الحوثي اتهامات بتعمد استهداف المحافظة الاستراتيجية الغنية بالنفط بـ«صورة ممنهجة». وذلك بالألغام التي تخلف ضحايا بين المدنيين، والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. الأمر الذي يؤزم الموقف السياسي ويعقده بإطالة أمد الحرب، وتحديدًا في منطقة جوبة.
التصعيد الاستنزافي في مأرب
وقد دانت «منظمة حماية للتوجه المدني» الحقوقية الحصار الذي تنفذه جماعة الحوثي. وعدّته بمثابة استهداف مقصود للمدنيين. وغردت المنظمة عبر حسابها بموقع التواصل «تويتر»: «الوقائع تؤكد أن المدنيين جنوب مأرب لم يكونوا ضحايا للحرب فحسب. بل أصبحوا هدفًا رئيسيًا مع سبق الإصرار للقصف الحوثي على قراهم ومخيماتهم ومساكنهم».
وفي بيانها، عرجت المنظمة على دور المجتمع الدولي، الذي اعتبرته «غير جاد تجاه الوضع الإنساني» في مأرب. ولفتت إلى أن الأمم المتحدة عبر ممثليها في اليمن ضالعة فيما لحق بالمدنيين من الضرر جراء الاستهداف والقصف الحوثي.
اللافت أن الصراع في مأرب يبدو استنزافيًا. بينما تدور المواجهات العسكرية بين كافة الأطراف دون أفق أو نتيجة سياسية، تحسم ذلك الوضع المحتدم والمتفاقم. فالحرب الدائرة بين أنصار الله «الحوثيين» والتشكيلات العسكرية الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا، والتي زادت وتيرتها مؤخرًا، أدت إلى مقتل الآلاف من الطرفين، في معارك الهجوم والهجوم المضاد، حسبما يشير مركز كارنيجي. ومن ثم «لا هزيمة كاملة في هذه الجبهة ولا انتصار كامل أيضًا».
وقد شهدت محافظة مأرب -الواقعة في شمال شرق اليمن- أولى معاركها في مطلع عام 2015 بعدما استولى الحوثيون على صنعاء. وتبعد حوالي 170 كيلومترًا عنها. خلال تلك الفترة، عمل الحوثيون على إخضاع معظم المدن الواقعة في شمال البلاد. ونتيجة لذلك، فر الكثير من المناوئين لحركة الحوثيين إلى مأرب. حيث كانت القبائل المحلية تقف بقوة في وجه هجمات الحوثيين.
من جهة أخرى، أدت قدرة الحوثيين على حشد المقاتلين إلى تكثيف هجماتهم على مأرب. وهذا الاندفاع مسكون بفكرة الاستفادة من سياسة السعودية المتغيرة تجاه حلفائها على الأرض، بحسب ما يوضح المركز الأمريكي. خصوصًا في ظل التغييرات التي طرأت على الجانب العسكري السعودي. وذلك بعد قرار عزل قائد قوات التحالف السابق الأمير فهد بن تركي أواخر العام 2020، وتعيين الفريق مطلق المزيمع. وبالرغم أن هذه التغييرات قد لا تغير توجه صانع القرار السعودي. إلا أن هذا القرار قد يغير بعض التموضعات على الأرض. لذا يحاول الحوثيون استباقيًا تكثيف الهجمات خلال هذه الفترة.
مأرب.. المحطة المهمة لتعزيز الموقف التفاوضي
في حديثه لـ«مصر 360»، يشير الباحث والحقوقي اليمني عبد الكريم الأنسي، إلى أن الحوثي يواصل «حملتة الممنهجة»، ويستميت في التصعيد العسكري على مأرب، بهدف فرض نفسه «سلطة أمر واقع». فاستمرارهم في التصعيد إنما يهدف إلى حصار الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا. وكذا تعميق أوضاع المدنيين الذين يتعرضون للنزوح والتهجير والقصف المكثف بالصواريخ والطائرات المسيرة.
يطوق الحوثي المحافظة من ثلاث جهات، شمالاً وغربًا وجنوبًا. بينما يظل الطريق الشرقي باتجاه حضرموت الوحيد الذي يربطها بالمناطق الأخرى، ويفك عزلتها. وهو الممر الآمن للمدنيين في حال سقطت بقبضة الميلشيات المدعومة من إيران.
يلفت الباحث والحقوقي اليمني إلى أن مأرب هي آخر المعاقل التي لا تخضع لسيطرة الميلشيات الحوثية. وهي تحاول إسقاطها بهدف تعزيز موقفها التفاوضي سواء مع السعودية أو الولايات المتحدة. فالمحافظة استراتيجية ولها رمزية تاريخية بما تملكة من آثار تاريخية مهمة تعود لمملكة سبأ. ومن الناحية الاقتصادية والجيوسياسية، لا تقل أهمية، إذ إنها البوابة الشرقية للمحافظات الجنوبية، فضلاً عن وجود آبار النفط بها.
ويتفق والرأي ذاته مركز كارنيجي، الذي يرى أن مأرب هدف استراتيجي للحوثيين ذو بعدين عسكري واقتصادي. فإن تسنى لهم إسقاط هذه المحافظة الصحراوية مترامية الأطراف، فبهذا يعني أنهم قضوا على الخطر الأكبر الذي كان يطرق ذات يوم أبواب صنعاء، حين استولت القوات المتواجدة فيها على مناطق واسعة من الجبال الواقعة ضمن نطاق محافظة صنعاء. وإذا ما تحقق الانتصار فيعني أيضًا استكمال السيطرة على محافظات الشمال كافة.
المعركة الصفرية والوضع الإنساني
يبدو المشهد في مأرب كمعركة صفرية، لا يرى طرفاها سوى مواصلة القتال، مهما بلغت الأكلاف المادية والبشرية. الطرفان يدركان أن هذه المعركة ستحدد مصير خارطة السيطرة، والتحالفات، وجزءًا كبيرًا من المشهد العام في اليمن في قادم الأيام. فهي ليست معركة جزئية على الهامش. بل مواجهة مؤجلة ومكثفة تدحرجت منذ العام 2014 من الكثير من المناطق، واستقرت في جبال مأرب وصحرائها.
وفقًا لبيان صادر عن الجيش اليمني فإن «خيارات الحوثيين محدودة لأنهم لو اتجهوا عبر الصحراء نحو منطقة حقول الغاز والنفط شرق مأرب، فإنهم سيكونون فريسة سهلة لمقاتلات التحالف. ولهذا سيحاولون تطويق مدينة مأرب من الجهات الثلاث».
مديرة المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، إيرين هاتشينسون، أعربت عن قلقها البالغ بشأن سلامة المدنيين وحمايتهم في مأرب. بينما كشفت أنه في «الأشهر الستة الأولى فقط من هذا العام، قُتل أو جرح عدد من المدنيين أكبر من مجموعهم في العامين الماضيين».
وقد أكد المبعوث الأمريكي لليمن، تيم ليندركينج، أن الهجوم الحوثي في مأرب يعيق جهود إحلال السلام. وسبق للمبعوث الأميركي أن شدد على مخاطر التصعيد الحوثي في محافظة مأرب، وما يخلف من معاناة لليمنيين. لافتًا إلى أن «التصعيد الحوثي في مأرب ليس مجرد عقبة أمام السلام، وإنما يؤدي بالوضع الإنساني إلى حافة الهاوية».
النقطة الفاصلة قبل التدخل الأمريكي
من جهته، يشير المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، كمال الزغول، إلى أن المعارك الحوثية تتجدد كلما تم التصريح عن عودة المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. وهو يضيف في حديثه لـ«مصر 360» أن «الموقف الحوثي المصمم على السيطرة على مأرب من جهة الغرب، تمكن من فصل مأرب عن شبوة لجهة كسر خط الإمداد الحكومي، وبات هناك صدام كبير ونزوح تراكمي ينبئ بكارثة إنسانية».
يسعى الحوثيون بمحاصرة محافظة مأرب لنصر معنوي مقابل ضعف تسليح القبائل في مأرب، بسبب تشتت الاستراتيجية الحكومية في الدفاع عن المحافظة، وعدم قدرة القوات الحكومية على التنسيق مع طيران التحالف لضرب محور الحوثيين المتقدم بسبب الحصار.
ووفقًا للمراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، فإن المشهد ينبئ بحصار مأرب من الغرب والجنوب لفترة قد تصل لحين نفاد الغذاء والسلاح وعقد صفقات مع بعض القبائل. وإن كان من الممكن توجيه دعوات حوار من قبل الولايات المتحدة استشعارًا بخطر الموقف، في ظل استمرار الحوثي في التقدم. الأمر الذي يبرز مدى صدق الإدارة الأمريكية بخصوص مساعدة قوات التحالف في قادم الأيام، سواءً سياسيًا أم عسكريًا. خاصة ونحن نتحدث عن محافظة نفطية تشكل عمقًا استراتيجيًا مع صنعاء. الأمر الذي يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية من خلال البحر.
وعليه، فإن «استمرار الحوثيين في التوسع سيساعد في تدخل واشنطن في النقطة التي تبدأ بها المصالح الأمريكية بالتأثر. وهذا سيرجع إلى حسابات الحوثيبن السياسية وإمداد الجيش الوطني بالسلاح. ولذا فإن المراقب الأممي الدولي السابق يعتقد أن أي هدنة وأي حوار سيكونان في النقطة الفاصلة قبل تأثر المصالح الأمريكية في المنطقة.