حنين حسام أو فتاة التيك توك تفتعل “خناقة” مع الصحفيين في جلسة إعادة محاكمتها وقالت للصحفيين “مش عايزة أتصور”.
العبارة السابقة كانت عنوانا لخبر ورد في إحدى الصحف المحلية مرفقا بصورة حنين حسام المعروفة بفتاة الـتيك توك”. داخل قفص الاتهام. على الرغم من اعتراضها على فكرة تصويرها.
الخبر تكرر في مجموعة من الصحف والمواقع الإلكترونية بألفاظ مختلفة ولكن بنفس المعنى. ومعه تكررت صورة حنين.
قبل هذا الموقف بـ 20 عاما. شوهد متهمي قضية “الكوين بوت” الشهيرة. وهم يحاولون إخفاء وجوههم عن عدسات الصحفيين. ويروي أحد الضحايا لاحقا عن هذا اليوم :”الأهالي طلبوا منا نخبي وشوشنا علشان الجيران وقرايبنا من بعيد ما يعرفوناش، أول ما عرفوا إن اليوم هيكون فيه صحافة كتير كده في القضية”.
واقعة الأقنعة
ظهر الشباب في المحكمة مرتدين أقنعة انتزعوها من ملابس السجن البيضاء. وعندما نشرت الصحف العالمية هذه الأقنعة. وحسب أقوال أحد الضحايا: “بعد الجلسة الأولى، كانوا في السجن بياخدوا منا كل حاجة إلا هدومنا علشان ما نغطيش وشوشنا في المحاكمة. كانوا عايزين وشوشنا تبقى متشافة. كانوا يدخلوا الزنزانة وياخدوا مناديلنا، وحتى المناديل الورق كنا بنخبيها علشان العساكر ما يلاقوهاش”.
وعلى مدى ستة أشهر، ذكرت عناوين الصحف أسماء هؤلاء الرجال. وظهرت وجوههم لدى بائعي الصحف. وجرت محاكمة 52 رجلا أمام محكمة أمن الدولة طوارئ.
ووجهت للجميع تهمة “اعتياد ممارسة الفجور”. وصدرت أحكام ضد أقل من نصف العدد بقليل، ودمرت حياتهم جميعا.
وفي واقعة القبض على مالك صحيفة “المصري اليوم” رجل الأعمال صلاح دياب. نشرت الجهات الإعلامية صورته وهو مكبل بالقيود. واعتبرها الجمهور نوعا من التشهير فضلا عن كونها مهينة. وتمثل تعديا على حق الأفراد في التمتع بالخصوصية، طبقا لقاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
وفي قضية باب البحر أرشدت مقدمة البرامج منى العراقي الأمن عن حمام عمومي. قالت إنه وكر لممارسة تجارة الجنس. ووعدت مشاهدي برنامجها بتفاصيل القبض عليهم، التي أذاعتها بالفعل، مع تصويرهم عراة.
وكانت قوات الأمن ألقت القبض على 26 رجلا من داخل الحمام، ووجهت لهم تهم ممارسة الفجور. وعرضوا على الطب الشرعي، ولكن لاحقا ظهرت براءتهم، ولكن بعد أن دمرت سمعتهم نتيجة تصويرهم داخل الحمام، حتى أن بعضهم حاول الانتحار.
في الوقت نفسه تنص المادة الدستورية رقم 187 على أن جلسات المحاكم علنية. إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية.
فأين التعارض؟
منذ أيام نشرت الجريدة الرسمية قانونا ينص لأول مرة على منع التغطية الإعلامية للمحاكمات التي سماها القانون بجرائم الإرهاب. الذي ينص بدوره على عقوبة بغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه. ولا تزيد على 300 ألف جنيه. مع مصادرة الأجهزة المستخدمة، ومحو المحتوى. إذا تمت تغطية المحاكمة من دون موافقة رئيس المحكمة المختصة.
ومع كل هذه المحاذير والتشريعات. تم تصوير حنين حسام، ومن قبلها ضحايا مركب “الكوين بوت”، و حمام “باب البحر”. والكثير من القضايا التي يتعرض أصحابها للوصم المجتمعي، واقتصر المنع على التصوير داخل محاكم الإرهاب.
المحامي ياسر سعد يرى أن صدور الحكم باسم الشعب يحتم علانية الجلسات. وإتاحة كافة وسائل البث.
وفيما يتعلق بالخصوصية يرى سعد أن الأمر في يد المحكمة في حال طلب المتهم. أو المجني عليه سرية الجلسة. ولكن ما يحدث الآن هو ادعاء بحماية الضحايا وخصوصيتهم، بينما يقتصر المنع على قضايا الإرهاب.
واعتبر سعد أن مسألة منع تصوير قضايا الإرهاب أو بثها أو نقل عبارات منها مخالف للدستور. الذي يؤكد على علانية الجلسات بغرض التأكد من سلامة الإجراءات القانونية كافة. وعدم بث الشكوك سواء من الجمهور أو المتهمين في مشروعية تلك المحاكمات.
واعتبر سعد أن القانون مغرض. بدليل عدم اقتصار المنع على التصوير، ولكن على كافة وسائل نقل الجلسات، فيما لم يمنع القاضي في محاكمة حنين حسام التصوير رغم اعتراض المتهمة.
المسألة الأخلاقية الصحفية
بعيدا عن الاشكالية القانونية. فالمسالة الصحفية الأخلاقية حاضرة بقوة فيما يخص مهنة التصوير بشكل عام والمتهمين في القضايا التي تتسبب في الوصم الاجتماعي بشكل خاص. لما تسببه من تأثير سلبي على مستقبل كل من المتهمين، والضحايا خاصة قبل البت فيها.
يقول رئيس قسم المصورين بوكالة رويترز عمرو عبدالله: “للتصوير أخلاقيات لابد من الالتزام بها. تنص أولى قواعدها على الإحساس بالبشر، وعدم التسبب بالأذى سواء لهم أم لعائلاتهم”.
ينتقد عبدالله تكالب المصورين على تصوير المتهمين عن قرب في المحاكمات. بينما تعني أخلاقيات المهنة عدم وضوح الصور في تلك الحالات. كذلك عدم تصوير ذويهم، وبالتأكيد الأطفال في المطلق، على أمل منحهم فرصة جديدة في الحياة لاحقا.
وفي “رويترز” تهتم الوكالة كثيرا بالتأكد من موافقة الأهل على تصوير أطفالهم. فالمسألة الانسانية تسبق المهنية، بحسب عبدالله.
وحول طبيعة عمله في المحاكم والتزامه بأخلاقيات المهنة. يؤكد عبدالله حرصه على مراعاة الظروف الانسانية للمتهم. وكذلك للمجني عليهم، قائلا “لو عنيا جات معاه في الكاميرا وحسيت أنه شاعر بالأذى والرفض أوقف تصوير، واكتفي بالكادرات العامة”.
أهمية الصورة
وعن أهمية الصورة يقول عبدالله. يمكن للصورة أن تتسبب في إنهاء حياة إنسان أو مستقبله حتى خارج المحاكم. ويضرب المثل بصورة حارسة المرمى الايرانية التي شكك البعض في أنها ليست فتاة. وبدأوا التنمر عليها بسبب تركيز المصورين عليها. ما تسبب في إعلان الفتاة التفكير في الانتحار. ما تكرر في بطولات أفريقيا للسيدات المعروفات بالقوة العضلية والملامح القوية، بسبب الجينات.
وبشكل عام يعتبر عبدالله أن دخول السوشيال ميديا حياتنا تحتم على ممتهني التصوير الكثير من الحذر، والتمسك بالأخلاقيات. خاصة في ظل حالة “الترند” التي قد تخلقها الصورة. وما قد يشوبها من تنمر وتعليقات سلبية، وتأثير الأمر على حياة الأشخاص.
ويعلق عبدالله بعد السوشيال ميديا، و”التريند” خصوصا. اختار صوري بدقة شديدة، فلدي عائلة أيضا. لا أريد أن أتسبب في الأذى لأي عائلة بسبب مجموعة من الصور.
وبنفس التشديد يعتقد عبدالله أن هناك حالة من الهوس بالتصوير خلال جنازات الفنانين، وعدم مراعاة شعور ذوي المتوفي. وحالتهم النفسية، إلى الدرجة التي يتمنى معها إلغاء تصوير الجنازات إلا في حالات الجنازات الرسمية وبكادرات عامة..
منذ سنوات أثارت صورة الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي بعد أن قتل على يد الثوار. سؤال الأخلاق مرة أخرى. خاصة بعد بزوغ مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية التي يمكن عبرها حفظ تلك الصور لسنوات.
تقول الصحفية أمينة شفيق. أخلاق الصورة هي قواعد للمهنة. ولا يجب أن يتم التعامل معها كمسألة اختيارية. فالقواعد يجب أن تسبق القيمة الخبرية، منتقدة ما يحدث من تجاوزات خلال السنوات الأخيرة.
عاتبت شفيق القائمين على وسائل الإعلام. الذين يجيزون مثل هذه الصور المخالفة لقواعد المهنة، وكذلك غير المراعية لخصوصيات الأشخاص، فضلا عن مراعاة الأوصاف للضحايا، أو المتهمين، كذلك مسألة تصوير الأطفال.
وتعتبر شفيق أن تلك القواعد هي جزء من مصداقية وسائل الاعلام، وشفافيتها. لذا يتوجب أن تكون تلك القواعد واضحة، ومقروءة، ويتم تدريب وتذكير الكوادر الصحفية بها بشكل دائم.