«عينيك فيها حزن» جملة اشتهرت عبر مواقع التواصل، إذ تُعتبر مفتتح للتعارف. فكل امرأة مهما كان عمرها بداخلها حزن ما. حقيقة يتكئ عليها صيادو اللحظات الحلوة، فيما نعرفه في حياتنا اليومية «بطرق الشقط». هذا الحزن الذي يستخدمه البعض لاستدراج الفتيات والنساء لساحة العلاقات المؤقتة، هو ذاته طريق ممهد لموت مفاجئ إذ لم ننتبه، ولم نواجهه، كما بتنا نواجه أصحاب جملة «عينيك فيها حزن».
الحزن يؤذي القلب
في تصريح لإحدى الصحف، يقول الدكتور مجدي يعقوب إن الحزن والخوف من أكثر الأمور التي تؤثر على القلب، وتتسبب في أمراضه. هذا التصريح الذي يمكن أن نفهم به كثير من الجمل المتداولة عن أن أحدهم دخل لينام وهو حزين فلم يصحو، وأن هناك من ماتوا كمدًا أي حزنًا. فالحزن أيضًا طريق يسير بصاحبه نحو الموت.
ثقافة الفضفضة والبوح
كيف نتخلص من الحزن؟ أمر يشغلنا، وأحيانًا لا ينتبه له البعض. لكنها الفضفضة والبوح أولى عتبات تسريب الحزن إلى الخارج، لتخفيف أعباء القلوب. إلا أنه من أين لنا بالبوح الآمن؟ وهناك عشرات ومئات التجارب السيئة عن بوح أدى لإفقار صاحبه/ته أو فضح أو مشكلات لا قِبل له بعواقبه. كيف نفكر في التخلص من الحزن ونحن تربينا على الخوف؟
بين النصائح يداري على شمعتك، والخوف من الحسد والكثير من المفاهيم والتعليمات حول سلوك الأفراد رجالاً ونساءً، فإننا نجد أنفسنا أمام قمع مفروض ذاتيًا. الخوف والخجل من الفضفضة يُراكم الكثير من الهم في القلب، ويترك الحزن تجاويفه في الروح.
حين نُشاهد في الأفلام الأجنبية مجموعات الدعم كأحد الطرق العلاجية للتعافي من إدمان الكحول أو المخدر، نعتقد أنه سلوك يصلح للغرب ولا يصلح لنا، مشهد عابر في الأفلام، دون أن نعرف التأثير الحقيقي لفكرة البوح وما تتركه من أثر إيجابي على الإنسان.
في سن المراهقة تبدأ الفتيات في تدوين مذاكراتهن، كخطوة أولى في عالم البوح. لكن هذا الفعل يقابل بسلوك قاس من غالبية الأسر، حيث تقتحم تلك الخصوصية، ظنًا منهم أنهم بذلك يحمون أولادهم، وانهم يعرفون ما يخفيه الأولاد والبنات بخاصة، حتى يتدخلوا في الوقت المناسب لمنع المصائب، فتقوم كثيرات من الأمهات وربما الآباء بقراءة ما تكتبه بناتهم في تدريب واضح وقاسي على الصمت. إذ لا يُكتفى بقراءة المذكرات، وإنما تصل إلى حد العقاب على ما كتبنه. أما الأولاد فتكون طريقة كتابة مذاكرتهم وصفة سحرية للسخرية منهم. لأن الشائع أنه صفة خاصة بالبنات، يفعل غالبية الآباء والأمهات ذلك، وهم متصورون أنهم ينقذون أبناءهم، بينما هم يحفرون لهم مقابر قريبة الزمن.
السخرية ممن يحاول البوح بحزنه كفيلة بهدم التصورات لدى أي شخص حزين. فالسخرية مفتتح والمزايدة على المتحدث، ثم ختامًا التقليل مما يشعر به، ثم يخرج السؤال الأكثر شيوعًا لماذا يموت الشباب سريعًا!
الصور النمطية عننا نحن العرب والمصريين على وجه الخصوص، ولمزيد من التخصيص نحن النساء أننا محبين للثرثرة. هذه الصفة من المفترض أن تكون طريق النجاة. لكن أغلب من يثرثرون يفعلون ذلك لأغراض النميمة لا البوح.
البوح الآمن
لن تخلو الحياة من الحزن فهو مواز للفرح، التضاد دومًا هو ما يجعل الحياة لها مذاق. لكن الحزن المفرط مسار للموت والعجز المبكر. ونحن محاطين بالخوف والتوتر، نخاف من عدم تقدير ما نعانيه، وسخرية البعض. كم مرة حكى أحدهم عن وجع يشعر به، فكانت الإجابة هو دا حاجة طيب دا أنا.. أو ما تبقاش أوفر، وبلاش نكد، إجابات تصلب الكلمة على الأحبال الصوتية، فيخشى الراغب في الفضفضة أن يتكلم، ويدفن في قلبه، وربما انشغل ونسى حزنه، حتى تتراكم الأحزان، وتجد أحدهم او احداهن تقول لها مالك فتنهار في البكاء، إنه التراكم المفرط، وليس الجميع في التحمل متساوون، هناك من يسقط موتًا، وهناك من تشيب ملامحه وهناك من يستمر والحزن ينخر في جسده ويسقط دون سبب.
هل هو حلم بعيد المنال أن يسمعنا الأخرين بقليل من الاهتمام والتقدير؟ لكنه حتى يحدث ذلك علينا أن نجد طرق آمنة للفضفضة نكتب ما نشعر به ثم نحرق الورق، نسجل عما يحزننا ثم نلغي التسجيل، فالهدف ألا ننام والحزن مخبأ بقلوبنا.