دفع قطاع من المستثمرين الصغار بالبورصة المصرية ثمنًا غاليًا للعبة «المارجن» المضاربية على أسهم المؤشر السبعيني، الذي يقيس أداء أنشط 70 شركة بالسوق. بعدما دخلوا في موجة شراء موجهة، كان أبطالها مجموعة من المتعاملين، اعتمدوا على الاقتراض من أجل المضاربة.
الطارقين في مقابل أصحاب العروش بالبورصة
يظل المؤشر السبعيني «إيجي إكس 70»، الذي يقيس أداء الشركات المتوسطة والصغيرة، المنطقة المحببة لصغار المستثمرين. هؤلاء ممن يعرفون في البورصة بالمستثمرين الأفراد والطارقين الُجدد لسوق المال. وهم يعتمدون بقرارهم على مبدأ «القطيع»، والسير وراء الأسهم التي تتحرك بوتيرة سريعة.
في المقابل، يضم المؤشر الثلاثيني «إيجي إكس 30» أكبر 30 شركة مقيدة بالسوق. وبعض هذه الشركات يسمى أسهم قيادية كالبنك التجاري الدولي، الذي يكفي ارتفاعه وحده إلى رفع البورصة معه، والعكس صحيح حال الهبوط. وهذه النوعية من المؤشرات تستقطب فئات محددة من المستثمرين الكبار أو المؤسسات الاستثمارية، التي تتخذ قراراتها بناءً على دراسة متأنية للاقتصاد عمومًا وواقع الشركات.
المارجن في البورصة.. لعبة أصحاب الملاءة
يقول محللون ماليون إن البورصة شهدت لجوء مجموعة من المستثمرين من ذوي الملاءة المالية أو المعتمدين على «المارجن» لشراء أسهم ضعيفة القيمة من القاع، ورفعها لأعلى. وذلك باستغلال باقي المتعاملين الصغار المدفوعين للشراء. جتى إن وصل السهم لمستوى معين باع الكبار محققين أرباحًا قياسية. وهي أرباح تقابلها خسائر لمن اشتروا في منتصف الموجة الشرائية.
ما هو المارجن؟
المارجن هو شراء الأسهم بالهامش، أو عبر قيام وسيط التداول بإقراض المستثمر جزءًا من المال لشراء الأسهم. وهو يتيح للعميل شراء الورقة المالية بسداد جزء من قيمتها نقدًا. بينما يسدد الباقي بقرض من شركة السمسرة المتعامل معها، بضمان الأوراق محل الصفقة.
يبدو سهم شركة «رواد للسياحة» أحد النماذج على تلك النظرية. فبعدما تم رفعه إلى مستوى 56.49 جنيه هبط مجددًا إلى مستوى 11.84 جنيه. هنا الخاسر الأكبر هو الذي اشترى عند سعر 50 جنيهًا، وباع بالسعر الحالي. ما يعني أنه خسر في السهم الواحد نحو 38 جنيهًا، بحسب محللين بالسوق.
يظهر تتبع المؤشر السبعيني اتخاذه سلوك مغاير تمامًا عن حركة السوق، بعدما هبط خلال قرابة الشهرين من مستوى 3038 نقطة إلى مستوى 2031 فاقدة أكثر من ألف نقطة رغم ارتفاع المؤشر الرئيسي في الفترة ذاتها من مستوى 11301 نقطة إلى 11453.3 نقطة.
قرارات تنظيمية لحل أزمة المارجن
يقول المحلل المالي، نادي عزام، إن الهيئة العامة للرقابة المالية حينما لاحظت تلك المشكلة، أصدرت قرارات تنظيمية لحماية صغار المستثمرين قليليّ الخبرة من السير في موجة شرائية موجهة.
وقررت الرقابة المالية تقليص النسب المخصصة للعميل ومجموعته المرتبطة لنصف النسبة المعمول بها. وأصبحت وفقًا لذلك 10% للعميل ومجموعته المرتبطة بدلاً من 20%. كما ألزمت شركة السمسرة بالمحافظة على هيكل محفظة الأوراق المالية المعتد بها كضمانات. بحيث تشمل 3 أوراق مالية على الأقل ولا تزيد نسبة أي منهم في أي لحظة طوال فترة الاعتداد بها كضمانات عن الثلث.
وعادت الرقابة المالية لتعقد اجتماعًا آخر، الأربعاء، نصحت خلاله شركات السمسرة في الأوراق المالية وأمناء الحفظ بضرورة دراسة الملاءة المالية ودرجة مخاطر الأوراق المالية محل الشراء الهامش وكل الضمانات، واتباع أسس إدارة المخاطر. وذلك لتقليل درجة المخاطر التي يتعرض لها العميل والورقة المالية. هذا إلى جانب دراسة المقترح المقدم من البورصة الخاص بقواعد الشراء بالهامش على مستوى شركة السمسرة وقيم الضمانات المقدمة من الأوراق المالية.
كما قررت فتح نقاش موسع بشأن الحدود السعرية، وبصفة خاصة على الأسهم ذات المخاطر العالية والتقلبات السعرية غير العادية. مع النظر في إمكانية وضع حدود سعرية مغايرة لها، ومدى إمكانية تخفيضها على بعض الأسهم، طبقًا لمعدل مخاطر التقلبات السعرية ونسبة عمليات الشراء بالهامش عليها.
في مواجهة المارجن
يضيف عزام أن المضاربين اختاروا أسهم بعينها يستطيعون توجيهها لشركات متوسطة عدد أسهمها منخفض. بما يسهل من ظهور الحركة الشرائية عليها وارتفاعها بوتيرة سريعة. مثل الشركة «الخليجية الكندية للاستثمار العقاري». وقد قفز سهمها من مستوى 12.33 جنيه، إلى 25.99 جنيه قبل أن يرجع لمستوياته الطبيعية مجددًا.
وأوقفت البورصة أكواد مجموعة من المستثمرين لتعاملهم بأموال شركات السمسرة «المارجن». ما جعل الشركات تطالب المستثمرين برد المبالغ، فاضطروا للبيع ما ساهم في موجة الهبوط.
المشكلة في السلوك المضاربي الموجه أن خسارته الدفترية شبيهة بالحقيقية. كما أن الفرق بينهما كبير؛ فعندما يتراجع السهم في ظروف طبيعية تصبح خسارة المستثمر دفترية على الورق، وحتى تتحول إلى حقيقة يجب عليه البيع. وذلك لوجود احتمالية لصعود السهم مجددًا. لكن مع المضاربة العنيفة تصبح الخسارة حقيقية، حتى ولو لم يقوم بالبيع. مع استحالة ارتفاع السهم للمستوى الذي تم الشراء به.
محفزات متعددة لطمأنة المتعاملين بالبورصة
تسعى إدارة البورصة، حاليًا، إلى ضخ مجموعة من المحفزات في السوق. وذلك بغرض طمأنة المستثمرين وإعادة جذبهم. آخر هذه الإجراءات كان الأربعاء، بخفض 20% من تكلفة مقابل الخدمات المحصلة عن عمليات التداول. لتتماشي مع قرار الحكومة قبل أيام بإلغاء العمل بضريبة الدمغة على تعاملات سوق الأوراق المالية بالنسبة للمستثمر المقيم، لضمان عدالة عدم دفع ضريبة في حالة الخسارة.
كما اتخذت الحكومة قرارًا باحتساب حافز للأموال المستثمرة في البورصة وخصمها من الوعاء الضريبي، حال تحقيق أرباح لتعظيم عائد المستثمرين، وتحقيق العدالة بين الأوعية الادخارية المختلفة. فضلاً عن احتساب الربح من خلال مقارنة سعر الاقتناء أو سعر إغلاق الأسهم قبل بدء التطبيق أيهما أعلى مقارنة بسعر البيع لزيادة عوائد المستثمرين.
يقول المحلل المالي محمد جاب الله إنه رغم تسجيل المؤشر الرئيسي أعلى مستوى خلال عام 2021 للمرة الثانية عند 11700 في نوفمبر الحالي. ذلك بعد مستوى 11650 نقطة في فبراير السابق. لكن الفضل في الصعود كان لسهم البنك التجاري الدولي «سي أي بي» أكبر البنوك المقيدة في البورصة المصرية دون دور واضح للأسهم الأخرى.
قررت الحكومة تخفيض الضريبة على الربح المحقق في الطروحات الجديدة. وذلك بنسبة 50% أول عامين من صدور القانون. مع تأجيل دفع الضريبة لحين تحقيق عملية البيع النقدية في عمليات مبادلة الأسهم متى كان الطرف المستحوذ مقيدًا بالبورصة المصرية.
كما قررت أيضًا تخفيض نسبة الضريبة على المستثمرين الأفراد من خلال صناديق الأسهم إلى 5% على الربح المحقق وإعفاء صناديق الاستثمار في الأسهم من كافة الضرائب على الأسهم وتكليف الصندوق باحتسابها وتوريدها بدون فتح ملفات ضريبية للمستثمرين في الوثائق، وتحفيز صناديق استثمار رأس المال المخاطر من خلال إعفاءات لتعاملاتهم في الأسهم غير المقيدة للشركات الناشئة وتخفيض الضريبة لحملة الوثائق إلى 5% في حال تحقيق أرباح.
العودة الضرورية لوزارة الاستثمار
يقول جاب الله إن سهم مثل «فوري» سجل خلال القمة الأولى في فبراير مستوى 20 جنيهًا، قبل أن يهبط أثناء القمة الثانية للمؤشر إلى 14 جنيهًا. مع سلسلة قرارات فجائية في تلك الفترة أثارت القلق لدى المستثمرين. خاصة مع هبوط بعض الأسهم التي تستهوي الأفراد بنسبة 80% من قيمتها بأيام قليلة.
تم أخيرًا استحداث وحدة جديدة لحل كل المشكلات المرتبطة بالشركات المقيدة. على أن تتبع رئيس الهيئة العامة للاستثمار مباشرة. وذلك لإنجاز أية أمور مرتبطة بالشركات. مع تشكيل لجنة مشتركة ما بين الاستثمار والبورصة والرقابة المالية، تابعة لرئيس مجلس الوزراء للتنسيق والإسراع بحل كل مشكلات الشركات المقيدة.
يقول إيهاب سعيد، عضو مجلس إدارة البورصة السابق، إن البورصة، والأسهم المتوسطة على وجه التحديد، تعاني من عمليات إلغاء العمليات والأكواد. خاصة أن ما تم تسميته بحزمة المحفزات التي فرضتها الحكومة تضمنت تم تمرير ضريبة الأرباح الرأسمالية، وإصلاح بعض المشكلات التي تضمنتها النسخة الأولى المقترحة.
يقول سعيد إن البورصة تحتاج إلى عودة وزارة الاستثمار، حتى يكون هناك ندية في التعامل مع وزارة المالية التي تمضي في طريقها في سد عجز الموازنة وزيادة التحصيل الضريبي. وذلك بصرف النظر عن تأثير ضريبة الأرباح الرأسمالية على مناخ الاستثمار في البورصة المصرية. وهو يرى أن أهم مزاياه هو تكلفة الفرصة البديلة التي سيتم تحديدها بمسودة القانون في نهاية العام الحالي.
وترتبط تكلفة الفرصة البديلة التي ترتبط بتخفيض حجم الأرباح الخاضعة الضريبة حال إعادة ضخ الأموال في شراء أسهم أخرى. لكن محمد فريد، رئيس البورصة، يؤكد أن المحفزات الحكومية شملت إلغاء كافة رسوم التداول بجميع أنواعها سواء الخاصة بالبورصة أو مصر المقاصة أو الحفظ أو الهيئة العامة للرقابة المالية. إلى جانب عدم فتح ملفات ضريبية للمتعاملين. كما تقوم «مصر المقاصة» بحساب الضريبة المستحقة مع توريدها لمصلحة الضرائب. وهي محفزات أعفت صناديق الاستثمار من الضريبة، وتخفيض نسبتها إلى 5% على الربح المحقق للأفراد حاملي الوثيقة عند تسييلها.