أثار وزير قطاع الأعمال العام تكهنات، وخلق حالة ترقب بين العاملين في شركات القطاع. وذلك بعدما أدلى بتصريحات مفاجئة حول مصير الشركات الخاسرة. التي قد ينتهي مصيرها بالإغلاق، على غرار الحديد والصلب. لكن في المقابل ثمة خريطة كاملة لاستعادة البريق، ووقف الخسائر وإعادة إحياء الصناعة، وإن كانت لا تزال في طور التجريب والاختبار.
الوزير هشام توفيق قال إن «شركة أخرى سيكون مصيرها مثل شركة الحديد والصلب، وسيتم الإعلان عنها قريبًا». وذلك بعد سنوات من العمل غير المجدي، في ظل استراتيجية الحكومة الرافضة تمويل أي مشروع أو شركة خاسرة. بالإضافة إلى موقف مديونيات الشركات المتراكمة وكيفية تدبيرها وتسويتها، ودور القطاع الخاص في إعادة الهيكلة المستهدفة.
وأضاف توفيق أن الشركات ستنخفض إلى 82 شركة، بعد إنهاء إجراءات الإصلاح والهيكلة لشركات قطاع الأعمال. وذلك في إطار دمج عدد من الشركات وإتمام الإصلاحات الهيكلية. فيما رفضت مصادر خاصة بوزارة قطاع الأعمال العام التكهن بالشركة التي قال الوزير إنها على جدول التصفية المقبلة. وذلك حفاظًا على استقرار الشركات التي ربما تجدي محاولات إعادة هيكلتها.
إهدار المال العام
وتكبدت شركات قطاع الأعمال خسائر مضاعفة طيلة السنوات الماضية؛ ما دفع البعض إلى التشكيك في قدرتها على مواصلة العمل. وذلك جراء إهدار للمال العام، وفق أشرف غراب، الخبير الاقتصادي، مستشار التخطيط والتنمية الاقتصادية للاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية.
كان ذلك لعدة أسباب، أهمها عدم القدرة على سداد الالتزامات والمتطلبات المالية. وهو ما يظهر جليًا في تراكم المديونيات للموردين الرئيسيين للشركات. وكذلك تزايد مستحقات الغاز والكهرباء اللازمين لإتمام العمليات التشغيلية لمصانع القطاع.
وتتعرض عدة شركات لخسائر منذ سنوات وسط زيادة كبيرة في تكاليف الإنتاج وصعوبة المنافسة في الأسواق الخارجية. تزامنًا مع تراجع حاد في الطلب المحلي على منتجات الشركات، بحسب تصريحات لعدد من رؤساء تلك الشركات.
اقرأ أيضًا| بعد “الحديد والصلب”.. “الدور على مين” في تصفية شركات الدولة؟
تقليص شركات قطاع الأعمال
في أبريل الماضي أكد وزير قطاع الأعمال خلال مؤتمر الإعلان عن تفاصيل المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، تقليص عدد شركات القطاع من 117 شركة تابعة للوزارة إلى نحو 82 شركة. وذلك بعد دمج بعض الشركات، بحيث تكون قادرة على تحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والتحول إلى الربحية. من خلال تطوير خطط الإنتاج التي ستمكن الشركات المتعثرة من سداد مديونياتها. باعتبار أن استمرار الشركات الخاسرة سيزيد الأعباء الملقاة على عاتق الدولة، ومن ثم إهدار المال العام.
وحسم وزير قطاع الأعمال موقف الشركات الخاسرة بعدم إمكانية استمرارها. حين قال: «إذا قمت بضخ أموال في شركات خاسرة، أكون مجرمًا وأحاكم على إهدار المال العام».
ورغم أن الشركات العامة تسهم في جميع الصناعات الحيوية بالدولة، وتلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد المصري. لكن تراكمات ديونها وخسائرها وعدم تطويرها زاد وضعها سوءًا. لذا جرى مؤخرًا الانتهاء من إعادة تشكيل مجالس إدارات قرابة 70 شركة. وذلك في إطار العمل بتعديلات قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 والصادرة بالقانون 185 لسنة 2020.
وشملت التغييرات جميع الشركات التابعة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية وعددها 16 شركة، و14 شركة تابعة للشركة القابضة للصناعات المعدنية. بالإضافة إلى 10 شركات تابعة للشركة القابضة للتشييد والتعمير- بعد الدمج- و9 شركات تابعة للشركة القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية.
كما جرى الانتهاء من إعادة تشكيل مجالس إدارات 8 شركات تابعة للشركة القابضة للنقل البحري والبري. و7 شركات تابعة للشركة القابضة للسياحة والفنادق، و3 شركات تابعة للشركة القابضة للتأمين.
اقرأ أيضًا| أسعار الحديد تقفز ألف جنيه في أسبوع.. تعددت الأسباب وشبهة الاحتكار واحدة
مديونيات الشركات الخاسرة وتسوية 34 مليار جنيه
وقطعت وزارة قطاع الأعمال العام شوطًا كبيرًا في ملف المديونيات، لما له من أثر إيجابي على الهياكل المالية للشركات المدينة، وعلى الشركات الدائنة لاستدامة خدماتها وتطويرها. إلى جانب رفع كفاءة الإنتاج وفض التشابكات المالية المعلقة بين جهات حكومية، وهو ما أثر على خفض الدين العام.
وحصل “مصر 360” على بيانات تشير إلى أن حجم المديونيات لى شركات قطاع الأعمال وصلت قيمتها لنحو 42.1 مليار جنيه. موزعة بين الغاز والكهرباء والضرائب، ومديونية بنك الاستثمار القومي، والتي تصل قيمتها إلى 15.4 مليار جنيه.
حجم المديونيات لى شركات قطاع الأعمال وصلت قيمتها لنحو 42.1 مليار جنيه. موزعة بين الغاز والكهرباء والضرائب، ومديونية بنك الاستثمار القومي، والتي تصل قيمتها إلى 15.4 مليار جنيه.
وجرى تسوية مديونيات بقيمة 34 مليار جنيه، من إجمالي تلك الديون على الشركات التابعة للوزارة. وذلك ضمن مخططات الإصلاح والهيكلة لتحول الشركات إلى الربحية وإيقاف الخسائر.
ومن بين عمليات التسوية تلك التي بلغت نحو 10.4 مليار جنيه على الشركة القابضة للغزل والنسيج لصالح بنك الاستثمار القومي. وجارٍ تسوية مديونية أخرى لصالح البنك بقيمة 3.5 مليار جنيه على الشركة القابضة للصناعات المعدنية.
كما تم توقيع عقود تسوية مديونية بقيمة 13.5 مليار جنيه على شركات قطاع الأعمال العام لصالح قطاعي البترول والكهرباء. وجرى أيضًا توقيع بروتوكولات لتسوية مديونية قيمتها 5.4 مليار جنيه على الشركات القابضة للغزل والنسيج والسياحة والفنادق والنقل البحري والبري لصالح هيئة التأمين الاجتماعي.
من أين توفرت أموال التسوية؟
مصادر خاصة بوزارة قطاع الأعمال أكدت لـ «مصر 360»، أن الوزارة نجحت في تحويل نشاط 178 قطعة أرض من صناعي إلى سكني وتجاري. وذلك لتعظيم قيمتها الاقتصادية؛ بهدف تدبير تمويلات إصلاح الشركات التابعة وسداد المديونيات المتراكمة عليها.
ولفتت المصادر إلى أنه يتم دعم للشركات التي يمكن أن تحقق مكاسب خلال المرحلة المقبلة، سواء دعم فني أو خططي. وذلك لتحسين عمليات الإنتاج، ومن ثمَّ تحقيق أرباح جيدة قد تساعد في سداد المديونيات المتراكمة.
وتابعت أن إعادة تأهيل بعض خطوط الإنتاج ربما سيزيد فرص توفير سيولة مالية لسداد المستحقات التي لم يجرى تسديدها. إلى جانب تحويل أنشطة بعض المخصصات التابعة للشركات لزيادة العائد منها مستقبلًا. إضافة إلى أن دمج بعض الشركات سيقلص نسب الخسائر التي كانت تحققت سابقًا. وبالتالي استخدام عائد تلك الشركات في سداد المديونيات المتراكمة.
مخطط للوزارة لإصلاح الشركات التابعة، يشمل إعادة استغلال قاعدة الأصول غير المستغلة. والتي تتضمن 329 قطعة أرض بمساحة 20 مليون متر
استغلال الأصول غير المستغلة
وكشفت المصادر عن تنفيذ مخطط للوزارة لإصلاح الشركات التابعة، يشمل إعادة استغلال قاعدة الأصول غير المستغلة. والتي تتضمن 329 قطعة أرض بمساحة 20 مليون متر. كما يعتمد القطاع حاليًا على صناعة الغزل والنسيج في توفير سيولة مالية تمكِّن القطاع من سداد مديونياته.
ويستهدف تحقيق زيادة في الإنتاج وجودة بمعدلات تتراوح بين 300% و500%. وذلك من خلال رفع إنتاج الغزل من 29 ألف طن إلى 188 ألف طن بنسبة زيادة 382%. بالإضافة إلى زيادة إنتاج النسيج من 50 مليون متر إلى 198 مليون متر، بنسبة زيادة 296%. وزيادة إنتاج الملابس الجاهزة من 8 ملايين قطعة إلى 50 مليون قطعة بنسبة زيادة 525 %.
أوضحت المصادر أنه سيتم تطوير محالج القطن وإمدادها بتكنولوجيا جديدة هندية أمريكية بهدف إنتاج قطن خالٍ من الشوائب. وخفض عدد المحالج، من 25 محلجًا إلى 11 محلجًا وزيادة طاقتها الإنتاجية، لتتمكن من حلج حوالي 4 ملايين قنطار سنويًا. ولفت دمج شركات الغزل والنسيج البالغ عددها 32 شركة في 9 شركات ووضع خطة واضحة لتطويرها منذ عام ونصف العام. كما متوقعة المصادر أن تظهر بشائرها خلال صيف 2022.
اقرأ أيضًا| من النهضة إلى الخصخصة.. حكاية العمال في مصر خلال 66 عامًا
هل ينقذ القطاع الخاص الشركات الخاسرة؟
ووفق خبراء اقتصاديين سيخلق الارتباك في ملف شركات قطاع الأعمال مزيدًا من الفرص الاستثمارية أمام القطاع الخاص. وذلك للمشاركة في عمليات تطوير وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية والمشروعات التي تنفذها الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال. خاصة في مجالات السياحة والزراعة والنقل وصناعة الغزل والنسيج.
وخلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن تفاصيل المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، ذكر وزير قطاع الأعمال أن الشركات العامة تسهم في 25 صناعة مختلفة وتلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد المصري. ورغم ذلك فإن القطاع الخاص هو الشريك الأكبر في حجم الاقتصاد المصري.
الشركات العامة تسهم في 25 صناعة مختلفة وتلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد المصري. ورغم ذلك فإن القطاع الخاص هو الشريك الأكبر في حجم الاقتصاد المصري
ويقول الدكتور مصطفى أبو زيد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية لـ«مصر 360»، إن خطوات إشراك القطاع الخاص في ملف تطوير شركات قطاع الأعمال تأخر كثيرًا. وتابع: “خلال العقود الماضية انطلق القطاع الخاص محققًا نجاحات بجميع القطاعات. وبالتالي كان لابد من إبرام عقود شراكة بين القطاعين العام والخاص لإنقاذ الشركات الخاسرة”.
التكنولوجيا الحديثة التي تعمل عليها شركات القطاع الخاص منذ عقود تفوق بكثير نظيرتها التي توجد بقطاع الأعمال. والتي باتت لا تناسب ما توصلت إليه الصناعة حاليًا، وهنا حتمية تحويل شركات قطاع الأعمال إلى نفس المستوى الصناعي التي يعمل به القطاع الخاص، يشير أبو زيد.
ويضيف أن «بعض شركات قطاع الأعمال التي يمكن أن تؤتي ثمارها حال تطويرها قد تكون بحاجة إلى شراكات مع مستثمرين أجانب أو جهات صناعية خاصة لدعمها في تحقيق التطوير المنشود. وهنا لابد من تركيز الاتجاه نحو إشراك القطاع الخاص في تطوير وإعادة هيكلة شركات قطاع الأعمال والمشروعات التي تنفذها».
فرص استثمارية متاحة
ورغم التهالك الذي ضرب قطاع الأعمال منذ عقود، لكن لا يزال يضم عشرات الفرص الاستثمارية. التي تضمنتها استراتيجيات التطوير المعتمدة من وزراة قطاع الأعمال منذ فترة. وباتت تلك الفرص متاحة أمام القطاع الخاص للمشاركة بعمليات تطوير وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية والمشروعات التي تنفذها الشركات التابعة للوزارة. خاصة في مجالات السياحة والزراعة والنقل وصناعة الغزل والنسيج.
ويقول النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان لـ«مصر 360»، إن وزارة قطاع الأعمال قطعت شوطًا كبيرًا في تطوير البنية التحتية ونظم العمل بالشركات التابعة للوزارة. والتي تعد أمرًا رئيسيًا ومهمًا في تطوير أداء الشركات وتحقيق الاستدامة في النمو. موضحًا أن شركات قطاع الأعمال العام تشهد عصرًا جديدًا من الإصلاح الإداري. ولفت إلى أن أبرز الجهود المبذولة في هذا الإطار هو تعديل قانون قطاع الأعمال العام لأول مرة منذ نحو 29 عاما، حيث صدرت التعديلات بالقانون رقم 185 لسنة 2020.
السياحة والغزل والنسيج
ومن بين الفرص الاستثمارية المتاحة أمام القطاع خاص، إمكانية المشاركة في مشروع تشغيل الفندق الجديد الذي سيقام بميدان الأوبرا. والذي جرى استعادة أرضه في مكان الفندق القديم الذي أقامه الخديو إسماعيل سنة 1863، وبناء الفندق الجديد خلال ثلاثين شهرًا. بالإضافة إلى إمكانية المشاركة في تشغيل فندق «سافوي» في محافظة الأقصر. إلى جانب المشاركة في تطوير وتشغيل متنزهين في منطقة مصر الجديدة، هما «غرناطة» و«الميريلاند».
يجري البحث عن مشغل بتعاقد عشر سنوات لإقامة ثلاث وحدات كبرى لصناعة الغزل في المحلة والعامرية وحلوان وهناك تجمعًا صناعيًا جديدًا في الفيوم، يتضمن 14 مصنعًا صغيرًا للسجاد اليدوي
وأضاف أن هناك فرصًا متميزة في مجال صناعة الغزل والنسيج. ويجري البحث عن مشغل بخبرات حقيقية بتعاقد عشر سنوات لإقامة ثلاث وحدات كبرى لصناعة الغزل في المحلة والعامرية وحلوان. موضحًا أن هناك تجمعًا صناعيًا جديدًا في الفيوم، يتضمن 14 مصنعًا صغيرًا للسجاد اليدوي، يتيح فرصًا جيدة للمستثمرين في صناعة النسيج.
الزراعة والسيارات
وكانت وزارة قطاع الأعمال عرضت إمكانية مشاركة القطاع الخاص في مشروع زراعي في توشكي، يستخدم المياه من النيل. وتصل إليه الخدمات والكهرباء ويمتلك دراسات جدوى جيدة، ويستوعب نحو 14 قطاعًا صناعيًا أيضًا مثل الألبان والصناعات الغذائية.
اقرأ أيضًا| لماذا عادت النصر للسيارات من “التجميد” وتعرضت “الحديد والصلب” للتصفية؟
وفي قطاع السيارات، عرض وزير قطاع الأعمال خلال اجتماع مع غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة مشروعًا قابلاً للمشاركة مع القطاع الخاص. يتعلق بصناعة أتوبيسات تعتمد على الغاز الطبيعي، بجانب مشروع آخر لصناعة ميني باص أصغر يتم تشغيله بالكهرباء. موضحًا أن هذا المشروع مهم للغاية؛ كونه يمثل 60 % من الأتوبيسات المخصصة للنقل الجماعي، وأن هناك توجهًا للوصول بنسبة المكون المحلي إلى 82 %.
وبالنسبة للسيارات الكهربائية، قال هشام توفيق إن هناك توجهًا للتعاون مع شركاء آخرين، بخلاف الجانب الصيني الذي تعثر التعاون معه. وتم وضع خريطة لمحطات الكهرباء، وسيتم بالتعاون مع وزارة الكهرباء لتحديد تسعيرة الكهرباء في تلك المحطات.