أثار الحكم في قضية «الإيحاء» بحبس السياسي زياد العليمي والصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس، و3 أخرين، لمدد تراوحت بين 3 و5 سنوات، ردود فعل دولية ومحلية واسعة. ذلك لما مثله من ردة عن المسار المطلوب، والذي بدا أن الدولة كادت تدركه أخيرًا بقرارات إخلاء سبيل كثير من المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا رأي، واستراتيجيتها الوطنية التي أطلقتها في سبيل تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر، وأخيرًا قرار إلغاء حالة الطوارئ، التي خضع العليمي ورفاقه لأثرها -رغم بطلانها نفسها في أكتوبر- في القضية الأخيرة.
القرار الذي أصدرته محكمة جنح أمن الدولة طوارئ (الأربعاء) في القضية 957 لسنة 2021، المعروفة إعلاميًا باسم قضية «الإيحاء»، تضمن الحبس 5 سنوات للمحامي زياد العليمي. بالإضافة إلى 4 سنوات للصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس، و3 سنوات مع الشغل بحق محمد بهنسي وحسام عبد الناصر. هذا فضلاً عن غرامة 500 جنيه يؤديها كل متهم. وهو حكم ينتظر التصديق من رئيس الجمهورية، بصفته «الحاكم العسكري»، بموجب قانون الطوارئ الموقوف العمل به.
العفو الدولية: المحبوسون بـ«الإيحاء» يعقابون على ممارستهم السياسية
انتقدت منظمة العفو الدولية الحكم، في بيان منسوب لفيليب لوثر مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة. إذ قال إنه ما كان يجب أن يلقى القبض على هؤلاء السياسيين والنشطاء لممارستهم -في المقام الأول- حقهم في التعبير عن الرأي. وقد طالب رئيس الجمهورية بإلغاء هذه الأحكام والإفراج الفوري غير المشروط عن جميع المحبوسين.
وذكرت المنظمة أن احتجاز زياد العليمي وحسام مؤنس وهشام فؤاد منذ أكثر من عامين دون محاكمة «يبدو كعقاب على سعيهم لتشكيل ائتلاف برلماني لخوض انتخابات 2020».بينما لفتت إلى ما اعتبرته «سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان بحق المشاركين في تحالف الأمل. بما في ذلك الحبس والاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب بالترهيب».
هيومن رايتس: الحكم ضد العليمي ورفاقه يثبت غياب الإصلاح الحقوقي
وقد أثار استمرار الاعتماد على محاكم أمن الدولة طوارئ حفيظة منظمة «هيومن رايتس ووتش» التي طالبت الحكومة في مصر أيضًا بضرورة إلغاء أحكام السجن الطويلة بحق العليمي وفؤاد ومؤنس. فيما قال جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، إن استمرار هذه المحاكم الخاصة «يكشف إلى أي مدى إنهاء حالة الطوارئ هو غطاء يخفي حقيقة أنه لا يوجد إصلاح حقوقي فعلي».
المصري الديمقراطي يدعو الرئيس لإعادة الأمور إلى نصابها
كذلك، على مستوى رد فعل المحلي، خرجت مجموعة من الأحزاب المصرية لتعبر عن استياءها من تلك الأحكام. ومن بين هذه الأحزاب «المصري الديمقراطي الاجتماعي»، الذي ناشد رئيس الجمهورية اتخاذ ما يجيزه له القانون من إجراءات لوضع الأمور في نصابها. بما يخدم أهداف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أعلنتها الدولة بحضوره ومباركته.
وفي بيان في أعقاب صدور الحكم، أعلن الحزب تضامنه مع العليمي ورفاقه ضد هذا القرار، الذي وصفه بـ«القاس». كما أعرب الحزب -الذي يأتي المحامي زياد العليمي وكيل مؤسسيه وأحد قادته البارزين- عن أسفه الشديد «لاقتياد فريق من أبناء مصر المخلصين، وشبابها الذين هم ذخر الأمة وفخرها، إلى السجون في جرائم تتصل بالتعبير عن الرأي». مضيفًا أن «الافتئات على هذا الحق وتقييده هو الذي يلحق أكبر الضرر بهيبة الدولة واعتبارها ومصالحها القومية وأمنها ومصالحها العامة».
كما ذكر الحزب، في بيانه، أن أهالي المحتجزين يعانون من جراء حبسهم احتياطيًا لمدة قاربت السنتين والنصف، بتهمة لم تتضح ملامحها بعد، ولم يتبلور الدليل ضد المتهمين فيها. وأضاف أن التهمة الموجهة للعليمي ورفاقه في الجنحة التي صدر حكمها الأربعاء، في الظروف العادية، لا يعاقب عليها أحد بالحبس. فهي حقوق وحريات عامة كفلها الدستور بالمادة (65) منه. وتنص على أن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر. وتدعمها المادة (71) التي نصت على أنه لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.
الاعتصام بالأمل الذي فُقد بأحكام «الإيحاء»
من اعتصامه بالأمل الذي كان يبشر به المتهمين، خرج حزب «الكرامة» رافضًا استمرار المحاكمات التي تتم في قضايا الرأي بوتيرة لم تختلف عما سبق الاستراتيجية الوطنية وإلغاء حالة الطوارئ. وذكر أن مثل هذه المحاكمات -التي تخضع لأثر القانون الملغي- تنعدم فيها أي ضمانات للمحاكمة العادلة.
وشدد حزب الكرامة على أن أحكام الحبس هذه صدرت ضد شباب معروف بمواقفه الوطنية واستقامته. وهي تتناقض مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان. كما أنها تنسف أي حديث عن انفتاح سياسي أو حرية ممارسة العمل العام والتعبير عن الرأي، بعد إلغاء مد حالة الطوارئ في البلاد.
وأضاف أن أبسط وأول إجراءات حقوق الإنسان في مصر بلا طوارئ يجب أن تكون الإفراج الفوري غير المشروط عن كافة أصحاب الرأي من المحبوسين احتياطيًا ممن لم يثبت حتى الآن تورطهم في قضايا جنائية أو إرهابية. وكذلك إصدار قرارات بالعفو عن المحكوم عليهم في قضايا الرأي. إلى جانب عدم التصديق على الأحكام الصادرة في قضايا الرأي عن محاكمات استثنائية في ظل قانون الطوارئ.
اقرأ أيضًا: لماذا نحارب استراتيجيتنا الوطنية لحقوق الإنسان؟
الأحكام تتناقض مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
وفي السياق ذاته، طالبت الحركة المدنية الديمقراطية الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم التصديق على أحكام محاكم الطوارئ. وكذلك الأحكام الأخرى الصادرة عن محاكم استثنائية، وكانت منظورة قبل إنهاء الطوارئ. وأشارت الحركة إلى ضرورة إصدار تشريع بالعفو الشامل عن كل المتهمين في قضايا الرأي. خاصةً وأنهم من المعارضين السلميين الذين لم يرتكبوا أعمال عنف ولم يحرضوا عليه.
وذكرت أن هذه الأحكام تتناقض مع المعايير المتعارف عليها لمجتمع ديمقراطي. كما تتناقض مع ما أكده الدستور حول الحق بحرية الفكر والتعبير. وأيضًا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وقرار الرئيس بإنهاء الطوارئ. وكلها إجراءات دفعت الجميع للتفاؤل بمرحلة جديدة من تعزيز الحقوق والحريات العامة والسياسية في مصر. قبل أن يفسدها الحكم الأخير.
8 منظمات حقوقية.. أحكام «الإيحاء» استمرار للسياسات المعادية
إلى ذلك، وصفت 8 منظمات حقوقية الحكم الصادر بحق العليمي ورفاقه بـ «الاستثنائي». وقالت إنه استمرار للسياسات المعادية لحقوق الإنسان في مصر. مطالبة الرئيس بعدم التصديق عليه، والإفراج الفوري عن المحبوسين. بينما حملت أجهزة الأمن المسؤولية عن حياتهم وصحتهم النفسية والجسدية.
وقد ضمت قائمة الطلبات تلك أسماء: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – مركز النديم – المفوضية المصرية للحقوق والحريات – مؤسسة حرية الفكر والتعبير – كومتي فور جيستس – المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وذكرت -في بيان مشترك- أن الحكم «جزء من حملة الانتقام الممتدة بحق زياد العليمي ومؤنس وهشام فؤاد، التي بدأت في 24 يونيو 2019». بينما أشار البيان إلى الحالة الصحية للمحبوسين في القضية. فأضاف أنهم «يتعرضون لإهمال طبي، تسبب في إصابة بعضهم بأمراض مزمنة». إذ يعاني العليمي من أمراض الربو وارتفاع ضغط الدم ومرض مناعي نادر. كما أصيب خلال فترة احتجازه بارتشاح في القلب. وقد حُرم الصحفي حسام مؤنس -أحد مؤسسي حزب التيار الشعبي- من التريض والزيارة. فيما اشتكت أسرة الصحفي هشام فؤاد تردي أوضاع احتجازه، سواء فيما يتعلق بالتهوية أو غياب الرعاية الصحية، واستمرار معاناته من آلام الظهر والغضروف.
«دام»: البرلمان مطالب بمراجعة القوانين المنظمة لحرية التعبير
وقد ناشد مركز دعم التنمية والدعم والإعلام «دام» رئيس الجمهورية عدم التصديق على الحكم الصادر بحق العليمي ومؤنس وفؤاد، باعتباره الحاكم العسكري.
ووصف المركز الحكم بأنه «ضربة قاسية ليس فقط لمعايير المحاكمة العادلة، ولكن لجهود الحكومة أيضًا في الترويج للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان». كما ناشد النائب العام بالإفراج عن كل المتهمين المحبوسين على ذمة القضية 930 لسنة 2019 المعروفة باسم «قضية الأمل».
كما طالب المركز لجنة حقوق الإنسان في البرلمان بالبدء في مراجعة جادة لمنظومة القوانين المنظمة لحرية التعبير في قانون العقوبات أو غيره. بما يشمل إلغاء ما يتعين إلغاؤه وتعديله. وذلك اتساقًا مع أحكام الدستور والمواثيق لدولية والتزامات الحكومة المصرية بإنفاذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.