صدمت الأحكام القضائية الأخيرة -الصادرة وفق قانون الطوارئ الملغي بحق زياد العليمي وحسام مؤنس وهشام فؤاد- المجتمع المدني والدولي على حد سواء. ذلك لأنها ظهرت على عكس ما بدا من تغير في السياسات الحكومية تجاه ملف حقوق الإنسان في مصر. بعد عدة قرارات رسمية نالت إشادات محلية ودولية، بثت بوادر أمل بانفراجات تتوافق مع الدستور، لطالما نادى بها العاملون في مجال حقوق الإنسان في مصر.

وأصدرت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، أمس (الأربعاء)، حكمها على المحامي زياد العليمي بالحبس 5 سنوات، و4 سنوات للصحفيين هشام فؤاد وحسام مؤنس، و3 سنوات مع الشغل بحق محمد بهنسي وحسام عبد الناصر. فضلاً عن غرامة 500 جنيه يؤديها كل متهم، في هذه القضية التي دخلت محطة جديدة تنتظر التصديق من رئيس الجمهورية، بصفته «الحاكم العسكري»، بموجب قانون الطوارئ الموقوف العمل به.

هنا كانت البداية.. زياد ورفاقه المدانون بالأمل

في يونيو من العام 2019، اقتحمت قوات الأمن منازل عدد من النشطاء وبرلمانيين سابقين ومدافعين عن حقوق الإنسان. وقد كانوا يعدون لتشكيل تحالف انتخابي يحمل اسم «قائمة الأمل»، ضمن استعدادهم لخوض لخوض الانتخابات البرلمانية هذا العام. حيث واجهوا اتهامات بارتكاب جرائم: الاشتراك مع جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، لغرض الدعوة لتعطيل أحكام الدستور والقوانين. إضافة إلى منع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها. وأيضًا نشر أخبار ومعلومات وبيانات كاذبة بقصد تكدير السلم العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة.

ضمت قضية «الأمل» شخصيات من خلفيات سياسية مختلفة. وكان على رأسهم المحامي اليساري والبرلماني السابق زياد العليمي. وأيضًا الناشط في مجال مقاطعة إسرائيل رامي نبيل شعث. بالإضافة إلى حسام مؤنس مدير حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي. وكذلك رجل الأعمال الليبرالي عمر الشنيطي. إلى جانب الداعية خالد أبو شادي زوج ابنة خيرت الشاطر، والقيادي في حزب الاستقلال الدكتور أسامة العقباوي. فضلاً عن الصحفي الناصري هشام فؤاد، والمحامي قاسم عبد الكافي، والناشط العمالي حسن البربري. وكثيرون غيرهم بينهم أحمد عبد الجليل مدير مكتب النائب السابق أحمد طنطاوى المحسوب على تكتل 25/30. فيما وصل إلى 82 متهمًا، و19 كيانًا اقتصاديًا.

وفي 16 ديسمبر 2019، أخلت محكمة جنايات القاهرة سبيل 7 متهمين في القضية. قبل أن يتم إخلاء سبيل 4 متهمين آخرين في 11 أكتوبر من العام 2020 بتدابير احترازية. فيما قررت النيابة ضم بعض المتهمين إلى قضايا جديدة. وكان من بين هؤلاء الناشط العمالي أحمد عبد القادر الذي أخلي سبيله في أكتوبر 2020، ومثل مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا متهمًا في القضية رقم 1065 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، حسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

الإدارج على قائمة الإرهاب

خلال العام 2020، تقدم النائب العام -حسب قانون الكيانات الإرهابية– بطلب إلى محكمة الجنايات حمل رقم 1 لسنة 2020 للموافقة على إدراج المتهمين بقضية «الأمل» على قوائم الإرهابيين. وفي 18 أبريل من العام نفسه، قررت محكمة جنايات القاهرة الموافقة على الطلب. فأدرجت المتهمين على القائمة لمدة خمس سنوات. مع توقيع كل ما يترتب على ذلك من آثار طوال هذه المدة ضدهم.

وقد أعدت النيابة العامة قائمة بمن تعتبرهم كيانات إرهابية، قدمتها إلى محكمة استئناف القاهرة، للبتّ في طلبات الإدراج. وذلك بحسب المادتين الثانية والثالثة من قانون الكيانات الإرهابية. وكان من أبرز الآثار القانونية لذلك سحب جواز السفر أو إلغاؤه أو منع إصدار جواز سفر جديد أو تجديده. بالإضافة إلى المنع من التصرف في الأموال والممتلكات الشخصية مدة خمس سنوات. وكذلك فقدان شرط حسن السمعة والسيرة اللازم لتولي الوظائف والمناصب العامة أو النيابية أو المحلية. إلى جانب عدم التعيين أو التعاقد بالوظائف العامة أو بشركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام. وأيضًا الوقف عن العمل مع صرف نصف الأجر. فضلاً  عن حظر مزاولة جميع الأنشطة الدعوية أو الأهلية، ووقف العضوية في النقابات المهنية ومجالس إدارات الشركات والنقابات والأندية، حسب المادة 7 من القانون.

وقد أيدت محكمة النقض في 14 يوليو من العام الحالي 2021، قرار محكمة الجنايات السابق، بإدراج زياد العليمي ورامي شعث و11 آخرين على قوائم الإرهابيين، لمدة 5 سنوات. وذلك بعد رفض طعنهم لإلغاء القرار.

اقرأ أيضًا: «الأمل» مُدان بـ«الإيحاء».. الحبس من 3 إلى 5 سنوات بحق العليمي ورفاقه

بعد الحبس حبس.. والتهمة إيحاء

بعد انتهاء عامين من الحبس الاحتياطي دون محاكمة في قضية «الأمل» كان من المفترض أن يخلى سبيل المتهمين. إلا أن النيابة العامة رأت في يوليو الماضي إحالة زياد العليمي إلى المحاكمة على ذمة قضية جديدة. وقد وجهت إليه تهمة الإيحاء للرأي العام بفشل قناة السويس، والإيحاء للرأي العام العالمي باضطهاد أهالي النوبة. وذلك في مقالين كتبهما قبل خمس سنوات. إذ قالت النيابة إنه «كان من شأن ذلك إضعاف الدولة واعتبارها، والإضرار بالمصالح القومية للبلاد، والتأثير على مركزها الاقتصادي، وتكدير السلم العام، وإلقاء الرعب بين الناس».

وفي حالة حسام مؤنس، تضمن قرار الإحالة أنه نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أخبارًا كاذبة، ادعى فيها وجود معتقلين في السجون. ذلك بغرض الإيحاء للرأي العام بوجود انتهاكات لحقوق المواطنين في مصر، وانتهاك العاملين في وزارة الداخلية للقانون. بينما أسند لهشام فؤاد، أنه في حديث مصور عام 2016، أوحى للرأي العام العالمي بعدم شرعية مؤسسات الدولة المصرية. وكان من ذلك أيضًا إضعاف هيبة الدولة واعتبارها، وإضعاف الثقة المالية فيها، والإضرار بالمصالح القومية، وتكدير الأمن العام، وإلقاء الرعب بين الناس، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

وبحسب فريق الدفاع، لم تتم مواجهة المتهمين بـ«أدلة». كما لم يتم توجيه ذلك الاتهام طوال عامين قضوها في الحبس الاحتياطي. وقد اعتبروا تهمة «الإيحاء بإلقاء الرعب في قلوب المواطنين» استمرارًا لسلسة من الاتهامات الفضفاضة التي لا يمكن أن يحاكموا عليها. كما اشتكوا عدم تمكينهم من الاطلاع على أوراق القضية بالشكل المناسب لدفاعهم. هذا فضلاً عن إصدار الحكم بشكل مفاجئ بعدما تقرر تأجيله لجلسة أخرى.

أحكام الحبس الجديدة الصادرة ضد العليمي ومؤنس وفؤاد تراوحت ما بين 4 إلى 5 سنوات
أحكام الحبس الجديدة الصادرة ضد العليمي ومؤنس وفؤاد تراوحت ما بين 4 إلى 5 سنوات

خطوات حكومية لحل أزمة حقوق الإنسان.. إخلاءات السبيل

كان ترشح الديمقراطي جوزيف بايدن للانتخابات الأمريكية وبعدها فوزه بالرئاسة محطة فارقة في ملف حقوق الإنسان في مصر. لما تبع ذلك من تصاعد في الانتقادات الدولية لممارسات التضييق على العاملين في المجتمع المدني بالبلاد. وفي أواخر العام 2020، بدأت مصر خطوة مهمة في ملف النشطاء المحبوسين احتياطيًا، رأى محللون أنها تهدف إلى تخفيف الاحتقان داخليًا والضغوط الدولية في ملف حقوق الإنسان. ذلك بعدد من قرارات إخلاء السبيل، التي شملت أسماء بارزة من الصحفيين والنشطاء كان من بينهم الدكتور حازم حسني وخالد داوود وشيماء سامي وإسراء عبدالفتاح وشادي سرور والناشط العمالي خليل رزق وكمال البلشي وآخرين.

جاء ذلك ضمن جهود ممثلي المجتمع المدني، ثم مساهمة مجموعة الحوار الدولي، التي ترأسها محمد أنور السادات، رئيس حزب الإصلاح والتنمية، وتأسست في مارس الماضي، بغرض التفاعل الدبلوماسي مع الداخل والمجتمع الدولي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر.

الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.. التزام رسمي بحرية التعبير والممارسة السياسية

في ديمسبر الماضي، أعلن وزير الخارجية سامح شكري عن سعي الدولة المصرية لإعداد استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، تجسد خارطة طريق جادة لحقوق الإنسان، وتعكس الإرادة السياسية الحقيقية للدولة المصرية لإعلاء كرامة المواطن المصري. وقد شُكلت هيئة استشارية لإعداد مسودتها، استمعت طيلة 9 أشهر لشخصيات ضالعة في المجتمع المدني، من أجل الخروج بتوصيات من شأنها المساهمة في تصحيح الصورة المصرية أمام الغرب وتحسين ملف حقوق الإنسان المصري.

وفي 11 سبتمبر الماضي، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي، هذه الاستراتيجية رسميًا. وقال -خلال الاحتفال بإطلاق الاستراتيجية- إن هذه «اللحظة المضيئة في تاريخ مصر المعاصر». معتبرًا أنها «خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر».

وأضاف الرئيس أن «الرؤية المصرية لحقوق الإنسان تستند على عدد من المبادئ الأساسية، أبرزها أن كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة، وأن ثمة ارتباطًا وثيقًا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بالحقوق والحريات».

وقد أكد –خلال الاحتفال– التزام الدولة المصرية باحترام وحماية الحق في السلامة الجسدية. بالإضافة إلى الحرية الشخصية والممارسة السياسية وحرية التعبير وتكوين الجمعيات الأهلية. وأيضًا الحق في التقاضي. بينما شدد على ترحيب مصر بتعدد الآراء، بل واختلافها، ما دامت تراعي حريات الآخرين، وتهدف من خلال نقد بناء وتشاركي إلى تحقيق ما هو أفضل لصالح مصر وشعبها.

خطوة أخرى في سبيل حقوق الإنسان

لم تتوقف خطوات الدولة المصرية نحو تهدئة المخاوف عند هذا الحد. ففي أكتوبر، أعلن الرئيس إلغاء حالة الطوارئ المفروضة في البلاد منذ سنوات. وقال عبر حسابه على «فيسبوك» إن مصر باتت «واحة للأمن والاستقرار» في المنطقة.

ولكن…

هذا القرار الأخير على وجه التحديد قوبل من المجتمع المدني في مصر بالترحيب. وقد عُول عليه لإنهاء أزمة كل المحبوسين احتياطيًا على ذمم قضايا رأي وتهم نشر أخبار كاذبة. تلك التهم التي كانت تستفيد  في المقام الأول بقانون الطوارئ وما يتيحه للجهات الرسمية من تضييقات مختلفة على المواطنين بداعي الحفاظ على الأمن. لكن الترحيب بالقرار أيضًا كان محمولاً بترقب وتفاؤل حذر أكدت مخاوفه الأيام التالية.

ففي 1 نوفمبر الجاري، قرر مجلس النواب السير عكس المسار الذي تفائل به المجتمع المدني، فوافق البرلمان على عدد من مواد مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون مكافحة الإرهاب. وهي تعديلات قال المختصون إنها تمثل «طورأة» للقانون، باستبدال نصوص الطوارئ بسلسلة قوانين أخرى حلت محلها في مكافحة الإرهاب، في التظاهر والصحافة ومواجهة الإرهاب.

اقرأ أيضًا: السير عكس الطريق.. «طورأة» قانون مكافحة الإرهاب

لماذا نعود أدراجنا بقتل بودار التفاؤل؟

وفق كثير من المتابعين لملف حقوق الإنسان في مصر، اتخذت الدولة خطوات مهمة، لم تشهدها السنوات الماضية، نحو مزيد من تهدئة القلق على وضع حقوق الإنسان. لكنها خطوات تلتها أخرى محبطة. كان من بينها تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، رغم التأكيد الرسمي على أنها تستهدف الإرهاب في المقام الأول والأخير.

هذه التراجعات في الخطوات الجيدة التي بدأت بها الدولة تعديل المسار، إنما تضر في البداية الرسالة التي تريد السلطة بثها داخليًا ودوليًا. ثم أنها تعيد القلق إلى الراغبين في خدمة وطنهم بتقديم رؤاهم ومساهماتهم فيما ينقص الحكومة من توجهات وسياسات. وهي توصل المجتمع الدولي إلى الشك في أن هناك نية جادة حقيقية لخلق واقع مغاير عما عاشته مصر طويلاً، وتعهدت السلطة الحالية بإنهاءه، بإطلاق استراتيجية وطنية، قال الرئيس إنها تمثل «لحظة مضيئة في تاريخ مصر المعاصر»

ينظر المجتمع الدولي والعاملون بملف حقوق الإنسان محليًا إلى الحكم الأخير بحق العليمي ورفاقه باعتباره ناقوس قلق جديد أضر بسياسة تحسين وضع حقوق الإنسان الذي تسعى الدولة المصرية لإثباته. وقد توالت ردود الفعل الدولية على هذا الحكم. إذ اعتبره جو ستورك، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، استمرار في الاعتماد على المحاكم الخاصة، يكشف أن قرار إنهاء حالة الطوارئ لم يفعل على أرض الواقع، وأنه لا يوجد إصلاح حقوقي فعلي.

كما استنكرت 8 منظمات حقوقية مصرية هذا الحكم. بينما وصفته بـ«الاستثنائي»، ودليل على «استمرار السياسات المعادية لحقوق الإنسان»، في بيان موقع منها. وقد طالبت رئيس الجمهورية بعدم التصديق عليه. ودعت إلى الإفراج الفوري عن العليمي وفؤاد ومؤنس. خاصةً أن الحكم يقضي بمزيد من السنوات بحقهم داخل السجون. إلى جانب القضية الأخرى المنظورة حاليًا أمام نيابة أمن الدولة العليا، والمحبوسين على ذمتها منذ يونيو 2019 «الأمل».