ظل المزارع على عبدالصمد، يترقب نضوج محصوليه من الطماطم والفلفل بفارغ الصبر، لجني ثمار تعب الأسابيع. واسترداد المبالغ التي أنفقها على تجهيز الأرض وزراعتها، قبل أن تتهاوي أحلامه على يد موجة السيول الأخيرة، التي ضربت أسوان.

يقف المزارع الخمسيني أمام قطعة أرضه التي تشبعت بمياه المطر المحملة بالرمال، ينظر في حسرة إلى نباتاته التي اعتاد زيارتها يوميًا. على أمل أن تشعر بوجوده كما يقول المثل الريفي “الأرض تسعد بصاحبها”. وأن تنفض النباتات المنُكسَّة رؤوسها، مرتفعة للأعلى لتستقبل أشعة الشمس.

بحسب نقابة الفلاحين، لم تتضرر المحاصيل الزراعية الشتوية من الأمطار. إلا الأراضي والمنازل الريفية التي تقع بالقرب من المناطق الجبلية أو في طريق المخرات. التي جرفت قوة المياه جذور نباتاتها والتربة من حولها.

لا يعتقد عبدالصمد بأنه سيحصل على تعويض عن أضراره الزراعية، فأصحاب المنازل المتهدمة لهم الأولوية لدى الجهات المعنية. ولن ينتظر حتى يتم البت في أمره ولديه بقايا محصول تفرق الدقائق في عمره. فبقاء المياه 5 ساعات فقط بجوار الجذور كفيلة بعطبها وتعفنها.

يستفيد أهالي القرى المتضررة من إعادة بناء منازلهم أو نقلهم لمشروعات الدولة المجاورة. لكن المشكلة في أضرار المحاصيل الزراعية التي لم يتم ذكرها حتى الآن في التعويضات مع تصدر الأحزاب والمؤسسات الخبيرة المشهد.

قرر حزب مستقبل وطن، تنظيم قافلة لدعم القرى المتضررة بأسوان، وصرف إعانة 20 ألف جنيه لكل أسرة انهار منزلها بسبب الظروف الجوية. وترميم وإصلاح المنازل التي حدث بها تلف مع مساعدات عينية للأسر التي فقدت بعض مستلزماتها.

صناديق معطلة

لا يستطيع غالبية المزارعين تلبية إرشادات وزارة الزراعة بسحب المياه الراكدة بالحقول بسبب عدم توافر معدات الشفط. بجانب ري الأرض رية خفيفة بعد السيول بأسمدة فوسفاتية، مع الرش بمضادات الفطريات. في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة إلى 500 جنيه للشكارة الواحدة.

نقابة الفلاحين بأسوان أعلنت عن سعيها لتوفير تعويض لبعض المزارعين، لكنهم لا يعولون عليها في ظل ضعف مواردها المالية. فضلاً عن أن أعضاء مجلس النقابة ذاتهم كانوا من المتضررين. في محافظة تشتهر بعدد من المحاصيل الزراعية في مقدمتها التمور التي تضررت بعض أشجارها بسبب العاصفة الترابية بجانب قصب السكر والقمح والحناء.

أعلنت وزارة الزراعة، قبل خمس أعوام، عن مشروع لإنشاء صندوق مستقل يختص بصرف التعويضات للمزارعين عن تعرضهم للكوارث الطبيعية. يتضمن الحوادث غير المتوقعة والناجمة عن قوى طبيعية ويترتب عليها خسائر وتدمير بالممتلكات أو المحاصيل. وتفوق إمكانيات مواجهتها قدرة المزارع المالية.

يفترض أن الصندوق الجديد الذي يخضع لإشراف وزارة الزراعة يعتمد على تعويض المزارعين عبر حسابين. أحدهما خاص بالتعويضات عن الكوارث الطبيعية والثاني بالتأمينات الزراعية. ويعتمد في تمويله على 51% مساهمة حكومية و49% مساهمة من الاتحادات والمنظمات الأهلية والمجالس الزراعية المتخصصة. و1% من تسويق المنتجات الزراعية وقسط التأمين الذي يدفعه المزارع بموجب عقد التأمين.

لكن صدام أبو حسين، نقيب الفلاحين، يؤكد لـ”مصر 360″، أن صندوق وزارة الزراعة لم يتم تفعليه حتى الآن. وهو أمر يجب مراجعته حتى لو كانت خسائر الزراعات في أسوان محدودة. فالتغيرات المناخية التي جعلت المحافظة تستقبل ثلوجًا تدق العديد من نواقيس الخطر.

رغم وجود اللجنة القومية لإدارة الأزمات والكوارث والحد من المخاطر، التي تتضمن خطتين قوميتين. إحداهما لمواجهة تأثيرات نوبات الطقس الجامحة والحدّ من أخطارها، والثانية لمواجهة كارثة السيول والحد من مخاطرها. إلا أن النائبة أميرة أبوشقة، عضو مجلس النواب، طالبت الحكومة بإعلان خطتها لمواجهة السيول والأمطار خلال فصل الشتاء.

طالبت النائبة أيضًا بإعلان عن التدابير اللازمة التي اتخذتها لحماية المحافظات المعرضة لسقوط الأمطار وإتباع إجراءات متطورة وحديثة للاستفادة منها. وإعادة استخدامها في الزراعات وري الحدائق وغيرها.

وثيقة جماعية

يطالب الدكتور أشرف الغنام، الخبير الزراعي، بوجود وثيقة تأمينية على المحاصيل الزراعية للتعامل مع التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية والتقلبات السعرية. مع دراسات مستوفاة حول تسعيرها ومدى إلزاميتها خاصة الفواكه التي تباع قبل نضوج المحصول بفترة.

تغطي معظم وثائق التأمين الأخطار مثل الزلازل والسيول، أما بالنسبة أخطار الأمطار فتتطلب تعويضها ملحقا إضافيا على وثيقة التأمين. بناء على رغبة العميل ومذكورة صراحة بالوثيقة، وكذلك السيول التي يرجع سببها بالأساس لسقوط أمطار غزيرة انحدرت من أماكن مرتفعة كالجبال والهضاب. تسببت في وقوع أضرار بالممتلكات والأصول، والمشكلة أن المزارعين لا يعرفون أي وسيلة عن تلك الوثائق، وليس لديهم أي ثقافة مالية.

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بحسب الدراسة، التي أعدتها لجنة الحريق بالاتحاد المصري للتأمين عن العام 2015 فإن الأخطار الطبيعية أظهرت ارتفاعًا بمعدلات الخسائر بالسوق المصرية. حيث بلغت قيمة التعويضات للسوق المصرية ككل أكثر 29 مليون جنيه بنسبة تصل إلى %403، مقارنة بالأعوام السابقة.

بلغت قيمة الأقساط الصافية للتأمين ضد الأخطار الناتجة عن الأخطار الطبيعية نحو 48,7 مليون جنيه. ما يمثل ربع التعويضات المسددة والبالغة 196,3 مليون جنيه، ويبلغ العدد الإجمالي لوثائق الأخطار الطبيعية بالسوق 22690 وثيقة عام 2015.

يشدد الغنام على ضرورة صرف التعويض بعد مشاورات مع ممثلي المزارعين المتضررين وقياداتهم من أجل حصر دقيق لحجم الأضرار ومساحاته سواء منطقة معينة أو عدة مناطق. مع إمكانية أن يكون التعويض عينيًا وليس ماليا عن طريق صرف حصص من التقاوي أو الأسمدة أو المبيدات الحشرية.

غياب دور التعاونيات

لا يمكن التعويل على دور التعاونيات التي لا تقوم بدورها الأصلي في تسويق منتجات أعضاء الجمعيات الزراعية والمزارعين على مستوى الجمهورية. ولا الجمعيات الزراعية بالمحافظات التي أصبحت بلا صلاحيات سوى توزيع الأسمدة الزراعية باستثناء جمعيات الإصلاح الزراعي التي تحقق الربحية.

يقول نواب بالبرلمان عن محافظة أسوان إن الجهود الحكومية حالت دون حدوث كارثة بالمحافظة. بعدما تم تكثيف بناء السدود الركامية والمخرات ومراكز الرصد التي توقعت حدوث موجة الأمطار قبلها بـ 72 ساعة.

ووفقًا لوزارة الري، فإنه تم إنشاء أكثر من 1500 منشأة للحماية من السيول ومخاطرها. وفي أسوان تم إنشاء سدود مثل أبو الريش الركام الذي خفف من حدة السيول ذات القدرة التدميرية العالية. كما نجح اثنين من السدود التي أنشأتهما الوزارة نجحا في حجز نحو 6 ملايين متر مكعب. من المياه أقصى جنوب محافظة البحر الأحمر في شلاتين.

السدود الركامية عبارة عن سدود مكونة من الركام والصخور تسمح بمرور المياه من داخلها بعد تهدئة حدتها وتشبع كميات الرمال أمامها. وبالتالي لا تقوم بأدوار في تخزين المياه ولكن في تقليل أثار السيول فقط.

وتوجد ثلاثة طرق للتعامل مع أخطار السيول أولها التجنب بإبعاد بالمناطق العمرانية عن أماكنها. وثانيها في الوقاية بإقامة سدود وجسور وهي تكلفة مرتفعة للغاية. والطريقة الثالثة تتمثل في التخفيف بتحديد الأكواد المناسبة للبناء وتخطيط استخدامات اضي في المناطق المعرضة وتوحيد الطرق الثلاثة يوفر الحماية المطلوبة.

بالنسبة للتجمعات السكانية والمزارع الموجودة بالمناطق التي تتعرض السيول فإنه أسلوبين. إما إقامة حواجز ركامية أو بتحويل مسار السيول وعبر إقامة حواجز ركامية حول التجمعات السكانية والمزارع وتحوير مسار السيول عبر  قنوات صناعية في للأدوية الأضخم التي يوجد بها توسعات زراعية.

خسائر كبيرة

أكد الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، خلال حفل افتتاح محطة معالجة مياه صرف بحر البقر. أخيرًا أن السيول كلفت مصر خسائر تقدر بـ3 مليارات جنيه في الفترة من 2014 إلى 2016. خاصة السيول التي ضربا طابا 2014، وغرب الدلتا في 2015، ورأس غارب في 2016.

يؤكد النائب علي البدري، عضو مجلس النواب عن مدينة أدفو بالمحافظة، أن أعضاء البرلمان من مجلسَي النواب والشيوخ يقومون، حاليًّا. بحصر الخسائر، وهي مرحلة ضرورية لتقديم التعويضات.

لكن مكتب مؤسسة مصر الخير بأسوان تؤمد حصولها على حصر مبدأي من الجمعيات الأهلية الشريكة يفيد تضرر 400 منزل بشكل مبدأي. لكن لم يتم ذكر الأراضي الزراعية ضمن المؤسسات المتضررة.

بحسب اللواء أشرف عطية، محافظ أسوان، فإن المحافظة استقبلت خلال 55 دقيقة  8 ملايين متر مكعب من الماء  وهي أعلى بنحو 3 ملايين متر مكعب عن آخر سيول شهدتها في 2010، وحينها استمر هطولها لنحو 120 دقيقة بزيادة بلغت 80 دقيقة عن الموجة الأخيرة.

تقول محافظة أسوان، أيضًا، إنها تعاملت بسرعة مع تداعيات السيول واستطاعت إعادة التيار الكهربائي لجميع المناطق. وشفط كميات ضخمة من المياه من الشوارع في وقت قياسي وإعادة تسيير حركة المراكب النيلية مجددًا. لكن النائبة ريهام عبدالنبى، عضو مجلس النواب، تطلب زيارة عاجلة من رئيس الوزراء والوزراء المعنيين للمحافظة للتوصل لحلول عاجلة للمشكلات التي خلفتها الكارثة الطبيعية.

أكد اجتماع مجلس الوزراء، الأربعاء، أن المنازل التي تأثرت من جراء سقوط الأمطار بكثافة كانت مبنية من الطوب اللبن. وتقع في مخرات السيل وسيتم نقهل المضارين لوحدات سكنية متاحة ومبنية بمنطقة العلاقي بعد العمل على رفع كفاءتها فقط.

فضل عبدالصمد زراعة الخضروات في أرضه على أمل أن تمنحه عائدًا أفضل من المحاصيل الإستراتيجية كالقصب التي تتحمل المياه. ولم يخطر في باله بعدما كان ينتظر الحصاد، أن يصبح شغله الشاغل حاليًا كيفية معالجته لتربتها المنجرفة. لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من محصولين الخضار الذي زرعها.