بالتزامن مع الأحكام القضائية الاستثنائية، والإجراءات العقابية التي طالت نشطاء مدافعين عن حقوق الإنسان في مصر. والتي كان آخرها الصادرة بحق المتهمين في قضية الأمل، وما انبثق منها من قضايا، صدرت مؤخرًا نتيجة استطلاع “جالوب” العالمي، والذي يضم قائمة الدول في مؤشر القانون والنظام لعام 2021.

يعني المؤشر بتحديد مدى ثقة الأفراد في منظومة العدالة في بلادهم، والرضا عن الشرطة المحلية، أو عن شعورهم بالأمان في أحيائهم، أو تعرضهم للسرقة أو الاعتداء في عام 2020.

وتصدرت الإمارات القائمة عربيًا. فيما جاءت الأردن بالمركز الثاني، تليها السعودية ثالثا، ثم مصر في الرابع عربيا، حيث احتلت المركز 136 من أصل 139 دولة ومقاطعة في جميع أنحاء العالم.

وتضع هذه النتيجة مصر في المركز الأخير من أصل ثمانية مراكز للدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي المركز 34 من أصل 35 مركزًا في الشريحة الدنيا من الدول والمقاطعات متوسطة الدخل.

هذه النتائج عزاها حقوقيون إلى البنية التشريعية السيئة في مصر ، حيث تُفرض الكثير من القوانين لتقييد الحقوق وليس إعطاؤها. كما أن المنظومة القضائية هي أحد أسباب تراجع مصر في القائمة، حيث لم تعمل الحكومة المصرية على إصلاحها بشكل كاف، وفقا لحقوقيين تحدثوا إلى “مصر 360”.

 

مؤشر القانون والنظام لعام 2021

مؤشرات 2021

جاءت تقارير العام الجاري، بناء على مقابلات مع أكثر من 120،000 شخص بالغ في 115 دولة ومنطقة في عام 2020. كما أنه جمعت البيانات من العمل الميداني في 51 دولة صدرت اعتبارًا من 20 أكتوبر 2021.

وشهدت 74.2% من الدول التي شملها البحث انخفاضاً في أدائها الكلي لسيادة القانون. في حين تحسنت %25.8 من الدول. 74.2% من البلدان التي شهدت انخفاضاً في أدائها الكلي لسيادة القانون هذا العام تمثل 84.7% من سكان العالم، أو ما يقرب من 6.5 مليار شخص.

وتلفت النتائج إلى أن التراجع يسود في جميع أنحاء العالم للسنة الثانية على التوالي. فغالبية الدول إما تراجعت أو لم تتغير في أدائها الكلي لسيادة القانون للسنة الرابعة على التوالي.

وخلال العام الماضي شهدت 82% من الدول في المؤشر انخفاضاً في بُعد واحد على الأقل من جوانب الفضاء المدني المشاركة المدنية، حرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع وتكوين الجمعيات. وشهدت 94% من الدول في المؤشر بطئاً متزايداً في الإجراءات القضائية الإدارية، المدنية، أو الجنائية.

وجاءت الدول ذات أعلى نتائج في سيادة القانون الكلي هذا العام هي الدنمارك، النرويج، وفنلندا. وأدنى نتائج في سيادة القانون الكلي كانت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، كمبوديا، وفنزويلا.

سجل العالم 82 درجة من 100 على مؤشر القانون والنظام في عام 2020

ثبات معدل الأمان

أشار الاستطلاع إلى أن حوالي 7 من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء العالم في عام 2020 شعروا بالأمان في الدولة التي يعيشون بها أثناء المشي بمفردهم في الليل، لتبلغ نسبتهم 72٪، وهو ارتفاع طفيف مقارنة مع نتائج 2019، التي وصلت إلى 69٪.

وذكر التقرير بأنه على الرغم من أن وباء كوفيد 19 غيّر العديد من الأمور في حياة الناس. إلا أنه لم يغير بشكل بارز مدى شعور معظم شعوب العالم بالأمان، أو زعزعة إيمان الناس بسيادة القانون. حيث سجل العالم 82 درجة من 100 على مؤشر القانون والنظام في عام 2020، مما يعني بأن شعور الأفراد بالأمان لايزال عند المستوى نفسه منذ عام 2017.

صعود وهبوط

تصدرت النرويج المؤشر الدولي برصيد 94 نقطة من أصل 100، بينما احتفظت دولة الإمارات بالمركز الثاني دولياً، وبصدارتها للمؤشر على مستوى الإقليم بـ 93 نقطة. وجمعت الأردن 89 نقطة من أصل 100، والسعودية 25 برصيد 86 نقطة، ومصر في المركز 35 بـ 85. بينما حلت فنزويلا في آخر القائمة للدول الأقل أمنًا بـ 53 نقطة.

أمّا الدول التي شهدت أكثر تحسن في سيادة القانون في العام الماضي هي أوزبكستان %4.1، مولدوفا %3.2، ومنغوليا (2.0%).

والدول التي شهدت أكبر انخفاض في سيادة القانون العام الماضي هي بيلاروس %7.5-، وميانمار %6.3-. وتشاركت نيجيريا، نيكاراجوا، قيرغستان، والأرجنتين في ثالث أكبر انخفاض بنسبة %3.7-.

تلفت النتائج إلى أن التراجع يسود في جميع أنحاء العالم للسنة الثانية على التوالي

ما هو مؤشر القانون والنظام؟

يقوم مؤشر القانون والنظام، الذي تقوم على استطلاعاته مؤسسة جالوب. بإشراف مؤسسة مشروع العدالة العالمية WJP. على هدف التنمية المستدامة رقم 16، والذي أقرته الأمم المتحدة. حيث توفر مجتمعات التنمية المستدامة الوصول إلى العدالة للجميع، وبناء مؤسسات فعالة للمساءلة والشاملة على جميع المستويات.

ويسأل الاستطلاع الناس في الدول المشاركة عن تصورات أمنهم والثقة في أحكام القانون، ومسيرة العدالة. وتتضمن الأسئلة عدة نقاط، تضم الخبرات الشخصية مع الأمن والجريمة وإنفاذ القانون. أبرزها الإحساس بالأمان عند المشي وحيدًا في الليل في المنطقة التي يعيشون فيها، والثقة في الشرطة المحلية.

واعتمد التقرير في معظم البلدان والمناطق، على إجراء الاستطلاع عبر الهواتف المحمولة والهواتف الأرضية. بينما أجرى بعض الباحثين مقابلات شخصية في الكونغو، الهند، مالي، باكستان والسنغال. للحصول على النتائج بناء على إجمالي العينة.

وذكرت المؤسسة أن هامش خطأ أخذ العينات يتراوح من 1.1 إلى 5.5 نقطة مئوية في 95٪ من الاستطلاعات.

وجاءت العينات بين السكان البالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 عامًا وكبار السن، في 51 دولة ومنطقة شملهم الاستطلاع في الفترة بين أبريل وأغسطس 2021.

وأشار التقرير إلى أن صياغة الأسئلة والصعوبات العملية في إجراء الاستطلاع يمكن أن يعرض خطأ أو يُظهر تحيزًا في نتائج استطلاعات الرأي العام.

71% من سكان العالم في عام 2020 لديهم ثقة في الشرطة المحلية

سيادة القانون في مصر

سجل مؤشر هذا العام لسيادة القانون انخفاضًا في النتيجة الإجمالية لجمهورية مصر العربية بنسبة 2.8%. وبقيت مصر في المركز 136 من أصل 139 دولة ومقاطعة في جميع أنحاء العالم.

وتضع هذه النتيجة مصر في المركز الأخير من أصل ثمانية مراكز للدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي المركز 34 من أصل 35 مركزًا في الشريحة الدنيا من الدول والمقاطعات متوسطة الدخل.

وحققت مصر ثماني درجات من أصل ثمانية في أغلب المؤشرات، وهي “تجاوز السلطات الحكومية للصلاحيات المخولة لها، شفافية الحكومة، النظام والأمن، إنفاذ اللوائح التنظيمية، العدالة المدنية، العدالة الجنائية”.

بينما حققت سبع نقاط من أصل ثمانية في نقطتي “غياب الفساد” و”الحقوق الأساسية”.

تشريعات سيئة

“تتمثل مشكلة التشريعات المصرية في كونها تفرض المزيد من القيود، بالرغم من أنها يجب أن تعمل على تنظيم الحقوق”. وفق ما يقول شادي عبد الكريم، المدير التنفيذي لمؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير.

يُشير شادي، في حديثه لـ “مصر 360” إلى أن البنية التشريعية في مصر “سيئة”، حيث “تُفرض الكثير من القوانين لتقييد الحقوق وليس إعطاؤها”. لافتًا إلى أن المنظومة القضائية هي أحد أسباب تراجع مصر في القائمة، حيث لم تعمل الحكومة المصرية على إصلاحها بشكل كاف.

يُضيف: “هناك فارق بين ضبط المنظومة وتعقيدها. نحن نعيش حالة من عدم الانضباط في التشريعات العقابية، إضافة إلى الكثير من الصيغ المطاطية في تشريع القوانين. بحيث يُمكن للقاض أن يحكم على برئ أو يُبرئ مُدان، أو أن يوضع شخص تحت طائلة قوانين صيغتها تصلح للعديد من الأغراض”.

ولفت مدير مؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير، إلى أن المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض، أشارا في العديد من الأحكام إلى تلك التشريعات. وناشدوا المشرع لتعديلها “من تلك التشريعات القوانين الاستثنائية، مثل قانون الإرهاب، والقوانين التي تجيز إحالة المدنيين للقضاء العسكري”.

وأكد عبد الكريم أن العمل على إصلاح المنظومة القضائية سيتوجب الكثير من العمل “لكن لا يمكن أن يتحسن ترتيب مصر في هذا المؤشر دون إصلاح قضائي”.

ثبات المعايير

يلفت مجدي حلمي، نائب رئيس المؤسسة المصرية للتدريب وحقوق الإنسان، إلى أن المعايير التي يتم وفقها قياس المؤشر ثابتة ولا تخضع للتغير باختلاف ظروف كل دولة. وهو ما يجعل مصر تظل في مؤخرة القائمة، حسب قوله.

وأضاف لـ “مصر 360”: لم يضع القائمون على الاستطلاع في اعتبارهم الظروف التي مرت بها مصر خلال السنوات العشر السابقة. حيث شهدت البلاد الكثير من الفوضى وانعدام الأمن، وهو ما استدعى الكثير من التدابير الاستثنائية.

لكنه، في الوقت نفسه، أشار إلى أن مصر واحدة من الدول التي وقّعت على العديد من الاتفاقيات الدولية والمواثيق المرتبطة بالقانون الدولي العام “وهذه المواثيق تلزم المشاركين بعدة أمور. منها فصل السلطة التشريعية عن التنفيذية، واستقلال القضاء”.

وتابع: يجب أن تكون القوانين معبرة عن احتياجات البلاد في ظل نظام ديمقراطي يتمتع بالتعددية وحرية الرأي والتعبير. هذا لم نعرفه بعد. لكن العالم لا يعبأ بهذا، فقد صار عالمنا متشابك ولا يعترف بالخصوصية في الحقوق والقوانين. يمكن الحديث عن الخصوصية في الأزياء أو التراث، ولكن ليس القانون أو حقوق الإنسان”.

وأوضح أنه لكي يرتفع الترتيب المصري في هذا المؤشر. فيجب إعادة النظر للمنظومة التشريعية خلال السنوات العشر السابقة “وعلى رأسها قضية الحبس الاحتياطي. الذي صار هو نفسه عقوبة يجب التراجع عنها”.