يأكل 200 مليون أفريقي الأسماك بانتظام، وهو معدل استهلاك أقل بكثير مقارنة بمواطني باقي قارات العالم، لكن هذا المعدل مرشح للتناقص في السنوات المقبلة، بسبب استنزاف الأساطيل الأجنبية للمصايد والتصدير المتزايد إلى الصين، تحديدا.
حتى 2012 كان معدل استهلاك الحد الأدنى نحو 10 كجم لكل شخص، نتيجة أن إنتاج الصيد الموجه للسوق المحلي بلغ ما يقارب 1.7 مليون طن، في حين تقدر أبحاث نقص مليون من الأسماك بحلول 2025.
وخلال السنوات الماضية، دأبت شركات صيد الأسماك العالمية الكبرى على سرقة الأسماك من المياه الإقليمية لدول أفريقيا النامية التي لا تملك القدرة علي حماية سواحلها، وهو ما حرم تلك البلدان من مصدر غذاء رخيص لسكانها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن أساطيل الشركات والدول الغنية تجرف مخزون السمك في تلك المناطق مما يهدد الأمن الغذائي لتلك البلدان ويحرم الصيادين من مصدر رزقهم، ويهدد بنضوب ذلك المورد الهام للغذاء.
دراسة صادرة عن المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية بعنوان “الجريمة في صناعة صيد الأسماك في إفريقيا: تهديد للأمن البشري”، سلطت الضوء على الاستغلال غير القانوني لمصايد الأسماك الأفريقية، الذي يحرم الدول الأفريقية من مصدر عالي القيمة للدخل، ويجعل أفريقيا المنطقة الوحيدة في العالم التي تنخفض فيها معدلات استهلاك الأسماك”.
جرائم صيد الأسماك في أفريقيا
تجوب الآلاف من سفن الصيد الأجنبية المياه الأفريقية كل عام للانقضاض على الثروة السمكية الغنية بالقارة، وسط إفادات بأن العديد من هذه السفن تستغل مصايد الأسماك الأفريقية بشكل غير قانوني.
تشمل الجرائم الصيد بدون ترخيص، والصيد في المناطق المحمية، واستخدام معدات الصيد المحظورة التي تدمر قطاع مصايد الأسماك، أو اصطياد الأنواع المحمية، حتى السفن المرخصة لا تبلغ عن ما تم صيده كما ينص القانون.
ووجد تحقيق أجرته منظمة “Greenpeace” أن سفن الصيد الصينية العاملة في غرب أفريقيا تتعمد عدم الإبلاغ عن حجم صيد سفنها بنسبة تصل إلى 60 %. وتمكن هذه الممارسة شركات الصيد من زيادة محصولها بشكل كبير أثناء الصيد في المناطق المخصصة للسفن الصغيرة.
وفي غينيا بيساو، من المعروف أن سفن الصيد الأجنبية تتواطأ مع صغار الصيادين الأفارقة للوصول إلى المياه المخصصة للصيد الحرفي، حيث يصطاد صغار الصيادين السمك ثم يفرغونه ببساطة على “السفينة الأم” الرئيسية دون الحاجة إلى رخصة صيد للسفينة المملوكة للأجانب.
الفساد مفتاح الاستنزاف للموارد السمكية الأفريقية
تتفاقم هذه المشاكل بسبب عدم كفاية جهود الرصد والمراقبة لقطاع الصيد من قبل الحكومات الأفريقية. بالإضافة إلى التواطؤ بين شركات الصيد الأجنبية والوزارات الأفريقية المسؤولة عن تنظيم الصيد.
وفي بعض الأحيان، يكون للقادة السياسيين الأفارقة مصالح مالية مباشرة في مشاريع مشتركة مع شركات صيد الأسماك الأجنبية.
وغالباً ما تكون اتفاقيات الصيد مبهمة تحافظ على المعلومات الأساسية خفية عن الأنظار، مثل تحديد من يُسمح له بالصيد، وكم يدفعون، وتحديد ما يصطادون.
حجم الاستنزاف بالصيد غير القانوني
تقديرات حجم الصيد غير القانوني في أفريقيا غير موثوقة بشكل ملحوظ، لكن المؤكد أن الصيد الجائر يؤدي إلى استنزاف مخزون الأسماك الأفريقية. وتشير التقارير الرسمية إلى أنه يتم حصاد حوالي 8 ملايين طن من الأسماك في المياه الأفريقية سنوياً بزيادة قدرها عشرة أضعاف عن الستينيات.
وأدى هذا التوسع في الصيد الأجنبي في المياه الأفريقية في نفس الوقت إلى انخفاض توافر الأسماك في الأسواق المحلية، نتيجة التوسع الهائل في استنزاف المورد السمكي عبر الصيد غير القانوني، مقابل الاعتماد بشكل أكبر على الواردات، مما أدى إلى القضاء على شبكة أمان غذائية هامة للشعوب الأفريقية.
وأفريقيا هي القارة الوحيدة في العالم التي ينخفض فيها استهلاك الفرد من الأسماك، وهو أمر بالغ الخطورة نظراً لأهمية الأسماك لصحة ملايين الأفارقة الذين يعتمدون عليها كمصدر للبروتين، وفي نفس الوقت، تعتبر عائدات الصيد التجاري التي تتلقاها الحكومات الأفريقية منخفضة للغاية بالنسبة لحجم الصيد الجاري.
ورغم كون صيد الأسماك يعتبر من الموارد الطبيعية المتجددة إلا أن الصيد الجائر يهدد قدرة هذا المورد على تجديد نفسه.
وقدّر الاتحاد الأفريقي (AU) أنه في ظل الإدارة المستدامة، يمكن لقطاع صيد الأسماك أن يدر ملياري دولار إضافية سنوياً للاقتصادات الأفريقية.
على الرغم من أن الصيد غير القانوني ليس مشكلة فريدة في أفريقيا، إلا أن البلدان الأفريقية معرضة للخطر بشكل خاص بسبب ضعف تنفيذ القانون، والقدرة المحدودة على إدارة مصايد الأسماك، وعدم كفاية الوعي بتكاليف الاستغلال، والفساد السياسي الذي تورط فيه كل من الحكومات الأفريقية والأجنبية المالكة لأساطيل الصيد.
نظرة عامة على قطاع مصايد الأسماك في أفريقيا
يمكن تقسيم صيد الأسماك في أفريقيا، إلى قطاع كبير وقطاع صغير الحجم، القطاع الصغير، الذي يتتبع أساليب الصيد الحرفي يعمل به الأفارقة لتزويد الأسواق المحلية وأحيانا الأقليمية، مثل الأسماك المجففة أو المدخنة من السنغال والتي تباع في جميع أنحاء الغرب ووسط أفريقيا.
ويضم قطاع مصايد الأسماك الصغيرة النطاق أعدادا كبيرة من الأفارقة المشاركين في الصيد والتصنيع وتجارة الأسماك، ويقدر عددهم بنحو 12 مليون شخص تشمل التفرغ الكامل أو الدوام الجزئي الموسمي.
يشكل الرجال العماد الأساسي لصيد الأسماك، فيما تشكل النساء غالبية أولئك الذين يعملون في قطاع ما بعد الحصاد، مما يجعل صناعة صيد الأسماك مهمة جدًا للأمن الغذائي للعديد من النساء وأطفالهن.
نضوب المصايد الأوروبية
يفسر تصاعد اهتمام أساطيل الصيد بالمياه الأفريقية بسبب تناقص كميات الصيد في المياه الإقليمية للدول الكبرى ومناطق الصيد التقليدية.
وللحفاظ علي الإمدادات توسعت شركات الصيد الكبرى تجاه أفريقيا، وأصبح ذلك ممكنا بفضل الإعانات الكبيرة التي تتلقاها صناعة صيد الأسماك في العالم والمقدرة بنحو 20 مليار دولار سنويًا في صورة دعم لتعزيز القدرات.
ويسمح جزء كبير من هذا الوضع للسفن من آسيا وأوروبا بالعمل في البلدان النامية بأفريقيا، ويدفع الاتحاد الأوروبي ما يصل إلى 50% من تكاليف اتفاقيات الصيد نيابة عن أسطول الصيد الخاص به.
وفي عام 2013، قدمت الحكومة الصينية ما يقرب من 6.5 مليار دولار من الإعانات لقطاع الصيد، 94 % منها على شكل دعم ديزل. ومن المستبعد أن يستمر الصيد الأجنبي بكثافته الحالية في أفريقيا إذا تم إلغاء الدعم للقطاع.
استغلال لمعاناة الحكومات
وصلت مشكلة الصيد بدون ترخيص إلى مستويات مأساوية بالنسبة للبلدان التي تعاني من نزاعات مسلحة، كما حدث هذا في ليبيريا، عندما عُرف أن العشرات من السفن المملوكة لأوروبا والصين تقوم بالصيد دون إذن خلال الصراع الأهلي الذي دام عقدين من الزمن والذي بدأ في أواخر الثمانينيات.
وتنتشر على نطاق واسع روايات عن أن المئات من السفن الأوروبية والآسيوية تقوم بذلك في الصومال، ورغم مخاطر المياه الصومالية إلا أن وجود الأسماك التي يكون صيدها مربحا للغاية مثل التونة، يجعل سفن الصيد العاملة في الصومال تدفع مبالغ كبيرة لأمراء الحرب المختلفين لحمايتهم من القرصنة، وبالتأكيد ساهمت تلك الأموال في تصاعد خطر القرصنة بالإضافة إلى تفاقم النزاع المسلح.
الصيد غير القانوني في مصر
رغم تأثر بلدان أفريقية كثيرة من انتهاكات الأساطيل الغربية، لكن مصر تبدو بمنأى تماما عن هذا الاستنزاف، لامتلاكها سيطرة كاملة علي سواحلها. بسبب سنوات الحرب الطويلة التي ساهمت في تشكيل الأسطول البحري المصري، فبات يصعب على سفن الصيد التسلل للمياه الإقليمية المصرية، لأنها ستعامل كسفن معادية على الفور.
ولم توقع مصر أية اتفاقيات مرتبطة بالتعامل داخل حدودها البحرية للصيد مع الجهات النشطة في هذا المجال مثل الاتحاد الأوروبي والصين.
وفي أغسطس الماضي، وافق مجلس النواب على قانون حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية” والذي وضع عقوبات رادعة للصيد الجائر أو غير المرخص، ووضع ضوابط محددة لأماكن الصيد وحجم الأسماك المسموح بصيدها وبيعها.
وأنشأ القانون للمرة الأولى “جهاز تنمية البحيرات والثروة السمكية” وأصبح تابعا لرئيس الوزراء مباشرة، ويختص بـ”حماية وتنمية واستغلال البحيرات وبواغيزها وشواطئها وحماية وتنمية الثروة السمكية والأحياء المائية، ويتولى الجهاز رسم السياسة العامة لحماية البحيرات وبواغيزها وشواطئها من التلوث”.
أمام هذه التحديات، خلصت دراسة مركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية إلى ضرورة أن ترفع البلدان الأفريقية من قدراتها على مراقبة شواطئها، ومكافحة الصيد غير المشروع في مياهها الإقليمية.