تظهر تداعيات التغيرات المناخية بقوة على القطاع الزراعي المصري. بعدما سببت انخفاضًا في إنتاج محاصيل استراتيجية. أو أحدثت تغيرات في جودة المنتج، وقابليته للتداول والتخزين في الظروف العادية.
كان الزيتون آخر المحاصيل المتضررة من تغيرات درجات الحرارة في الفصول بعدما هبطت إنتاجيته العام الحالي بنسبة تصل إلى 50% عن الموسم السابق. مع ارتفاع حرارة فصل الخريف عن المعتاد ما أثر على إنتاج الثمار التي تحتاج لقدر من البرودة.
تزرع مصر نحو 240 ألف فدان من الزيتون بإنتاج سنوي يزيد عن 700 ألف طن. تحتل به المرتبة الأولى في الإنتاج العالمي، الذي لا يتجاوز 3 ملايين طن.
تمثل أشجار الزيتون نحو 13% من إجمالي أشجار الفاكهة في مصر تقريباً بنحو 65 مليون شجرة. 80 % منها زيتون مائدة لأغراض المخلل. و20% أصناف زيتون زيتية. صالحة للعصر بدرجة حموضة منخفضة.
أطلقت مصر مبادرة عام 2015 لزراعة 100 مليون شجرة زيتون تحافظ بها على مكانتها في الإنتاج العالمي. ومن المتوقع أن تؤتي ثمارها كاملة في عام 2023.
تنتج شجرة الزيتون نحو 70 كيلو جراما بعد 8 سنوات من غرسها. فإنتاجها يتزايد تدريجيا بدءا من 3 كيلو في العام الثالث ترتفع إلى 10 كيلو في العام الرابع من زراعتها ونحو 20 كيلو في العام السادس.
في شهر أغسطس الماضي. سجلت الطماطم أعلى مستوى تسعري لها. بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تسببت في تلف جزء كبير من المحصول في حلقات التداول. وحتى قبل وصوله الثلاجات لتخزينه.
تأثيرات كبيرة
يقول حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين. إن تأثيرات التغير المناخي على القطاع الزراعي متعددة. وتتراوح بين تخفيض إنتاج المحصول أو تدميره بالكامل. مثل نوبات الصقيع التي تضرب الخضروات وانتقال الأمر للتربة الزراعية ذاتها كارتفاع منسوب المياه الجوفية أو الملوحة داخلها.
يضيف أبو صدام، لـ”مصر 360″. أن الأجواء المناخية غير المناسبة أثناء فترة تزهير معظم أشجار الفاكهة ونمو الخضروات تسببت في أضرار كبيرة في إنتاجية أغلب المحاصيل. وتسبب خسائر كبيرة للمزارعين حاليا، خاصة بعدما وصل التأثير للنحل والحشرات التي تعمل على تلقيح زهور المحاصيل ما يضر الإنتاجية.
يظهر تأثير انخفاض الإنتاج في السوق للعام الثاني على التوالي. مع ارتفاع سعر كيلو (تسليم المزرعة) العام الماضي ليتراوح بين 7 و12 جنيها. قبل أن يصل العام الحالي إلى متوسط بين 18 و25 حسب النوع، وفقا لنقابة الفلاحين.
في شهر أغسطس الماضي. سجلت الطماطم أعلى مستوى تسعري لها. بسبب ارتفاع درجات الحرارة التي تسببت في تلف جزء كبير من المحصول في حلقات التداول. وحتى قبل وصوله الثلاجات لتخزينه.
صيف 2021
بحسب الهيئة العامة للأرصاد الجوية المصرية، فإن صيف 2021 كان الأشد حرارة منذ خمس سنوات، حيث سجلت الحرارة. ما بين 3 و4 درجات مئوية فوق المعدلات العادية المعتادة في الفترة ذاتها.
تكرر الأمر في شهر مارس. الذي يفترض نظريًا أن يكون بداية فصل الربيع. وشهد ارتفاعا كبيرًا في درجات الحرارة فسبب تضررًا لمحصول المانجو. أحد أشهر المنتجات الزراعية المصرية، الذي تنتج مصر منه نحو مليونى طن وثاني أكبر فاكهة مُصدرة من مصر بعد الحمضيات.
يقدم قطاع الإرشاد بوزارة الزراعة النصائح والتوصيات الفنية والتوعية للمزارعين للتعامل مع جميع المحاصيل الزراعية. لمواجهة التغيرات المناخية. لكن المشكلة في عدم وصول تلك النشرات للمزارعين مع غياب دور الجمعيات الزراعية واحفاد المهندس الزراعي والبرامج الخاصة بالفلاح في تليفزيون الدولة.
تمثل أشجار الزيتون نحو 13% من إجمالي أشجار الفاكهة في مصر تقريباً بنحو 65 مليون شجرة. 80 % منها زيتون مائدة لأغراض المخلل. و20% أصناف زيتون زيتية. صالحة للعصر بدرجة حموضة منخفضة.
تتقاطع التغيرات المناخية مع مشكلة أخرى تتمثل في ارتفاع نسبة الملوحة في التربة المصرية. ما يجعلها قليلة النفاذية وعديمة التهوية. وهي مشكلة تفرض زراعة نوعيات معينة من المحاصيل مستقبلاً لديها القدرة على تحمل الملوحة مثل الأرز. وقد تتفاقم إلى تعرية التربة في النهاية.
تأهيل مطلوب
لكن أبو صدام يؤكد أن الإرشاد الزراعي يحتاج إلى تأهيل حاليا للتعامل مع التغيرات المناخية بإيفاد رحلات للخارج للتعرف عن كيفية تعاطي الدول الأجنبية معها. ونقل تلك الخبرات للمزارعين مباشرة وعلى الأرض حتى يمكنهم مواجهة المشكلة.
تسبب التغيرات المناخية في شراسة أكبر للأمراض النباتية. مثل “العفن الهباب” الذي ضرب محصول المانجو مع تزايد أنواع من الحشرات الثاقبة التي تتسبب في تكون طبقة لزجة سوداء على أسطح الورق فتحول دون حدوث التمثيل الضوئي، وتذبل معها الثمار أو تصبح ضعيفة أو تتغطي بطبقات من اللون الأسود علي قشرتها الخارجية.
ينصح الدكتور محمد على فهيم، أستاذ التغيرات المناخية. بتغيير المعاملات الزراعية القائمة بما يتناسب مع الوضع الراهن أو بمعنى اخر تغيير التوقيتات المعتادة الزراعة واماكنها فلم يعد من المجدي زراعة الطماطم في العروة الصيفية ببني سويف، والعروة الصيفية المبكرة بالجيزة، والذرة في الصعيد في العروة الصيفية العادية.
ووفقا لفهيم فإن هطول الأمطار الخريفية أثناء وجود حرارة دافئة. يؤدى لزيادة الرطوبة الجوية وغزارة سقوط الندى. ما يزيد فرص إصابة المزروعات بأمراض فطرية وبكتيرية ويتطلب من المزارع إجراءات وقائية ضد هذه الأمراض عقب توقف هطول الأمطار مباشرة.
تتسبب الموجات الحارة والرياح غير المعتادة في الربيع خاصة المحملة بالرمال والاتربة في إضرار كبير بموسم تزهير النباتات. خاصة المانجو والنخيل والبطاطس ما يؤدي الإنتاجية بنسبة تتجاوز 30٪.
وبدأت نقابة الفلاحين تشجيع المزارعين على زراعة أنماط جديدة من المحاصيل لديها القدرة على مواجهة التقلبات الجوية. مثل الأشجار القصيرة في الفواكه التي تتحمل الرياح، وكذلك أصناف من القمح القصير الذي لجيه قدرة أكبر على تحمل التقلبات الجوية.
صيف جائر
تتعلق التغيرات المناخية المرتبطة بالزراعة أساسا بفصلي الربيع والخريف. بعدما جار الصيف عليهما. فسبب انتشارا للحشرات بعدما وفر لها مدى زمني أطول التكاثر. مثلما حدث قبل عام. حينما عاودت أسراب الذباب الظهور في فصل الشتاء لارتفاع درجات الحرارة عن المعتاد.
يقول فهيم إن سيادة الظروف الجوية (الرطوبة العالية – الندى صباحًا) وزيادة التذبذبات في درجات الحرارة تكون مناسبة لبداية قيام دورات مرضية لمجموعة من الفطريات. التي تضرب محاصيل مثل البطاطس والطماطم والقرعيات. والصدأ على النباتات الطبية العطرية، ومناسبة لأمراض بكتيرية علي محصول مثل الطماطم.
ينقل التكاثر العنيف للحشرات الأمراض المعدية من نبات لآخر. وبعضها مثل المن. يؤثر على حجم إنتاج محصول الذرة والبطاطس. ما يدفع المزارعين لاستهلاك أكبر من قبل المزارعين المبيدات الزراعية أو لجوء البعض لبيع المحصول قبل نضجه عبر استخدام أنواع من المبيدات تغير اللون مثلما يحدث في الطماطم. التي قد تكون حمراء من الخارج وبيضاء وجافة من الداخل، دون حساب خطورتها على صحة المستهلك.
يقول أحمد الباشا إدريس، عضو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، لـ”مصر 360″. إن تأثيرات التغيرات المناخية بمصر لا تزال محدودة، ولم تؤثر على حركة الإنتاج أو نوعية المنتج المصري القابل للتصدير. لكن الأمر يتطلب أيضًا العمل على مواجهة المشكلة من الآن.
حل قطاع الصناعات الغذائية المركز الثالث في حجم الصادرات المصرية خلال الفترة من يناير إلى يونية 2021 حيث بلغت صادراته نحو 2.035 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الزراعية غير المصنعة 5 ملايين طن خلال عام 2021 للمرة الأولى بزيادة قدرها 600 ألف طن.
100 ألف صوبة
يمثل المشروع القومي لإنشاء 100 ألف صوبة زراعية أحد وسائل مواجهة التغير المناخي باعتباره يوفر بيئة مناسبة النبات بعيدا عن التقلبات، ويتضمن إنشاء خمسة آلاف صوبة زراعية على مساحة 20 ألف فدان مساحة أكثر من 95% من هذه الصوبات 3 أفدنة لكل منها، وتقفز مساحة بعضها إلى 12 فدانًا للصوبة الواحدة.
يضيف إدريس أن أنظمة الزراعة الحديثة باستخدام المصاطب والري بالتنقيط، بدلاً من الري بالغمر واستنباط التقاوي المقاومة للتغيرات المناخية كأحد الوسائل التي سيتمكن قطاع الزراعة من مواجهة التأثيرات المتوقعة على الإنتاج الزراعي المصري.