(1)
نجيب ساويرس وهاني شاكر هي خالة عارف) ويكرر مع كل رأي وضده: مظبوط يا حسن.. مظبوط يا خالتي..ههههه
بعيدا عن الهزار والكوميديا هناك فعلاً مواقف وقضايا لا يصح أن تدخلها كطرف، ولا يصح أن تتخذ فيها موقفاً لصالح طرف ضد طرف، خاصة القضايا التي يمسك فيها كل طرف بجزء من الحقيقة ويترك الباقي، وكذلك يفعل الطرف الآخر، لكنه يمسك بجزء مختلف من نفس الحقيقة، وقد تكون قصة “الفيل والعميان” قريبة من هذا الموضوع، وقد يكون لديكم قصص وأمثلة أكثر مما لدي تعبر عن مثل هذه الخلافات التي لا تنتهي أبداً، لأن الأطراف تتبادل الأدوار عادة، وغدا مثلاً يمكنك أن تجد ساويرس يقول الكلام الذي قاله بالأمس هاني شاكر، وهاني هو الذي يتحدث عن حرية الفن والإبداع وأن الفن لا يخضع لمسطرة الأخلاق، لأن الجنس الفني غير الجنس في الواقع ومن حق كل ممثل “يبوس” زي الأستاذ يوسف شعبان (والمثال هذه المرة من فيلم نص ساعة جواز)
عموما أنا من باب اللطافة والخفة، لم أعد أرغب في رفض الجميع لأن آراءهم مؤقتة أو مواقفهم ناقصة حتة، أحب أن أقول أنا مع الجميع لكي نكمل الاجتزاء والنواقص… لعل الله يرأف بنا ويوفقنا
(2)
من فترة قريبة في ذروة هلع الدولة والناس من فيروس كورونا، صرح المهندس ساويرس بضرورة انتظام العاملين في أشغالهم حتى لا تتعطل المشروعات، ولما رد عليه البعض بالحرص على حياة الناس، تحدث عن المصالح والأعمال، وذهب رجل أعمال أكثر صراحة وبراجماتية (صبور) ليقول: وإيه يعني لما يموتوا بس الشغل يمشي، نعتبرهم شهداء حرب، وحاجات زي كده…..!
حينها لم يكن الكلام في الذوق الفني وحق السماع وحرية اختيار اللون الغنائي، كانت الناس مشغولة بحق الحياة في كفاية وأمان
لما أصدر هاني شاكر فرماناً نقابياً بوقف 19 نفر من مؤدي المهرجانات غضب المهندس ساويرس وتحدث بكلام مقبول جداً عن حرية الإبداع، وأعلن رفضه للوصاية على الذوق، مشددا أنه يحب هذا اللون الشعبي، ومذكراً بأن دور النقابة يتوقف عند رعاية أعضائها خدميا وصحيا دون تدخل في مستوى أو مضمون الإبداع.
رد هاني شاكر بغيظ مستنكراً أن دوره يقتصر على الرعاية الاجتماعية والصحية لأعضاء النقابة، وقال: أنا مش “داية”.. تك تك تك
صدمتني الكلمة عندما خرجت من أمير الرومانسية الرقيق، خاصة بعدما تابع الهجوم مدعوما من قوات خاصة في الخلفية، فقال لساويرس: ابقى خدهم عندك مهرجان الجونة.
رد ساويرس الهجمة بأحسن منها: آه هاخدهم، والموضوع مش فن ولا مستوى رفيع، الموضوع غيرة نفسنة من نجاح المهرجانات، وأنا أساسا ما بحبش اسمع شاكر.
رد شارك: ما يشرفنيش انك تسمعني و…. إيه؟
تحول النقاش رغما عن النقيب والمهندس إلى مهرجان أون لاين لا ينقصه إلا أن يفتح هاني شاكر بيانه ويضيف اسمه واسم ساويرس ويبقى عندنا 21 موقوف، لنفس الأسباب الواردة في البيان عن مستوى الألفاظ والتاثيرات السلبية في الرأي العام والفضيحة الثقافية التي نقلها الإعلام، وما يصحش ننسى “الإساءة لسمعة مصر”، لأن القوات الخاصة التي تدعم شاكر من الخلف لم تغفر هزيمتها في “معركة ريش” أمام فريق الجونة!
(3)
هاني شاكر له حق في الحديث عن ضرورة تنظيم الفوضى الغنائية وخفض مستوى التدمير الأخلاقي وانحطاط الذوق الذي ينتج عن رسائل جماهيرية واسعة الانتشار، كما في حالة الغناء الشعبي عموما، والمهرجانات خصوصاً، لكن هاني لم يحدثنا عن التنظيم والاحتواء والترشيد الفني، لكنه خرج علينا بقرار إيقاف عن العمل وإنذارات وتعليمات يجب تنفيذها، وهذا أمر لا يليق بعقلية وسلوك فنان، لكن ما علينا.. البلد كلها بقت تتكلم كده، نرجع لموضوعنا ونتوقف عند عدد من النقاط العجيبة مثل حديث شاكر عن الفن المخصوص الذي يريد رعايته بما يناسب الجمهورية الجديدة في “عصر السيسي رئيسي”، وهذ التعبير كان بمثابة “طلقة” سارع ساويرس بالانحناء الرشيق لتفاديها مؤكدا أن “باك بتاعنا كلنا” حسب السلوجان الشهير في إعلان قديم، وهذا الأسلوب لا يذكرني فقط باستخدام القداسة للحماية وصد الهجوم على طريقة “الشنطة فيها كتاب دين”لكنه يذكرني بمناشدات زوجة الكابتن الخطيب في صراع العائلة مع مرتضى منصور، والغريبة أن الجميع لا ينتبه أن مثل هذه الحالات تكشف عن عدم احترام للقوانين وتنشر شائعات عن امكانية تدخل جهات سياسية في الخلافات الإعلامية والقضائية والفنية بين المواطنين، وهذا غير صحيح طبعاً، لذلك كان من الواجب محاسبة هؤلاء الأشخاص الذين يستسهلون تقديم أنفسهم باعتبارهم مدعومين من الكبار وييرهبون غيرهم من المواطنين باعتبارهم يمثلون اتجاه الدولة نفسها، وهذه النقطة تنقلنا إلى قضية أصعب شوية، ولهذا من الذوق أن نخصص لها فقرة جديدة.
(4)
أثناء التراشق “الشاكري الساويرسي” خرجت عبارات تستحق ندوة تشريعية عميقة، مثلا لما قال شاكر لساويرس “خدهم الجونة”، ذكر ضمن ما ذكر عبارة: معلش بقى ده مال خاص، وبعدها رد هاني شاكر “إنه بيحافظ على المال العام” موضحا أن بيانه لحفظ أموال النقابة من الهدر وهي أموال عامة، وهذا التشوه القانوني يضعنا أمام سؤال: لماذا تحولت اشتراكات الأعضاء في نقابة مهنية إلى أموال عامة، وإذا بحثنا عن إجابة سنجد أنفسنا في نفس موقف “عارف ابن خالتي”، مرة حسن يقنعنا إن دي أموال عامة عشان كيت وكيت، وبعدين تيجي خالتي تقنعني إن برضه عندنا أموال في نفس النقابة تعتبر خاصة، طيب يا حسن الجزء الخاص بالأموال العامة يخضع للرقابة في البرلمان والمحاسبة في الجهاز المركزي و….؟
لأ… لا يخضع
طيب عام إزاي؟
لبسناه عوامة وعايم قدامك أهوه..!
طيب اشمعنى النقابات العمالية وهي أكثر عددا أموال خاصة؟
ما تقرفناش بقى.. مش فاضيين للهري… ورانا خناقات أهم وطالعين مع عمرو أديب!
(5)
أنا آسف يا أعزائي على اختصار الفقرة السابقة، مكسوف أناقش قضايا عميقة في مقال عن المهرجانات.. مش عاوز أبقى خنيق في القعدة الحلوة دي، لكن عندي سؤال للفنان الجمهوري الجديد هاني شاكر: أنت لما قلت للمهندس ساويرس “خدهم عندك” كنت تقصد حاجة عيب؟
لا أقصد بالعيب “حاجة أبيحة”، لكن اقصد ان التعبير يوحي أنك تؤمن في قرارة نفسك بتقسيم بلدنا العزيزة إلى “عزب” وكل واحد حر في “عزبته”، بمعنى ان “بيان الإيقاف” بتاع حضرتك لن يسري على مهرجان الجونة مثلاً، وللا انت عامل فخ للمهندس ساويرس وهتفاجأه متلبس في الوقت المناسب؟
وبالمناسبة يا أمير الغناء العربي عندي سؤال تاني في نفس الاتجاه: إزاي محمد رمضان عنده حصانة، يغني ويقلع على كيفه وحضرتك متفهم، لأنك لما بتطلب تصريح تمثيل بتاخد (ما اقصدش حاجة طبعا) وبالتالي هو لما يطلب تصريح غناء ما يصحش ترفض.. ده كلام حضرتك، وتعليقي الأخلاقي البسيط: لو بتحب الجمهورية الجديدة حقيقي صحيح كنت وقفت في وش الريح وطبقت معاييرك وقواعد نقابتك واتعاملت بمساواة وضربت بيدٍ من حديد على كل من تسول له نفسه إفساد الذوق العام، وإهدار المال العام، لكن يا سمو الأمير قلبي حاسس إن المسألة دي فيها إن وأخواتها!
(6)
المساواة التي حدثتك عنها يا سمو أمير الغناء تقتضي أن أغمز المهندس ساويرس كام غمزة، لأن نصيبك من الغمز أكتر شوية، وأبدأ بقصة عبيطة لكنها تسكن ذاكرتي ومش قادر أنساها، فقلت يمكن لو كتبتها أتخلص منها:
منذ سنوات كنت أحتاج إلى أباجورة مكتب، وقضيت شهورا طويلة أبحث عن قطعة مميزة تناسب ذوقي الخاص، ولم أجد في كل المحال التي دخلتها إلا نفس الأشكال، ولم يكن أمامي خيار إلا شراء المتوفر أو التنازل عن الأباجورة والاحتفاظ بذوقي، فتنازلت عن الأباجورة، وفهمت أن السوق يفرض ذوقه على الجميع، وأن اختياراتنا مش من اختيارنا أصلا، لكنها في حدود الموجود، على طريقة خيار مبارك الشهير في ثورة يناير: أنا أم الفوضى؟، وهو الخيار الذي فرض نفسه في كل المجالات حتى وصل بنا إلى ما نحن فيه: نختار بين السيئ والأسوأ، ومفيش ألوان تانية.
شيء ما ناقص في هذا البلد، يعكر حياتنا ويغرقنا في الجدال العقيم والتفاهة ويفرض علينا إما “قبول الانحطاط” و إما “الانزواء والاكتئاب”، وبمناسبة الاكتئاب أعود لطبيعة مقالاتي المكلكعة وأتذكر رأي “تيودور أدورنو” الذي يقول فيه (بتصرف ظريف طبعا): إن الحرية ليست أن تختار بين ساويرس وهاني شاكر، بل أن تبتعد عن الاختيارات المحددة سلفاً، وأدورنو عالم اجتماع وفيلسوف ألماني له موقف مضاد للمهندس ساويرس وللرأسمالية كلها، وكذلك له موقف من هاني شاكر ومحاولة إخضاع الفنون والإبداع للسلطات والمؤسسات بغرض الانتفاع المادي أو تزييف وعي الجماهير، ويعتبر أدورنو أن معظم الفنون تحولت إلى صناعات محكومة بالتكنولوجيا والأدوات والميزانيات والإعلانات، لهذا ابتعدت بالضرورة عن روح الفن ورسالة الإبداع الحر، لأن الصناعة تعود بالنفع دائما على منتجها ومالك أدوات الانتاج، بينما يتحول الجمهور إلى مجرد “زبون” يستهلك السلعة ويدفع ثمنها مضافا إليه الأرباح الباهظة التي تتحدد بكمية الإغواء الإعلاني واللحم العاري المتدفق عبر الشاشات من مهرجان الجونة مثلاً أو من افلام السبكي، والجمهور المسكين لا يملك في النهاية إلا الاستجابة لمن يملك ويهيمن اقتصاديا وإعلاميا، ولذلك فإن حديث ساويرس عن “حرية السماع” ليست إلا “خدعة احتيالية” تشبه الخدعة التي يمارسها بائع البالونات في “زغللة” عين الطفل، ثم يتبجح قائلا: ما ضربتوش على إيده هو اللي سرق الفلوس من أمه وجه يشتري، وبتعبير أودرنو فإن الجمهور الذي يعتقد أنه يختار بحرية، ليس حراً، لكنه أسير في شبكة محكمة من الممارسات التسويقية تفرضها عليها أوضاع المجتمع الذي يتحكم فيه ساويرس ومن معه وشاكر ومن يدفعه، وأكرر للتأكيد: الجمهور يتوهم أنه حر، لكنه في الحقيقة يعيش داخل “سجن في الهواء الطلق”، ويختار “أباجورته” بحكم “الضرورة” من (اللوط فرز3) الذي استورده رأسمالي فاسد من زبالة الانتاج في الصين وغيرها، وبالتالي لا يجب أن ننسى أن المهندس ساويرس والأمير شاكر في نفس الفريق.. فريق المهيمنين، وما الخناقة بينهما إلا صراع داخلي، سينتهي بالود والقبلات، وأغلب الظن أن شاكر سيكون ضيف شرف في مهرجان الجونة القادم الذي سيغني فيه نجوم شرفاء من “فن المهرجانات المحترم” الذي يليق حقاً بالجمهورية الجديدة، ومبروك عليكم الليلة يا معلمين.