في أقل من شهر، رحلت الجهات الأمنية في مصر 15 مواطنا أريتريا، بينهم أطفال ونساء، إلى أسمرة “عاصمة إريتريا”، آخرهم السباعي الذي تم ترحيله عقب احتجازهم لمدة عامين منذ دخول الأراضي المصرية في أكتوبر 2018 لطلب اللجوء والحماية، فيما رحلت السلطات 8 آخرين في 31 أكتوبر الماضي عقب تلقيهم لقاح فيروس كورونا. وغير معروف حتى الآن أماكنهم، حيث اختفى أثرهم وفقدت عائلاتهم معهم منذ إعادتهم إلى إريتريا، وفقا لمنصة اللاجئين في مصر. 

الـ15 الذين رحلوا لن يكونوا آخر من ترحلهم مصر إلى بلادهم،  حيث لازال هناك ثلاثة محتجزين في قسم شرطة القصير وعشرات المحتجزين الإرتريين في أقسام شرطة محافظات البحر الأحمر وأسوان، وتستعد السلطات لاستخراج وثائق سفر لهم وترحيلهم في الأيام القادمة، وهو ما يثير مخاوف منظمات حقوقية مهتمة بشؤون اللاجئين على مصيرهم الذي سيواجهونه حال العودة إلى بلادهم. 

 منصة اللاجئين في مصر- وهي معنية بدعم اللاجئين في مصر ودمجهم من خلال نشر المعلومات عن الخدمات والإجراءات ومناقشة القضايا والمشكلات وطرح الحلول حولها- أوضحت أن السبعة الذين تم ترحيلهم من ضمن مجموعة مكونة من 18 ملتمس وملتمسة لجوء كانت السلطات قد قامت بإلقاء القبض عليهم بعد دخولهم إلى مصر بطريقة غير نظامية في 24 ـأكتوبر 2019، واستمر احتجازهم لمدة عامين بدون سند قانوني في ظل ظروف سيئة.

وكانت “منصة اللاجئين في مصر” رصدت قيام السلطات المصرية ممثلة في وزارة الداخلية وإدارة الهجرة والجوازات والجنسية ومديرية أمن البحر الأحمر، خلال أغسطس الماضي بالتنسيق مع السفارة الإريترية بالقاهرة وقيام الأخيرة باستخراج وثائق سفر – صالحة للسفر فقط إلى إريتريا – لـ 15 ملتمس وملتمسة لجوء إريتريين من بين المحتجزين -منهم أطفال- من أصل ثمانية عشر محتجز/ة، في خطوة أولية تمهيدا لترحيلهم قسرا جميعا على دفعات – كما أعلمهم مسؤولو مقر الاحتجاز.

التجربة المصرية مع استضافة اللاجئين

لا يمكن ربط هذه الإجراءات بسياق أوسع، فمصر اكتسبت سمعة الجيدة في التعامل مع ملف اللاجئين طوال السنوات الماضية، باحتضانها الكثير من الجنسيات وتوفير فرص عمل لكثير منهم.

وتعد مصر من أكثر الدول استقبالا للاجئين على أراضيها، إلى جانب عملها بجزء بسيط من ميزانيتها السنوية البالغة 104.2 مليون دولار لدعم وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر نظرا لزيادة عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في مصر بنسبة 24%.وفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

تتميز أوضاع اللاجئين في مصر عن غيرها من البلدان بعدم وجود معسكرات أو مناطق للإيواء مخصصة لهم. فأغلب اللاجئين في مصر يعيشون داخل المجتمع المصري وموزعين على المحافظات بصورة طبيعية. ورغم تركز بعضهم في مناطق محددة مثل ضواحي القاهرة والمدن الجديدة. إلا أن توجههم للسكن في هذه المناطق يتعلق بتوفر أماكن السكن ووجود مواطنين من دولهم في نفس الأماكن مما يسهل من تلقيهم لبعض الرعاية والدعم عبر شبكات التكافل بين مواطني كل بلد.

وفي تقرير للمركز الإعلامي لمجلس الوزراء، أوضح أن مصر تستضيف نحو 6 مليون لاجئ ومهاجر يتمتعون بمختلف الخدمات الأساسية، حيث بلغ عدد اللاجئين عام 2020 نحو 259.3 ألف لاجئ وطالب لجوء، مقابل 258.4 ألف عام 2019. وأمام التعامل مع أزمة كورونا، قررت السلطات المصرية عدم اقتصار تلقي اللقاح على المصريين فقط ليشمل غير المصريين والمقيمين على أراضيها.

مصر فتحت أحضانها للجالية السورية في العقد الماضي

وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، حذرت من قبل من أن الدعم اللازم للاجئين في مصر يتعرض لضغوط شديدة بسبب ارتفاع أعداد الوافدين وعدم كفاية الموارد، مشيرة إلى أن النزاعات الجارية في كل من اليمن والدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، أجبرت عددا أكبر من الناس على الفرار إلى مصر.

وتضم سجلات المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في مصر ما يزيد على 250 ألف لاجئ من جنسيات مختلفة، بينهم 130 ألف لاجئ سوري. و49 ألف لاجئ سوداني، بالإضافة إلى 20 ألف لاجئ من جنوب السودان، و19 ألف من إرتريا، و16 ألف اثيوبي، 9 آلاف يمني، و7 آلاف لاجئ صومالي، وما يقارب الألفين من جنسيات أخرى.

لاعتبارات أمنية

ومن جانبه، أوضح الباحث أشرف ميلاد الباحث في شؤون اللاجئين، إن اللاجئين الإريتريين يقومون بالقدوم إلى مصر آملا منهم لتحسين أوضاعهم الإنسانية، مرجحا سبب ترحيلهم إلى بلادهم إلى عدم تسجليهم في مفوضية اللاجئين وهنا بات من حق السلطات ترحيلهم، وفي حال محاولتهم للتقدم بطلب لجوء ينفى ذلك الحق ويعتبر انتهاكا للقانون. 

وأشار ميلاد لـ “مصر 360″، إلى أن الدولة لاعتبارات أمنية تقول إنها لديها معلومات لا تستطيع أن تعلنها لذلك تلجأ إلى ترحيل لاجئين وردوا إليها عن طريق الهجرة غير النظامية.

وعن حق البلاد في رفض قبول اللاجئين يوضح الباحث في شؤون اللاجئين أن العرف الدولي جرى بقبول أي لاجئ. فكل من يعبر الحدود داخل البلاد يتم تحديد مقابلة له من الدولة التي قصدها والتوقيع على الاتفاقية ليس المعيار فلبنان على سبيل المثال غير موقعة. ومع ذلك بها مليون و250 ألف لاجئ سوري، وفي حال ثبوت ضلوع الشخص في أعمال ضد الإنسانية يتم قبول أسرته باعتبارها ليست طرفا في الأمر ثم تخاطب المفوضية بالبحث له عن دولة أخرى.

وتنص المادة 33 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين، لا يجوز لأية دولة متعاقدة أن تطرد لاجئا أو ترده بأية صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلي فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية.

أوضاع اللاجئين

الإريتريون والهروب من جحيم الوطن

يفر اللاجئون الإريتريون من بلادهم التي اكتسبت سمعة سيئة، حيث تم حظر المعارضة السياسية، وتقلصت حريات التنقل والتعبير والدين، ويجبر الشباب بالآلاف كل عام على أداء الخدمة العسكرية غير محددة المدة، والتي يمكن أن تستمر لعدة عقود على النساء والرجال فوق سن الـ 15 عاما، والذي وصفته منظمة العفو الدولية، سابقًا، بأنه “أقرب للسخرة”. 

وأشارت منصة اللاجئين في مصر إلى أن المحتجزين رفضوا ترحيلهم إلى بلادهم وأوضحوا مدى خطورة إعادتهم قسرا إلى إريتريا والذي يترتب عليه عقوبات مشددة تصل إلى التعذيب والسجن مدى الحياة والقتل خارج نطاق القانون، وذلك في حالة الخروج من البلاد بشكل غير نظامي، وتحديدا في وقت الحروب، حيث خاضت إريتريا حربا مع إثيوبيا بين عامي 1998و2018.

وبنظرة عامة، يعانى اللاجئون الأفارقة بشكل عام، والأريتريون بشكل خاص، من التضييق والتهديد المستمر بترحيلهم إلى بلادهم، فتقوم إسرائيل بتهديد  طالبي اللجوء من السودانيين والإريتريين بالاحتجاز لفترات طويلة أمام ترحيلهم مرة أخرى إلى بلادهم. وأشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى إنه إذا أعادت إسرائيل أي شخص إلى مكان تكون حياته أو حريته مهددة فيها، فإن هذه الإعادة تعد مخالفة للقانون الدولي الذي يحظر الإعادة القسرية حيثما يكون هناك خطر داهم.

أما اليمن والتي تعتبر معبرا للوصول إلى السعودية كانت تستقبل لاجئين قبل عام 2011 ولكن بعدها تفاقمت الأمور لديها، ففي مارس الماضي تم قتل حوالي 900 شخص غالبيتهم من المهاجرين الإثيوبيين، في أحد مراكز حجز المهاجرين التي تديرها حركة أنصار الله الحوثية في صنعاء حرقا.

في الوقت ذاته ظهرت طلبات أممية بالإفراج الفوري عن آلاف المهاجرين المحتجزين، وإغلاق مراكز الاحتجاز التابعة للميلشيات المسلحة بطرابلس ووزارة داخلية الوفاق. وفي غربي ليبيا تحول احتجاز المهاجرين داخل مراكز الهجرة غير الشرعية إلى أحد أهم المجالات المربحة، للمليشيات المسلحة وشبكات تهريب البشر، لكسب المزيد من الأموال.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه “في 31 يوليو 2020، كان هناك أكثر من 2780 شخصاً، 22% منهم من الأطفال، محتجزين في مراكز” مخصصة لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا، والتي إن بات إن خرج منها مهاجرا فقد ينتهى به الحال مبتور اليدين، كما وقع مع المهاجر الإريتري أحمد مصطفى.

وفي أكتوبر الماضي، قالت منظمة “أطباء بلا حدود” إنه تم احتجاز ما لا يقل عن خمسة آلاف مهاجر ولاجئ في إطار حملة أمنية بطرابلس، مما أدى إلى “مضاعفة عدد المحتجزين في مراكز الاحتجاز بالعاصمة خلال خمسة أيام إلى ثلاثة أضعافهم”، معرضين إلى ظروف احتجاز غير إنسانية ولضروب من التعذيب والقتل. 

تعامل الدول مع اللاجئين الإريتريين بشكل عام يشوبه بعض القصور، فقد أشارت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إلى إنه ألقي القبض على 313 إريتريا على الأقل في دنقلا في شمال السودان. وقد تمت إدانتهم بتهمة “الدخول غير المشروع” إلى السودان بموجب قوانين الهجرة الوطنية وأعيدوا قسرا إلى إريتريا مرة أخرى.

تخضع أوضاع اللاجئين في العالم لاتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ وبروتوكولها لعام 1967. وهما الوثيقتان القانونيتان الأساسيتان اللتان تشكلان وضع اللاجئين في البلدان التي يتم اللجوء إليها. بالإضافة إلى تحديد الاتفاقية لتعريف اللاجئ تلزم الدول الأعضاء بعدم الإعادة القسرية للاجئين إلى بلدانهم. وتؤكد على أنه لا ينبغي إعادة اللاجئ إلى بلد يمكن أن يواجه فيه تهديدا خطيرا لحياته أو حريته.