لم تتوقع مروة المغربي، زوجة بطل كمال الأجسام بيج رامي. أن الحظ الذي ضحك لأسرتها بفوز زوجها بلقب مستر أوليمبيا للمرة الثانية. سرعان ما يهجرها، برؤية خبر زواج رفيق عمرها من امرأة أخرى على المواقع الإلكترونية والسوشيال ميديا.

صدمة شديدة أصابت مروة التي علقت على الخبر. قائلة: “صور إيه! وجواز إيه! أنا مشوفتش حاجة ولا أعرف أي حاجة، ولا عندي معلومة إنه اتجوز تاني”.

الخبر أثار جدلا واسعا ليعود “الترند” ومعه جمهور وسائل التواصل الاجتماعي. للحديث حول “حقوق النساء” و”الحرام” في قضية منع تعدد الزوجات. ويفتح النقاش على منظومة الزواج الشرعية، وكفاءتها مجتمعيا. لاسيما في ظل المطالبات بتعديل قانون الأحوال الشخصية الحالي.

حالة من الجدل سببها البطل المصري، ممدوح السبيعي، المعروف باسم بيج رامي. الفائز بالمركز الأول في بطولة «مستر أولمبيا 2021». عقب انتشار صور له خلال احتفاله بزفافه للمرة الثانية، على زوجته الأولى، مروة المغربي، والدة بناته الثلاث. والتي طالما عرف عنها كفاحها معه، ووقوفها إلى جانبه لتهيئة الجو المناسب والتركيز على تحقيق حلمه.

بيج رامي
بيج رامي

وانقسم المدافعون عن مروة، ورامي فريقان أحدهما لا يرى في فعلة رامي حراما، بل حقا أكده الشرع قبل القانون. فيما يرى الفريق الآخر أن في الأمر “قلة أصل” ونكران جميل رفيقة المشوار. التي بمجرد أن بدأ في تحقيق نجاحاته تركها خلفه.

حق المرأة في رفض الزواج الثاني

يذكر التراث واقعة رفض النبي محمد صلى الله عليه وسلم لزواج سيدنا علي على ابنته فاطمة حينما قال: “وإنما فاطمة بضعة مني. يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها”، فترك علي رضي الله عنه الخطبة رعاية لها، ولم يتزوج عليها أو يتسرى عنها إلا عقب وفاتها.

وقد ذكر أهل العلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان قد اشترط على علي ألا يتزوج على فاطمة، ولذلك منعه من التزوج عليها. وهو ما يوضح فكرة الوثيقة أو وضع الشروط المسبقة على الزواج، والتي تحدث عنها الإمام محمد عبده لاحقا. وبموجبها يحق للمرأة وضع مجموعة من الشروط بغرض حماية حقوقها والتي منها منع تعدد الزوجات.

ومع ذلك فقد ذهب الداعية الإسلامي دكتور مبروك عطية إلى أن ليس للمرأة حق في طلب الطلاق بسبب زواج الرجل من ثانية. بل لها الحق في طلب الطلاق في حالة إذا كان الرجل يضربها ولا ينفق عليها. أما إذا طلبت الطلاق بسبب الزواج فجزاؤها جهنم يوم القيامة.

وأضاف مبروك عطية، أن المرأة إذا تضررت من زواج زوجها من امرأة ثانية. فلها الحق في طلب الخلع منه أما طلب الطلاق بسبب الزواج فلا يجوز.

مبروك عطية
مبروك عطية

وهو التصريح الذي أثار الانتقادات ودعا الأمينة العامة لمؤسسة قضايا المرأة المحامية عزة سليمان للرد على عطية بمنشور. قالت فيه: “أغلب الفقهاء بيتكلموا عن أهمية موافقة النساء على الزواج لكن لما تفكر تتطلق لازم تروح للمحكمة وتتبهدل، والسبب الحفاظ على البيت، في حين أن الطلاق المنفرد بإرادة الرجل لا يتم فيه مناقشة تلك المسائل”.

أما رئيس المجلس القومي للمرأة الدكتورة مايا مرسي، فقد وجهت رسالة إلى عطية قائلة: “تصريحاتك لا تهمنا.. وسؤالي لحضرتك لو عندك بنت وتزوج الزوج عليها هيكون ده ردك”.

واختتمتها بالقول: “والله إن دخول الجنة أو النار فهو حساب بين العبد وربه وليس بأيديكم ولا باقتراحاتكم فكفوا أيديكم ولا تحرم الحق”.

التعدد ظلم للمرأة

على المستوى الديني أيضا، توجهنا إلى مركز الاعلام والبحوث التابع لدار الإفتاء وكانت الإجابة كالتالي: قال الإمام محمد عبده رحمه الله تعالى: “قد أباحت الشريعة الإسلامية للرجل الاقتران بأربع من النسوة، إن علم من نفسه القدرة على العدل بينهنَّ، وإلا فلا يجوز الاقتران بغير واحدة؛ اقتضاء بقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]”.

وقال أيضًا: “وبديهي أن في تعدد الزوجات احتقارًا شديدًا للمرأة، لأنك لا تجد امرأة ترضى أن تشاركها في زوجها امرأة أخرى، كما أنك لا تجد رجلًا يقبل أن يشاركه غيره في محبة امرأته، وهذا النوع من حب الاختصاص طبيعي للمرأة كما أنه طبيعي للرجل”.

وقال بعد ذلك: “ولا يعذر رجل يتزوج أكثر من امرأة: اللهم إلا في حالة الضرورة المطلقة، كأن أصيبت الأولى بمرض لا يسمح لها بتأدية حقوق الزوجية.. أقول ذلك ولا أحب أن يتزوج بامرأة أخرى حتى في هذه الحالة وأمثالها. حيث لا ذنب للمرأة فيها، والمروءة تقضي أن يتحمل ما تُصاب به امرأته من العلل، كما يرى من الواجب أن تتحمل هي ما عساه كان يصاب به.

وكذلك توجد حالة تسوغ للرجل أن يتزوج بثانية، إما مع المحافظة على الأولى إذا رضيت أو تسريحها إن شاءت؛ وهي ما إذا كانت عاقرًا لا تلد، لأن كثيرًا من الرجال لا يتحملون أن ينقطع النسل في عائلتهم.

أما في غير هذه الأحوال فلا أرى تعدد الزوجات إلا حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية، وهي علامة تدل على فساد الأخلاق واختلال الحواس وشره في طلب اللذائذ”.

تعدد الزوجات ظلم للمرأة

كما أن شيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب سبق وأن وصف مسالة تعدد الزوجات “بالظلم للمرأة” واعتبر أن “أولى قضايا التراث التي تحتاج إلى تجديد هي قضايا المرأة. لأن المرأة هي نصف المجتمع، وعدم الاهتمام بها يجعلنا كما لو كنا نمشي على ساق واحدة”.

كما اعتبر أن مسألة تعدد الزوجات تشهد ظلما للمرأة وللأولاد في كثير من الأحيان. وهي من الأمور التي شهدت تشويها للفهم الصحيح للقرآن الكريم والسنة النبوية”.

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب

ومنذ سنوات وخلال برنامج أسبوعي يقدمه على القناة الفضائية المصرية قال الطيب، “من يقولون إن الأصل في الزواج هو التعدد مخطئون. وعلى مسؤوليتي الكاملة، فإن الأصل في القرآن هو “فإن خِفتُم ألا تعدلوا فواحدة””.

كما أن الأمر مشروط بالعدل مشدد اعلى أن العدل ليس متروكا للتجربة بمعنى أن الشخص يتزوج بثانية. فإذا عدل يستمر وإذا لم يعدل فيطلق، وإنما بمجرد الخوف من عدم العدل يحرم التعدد. فالقرآن يقول “فإن خِفتُم ألا تعدلوا فواحدة”.

ولكن بعيد المفاوضة الدينية فإن قبول بعض الزوجات لزواج الرجل بغيرها. وتقبل بعضهن الآخر لواقع كونهن زوجة ثانية، هو ما يؤسس بشكل بعيد لمسالة التعدد فلماذا؟

عدم التكافؤ وغياب التمكين الاقتصادي

في رأي الدكتورة والباحثة آمال عبد الهادي يعد الأمر بمثابة اختيارات سيئة من ضمن ظروف أسوء. فالمسألة بالأساس ترجع إلى منظومة زواج تخضع لشروط غير متكافئة. فأحد الطرفين وهو الرجل يستطيع أن يمنع يفسخ هذا العقد بإرادة منفردة في حال خالفت المرأة أي قرار له. فهو أشبه ما يكون بعقد الإذعان.

وبعد أن حرم هذا الرجل المرأة من النزول إلى العمل، أو حتى تحقيق ذاتها، وأصبحت في موقع أدنى حتى لو حصلت على نفس القدر من التعليم والتربية. كيف ينتظر منها أن تتخذ القرار برفض زواجه عليها، بعد أن ابتعدت عن سوق العمل لوقت طويل، وذاب كيانها ضمن البيت والأسرة.

وتقول عبد الهادي التعدد نتيجة طبيعية لعدم تكافؤ الأطراف وعدم الاعتراف بالمرأة كشريك طبيعي للرجل. مشيرة في الوقت نفسه إلى عدم اعتراف مصر إلى العمل المنزلي وأهميته بالنسبة للناتج القومي. والتي تصل نسبته من 25% إلى 30% بحسب دراسة قامت بها الباحثة الاقتصادية سلوى العنتري.

ويمتد الإجحاف في حق المرأة إلى حد تجاهل مسالة تقاسم الثروة خصوصا التي تكونت نتيجة مساعدتها للرجل. وعدم الاعتراف بـ مجهوداتها في المنزل، مما يسهل على الرجل الزواج بأخرى دون أي ضمانات أو حقوق للزوجة الأولى. التي تضطر إلى القبول مغلوبة على أمرها.

الرأي نفسه وافقه الباحث في قضايا المرأة أحمد أبو المجد، الذي يرى أن ضعف التمكين الاقتصادي للمرأة سببا رئيسا لقبول ذلك الوضع. فمن ناحية ضعف دخول النساء وقلة فرص عملهم، ومن ناحية أخرى تواجد الكثير منهن خارج منظومة العمل الرسمي بكل ما يشوبها من انتهاكات. مما يجعل أغلبهن يقبل بواقع الزوجة الثانية.

صحة المرأة والطلاق للضرر

بينما لفتت الدكتورة آمال عبد الهادي إلى سلبيات هذا الوضع على صحة المرأة من أمراض نفسية جسدية مثل القولون العصبي. ونزيف القولون، والاكتئاب وفقدان الرغبة بالحياة كذلك فقدان الثقة بالنفس، والاحساس بالرفض. وما لذلك من انعكاس على الأبناء، وهي جميعا للطرافة أسبابا لا يعتبرها القانون سببا لوقوع الطلاق للضرر في كثير من الحالات، بحسب المحامية النسوية لمياء لطفي.

وعن الضرر تقول لمياء في قضية زوجة المطرب حكيم رفضت المحكمة الطلاق للضرر. رغم ما حاق بها من اكتئاب تسبب في القيء الدائم لها، وقالت المحكمة في أسباب حكمها إنها لم تقدم ما يثبت ضررها المعنوي والمادي بزواج زوجها بأخرى. وأن شهودها يقروا في شهاداتهم قيام “حكيم” بضربها أمامهم إلا انهم سمعوا بذلك ولم يشاهدوه بأنفسهم. وبناء عليه لم تستطع المدعية إثبات أن زوجها سبب لها اضرارا سوى الادعاء بالضرب والزواج بأخرى وهو حق شرعي. ولهذا يصعب قياس الضرر النفسي الذي ادعت الزوجة انه اصابها، كما أنه لم يثبت بأي شكل أو وسيلة من وسائل الإثبات تقصير المطرب في التزاماته الزوجية”.

وفي ظل غياب ثقافة اللجوء للطب النفسي في المحاكم، وكذلك رجوع الأمر إلى تقدير المحكمة. يصبح اثبات الضرر النفسي للمرأة شديد الصعوبة بحسب تجارب عديدة سابقة أوردتها لمياء.

وتعتقد لمياء أن مشكلة تعدد الزوجات مشكلة خلافية في المجتمع المصري، الذي لم يعرف عنه التوغل في تلك الظاهرة أو انتشارها. ولكن يميل قطاع ما في المجتمع إلى رفض هذه المحدودية والاستنكار المحيط به.

في الوقت نفسه لفتت لمياء إلى أن رغم أن القضية برمتها ضد المساواة بين الرجل، والمرأة إلا أن طرق معالجتها تختلف بين أطياف المجتمع الواحد فهناك. من يرى أن الامر يجب أن يتم منعه على إطلاقه عبر التشريع مثل مؤسسة المرأة الجديدة. والبعض الآخر يرى تقييده مثل وجود أسباب لها يتم عرضها امام القاضي، كذلك يتم اعلام الزوجة الأولى قبل عقد الزواج، وتخييرها، وفريق ثالث يكتفي بشروط الإعلام.

المصلحة الاقتصادية والبرلمان الرجعي

بحسب الباحث أحمد أبو المجد فإن مجتمعات عربية أخرى قيدت هذا الحق، وفي تونس على سبيل المثال منع التعدد منذ الستينات. وفي مصر فإن المصلحة الاقتصادية تميل للمنع على أساس أن انتشار الظاهرة بين الفقراء أعلى من الطبقات الأخرى. ما يؤسس للعديد من الأسر التي تعولها امرأة بمفردها بعد أن هجرها الزوج، وفي الوقت نفسه تساهم في زيادة الانجاب.

ويرجح أبو المجد قبول الدولة لمسالة تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما فيها تقييد المنع. ولكن الازمة تكمن في تشكيلة البرلمان التي تميل إلى الرجعية، والمحافظة، فتقف عائقا أمام أي تغيير يخالف دوائرها.

وشرح أبو المجد أن هناك الكثير من المحاولات الجادة لتعديل القوانين الحالية والتي كان على رأسها القانون المقدم من مؤسسة قضايا المرأة. والذي لم يبت فيه منذ عبر أكثر من برلمان، فضلا عن العديد من القوانين المقترحة الأخرى، ولكنها جميعا تسكن الادراج حتى الساعة.