بعد موجة من الارتفاعات المتتالية وصلت إليها أسعار البترول العالمي “خام برنت” خلال سبتمبر وأكتوبر الماضيين. وتجاوزها حاجز الـ 86.5 دولارًا للبرميل. سرعان ما فقد برميل النفط من 6 إلى 8% من قيمته خلال نوفمبر الجاري. وهوت الأسعار لنحو 78 دولارًا لتسجل أدنى مستوى منذ أكثر من 60 يومًا. فلماذا تراجعت أسعار البترول؟ وكيف تتأثر مصر حال استمرار تقلبات النفط العالمي؟.
حث بايدن الدول الأخرى المستهلكة للنفط حول العالم على التحرك. وبحثت الإدارة الأمريكية استخدام خيار وضع الضوابط للتصدير.
وتعاني الشركات الاستثمارية العاملة في مجال النفط والغاز من التراجعات والتقلبات التي تضرب سوق الطاقة العالمي بشكل مستمر. ما يؤثر على إجمالي أرباح تلك الشركات وقدرتها على الوفاء بخطط الإنتاج المستهدفة. ومن ثم احتمالية حدوث أزمات عالمية فيما يتعلق بتوفير احتياجات السوق العالية من البترول الخام.
تراجعات قياسية خلال نوفمبر
خلال تعاملات الجمعة الماضية هبط سعر خام برنت لأدنى مستوى خلال الربع الأخير من 2021. ليسجل 78.89 دولارًا للبرميل، مقابل 86.4 دولار في ختام تعاملات يوم 26 أكتوبر الماضي. وهو أعلى مستوى وصل إليه الخام في الفترة الأخيرة. ليسجل بذلك انخفاضًا بنحو 7.5 دولار خلال نوفمبر.
ورغم الهبوط المتكرر إلا أنها لاتزال بعيدة عن التراجعات القياسية التي كانت في 2020. ووصلت حينها لمستوى أدنى من 20 دولارًا للبرميل. التي أثرت على كثير من اقتصاديات دول العالم. وعلى رأسها كبريات شركات التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
وتراقب منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” منحنى أسعار السوق بشكل مستمر للوقوف على حجم الإنتاج والتصدير بالسوق العالمية لمنع تعرض السوق لأي هبوط أو ارتفاع بشكل مفاجئ يؤثر على موازنات الدول وكذلك خطط الاستثمار لشركات التنقيب.
لماذا تراجعت الأسعار؟
يشرح جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية. السبب الرئيسي في تراجع أسعار البترول. مؤكدًا أنه يرجع إلى عودة المخاوف في الأسواق مع ارتفاع عدد الحالات المصابة بفيروس كورونا. الأمر الذي أدى إلى إعلان النمسا إجراء إغلاق كامل مرة أخرى.
وأضاف لـ “مصر 360”. ما زاد من حدة التراجع في أسعار النفط هو إجراء الولايات المتحدة الأمريكية محادثات مع أكبر الاقتصادات في العالم مثل اليابان والصين والهند الأسبوع الماضي. من أجل مناقشة احتمالية السحب من احتياطيات النفط الاستراتيجية في خطوة منسقة بهدف تهدئة أسعار البترول.
لفت إلى أن استمرار تفشي فيروس كورونا. يؤدي في كثير من الأحيان إلى تراجع الطلب على البترول الخام. ما يتسبب في تحقيق خسائر لكبريات الدول المنتجة للنفط على المستوى العالمي. ومع استمرار مخاوف الطلب على خلفية حالة الإغلاق التي تفرضها بعض الدول حول العالم بسبب كورونا فقد يؤدي ذلك إلى حالة من الانكماش الاقتصادي المتوقع خلال الفترة المقبلة.
وجاء إجراء الولايات المتحدة بعد أيام من تهديدات من الرئيس الأمريكي جو بايدن باستخدام البترول من الاحتياطيات الأمريكية أثناء الطوارئ. وذلك بعد رفض تحالف “أوبك+” دعواته لزيادة الإنتاج بشكل أسرع عقب موجة ارتفاع للأسعار وصلت بسعر البرميل فوق 85 دولارا لخام برنت في أكتوبر الماضي.
وحث بايدن الدول الأخرى المستهلكة للنفط حول العالم على التحرك. وبحثت الإدارة الأمريكية استخدام خيار وضع الضوابط للتصدير.
ومن اللافت للنظر في معركة بايدن ضد ارتفاع أسعار البترول؛ هو أنَّ إدارته، حتى الآن. لم تتخذ أي إجراء حقيقي، ومع ذلك؛ كانت التكهنات حول ما يمكن أن تفعله الإدارة الأمريكية كافية لوقف الارتفاع في أسعار النفط.
وكانت الصين- أكبر دولة مستوردة للبترول في العالم- أعلنت بعد قمة افتراضية بين رئيسها شي جين بينغ ونظيره الأمريكي. خطة لاستخدام احتياطي البترول الاستراتيجي الخاص بها للمرة الثانية هذا العام.
نهاية ارتفاع أسعار النفط
ومن جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية، الأسبوع الماضي. إن العجز في أسواق النفط العالمية الذي دفع الأسعار إلى أعلى مستوى خلال سبع سنوات بدأ يتراجع مع تعافي الإنتاج في الولايات المتحدة وأماكن أخرى. وبالتالي ستكتب نهاية لارتفاعات أسعار النفط.
أوضحت الوكالة في تقريرها الشهري. أن نمو الطلب لا يزال قوياً، لكن العرض يفي بالطلب، والتغيرات في مخزونات النفط المسجلة خلال أكتوبر تشير إلى أن “المسار قد يتغير”.
وقالت الوكالة، “لا تزال سوق النفط العالمية ضيقة (تشهد عجزاً) بكل المقاييس، لكن قد تتراجع للأسعار المرتفعة. الإنتاج في الولايات المتحدة يصعد بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط. وقالت الوكالة إن كميات الإنتاج الإضافية تتدفق مع استمرار تحالف “أوبك+” في إنعاش الصادرات التي أوقفها خلال فترة تفشي الوباء.
وأعلنت الجمارك الصينية بداية الأسبوع. أن إجمالي واردات الصين من النفط الخام انخفض في أكتوبر إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات. في ظل تقييد كبير تفرضه بكين على واردات شركات التكرير المستقلة.
كما ارتفعت صادرات النفط الخام السعودية في سبتمبر للشهر الخامس على التوالي. لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ يناير 2021. حيث زادت إلى 6.516 مليون برميل يوميًا. من 6.450 مليون برميل يومياً في أغسطس، وفق مبادرة البيانات المشتركة (جودي).
كيف تتأثر مصر؟
على عكس الوضع النفط العالمي. عدد خبراء الطاقة مزايا التراجع الحاد في تسعيرة خام برنت في الوفاء بكامل باحتياجات مصر من المواد البترولية المستوردة من الخارج بأسعار أقل من المقدرة بالموازنة العامة للدولة. ومن ثم تقليص فاتورة استيراد الشحنات الشهرية.
ويقول الخبير البترولي سيف عبدالفتاح. إن الحكومة اعتمدت أسعار خام برنت بنحو 62 دولارًا للبرميل في الموازنة العامة للدولة للعام المالي الحالي 2021/2022. لذا فإن هبوط النفط العالمي لأقرب مستوى من المقدر بالموازنة سينعكس بالإيجاب على توفير فاتورة دعم الطاقة.
هناك مزايا تعود على السوق المحلي من تراجع أسعار النفط العالمي. تتمحور حول تقليص تسعيرة المنتجات البترولية “بنزين، سولار، مازوت”. خاصة بعدما اتجهت الحكومة مؤخرًا إلى الاعتماد على نظام التسعير التلقائي للمنتجات البترولية المُباعة محليًا. وبالتالي دعم الموازنة العامة للدولة في تحقيق فائضًا بنهاية العام المالي الجاري بفضل الهبوط الحاد بالأسعار العالمية.
لفت إلى “مصر 360”. إلى أن وضع السوق العالمي لازال يتأثر بتراجع الطلب على النفط بسبب تفشي فيروس كورونا. حيث تأثرت الأنشطة الصناعية بمختلف الدول. ما تسبب في حدوث فجوة بين قوى العرض والطب وحدوث تراجعات قياسية بالأسعار.
أشار إلى أن استمرار خفض أسعار النفط يعتبر مؤشراً لخفض متوقع آخر في أسعار البترول. ولكنه في الوقت ذاته قد يؤثر الوضع على إيرادات مصر خاصة في ظل تداعيات كورونا وتباطؤ حركة التجارة العالمية.
خطط بديلة لمواجهة تقلبات السوق
على المستوى المحلي تحاول الحكومة ممثلة في وزارة البترول. توفير خطط بديلة تكون قادرة على مواجهة تقلبات الأسعار العالمية. بسبب تداعيات جائحة كورونا التي لاتزال قائمة وغير من المؤثرات الخارجية.
وصرحت مصدر بالهيئة العامة للبترول. أن خطط تنمية الحقول ودعم الإنتاج الخاصة بالنفط والغاز الطبيعي تأتي على رأس الخطط البديلة التي تعتمد عليها الدولة. في تجنب التأثر بالتقلبات الخارجية وتراجعات أسعار النفط العالمي، باعتبار أن الدولة لاتزال توجه استثماراتها لمضاعفة إنتاج الزيت الخام لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود، ولمنع الاستيراد الخارجي.
وأضافت أن خطط تنمية حقول الغاز قائمة. كما هي بسبب توجهات الدولة للتوسع في تصدير فائض إنتاج الغاز للخارج. وتحقيق عائد دولاري جيد يزيد من إيرادات القطاع. في الوقت الذي يتم فيه التوسع في توجيه كميات من الغاز إلى صناعات البتروكيماويات. لإنتاج منتجات بتروكيماوية تصدر للسوق الخارجي.
تابعت أن الحكومة تدعم بشكل مباشر شركات البحث والتنقيب الأجنبية. لمواصلة خطط الإنتاج والتنمية للحقول الواقعة بمناطق امتياز . بحيث يتم إنهاء برامج الحفر للحقول الغازية والنفطية وفق الجدول الزمني المحدد للمشروع.
شركات التنقيب وتخوفات تقلبات الأسعار
تراجع الأسعار العالمية بين الحين والآخر. يثبت بشكل مباشر عدم اقتناع السوق بتخفيضات أوبك. بحيث يظل النفط تحت ضغط تأثيرات فيروس كورونا.
وأكد الخبير البترولي جمال القليوبي. أن أسعار النفط لن تبدأ الاستقرار حتى يتم رفع القيود التي اتخذتها الدول حول العالم لمكافحة كورونا بالكامل. وسيظل النفط يتجه صعودًا وهبوطًا مع تقيده بنطاق تداول حول المستويات الحالية.
وأضاف أن شركات بترول عالمية حققت خسائر في ظل تراجع أسعار النفط الفترات الماضية، مما دفعها إلى تخفيض استثماراتها البترولية، مشيرًا إلى أن منتجي الزيت الصخري هم الأكثر تضررًا لارتفاع تكاليف الإنتاج مما أدى لقيام العديد من الشركات بخفض انتاج النفط الصخري من مناطق امتيازها حول العالم.
تابع أن شركات التنقيب عن النفط لاتزال تتخوف من تقلبات الأسعار بين الحين والآخر، لكن الشهرين الماضيىن ربما قد عوضوا تلك الشركات بجزء من الأرباح التي أعادت التوازن إلى الميزانيات السنوية لمؤسسات النفط والغاز.