دخلت ليبيا مرحلة جديدة يكسوها الضباب، بتطورات متسارعة تقود إلى نثر الخطوات السياسية التي رافقت عملية الانتخابات في مهب الريح. وذلك على وقع استقالة مفاجئة وغير مبررة لمبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش، واعتزام مجلس النواب تعديل قانون انتخاب رئيس الدولة. فضلاً عن مأزق التدقيق في ملفات 98 مرشحًا للرئاسة في غضون 12 يومًا، بينما يحيط أغلبهم شبهات وملفات معقدة قضائيًا وسياسيًا، وكونهم مرشحين بإطار مناطقي، واستبعاد أحدهم يعني أن “لا انتخابات في إقليم هذا المستبعد”.
استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا
على نحو مفاجئ تقدَّم مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا يان كوبيش باستقالته إلى الأمين العام، الذي قبلها، على الفور. بينما تعود قصة مأزق البعثة الأممية إلى شهور سابقة، في إطار خلاف واسع بين الدول الغربية بشأن هوية الشخصية التي تقود جهود الأمم المتحدة في البلد الذي يصارع لعدم الانهيار، وهو ما لا يخلو من صراع نفوذ واسع بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الاستقالة التي وصفتها الأمم المتحدة بأنها غير مفاجئة، وضعت الأحداث الليبية في أضيق مخرج خلال الفترة الأخيرة، باعتبار أن الضمانة الأممية على العملية الانتخابية باتت الأساس الوحيد الذي يضمن انتخابات غير انتقائية ويقبلها الجميع، وإلا تحوّل كل اللاعبين الدوليين لهدّافين في شباك بعضهم البعض في الملعب الليبي؛ لذلك فإن فراغ أو تفكك عمل البعثة الأممية ينقل الأزمة إلى مرحلة اشتباك دولي لا يمكن حلها.
عندما وقَّعت الأطراف الليبية اتفاق جنيف للحل السياسي، كانت الأمم المتحدة العنوان لضمان تنفيذ بنوده، رغم الاشتباك والتداخل بين مصالح الدول الغربية، أو حتى الإقليمية، لكن العزاء الوحيد أمام المهتمين الحقيقيين بحل الأزمة هو أن الأمم المتحدة الراعي المحايد لمقاربات الحل السياسي.
ماذا تعني استقالة يان كوبيش؟
ليس معروفًا إن كان هروبًا من ساحة المعركة أم مقدمة لترتيبات يجرى التحضير لها في الغرف المغلقة. لكنها تعني بوضوح أن الحل ليس من ضمن هذه الترتيبات التي تميل وفق التطورات المحلية إلى إلقاء العملية السياسية في أقرب سلة مهملات. ثمة تأويلات رافقت الاستقالة المفاجئة لكوبيش، بعضها يذهب إلى أقصى نقطة تشكيك في نوايا ومهمة هذا المبعوث منذ البداية، باعتبار أن مهمته كانت قلب الطاولة وليس تعبيد الطريق للحل السياسي، ويستشهد أنصار هذا الرأي بأن كوبيش مسؤولاً بشكل مباشر عن تقويض الحوار السياسي الليبي. بينما يعتقد آخرون أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة توصَّل إلى قناعة بأن شيئًا ما يجرى ترتيباته يمكن أن يهدم أي محاولات سياسية، وهو بذلك يشعر بـ تهميش متعمد من الدول الكبرى لمهمة ودور المبعوث الأممي وفريقه للدعم في ليبيا.
اقرأ أيضًا| هل تستطيع ليبيا انتخاب الرئيس؟
أيًّا كان التأويل، فإنَّ ما صار بشكله المفاجئ وغير المتوقع في توقيت غاية في الحساسية يعني أن العملية السياسية في ليبيا مهددة بالانقراض. خاصة أن الأمم المتحدة لم تكن متفاجئة بالمرة من استقالة مبعوثها، وهو ما يعني أن شيئًا ما كان يدور وراء الكواليس حول مهمة البعثة ودورها وصلاحياتها.
الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، قال للصحفيين في وقت متأخر من مساء أمس الثلاثاء إن الأمين العام قَبِل «بكل أسف» استقالة مبعوثه إلى ليبيا. وردَّ على استفسارات بشأن العملية الانتخابية بأن كوبيش «لن يترك مقعده ولن يترك البعثة معلقة».
على الصعيد الميداني، فإن الترتيبات اللوجستية بكافة تفاصيلها سواء لدى المفوضية العليا للانتخابات أو البلديات تعتمد بشكل رئيس على توجيهات بعثة الأمم المتحدة، ودعمها وتوجيهها، لذلك قال دوجاريك: «لدينا بعثة كبيرة جدًا في الميدان، أشخاص فنيون يواصلون العمل كما عكفوا مع السلطات الانتخابية الليبية و(يقدمون) كل الدعم الفني»، لكن هل يضمن الناطق الأممي استمرار كل هذه الترتيبات الفنية بدون تدخلات غربية أو أطراف لا تريد للانتخابات أن تصل إلى مرحلة الصندوق؟
ما طبيعة عمل البعثة ومثار الخلاف حول آلية عملها؟
في بداية العام الجاري، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تعيين يان كوبيش مبعوثًا خاصًّا له إلى ليبيا ورئيسًا لبعثة الأمم المتحدة (أونسميل)، وتولى مهام منصبة في فبراير. لكن قبل هذا الإجراء كان الخلاف عميقًا خاصة مع الطرف الروسي الذي استخدم الفيتو أكثر من مرة لمنع تعيين مبعوث جديد إلى ليبيا محسوب أمريكيًا، بدلاً من الأمريكية ستيفاني ويليامز التي كانت تقود البعثة بالإنابة بعد استقالة اللبناني غسان سلامة.
مثار الجدل بين واشنطن وموسكو كان يدور في إطار رفض كل طرف تعيين دبلوماسي محسوب على الطرف الآخر أو قريبًا منه، إلى أن اقترحت واشنطن إعادة هيكلة بعثة الأمم المتحدة بالكامل، بحيث يكون هناك مبعوث خاص بدلاً من ممثل خاص يعمل من جنيف، وهو يان كوبيش، ويساعده منسق عمليات يعمل من طرابلس، وهو الزيمبابوي ريزيدون زينينغا.
في سبتمبر الماضي كادت مهمة البعثة تتعطل بسبب خلاف داخل مجلس الأمن بشأن تمديد عملها، ففي 15 سبتمبر تدارك المجلس الأزمة بتمديد عملها لمدة 15 يومًا إلى أن تتفق القوى الغربية بشأنها، وفي نهاية الشهر وافق مجلس الأمن على تمديد عمل البعثة إلى 31 يناير 2022.
وقتها نقلت وكالات أنباء غربية، من بينهم «فرانس برس»، عن مصادر قولها إنّ اعتراض روسيا لم يكن على التجديد للبعثة بعينه، «بل على اللّغة التي استخدمها مشروع القرار الذي أعدّته بريطانيا للمطالبة بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وتحديد دور المبعوث الأممي (يان كوبيش) إلى هذا البلد».
حديثًا عادت الولايات المتحدة وعدَّلت مقترحها لإنهاء العمل بالإدارة المزدوجة للبعثة، وأوصت بأن يكون هناك مبعوث أممي واحد مقرّه طرابلس، كما كانت عليه الحال في الماضي. كما جرى الحديث عن نشر فريق أممي مراقب لجهود اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» لرصد تنفيذ انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.
ما الخطوة التالية؟
في حين قال الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن يان كوبيش لن يترك البعثة معلَّقة، فإن الأخير سيقدم مساء اليوم الأربعاء إحاطة أمام مجلس الأمن، ربما تكون آخر إطلالة بزي أممي عن الحالة الليبية، لكن هل تتفق القوى الغربية، وفق مقتضيات الخلاف آنف الذكر على إسناد المهمة لشريكه الآخر الزيمبابوي ريزيدون زينينغا، وهل الأخير- الذي كان دوره إنساني إلى حد كبير- قادر على سد الفراغ، أم أنَّ الاختيار سيكون لدبلوماسي جديد يبدأ من نقطة الصفر؟ كلها أسئلة لا إجابات واضحة بشأنها، بيد أن أية إجابة تعني أن إجراء انتخابات في موعدها شيء من المجازفة أو الخيال.
3 مؤشرات محلية
كانت هذه أول إشارة على أن الانتخابات الليبية في خانة المجهول، أمّا الإشارة الثانية المرتبطة بطبيعة الحال بسابقتها فهي تطورات محلية متسارعة على أن العملية السياسية غير مضمونة، أو على الأقل توقيتاتها.
الترتيبات اللوجستية وضمانة الانتخابات
الفراغ الذي يمكن أن تسببه بعثة الأمم المتحدة بشأن الترتيبات اللوجيستية باعتبارها الداعم الرئيس لهذه الإجراءات، يهدد بضعف الأداء الذي يمكن أن يطال عمل المفوضية العليا للانتخابات ومكاتبها بعموم ليبيا، لا سيما إذا كان الخلاف الغربي حول إجراء الانتخابات من عدمه، لاسيما أن الولايات المتحدة كررت مطالبتها في الكثير من المناسبات وآخرها، خلال جلسة مجلس الأمن مساء الثلاثاء بالقبض على سيف الإسلام القذافي وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما تعارضه روسيا التي دفعت نجل العقيد الليبي الراحل إلى المشهد بقوة.
هنا يثار السؤال حول ما إذا كانت واشنطن قررت أن تهدم العملية الانتخابية، بسبب فرض موسكو نفوذها في ليبيا، وما يلازم ذلك من نجاح نسبي على حساب السياسة الخارجية الأمريكية في هذا الملف، وكيف ترد روسيا على هذه الخطوة، ثمّ كيف بالأساس أن تتم معالجة هذا الخلاف والبلد على بعد 30 يومًا من الآن عن موعد الانتخابات المحدد في جنيف؟
المرشحون وفحص الطعون
تفاجأ الليبيون بالإقبال الكثيف والطموح الواسع للفوز بمنصب رئيس الدولة، حتى وصل عدد المرشحين إلى 98 مرشحًا، بعضهم قدَّم تزكيات تصل إلى نصف مليون ناخب، في حين أن المفوضية العليا للانتخابات لم توزّع مليوني بطاقة حتى الآن لمن يحق لهم التصويت. من أين جاءت كل هذه التزكيات؟
الملاحظة الرئيسية أن حوالي 80% من المرشحين مرتبطين بالنظام السابق، بل إنّ قالبًا سياسيًا ومناطقيًا واحدًا قدّم أكثر من مرشح. وهو ما يمكن تفسيره على أنها منطق رياضي، بنزول لاعب أساسي وآخر احتياطي، ثم قطاع كبير من المقتنعين بضآلة فرصهم لكنهم يطمحون إلى منصب حكومي، أو مساومات للتنازل، أو تشتيت الأصوات.
اقرأ أيضًا| ما لم يقله سيف القذافي.. أسئلة وسيناريوهات الطريق إلى رئاسة ليبيا
وأتاحت لائحة الترشيح للانتخابات التي أعلنتها المفوضية العليا للانتخابات، 12 يومًا فقط بين غلق باب الترشح وإعلان القوائم النهائية، موزعة على خمسة مراحل، الأولى نشر القوائم الأولية للمرشحين بعد يومين من انتهاء التقدم، وبعد 72 ساعة تتلقى لجنة الطعون الابتدائية التظلمات على المرشحين، على أن تصدر اللجنة قرارها خلال 72 ساعة أخرى، وبعدها تتلقى لجنة الاستئناف الطعون على قرار لجنة الطعون الابتدائية خلال 72 ساعة، على أن تفصل في تلك التظلمات خلال 72 ساعة أخرى، وبعدها تصدر اللائحة النهائية للمرشحين.
لمطالعة دليل الترشح للانتخابات الرئاسية اضغط هنا
ومع الكم الهائل لعدد المرشحين، والعديد منهم مرتبط بخلاف سياسي وأمني وعسكري، وشبهات فساد أو تورط في قتل، كيف يمكن لدولة تنظم أول انتخابات في تاريخها منذ نصف قرن أن تفصل القول في ملفات هؤلاء المرشحين، للحد الذي يدفع البعض للقول إن أكثر الأنظمة المستقرة لا تستطيع حسم الأمر في المدة التي حددتها المفوضية بـ12 يومًا فقط، ناهيك عن التعقيد الذي يطال العديد من ملفات المرشحين بالأساس.
مجلس النواب يرفع مستوى الاشتباك
أما مجلس النواب فقد رفع اشتباكه مع المفوضية العليا للانتخابات إلى المستوى العلني، بالدعوة لعقد جلسة طارئة غدًا الخميس، لمناقشة ما قال إنها مخالفات ارتكبتها المفوضية بشأن العملية الانتخابية، فيما من المتوقع أن يجري تعديلات على قانون الانتخابات في تراجع مفاجئ، بعدما كرر المجلس رفضه إجراء أية تعديلات على القوانين الانتخابية خلال الفترة الماضية.
ثمة تصوران وراء الدعوة العاجلة التي وجهتها هيئة رئاسة المجلس، الأولى إما تتعلق بتعديل آلية الطعن التي غيرتها المفوضية إلى تقديم طعون في دائرة المرشح للانتخابات الرئاسية، بينما يكون الطعن على الاقتراع في دائرة انتخابية يختارها الطاعن، وهو يضمن ضآلة تأثير الطعون، وألا كيف للطرابلسيين مثلاً أن يدخلوا بنغازي للطعن ضد انتخاب حفتر والعكس؟!
التصور الثاني أن يكون المجلس بصدد إقصاء بعض المترشحين “بالقانون”، من خلال إجراء تعديل ينظف ساحة المنافسة أمام خصوم برقة، وهو التعقيد الذي لا يخلو من رد فعل للطرف الآخر، فإذا كان أحد المرشحين، وهو عقيلة صالح رئيسًا للسلطة التشريعية، فإن مرشح آخر وهو عبدالحميد الدبيبة رئيسًا للسلطة التنفيذية.
مستوى آخر من الخلاف طرحه مجلس النواب، عندما قال أعضاء بالمجلس إن البرلمان لم يصدر قرارًا بتحديد موعد إجراء الانتخابات، وهو ما يعني أن الموعد المحدد سلفًا ليس إلا موعد افتراضي، ثم التساؤل الآخر: هل تحديد موعد الانتخابات هو إجراء تنظيمي كيفما ترى المفوضية العليا، إم هو إجراء سياسي خاضع لاتفاق جنيف، أم يتطلب موافقة تشريعية من مجلس النواب.
كيف رأى الليبيون الارتباك الحالي؟
سيل من التدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي استقبل بها الليبيون الصدمة التي تركها المبعوث الأممي في توقيت حساس، فالكاتب الصحفي الليبي بشير زعبية رأى في استقالة كوبيش معنى آخر كأنه يقول «إني أرى ما ترون»، وإلا كانت خطوته انتحارًا مهنيًا، ونهاية بائسة لمشواره المعني. الأمر نفسه بالنسبة للصحفي محمود شمام الذي عبّر بشكل ساخر عن حالة فوضى تسيطر على الموقف بقوله: «شهود عيان ذكروا أن المبعوث (خبط) رأسه في الحيط عند سماعه وصول عدد مرشحي الرئاسة إلى ٩٨ مرشحًا حصلوا على تزكية نصف مليون ناخب وأقسم باليمين أنه لن يدخل ليبيا مرة أخرى. (مش مشكلة- قال مواطن ليبي يراقب الوضع- سوف نفتح باب الترشح لوظيفة المبعوث الدولي».
اقرأ أيضًا| “العودة للملكية”.. هل تُخرج ليبيا من أزمتها؟
أما الناشط محمد لوحيشي دوّن يقول: «كل الأحداث لا تبشر بالخير.. آخرها استقالة المبعوث الأممي في وقت حساس وخطير جداً، وهذا ما يعني أنه صدرت له تعليمات لم يرضى بها فـ الاستقالة ليست في وقتها أبداً». وكتب البرلماني الليبي عصام الجهاني: «استقالة كوبيش المبعوث الأممي إحدى إرهاصات القادم.. بعض الإجابات تجدها لديه».
إجراءات مرتبة
الباحث في الشأن الليبي كامل عبدالله، يعتقد أن ما يحدث شيء مرتب ومنظم لهدم العملية السياسية برمتها. وهو هنا يؤمن بنظرية الذهاب إلى التقسيم للأقاليم الثلاثة، باعتبار أن القوى الغربية نجحت في استعمال الليبيين وخلق مثلث متكافئ مناطقيًا وعكسريًا في طرابلس وبرقة وفزان، «وإلا، لماذا ترشح سيف القذافي من سبها وليس طرابلس»، يقول كامل لـ«مصر 360».
«مثلما عقيلة وحفتر في برقة يكون سيف قائد جديد للجنوب، وتلتف حوله مجموعات مسلحة وانشقاقات عن حفتر وتصطف خلفه ويبدأ حربه للوصول إلى سرت مسقط رأس الأهل», هذا هو التفسير الذي قدمه كامل لمشهد الترشح للانتخابات، لذلك يرى أن الموقف مندفع بقوة نحو هدم العملية السياسية، واستقالة يان كوبيش أحد مؤشرات هذا الوضع.
يذهب الباحث في الشأن الليبي إلى ما هو أبعد من ذلك باعتبار أن «أمريكا والقوى الغربية يريدون الذهاب إلى التقسيم، كما أنهم يمررون عملياتهم من خلال الأمم المتحدة لتحقيق هذا الغرض، لكن من دون أن يعلنوا عنه، للدرجة التي سيدفعون الليبيون لطلب ذلك بأنفسهم».
السيناريوهات المستقبلية:
– تأجيل الاستحقاق لبداية العام:
في هذا السيناريو يمكن للأطراف الليبية أن تختار تأجيل الانتخابات إلى العام المقبل لإنقاذ الموقف وإعطاء فرصة للوصول إلى الحد الأدنى من التوافق بينهم، بيد أن الوضع المأزوم لا يرجح توافقًا بين الليبيين بقدر ما يمكن أن يختاروا إلقاء العملية برمتها للمستقبل لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
هذا الطرح بدأت دوائر أمريكية تسويقه، باعتباره الخيار الأكثر حكمة، بفعل حالة الارتباك، التي ستدفع ليبيا إلى استئناف العنف، أو التقسيم، بسبب الانتخابات المستعجلة، والتي تشهد جدلاً حول بعض المرشحين. كما تحدثت أطراف في الداخل عن فرص التأجيل المتزايدة، ومنهم رئيس مجلس الدولة خالد المشري، وهو أحد الأطراف الدافعة بقوة نحو إفشال الانتخابات بشكلها الحالي.
– الدفع نحو التقسيم لثلاثة أقاليم:
هذا السيناريو مدفوع بشكل خريطة الترشح الموزعة مناطقيًا بطريقة تبدو متكافئة من الناحية السياسية والاجتماعية، بعدما ملأ سيف الإسلام القذافي الفراغ في إقليم فزان، والذي شهد صراعًا بين الشرق والغرب على موطئ نفوذ فيه خلال السنوات الماضية؛ وبالتالي باتت الأقاليم الثلاثة تمتلك إطارًا سياسيًا واصطفافًا خلف مشروعات متساوية.
هذا السيناريو يمتلك أرضية لدى الليبيين، على وقع خروج دعوات بين الحين والآخر، لاستقلال أحد الأقاليم، حدث ذلك في إقليم فزان عدة مرات، وفي برقة، وراج لدى أذهان الطرابلسيين، بينما باتت الأطراف الثلاثة تمتلك الآن الحد الأدنى من مقومات هذا المشروع.
اقرأ أيضًا| 5 مشاهد قد تجعل الانتخابات الليبية “وجبة حرب”
– التحول إلى الحرب:
بعد انتخابات فوضوية، لاسيما أن المفوضية العليا للانتخابات باتت مضطرة لقبول كافة المرشحين، أو على الأقل المؤثرين في المشهد، إذا أرادت ضمان إجراء العملية الانتخابية في عموم البلاد، ذلك أن استبعاد أي طرف يعني أن الانتخابات لن تجرى في منطقة نفوذه، وهو ما بدت ملامحه مؤخرًا عندما أغلقت مناطق في غرب البلاد المراكز الانتخابية اعتراضًا على ترشح سيف القذافي.
يضاف إلى ذلك، أن الأطراف أبدت نية مسبقة بعدم قبول نتائج الانتخابات إذا جاءت بالطرف الآخر، وهو مستوى من الصراحة في الصراع غير معهودة، فالغرب يقول إن انتخاب حفتر يعني الحرب، والشرق يقول نريد انتخابات نزيهة ولا نقبل بغيرها، وهم يفسرون النزاهة وفق تصوراتهم الرافضة للآخر، أما أتباع النظام السابق، فيرون البقية إرهابيين ثاروا على الزعيم وقتلوه، وها هم عائدون للثأر.