حمل هموم الوطن العربي وأفريقيا على أكتافه فلقب بـ”شاعر أفريقيا والعروبة”. وكان الشاعر السوداني والدبلوماسي الراحل محمد مفتاح الفيتوري من رواد الشعر الحر الحديث. ولاقت إبداعاته اهتماما كبيرا في مصر فكانت تدرس بعض أعماله ضمن مناهج آداب اللغة العربية. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان.

احتفى محرك البحث جوجل بذكرى ميلاده حيث تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ85. إذ ولد الفيتوري في 24 نوفمبر عام 1936م بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور الحالية بالسودان. ووالده هو الشيخ مفتاح رجب الفيتوري، وكان خليفة صوفي في الطريقة الشاذلية، العروسية، الأسمرية.

وقال جوجل إن أعمال الفيتوري بلغتها الثورية بثت حياة جديدة في الأدب العربي المعاصر بمزيج من الفلسفة الصوفية والثقافة الأفريقية والدعوة إلى مستقبل خال من الاضطهاد.

نشأ محمد الفيتوري في مدينة الإسكندرية بمصر وحفظ القرآن الكريم في مراحل تعليمه الأولى. ثم درس بالمعهد الديني وانتقل إلى القاهرة حيث تخرج في كلية العلوم بالأزهر الشريف.

الفيتوري وقضايا الوطنى العربي

احتل الشأن العربي مكانة في أعمال الفيتوري خاصة القضية الفلسطينية. حيث كتب العديد من القصائد المهمة التي جعلته واحدًا من كبار الشعراء العرب المعاصرين، فهو يقول:

لقد صبغوا وجهك العربي

آه.. يا وطني

لكأنك، والموت والضحكات الدميمة

حولك، لم تتشح بالحضارة يوما

ولم تلد الشمس والأنبياء

الفيتوري وعشق أفريقيا

كانت أفريقيا الهم الأكبر في قصائد وشعر الفيتوري الشعري، وناقشت قصائده قضايا الرّق والاستعمار معبرة عن نضاله التحرري. وله عدة دواوين في الشأن الأفريقي أهمها ديوان «أغاني أفريقيا» الصادر في عام 1955. و«عاشق من أفريقيا» وصدر في عام 1964م، و«اذكريني يا أفريقيا» ونشر في عام 1965. وديوان «أحزان أفريقيا» عام 1966، حتى أصبح الفيتوري صوتَ أفريقيا وشاعرها. يقول في إحدى قصائده:

جبهة العبد ونعل السـيد

وأنين الأسود المضطهد

تلك مأساة قرون غبرت

لم أعد أقبلها لم أعد

بداياته العملية

بدأ الفيتوري حياته محرراً أدبياً بالصحف المصرية والسودانية. كما عُيّن خبيرًا للإعلام بجامعة الدول العربية في القاهرة في الفترة ما بين 1968 و1970. ثم عمل مستشارًا ثقافياً في سفارة ليبيا بإيطاليا، وكان مستشارًا وسفيرًا بالسفارة الليبية في بيروت بلبنان. ومستشارا للشؤون السياسية والإعلامية بسفارة ليبيا في المغرب.

أدت مواقفه السياسية المعارضة للنظام السوداني إلى سحب الجنسية منه عام 1974. في عهد الرئيس جعفر نميري وسحب منه جواز السفر السوداني، ليزيد هم جديد إلى همومه. فكان من أبرز دواوينه الشعرية “اذكريني يا أفريقيا”، و”عاشق من أفريقيا”، و”معزوفة لدرويش متجول”.

بعد موقف النميري منه أصدرت ليبيا له جواز سفر ليبي، وكانت علاقته بالرئيس معمر القذافي قوية. إلا أن سقوط نظام القذافي أدى إلى سحب جواز السفر الليبي منه. أقام بعدها في المغرب مع زوجته المغربية رجات في ضاحية سيدي العابد، جنوب العاصمة المغربية الرباط. لتعود له الجنسية السودانية مرة أخرى في عام 2014 ومنح أيضا جواز سفر دبلوماسي.

عاش رحالة

تنقل الفيتوري بين العديد من بلدان الوطن العربي ومدنه بدءا من الإسكندرية حتى الخرطوم. ومن بيروت ودمشق حتى بنغازي وطرابلس واستقر في المغرب فترة طويلة.

تحرر الشاعر السوداني من الأغراض القديمة للشعر كالوصف والغزل وأدوات البلاغة التقليدية. ولم يلتزم بالأوزان والقافية، وهو ما ظهر بوضوح في قصيدة «تحت الأمطار» بما يعكس رؤيته الخاصة. واعتبر جزءًا من الحركة الأدبية العربية المعاصرة. ففي قصيدة «معزوفة درويش متجول» يقول:

في حضرة من أهوى عبثت بي الأشواق

حدقت بلا وجه ورقصت بلا ساق

وزحمت براياتي وطبولي الآفاق

عشقي يفني عشقي وفنائي استغراق

مملوكك لكني سلطان العشاق

إلى جانب نظمه للشعر نشر الفيتوري العديد من الأعمال النثرية والنقدية. وبعض الدراسات في الصحف والمجلات العربية وتمت ترجمة بعض أعماله إلى لغات أجنبية. ومن بين تلك الأعمال المترجمة: نحو فهم المستقبلية (دراسة)، التعليم في بريطانيا، تعليم الكبار في الدول النامية. وألّف مسرحية “عمر المختار”، وحصل على «وسام الفاتح» الليبي، و«الوسام الذهبي للعلوم والفنون والآداب» بالسودان.

توفي محمد الفيتوري في 24 أبريل عام 2015 بالمغرب، حيث كان يعيش فيها مع زوجته المغربية، وذلك عن عمر ناهز 85 عاما بعد صراع طويل مع المرض.