التضخم في مصر لا يزال بالحدود الآمنة. أو هكذا أرادت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، أن تطمئن القلقين من ارتفاع مستوى الأسعار في مصر. خاصة لبعض السلع الأساسية. ومنها الزيوت والعديد من أنواع البقوليات، في مقدمتها الفول؛ الوجبة الأساسية للمصريين.

تشير الحدود الآمنة للتضخم في مستوى ارتفاع الأسعار الذي يستهدفه البنك المركزي ما بين 5 و7%. وبحسب آخر البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية ارتفع خلال شهر أكتوبر 2021 على أساس سنوي. ليسجل 7.3%، مقارنة بـ4.6%، خلال أكتوبر من العام الماضي.

لماذا ارتفع التضخم؟

تعزو وزيرة التخطيط ارتفاع التضخم محليًا إلى ظاهرة التضخم الحالي دوليًا، بفعل جائحة كورونا. وتوضح أنه بعد الأزمات والدخول في مراحل التعافي يحدث ارتفاع في الأسعار. ويكون هذا الارتفاع ناتج عن تحول الاقتصاد من اقتصاد مغلق في مرحلة الأزمة إلى معاود للنشاط في مرحلة التعافي.

 

الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية «التضخم الأساسي» سجل خلال شهر أكتوبر 2021 ارتفاعًا قدره 1.7% عن شهر سبتمبر 2021
الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية «التضخم الأساسي» سجل خلال شهر أكتوبر 2021 ارتفاعًا قدره 1.7% عن شهر سبتمبر 2021

تعاني مصر إذن من «تضخم مستورد»، والذي يضرب الدول التي تعتمد على استيراد منتجات كثيرة من الخارج. إذ ترتفع تكاليف الإنتاج في الدول التي تقوم بالتصدير فترفع أسعار منتجاتها عند تصديرها. ويتسرب ذلك الارتفاع إلى الدول المستوردة دون قدرة منها على التدخل إلا حال تغييرها بلد المنشأ، والبحث عن منتجين آخرين لديهم مزايا سعرية أفضل.

وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية «التضخم الأساسي» سجل خلال شهر أكتوبر 2021 ارتفاعًا قدره 1.7% عن شهر سبتمبر 2021. وكان ذلك بسبب ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بنسبة 6.6%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 3.3%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 1.9%.، والحبوب والخبز بنسبة 1.4%، وإيجار المساكن بنسبة 0.4% والنقل الخاص بنسبة 1.8%.

وقفز سعر طن الزيت الخام إلى 25 ألف جنيه مقابل 21 ألف جنيه. وذلك في ظل استيراد مصر أكثر من87% من استهلاكها من الزيوت من الخارج، بمراحل إنتاجية مختلفة. وهي تتنوع بين استيراد بذور وعصرها وتكريرها، أو استيراد زيوت وتكريرها، أو الاكتفاء بمرحلة التعبئة فقط.

كما تحتل مصر المرتبة الأولى في العالم في استيراد القمح الذي ارتفعت أسعاره بالسوق المحلية بنسبة 7% للطن، ما رفع أسعار المكرونة بنسبة 5%. بينما ارتفع أيضًا سعر كيلو الفول المستورد بسوق الجملة بين 10.5 جنيه و11 جنيهًا أيضًا.

قفزة كبيرة في معدلات التضخم العالمي

بحسب مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، فإن معدلات التضخم ارتفعت عالميًا بشكل غير مسبوق. لتصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 3.5% حاليًا مقابل 0.5%. وفي أوروبا بين 4 و4.7% -رغم أنها لم تكن تتجاوز 1% في المعتاد- لكنها سجلت أعلى مستوى منذ 13 عامًا في منطقة اليورو.

علميًا، يرجع ارتفاع التضخم عالميًا لتنامي الطلب علي السلع الأساسية والغذائية بعد التعافي من أزمة كورونا التي لم يواكبها زيادة في الإنتاج الصناعي المنكمش. وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى متوسط 85 دولار. بزيادة تعادل نحو 20 دولار في أقل من 90 يومًا. هذا إلى جانب أزمة الشحن العالمية التي ساهمت في رفع تكلفة نقل البضائع.

وقد تعرض القطاع الزراعي في أكثر من دولة لموجات من الطقس السيء. ما سبب نقصًا في المعروض للتصدير من الدول المصدرة، التي رفعت أسعار الغذاء بنحو 33%، في زيادة تعادل 12% عن توقعاتها السابقة. لتصل فاتورة الغذاء العالمية لأعلى مستوى لها على الإطلاق، متجاوزة 1.75 تريليون دولار بزيادة نسبتها 14% عن 2020.

لم نصل بعد لأزمة 2018

تظل أرقام التضخم الحالية أقل بكثير مما سجلته في الشهور ذاتها قبل أعوام. ففي أكتوبر 2018 ارتفع التضخم العام إلى 17.5%. وفي سبتمبر السابق عليه كان 17.7%، كأحد تداعيات تحرير سعر الصرف، الذي رفع حينها التضخم لمستو قياسي. واستمر في التذبذب حتى بلغ متوسط في عام 2021، بينما يتوقع بنك استثمار «بلتون» أن يبلغ متوسط معدل التضخم السنوي في المدن إلى 6.6% خلال الربع الأخير من العام الجاري 2021، رغم ارتفاع الأسعار عالميًا.

تستند الحكومة في توقعاتها بعدم تخطي التضخم الحدود الآمنة إلى وجود شريحة من الإنتاج المحلي تُمكننا من المناورة حتى استقرار الغذاء العالمي. خاصة القطاع الغذائي الذي يعتمد في  40%  منه على منتجات محلية، بجانب ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي يمكن من سد احتياجات استيراد السلع الغذائية من الخارج.

تستند الحكومة في توقعاتها بعدم تخطي التضخم الحدود الآمنة إلى وجود شريحة من الإنتاج المحلي تُمكننا من المناورة حتى استقرار الغذاء العالمي
تستند الحكومة في توقعاتها بعدم تخطي التضخم الحدود الآمنة إلى وجود شريحة من الإنتاج المحلي تُمكننا من المناورة حتى استقرار الغذاء العالمي

أكد الدكتور على المصيلحي، وزير التموين، أخيرًا، أن حجم الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية آمن فمخزون القمح يكفي لمدة 5.3 أشهر، والزيت 5.1 شهر، والأرز 3 أشهر، وهي فترة كافية تتماشي مع توقعات بنوك الاستثمار العالمية بأن يكون ارتفاع التضخم عالميًا  أمراً مؤقتًا.

انتهى موسم حصاد الأرز مطلع نوفمبر الحالي بمساحة مزروعة تصل إلى مليون و74 ألف فدان. كما يبدأ توريد القمح المحلي في أبريل المقبل واستبقت موسم الزراعة الحالي بإعلان السعر للعام المقبل بزيادة 100 جنيه للإردب لتشجيع المزارعين على زيادة المساحة المنزرعة،

آثار التضخم على فاتورة واردات

يقول الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسة والإستراتيجية، إن زيادة أسعار السلع العالمية ترفع فاتورة الواردات المصرية التي تجاوزت 60 مليار دولار. فمصر تستورد 95% من زيت الطعام و70% من الأعلاف، وما بين 50% و55% من القمح.

يشير السيد لمشكلة أخرى تتعلق بتداعيات ارتفاع أسعار النفط على الموازنة العامة للدولة، بعدما سجلت 85 دولارًا. بينما تستهدف موازنة العام الحالي سعرًا عند 68 دولارًا فقط. لكنه يؤكد أن التضخم لا يزال في الحدود الآمنة والمستهدفة لدى البنك المركزي المصري ما بين 5 و7%.

يصبح ارتفاع التضخم أمرًا مقلقًا في دول العالم -وليس في مصر فقط- حال حدوث موجة من الركود التضخمي. وهي مشكلة ترتبط بارتفاع الأسعار مع ركود نمو الاقتصاد. أي تراجع معدلات النمو أو انكماش الاقتصاد، بالإضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة.

وقد أكدت وزارة المالية أنها استطاعت تسجيل ثاني أكبر فائض أولى بالموازنة العامة للدولة. ذلك بنسبة 2% من الناتج المحلى خلال العام المالي 2018/2019. ومقارنة بعجز أولى 3.5% عام 2013/2014. واستمرت في تحقيق فائض أولى رغم «الجائحة»، بنسبة 1.8% خلال العام المالي 2019/2020، و1.46% من إجمالي الناتج المحلي في العام المالي الماضي.

ما تستهدفه مصر حاليًا

تستهدف الوزارة خلال العام المالي الحالي 1.5%، و2% فائضًا بالناتج الإجمالي المحلي على المدى المتوسط.

وقد تراجع عجز الموازنة من 12.5% بالعام المالي 2015/2016 إلى 7.4% خلال العام المالي 2020/2021. فيما تستهدف مصر النزول خلال العام المالي الحالي إلى 6.7% وأقل من 5.5% على المدى المتوسط، وفق الدكتور عبدالمنعم السيد.

تسبب ارتفاع التضخم المستمر في ستينيات القرن الماضي في حدوث موجة من الركود التضخمي. وهو حدث اقتصادي يتميز بارتفاع التضخم (أي ارتفاع الأسعار)، وركود نمو الاقتصاد (أي تراجع معدلات النمو أو انكماش الاقتصاد). بالإضافة إلى ارتفاع مستويات البطالة.

يصبح التضخم مشكلة حينما يصبح جامحًا. بمعنى أن العملة ليس لها قيمة من الأساس، مثلما حدث في فنزويلا التي وصل فيها التضخم إلى 1258% في ظل أزمة اقتصادية تعاني منعًا الدولة التي تعتمد على تصدير النفط، والسودان بنسبة 366%، ولبنان بنسبة 144%. والدولتان تعانيان من عدم استقرار سياسي، وعدم القدرة على تمويل احتياجاتهما من السوق العالمية.