يخرج الفتى ويقول “عايز واحدة تحبني لنفسي، تقبلني لشخصي” وتقول الفتاة نفس المعنى، وجميعًا ننسى أن كل العلاقات بكل أشكالها هي علاقات ذات غرض.

كلمة علاقة لغرض هي كلمة سيئة السمعة، أشبه بكلمة استغلال تتأهب كل حواسك فور سماعها، لتاريخ طويل ارتبطت كلمة استغلال بنوايا سيئة وأفعال تُسئ وتُشوه العلاقة ومن ثم يحدث التوتر فور سماع مثل هذه الكلمات رغم أن لغتنا العربية ثرية بشكل مبهر، نفس الكلمة يتغير معناها حسب استخدامها، وحسب علامات الترقيم المستخدمة، بل إن نبرة الصوت تُحدث تغييرًا في المعنى، لكننا نميل إلى الراحة ونتعامل مع بعض المفردات والأفعال بصورة نمطية.

لا توجد علاقة بلا غرض

الكلام عن أن شخص في علاقة مع آخر/ى دون غرض هو محض كلام مُرسل، جميعًا ندخل العلاقات لأسباب وأغراض، تمنحنا الصداقة مساحة من الطمأنينة والأمان، الدعم والعزوة، ويمنحنا الحب كذلك، نبدأ العلاقات لحاجة في نفوسنا، وليست كل النفوس تضمر سوءًا.

التعامل من منطقة سوء النية يجعل الحياة صعبة جدًا، يُضفي ضبابية على الصورة. ويصنع إطارًا أسود يخنق العلاقة، تخيل أن لك صديق تتعامل معه من منطقة سوء النية، إذا اتصل بك وطلب أن تتقابلا فأنت ستظن أنه يرغب في مقابلتك لأنه يُريد منك شيئا. وستصبح كل كلماته معك وكل تصرفاته هي من قبيل التمهيد لطلبه الذي تظنه، مع أنه الطبيعي والمنطقي أن يكون كل صديق سندًا ودعمًا معنويًا وماديًا لصديقه، فإن احتاج الانسان دعمًا ممن سيطلب؟

الخبرات السيئة تصنع صخورًا تقف في مسارات العلاقات بما تقدمه من شبكة هلامية من مسارات سوء الظن، ليس لصاحب الخبرات فحسب، وإنما تنتقل تلك الخبرات عبر الحكايات بوصفها حكمة الأجيال.

الفهلوة مقابل الكذب

كثير منا يحاول أن يكون نابه وذكي، فيلتف على الحقيقة، ويؤلف القصص والحكايات، هو/هي يظن أنه بهذه الطريقة شاطر ومميز، وعلى الطرف الآخر فإن اكتشاف الشريك لتلك الممارسات يعده فتحًا لأنه ضبط شريكه متلبسًا بالكذب، وسرعان ما تحدث المعارك.

في علاقات الحب يكون صخب المعارك أعلى صوتًا، حيث في حالات كثيرة، فإن المرأة هي التي تكتشف كذب/ فهلوة الرجل تُبادر في مشاركة صديقاتها وأصدقائه نبأ اكتشافها سعيًا لصناعة فخ يليق بالحبيب لنواجهه بأكاذيبه، وفى هذه اللحظة ينسى البعض أننا ندخل العلاقات لأننا بحاجة إلى الطمأنينة، ولأن الكذب صناعة الخوف وناتجها، كثير منا يكذب لأنه بحاجة إلى شيء، نحن لا نتحدث عمن يكذبون بلا سبب كصيغة للحياة، ولا يمكنهم الحياة الواضحة فهؤلاء يعانون من مشكلات عديدة، لكننا نتحدث عن الكذب اللحظي الذي ولد خوفًا على مشاعر الشريك.

لو أننا حين نكتشف كذب الشريك نتوقف قبل أن نُعلن أنفسنا منتصرين، نتوقف ونصدق أو نتظاهر بالتصديق فماذا سيحدث؟

كثيرون يُراجعون أنفسهم في أكاذيبهم عندما يجدون ودًا وطمأنينة من الطرف الآخر، يتخلون عن خوفهم، ويبدأون في كشف الحقائق، لكن البعض مشغول بتأكيد سوء الظن الموجود بداخلنا كأحد نواتج منطقية للخبرات السيئة للشخص نفسه أو لأشخاص في محيطه.

لكل علاقة سبب وغرض وليست كل الأسباب والأغراض تكشف عن سوء الطرف الآخر، لكنها تكشف عن احتياجات الانسان ورغبته أن يستكمل ما يرغب فيه بواسطة آخرين، وجميعا في حاجة لشيء قد يكون مشاعر أو شيئًا ماديًا.

المشكلة الحقيقة أن كل شخص يدخل العلاقة ومعه كتالوج يرغب في تطبيقه، في الحب علي الحبيب أن يفعل كذا وكذا وفى المقابل تفعل الحبيبة كذا وكذا، وفى الصداقة علي الصديق أن يقوم بكذا ويقول كذا عند حدوث كذا، وكأننا في برنامج كمبيوتر قائم على المعادلات والاحتمالات الرياضية، وننسى الاختلافات والفروق الشخصية، فأنت نفسك رد فعلك على نفس الموقف مختلف تبعًا للظروف والعمر، عندما تُشاهد حريق تجد نفسك تتحرك سريعًا لإنقاذ من حولك واطفاء الحريق، ومرة أخرى تشعر بشلل وتجمد ولا تتحرك، ومرة ثالثة غير مهتم وتبتعد، أنت نفس الشخص الذي تتغير مواقفه وأفعاله، مع الآخرين، لكنك في العلاقة تُريد أن يكون الآخر هو رد فعل لأفكارك المختزنة في عقلك حتى دون أن تُشاركها معك.

أحدهم يقول “بتحبني علشان فلوسي” جملة بها العديد من الأفكار السيئة فهي تقدم الشريكة بوصفها شخص طماع، مادية، تسعى لاستغلال حبيبها بصورة سيئة، لكن لو فكرنا بشكل آخر، أنها عانت احتياجًا، وأن تجربتها الشخصية جعلتها ترى أن المال هو تفسير الأمان، عند قبول هذا التفسير سنراها دخلت العلاقة بحثًا عن الأمان المتحقق في فلوسه، وقياسًا على ذلك يمكن رؤية العديد والعديد من المواقف.

فقط نحن ننسى أن كل نقطة حولها 360 درجة، كل موقف يصلح كمركز لدائرة ويمكن تأويله بطرق عديدة جميعها صحيح، فقط يختلف التأويل حسب الزاوية التي نرى منها، فإذا وضعنا مبدأ أن كل العلاقات لها أسباب وأغراض نحققها من العلاقة، وأقلعنا عن سوء الظن، ومحاولات صناعة انتصارات وهمية بكشف الطرف الآخر لتأكيد الظنون بأنه دخل العلاقة مدفوعًا برغبات الربح الحرام، حينها فقط يمكن أن نجد السعادة في الصداقة والحب والعمل، فلا علاقة دون غرض ولا إنسان بوجه واحد.