كشفت تقارير إعلامية اليوم عن صور فضائية وبيانات ملاحية ترصد حركة جسر جوي دشنته دولة الإمارات العربية. لتقديم مساعدات ودعم عسكري لقوات جوية تتبع الجيش الوطني الإثيوبي عبر شركات شحن إسبانية وأوكرانية وصينية. وصلت لأكثرمن 90 رحلة جوية خلال الشهرين الماضيين.

وفقاً لصور الأقمار الصناعية المتداولة والتي بثتها قناة الجزيرة صباح اليوم توجهت معظم هذه المساعدات إلى قواعد جوية إثيوبية، دون قاعدتي سمرا وأكسوم اللاتي خرجتا من الخدمة بعد اشتباكات مع قوات جبهة تحرير شعب تيجراي. انتهت لسيطرة قوات الجبهة على عدد من القواعد العسكرية التابعة للجيش.

ويأتي تداول هذه المعلومات بعد اتهامات وجهها المتحدث باسم جبهة تحرير شعب التيجراي، غيتاتشو رضا مطلع نوفمبر الجاري. ضد أطراف أجنبية تعمل لصالح نظام آبي أحمد، وصفهم بـ”المرتزقة الأجانب” من إريتريا، والصومال، والإمارات والصين وإسرائيل. في حربه ضد إقليم التيجراي، متهماً نظام آبي أحمد بتسليم مؤسسات الأمن القومي إلى جهات أجنبية. فيما أصبحت قطاعات الدفاع والاستخبارات والأمن من المؤسسات الوطنية العديدة التي جردت تماما من هويتها كرمز للسيادة الوطنية وأصبحت ملعبا للجهات الأجنبية.

كانت جبهة تحرير التيجراي أيضاً أول من كشف عن الدور الإريتري في دعم نظام آبي أحمد رغم محاولات النظام في إثيوبيا واريتريا. النفي المتكرر لهذه الأنباء قبل الاعتراف الرسمي لدخول قوات إريترية لمساعدة الجيش الإثيوبي ضد إقليم تيجراي المتمرد. إلا أنه منذ اتهام جبهة التجراي بتورط دول أجنبية أخرى لم يتم التحقق منه خلال الأسابيع الماضية. فيما لم تعلق أي من الدول التي تم اتهامها على هذه الاتهامات بشكل رسمي.

وكانت جبهة تحرير التيجراي أيضاً قد كشفت مع بداية اندلاع الصراع في الإقليم عن دعم الإمارات للجيش الإثيوبي بطائرات مُسيرة تنطلق من القاعدة العسكرية الإماراتية بمدينة عصب الإريترية.

مواقف الإمارات المتناقضة في الأزمة

منذ بداية الصراع في إقليم التيجراي نوفمبر من العام الماضي أظهرت بيانات وزارة الخارجية الإماراتية أنها تقف على الحياد من الأزمة الداخلية في إثيوبيا. فيما اقتصرت البيانات الدبلوماسية الرسمية على استمرار التعاون بين الدولتين في إطار المصالح العامة. بينما تم تداول العديد من الأخبار الخاصة بارسال شحنات من المساعدات الطبية والغذائية في إطار مساعدة إثيوبيا على تخطي تداعيات جائحة كورونا.

لكن مع احتدام الصراع وإطلاق العديد من القوى الفاعلة بيانات شديدة اللهجة من أجل وقف القتال الذي تم وصفه بأنه تطهير عرقي وتحذيرات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. ورفض آبي أحمد لأي مبادرات من أجل وقف التصعيد، كان للإمارات دوراً مخالفاً. حيث أظهرت الدعم لآبي أحمد في حربه ضد جبهة تحرير تيجراي، حيث أشار وزير الخارجية الإماراتي لهذا الدعم في اتصال مع مسؤول بالأمم المتحدة. قائلاً: “تقف الإمارات مع الدول الصديقة في حربها ضد الإرهاب والتطرُّف”. وهو ما جاء قبل أسابيع من إعلان النظام الإثيوبي لجبهة تحرير التيجراي بأنها منظمة إرهابية متطرفة تستهدف ضرب استقرار دولة إثيوبيا.

دعوة الإمارات لتسوية سياسية لإنهاء الصراع

لكن في أبريل الماضي أعلنت الإمارات عن موقف آخر حيث رحّبت بإعلان وقف إطلاق النار في الإقليم. مؤكدة أن التسوية السياسية هي الطريق الوحيد لإنهاء الصراع في البلاد، وهو الموقف الذي طالما عبرت عنه الإمارات في كل المناسبات السياسية. التي يتجه فيها الصراع سواء في الداخل أو الجوار الإثيوبي نحو امكانيات التهدئة. حيث كانت الإمارات قد تبنت أيضاً مبادرة للحوار بين السودان وإثيوبيا لتسوية الخلافات الحدودية.

وتأكيداً على سياسة دعم المتضررين من الحرب أرسلت الإمارات بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي. في أغسطس الماضي أول طائرة تحمل مواد غذائية إلى مدينة ميقلي عاصمة إقليم تيجراي الإثيوبي. من أجل دعم الوضع الإنساني، فيما تعهدت بإرسال 200 طن من المواد الغذائية إلى إقليم تيجراي في إثيوبيا.

ووفقاً لتقارير إعلامية أمريكية فإن الإمارات كانت من بين الوجهات الرئيسية لتقديم الدعم العسكري لآبي أحمد قبيل اندلاع حرب التيجراي. بخاصة بعد التداعيات التي شهدها الجيش الإثيوبي نتيجة عدم التوافق وعدم الثقة بين آبي أحمد وقيادات التيجراي المهيمنة على مفاصل الجيش. وهو ما دعا أحمد للقيام بإصلاحات في الجيش لضمان ولائه له والحد من هيمنة التيجراي عليه. حيث كانو يسيطرون على 18% من الجيش بخاصة الوظائف والرتب العليا. وهو ما بدأ في تنفيذه من خلال التنكيل بعناصر التيجراي والإطاحة بهم من الجيش بعد توجيه تهم فساد. وأنشأ حرساً جمهورياً تلقى تدريباته على يد الإمارات العربية المتحدة.

آبي أحمد

النفوذ الإماراتي في إثيوبيا

رغم حداثة العلاقات الدبلوماسية بين أبو ظبي وأديس أبابا التي تعود ليوليو 2010 بتدشين السفارة الإماراتية في أديس أبابا. إلا أن المصالح الإماراتية في القرن الإفريقي خلال السنوات الأخيرة عززت الوجود الإمارات القوي في إثيوبيا. حيث اكتسبت نفوذ متزايد في إثيوبيا نتيجة الدور المحوري والمباشر في الاقتصاد الإثيوبي.

ولعبت الإمارات دورا يكاد يكون رئيسياً في التوفيق بين إريتريا وإثيوبيا حتى توقيع اتفاق السلام بين البلدين في 2018. وهو الاتفاق الذي يقع في صالح الإمارات بشكل مباشر حيث تتمع بنفوذ موازي في إريتريا. لامتلاكها قاعدة عسكرية استخدمتها الإمارات في حرب اليمن ضد الحوثيين. فيما باتت إثيوبيا وإريتريا بديل استراتيجي للإمارات بعد تصعيد علاقتها ومصالحها في الصومال مقابل النفوذ التركي والقطري.

وفي حديث لوزير الخارجية الإثيوبي السابق غدو اندرجاتشاو، مع جريدة العين الإماراتية في أبريل الماضي، بعد مرور أشهر من بداية الحرب على التيجراي. وصف الدعم الإماراتي لبلاده بأنه “دعم لامحدود”، يستهدف دعم التحول والإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يقوم بها نظام آبي أحمد. حيث تبقى الإمارات شريكاً في مسار التحول والإصلاح الذي يتبناه آبي أحمد.

مصالح الامارات من بقاء نظام آبي أحمد

رغم أن الإمارات لم يكن لديها عداءات أو خلافات قوية مع جبهة التيجراي خلال وجودها في الحكم قبيل الثورة عليهم في 2018. حيث شهدت حكومات التيجراي المتعاقبة منذ رئيس الوزراء ميلس زيناوي، وهلاماريم ديسالين تقارب دبلوماسي مع الامارات. قد لا يكون بنفس القدر مع قوى إقليمية أخرى تنافس الإمارات كقطر. ولكنها لم تغلق الباب أمام الوجود الإماراتي في إثيوبيا، إلا أن زيادة النفوذ الإماراتي في إريتريا وحماية مصالحها المتنامية في أسمرا. كان سبباً قوياً في التقارب مع نظام آبي أحمد الذي بدأ حكمه بالتصالح التاريخي مع الجارة إريتريا.

ويرى مراقبون للشأن الأفريقي أن الدعم العسكري الإماراتي “اللامحدود” لنظام آبي أحمد. قد يكون هدفه الرئيسي هو حماية المصالح الإماراتية في اريتريا أيضاً. والمتمثلة في بقاء نظام أسياس أفوروقي، خاصة وأن جبهة تحرير تيجراي لديها نفوذ على جماعات المعارضة في إريتريا. وتكن عداء واضح لنظام أفورقي، حيث تشير تصريحات ممثلوا جبهة التيجراي بقوة لهذا العداء. فيما أعلنوا نيتهم استهداف نظام أفورقي بخاصة مع مشاركته في الحرب على الإقليم. وهو ما تم تنفيذه بالفعل من خلال مهاجمة منشآت حيوية في إريتريا، منها مطار أسمرة. ما يهدد بشكل مباشر المصالح الإماراتية في إريتريا التي تمتلك فيها قاعدةً عسكريةً في ميناء عصب، التي تعد المنشأة العسكرية الأولى للامارات في خارج أرضها.

وتبقى التساؤلات مطروحة عن حدود الدور الإماراتي في توجيه مزيد من الدعم لنظام آبي أحمد المنبوذ دولياً. ومدى فعالية التعويل على إمكانية نظامه من حسم الحرب الأهلية ضد نظامه ليس فقط من جبهة التيجراي. لكن من الأورومو ومتمردين أخريين، من أجل حماية مصالح الإمارات في منطقة القرن الأفريقي.