“الصحافة وجدت لخدمة المحكومين، لا الحاكمين

القاضى جاستس بلاك، الذى حكم لصالح “الواشنطن بوست” ضد حكومة الولايات المتحدة

“دى مش دبانه، دى قلوب مليانة”، مثل شعبى مصرى، وأوقع أكثر فى حالتنا هذه “دى مش دبانه، دى جيوب مليانة”، مثل تذكرته بمناسبة الخناقة الدائرة الآن بين نجيب ساويرس ونقابة الموسيقيين، على خلفية قرار النقابة بمنع 19من “مغنى المهرجانات” من الغناء. وبغض النظر عن أن النقيب هانى شاكر قد اختلط عليه الأمر، فأعتقد أنه ليس نقيب الموسيقيين، وإنما نقيب المستمعين!.

ووفقاً للذاكرة الذهنية للثقافة الشمولية، أعتقد “النقيب” أنه أصبح يحكم المستمعين، وأنه هو الذى يحدد لهم ماذا يستمعون، وماذا لا يستمعون، إنها جوهر الفلسفة الشمولية، ان “المستمعين” لم يصلوا لسن النضج بعد!، وبغض النظر أيضاً، عن حالة الفساد الفاضحة، فى برنامج إذاعة الأغانى “الحكومية”، التى منذ أن تولى شاكر لنقابة الموسيقيين، أصبحت تذيع مابين كل أغنيتين لهانى شاكر، أغنية لهانى شاكر.

قمة جبل الجليد العائم، فى خناقة ساويرس والنقابة!

بعد 3 يوليو 2013، سعت النسخة الأحدث لنظام يوليو الممتد، إلى الاستحواذ على كل الأدوات الرئيسية للمجتمع المدنى المصرى.

وفى مجال السياسة والإعلام أصاب الملياردير المصرى نجيب ساويرس النصيب الأكبر من الفقدان، فبعد أن أجبر عن التنازل عن الحزب السياسى الذى أسسه “المصريين الاحرار”، وأنفق عليه الكثير من الأموال، والأهم أنه كان يعول عليه ساويرس فى القفز نحو السلطة السياسية. – بالرغم من نفيه الركيك لهذا الهدف، مستفيداً من التغيرات المؤقتة بعد 25 يناير، التى تنكر لها بعد 3 يوليو 2013!؛ ثم جاء الفقدان التالى بإجباره على التنازل عن درة تاج أمبراطوريته الإعلامية، قناة أون تى فى، ولم ينقذه، تخلصه بشكل مهين عن ثلاثة من الرموز الإعلامية القديرة لثورة يناير، يسرى فودة، وليليان داوود، وريم ماجد!.

ليست صدفة أن يكون العنصر الفاعل للطرف الثانى فى خناقة “ساويرس ونقابة الموسيقين”، هو المستشار القانونى للنقابة، علاء عابد، وهو الذى سيطر على حزب ساويرس الذى انتزع منه، حزب “المصريين الاحرار”، والذى ادعى بعدها ساويرس أن عابد كان ضابطا بجهاز من دولة؛ وبعد أن تمت العملية بنجاح أعلن علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، استقالته من حزب “المصريين الأحرار”.

وقال في خطاب موجه إلى رئيس الحزب، عصام خليل، إنه استقال بعد 3 أعوام ترأس خلالها الهيئة البرلمانية للحزب في مجلس النواب، لينتقل عابد بخفة ورشاقة، ويصبح نائب رئيس حزب مستقبل وطن!.

نجيب ساويرس وهاني شاكر

هذا عن قمة جبل الجليد العائم، ماذا فى القاع؟

إنه الاقتصاد يا “ذكى”!

ليس جديداً ان يضع بعض الفنانين، كما سياسيين ومثقفين، أنفسهم فى خدمة النظام القائم، لكن الجديد هذه المرة، إنه فى “خناقة ساويرس ونقابة الموسيقين”، على هؤلاء الفنانين ومستشارهم القانونى علاء عابد، فى هذه المرة، أن يتصدوا ليس لخصوم محليين، إنما إلى “ممثلين” للنظام العالمى الذى يكتسح العالم.

فى مصر والشرق الأوسط، هذا النظام الاقتصادى النيوليبرالى العالمى، الذى فيه النيوليبراليون الاقتصاديون، صبيان “مدرسة شيكاغو”، كما المتطرفين المتدينين الذين يكنون حقداً لمتطرفى المعتقدات الأخرى، ويحتقرون المؤمن العادى، كذلك هم النيوليبراليون يكنون الكراهية لأدوار الدولة، ويسعون إلى تحويل أدوار الدولة إلى الشركات الخاصة، من إدارة الكوارث والحروب، حتى إدارة الدولة ذاتها، لتتولى الشركات الخاصة كل وظائف الدولة التى تستطيع أدائها، حتى ما يتعلق منها بالأمن القومى، حيث تقوم بتحويل كافة المؤسسات المحلية للدولة إلى مجرد أقسام من الاقسام الوظيفية التى تعمل لدى الشركات العالمية متعددة الجنسيات.

ولكن فى البدء تقاوم الدولة الوطنية بكل مؤسساتها جهود هذا التحويل الوظيفى، حيث إن الدولة الوطنية قائمة على شبكة معقدة من أنساق اجتماعية ممتدة فى التاريخ، فى أشكال سياسية واقتصادية وثقافية وعقائدية محددة .. الخ، وجمعيها مرتبطة بشبكة من المصالح المحلية الاجتماعية والعائلية والقبلية والعشائرية المتوارثة عبر أجيال عديدة. إنه هذا بالضبط ماكيت لجوهر خناقة نجم النيوليبرالية الاقتصادية فى مصر والشرق الأوسط، نجيب ساويرس، ضد واحدة من مؤسسات “رموز” الدولة العتيقة، نقابة الموسيقيين.

وفى سياق تنفيذ “النيوليبرالية” الاقتصادية لسياستها التى تتسبب فى انتشار الفقر والبؤس لدى ملايين البشر، ومن ثم انتشار الجريمة والاضطرابات، تحتاج إلى سلاحين، الأول، عسكرى أمنى، “القوة”، والثانى، إعلامى ثقافى فنى، “العقل والوجدان”، ولأن السلاح الأول تحتكره الدولة بحكم تعريفها “احتكار العنف”، فلا يتبقى سوى السلاح الثانى للأفراد او جماعات المجتمع المدنى، سلاح الإعلام والثقافة والفن، الذى توفره بقدر ما الدول الديمقراطية الغربية.

أما فى الدول الشمولية فيحتاج الأمر إلى مدد خارجى، مادى وإعلامى وسياسى ودبلوماسى، وهو ما يجعل العديد من النشطاء والجماعات، يلجأون الى هذا الدعم الخارجى، – الذى نرفضه جملة وتفصيلاً، ليس تشكيكاً فى كل من يلجأون إليه، “أفراد أو جماعات أو حكومات”.

ولكن لأن الدعم الخارجى، بعيداً عن نوايا من يتحصلون عليه، هو دعم موجه كلياً لسياسات الجهات الداعمة، وهى حصراً تابع بشكل مباشر أو غير مباشر لنفس الجهة التى تفرض بالحديد والنار، هذه السياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية، سياسات إفقار الشعوب وبؤسهم، وتترك وظيفة التنظيف ورائها لنفس الجهات المتحصلة على الدعم، كثمن مباشر، أو غير مباشر فى بعض الأحيان، مقابل الدعم الذى تلقوه، وطبعاً، مغلفاً ببعض المطالبات لقضايا إنسانية مشروعة وعادلة تماماً، إلا أنه فى الواقع، تكون الوظيفة الحقيقية لهذه القضايا المشروعة والعادلة تماماً، غطاء لتمرير السياسات الاصلية، سياسات “النيوليبرالية” الاقتصادية.

جانب من إمبراطورية نجيب ساويرس الإعلامية!

في ديسمبر ٢٠١٢، أعلن أن نجيب ساويرس دمج شبكة “اون تي في” مع مع مجموعة قنوات رجل الأعمال الفرنسي التونسي الأصل طارق بن عمار، صهر للرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على، والذي يمتلك مجموع من القنوات، وتربط بن عمار علاقة وثيقة بسلفيو برلوسكوني، رئيس وزراء إيطاليا الأسبق، حيث يتشاركان في ملكية العديد من الشركات الyعلامية، وبن عمار، المعروف بتوجهاته الليبرالية المعادية للإسلاميين، يمتلك مدنًا سينمائية داخل تونس احتضنت تصوير 46 فيلما عالمياً كبيًرا بها آخرها الذهب الأسود من إنتاجه وإخراج الفرنسي “جان جاك آنو” وساهمت دولة قطر في الإنتاج!، ووزعته في أمريكا شركتا ” يونيفيرسال” و” وارنر ” في أربعة آلاف صالة سينما في أمريكا.

فى أواخر 2004 (بعد الاحتلال الامريكى للعراق 2003)، أسس ساويرس بالعراق قناة نهرين للإذاعة والتلفزيون، كأول قناة أرضية قطاع خاص اتفق عليها الحكومة التى شكلها الاحتلال، تزامناً مع إغلاق قناة الجزيرة، ثم اندمجت كاملاً مع قناة “عراقية” التى أنشأها الاحتلال. (الاستعمار الجديد اقتصادى/ثقافى)، وركزت القناة على الجوانب الترفيهية لصرف انتباه الناس عن جرائم الاحتلال.

في فبراير 2015 تمكن ساويرس من الاستحواز على 53% من أسهم قناة Euronews الأوربية، وأشارت صحيفة “لوبوان” الفرنسية إلى أن طموحات ساويرس بإنشاء نسخة إفريقية من قناة Euronews: باسم “أفريكا نيوز”، مع التليفزيون العام في الكونغو، لتدخل في شراكة مع العديد من القنوات الناشطة في أفريقيا.

تتناول بعض المواقع أخبارا عن أن ساويرس هو مالك أغلب أسهم فضائيتين ترفيهيتين هما: “ميلودي موسيقي” و”ميلودي أفلام” وذلك ضمن شراكة مع رجل الأعمال المصري جمال أشرف مروان نجل أشرف مروان زوج ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومالك مجموعة ميلودي الترفيهية.

في مارس 2010، كان من المقرر أن تنطلق قناة فلسطين الغد، إلا انه تم إيقافها بأمر من سلطة محمود عباس. حيث قالت مصادر فلسطينية إن إلغاء تصريح قناة “فلسطين الغد” جاء بتوجيهات من الرئاسة إلى وزارتي الاتصالات والداخلية.

مصادر أكدت لجريدةـ”الشرق الأوسط” حينها أن القناة تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال منهم محمد دحلان ونجيب ساويرس. (وكان نجيب قد سألنى شخصياً ان يعرفنى على محمد دحلان، وعندما لم اجبه، فهم، كان ذلك وقت ان كنت اقدم برنامج “بدون رقابة” على شاشة التليفزيون المصرى، أواخر تسعينيات القرن الماضى).

عقدت شركة “برومو ميديا” للدعاية والإعلان، والتي يملكها نجيب ساويرس وإيهاب طلعت صفقة في فبراير من هذا العام، لشراء أسهم في قناة ” تن” او ” التحرير ”سابقاً. وتفيد بعض المصادر أن القناة الجديدة حملت في أوراق ملكيتها اسم “هنادى” ابنة فيفى عبده التى بدورها تقدم أحد البرامج الراقصة علي شاشة القناة، وحسبما هو معلوم عن العلاقة بين ساويرس ورجل الأمن الوقائى الفلسطينى محمد دحلان، حيث يستثمر له ساويرس أمواله، ويذكر أن “هنادى” تم زفافها إلى رجل الأعمال الفلسطينى “شادى” الذى هو فى الوقت نفسه ابن أخت دحلان.

محمد دحلان

قام ساويرس من خلال شركته بروموميديا برعاية وإنتاج مجموعة من برامج التوك شو التلفزيونية والمسلسلات والتي يغلب عليها الطابع الترفيهي وتتجنب الخوض في الجانب السياسي. ويذكر أن برنامج ” Inside the Middle East ” هو أول برنامج تلفزيوني يقوم ساويرس برعايته من خلال شركته – في ذلك الوقت – أوراسكوم تليكوم علي القناة الامريكية “سي ان ان” .

نجيب ساويرس، أسس وكالة أنباء O News Agency (ONA) في مارس 2012، وتقوم الوكالة بتقديم الخدمات الإخبارية على مدار 24 ساعة من كافة بلدان العالم والوطن العربي وتهتم أكثر بمنطقة الشرق الأوسط كما تقدم الوكالة بالتعاون مع وكالات الأخبار الأخري دورات إعلامية وصحفية بالتعاون مع ONA Academy وقنوات ” اون تي في ” و” اون تي في لايف”.

ولدى الوكالة استوديوهات بث مباشر في معظم بلدان العالم، حيث تقوم بالتغطيات الإخبارية بالعديد من وسائل جمع الأخبار وفرق عمل لجمع الأخبار الإلكترونية والعديد من الخدمات في كلا من: أثينا، أسطنبول، برلين، لندن وواشنطن.. كما أن لديها فريق من المراسلين مجهزين بكاميرات تغطي 26 محافظة من محافظات مصر. تحتفظ أونا بعدد كبير من المواد الفيلمية المصورة تمثل عصور وأحداث مختلفة لتاريخ مصر.

وتمتلك الوكالة أيضا وحدات لتحرير المواد الإعلامية المرئية والمسموعة ووحدات للتعليق الصوتي بأكثر من لغة (العربية، الإنجليزية، الفرنسية) وفريق ترجمة.

وتعتبر أونا أيضا أول محطة لأغلب أخبار نجيب ساويرس، حتى لو نشرتها كخبر فى قسم “وكالات” حيث يشترك موقع أونا فى وكالة أنباء ”الشرق الأوسط ” لتلقى أخباره كأى موقع آخر، لكن علاقات العمل بين محرريها ومحررى وكالة الشرق الوسط تسمح بصياغة خبر داخل الموقع، يتم إرساله لمسئول اتصال فى وكالة أنباء الشرق الأوسط يحوّله إلى قسم الأخبار الذى يعيد نشره على موقع الوكالة لتحصل عليه جميع المواقع والجرائد دون أن يتدخّل فى صياغته، أو تعديله لتنشره أونا كخبر استقبلته من وكالة أنباء الشرق الأوسط، وليست مصدره.

كما يمتلك موقع أرابيا، وهو موقع شامل يتناول كل ما يهم الرجل العربي والمرأة العربية من سياحة وسفر وأزياء واكسسوارات ونصائح شخصية وعائلية ومهنية الى جانب تغطية شاملة لكل الأحداث الرياضية في العالم العربي مع متابعة مستمرة وتقارير وافية عن كل جديد وكل ما يتعلق بالسيارات من أخبار وأسعار وموديلات جديدة ونصائح لمالكي السيارات.

واتخذت الشركة مدينة “دبي” لتكون عنوانا للإنطلاقة الجديدة لموقع ” Arabia.com ” ومقراً دائماً لمكاتبها. كما تقوم الشركة برعاية مجموعة أخرى من المواقع والبوابات الإلكترونية مثل موقع ”المبوبة” وموقع ” شوفها” وغيرها.

كما أطلق نجيب وكالة نهرين نيوز في 2011 وهى إحد روافد شبكة نهرين للأذاعة والتلفزيون والبث الفضائي، فى عراق ما بعد الاحتلال الامريكى، التي يملكها ساويرس.

كما قام بشراء أسهم في العديد من الصحف منها، المصري اليوم، وبوابة وجريدة فيتو، كما امتلك الامتياز الإعلاني للصحف والمواقع من خلال بروموميديا للوكالة الإعلانية.

هذه مجرد قطرة من فيض، جزء من الجانب الإعلامى فقط من أمبراطورية نجيب ساويرس الإعلامية، الذى هو نفسه جزء فقط من آل ساويرس.

يتبع فى الجزء الثانى

 

اقرأ أيضا:

أمراض بذخ الرأسمالية في مصر “الفقيرة قوي”