في كتابه “طبيب النفوس” الصادر عن دار نشر الجيزويت، ينقب إبراهيم ناجي في السيرة الذاتية للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان. فيعيد كتابتها على طريقته وبعيون كاثوليكي مصري استنبط من سيرة الحبر الأعظم. دروسًا عملية لنموذج فريد من رجال الدين على حد تعبيره.

يكشف ناجي بين ثنايا كتابه، رغبته في تعميم نموذج الاتساق مع الذات الذي يطرحه بابا الفاتيكان. فهو الرجل الذي تتماشى تعاليمه وأقواله مع أفعاله في محاولة لاستعادة جوهر كنيسة المسيح العامة. التي تخدم العالم كله وبصفة خاصة الفقراء والمهمشين.

البابا فرنسيس “يستفز إنسانيتي” هكذا يقول ناجي لمصر 360 عن كتابه الذي استقى مضمونه من عدة كتابات. رصدت سيرة البابا الحالي أبرزها كتاب كريس لاوني الصادر عام 2013. ولكنه يضيف إلى تلك الكتابات نكهة مصرية ربما لا تتوافر في أعمال أخرى اقتصرت على النظر إلى البابا العالمي البعيد. فيشير ناجي إلى أن البابا حرص على المجيء إلى مصر بعد أسبوعين من تفجير كنيستين قبطيتين. ليؤكد على أن وحدة دم الشهداء هو ما يوحد كنيسة المسيح بغض النظر عن اعتبارات الطائفة.

يلفت مؤلف الكتاب النظر إلى ما يواجه البابا الإصلاحي من حملات مناهضة لتعاليمه وأفكاره. لاسيما من بين التيارات اليمينة المتشددة مثل تيار في كنيسة الولايات المتحدة الأمريكية يزعم أن كافة باباوات الفاتيكان. الذين جاءوا بعد المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينات هم هراطقة. ولا ينسى الإشارة أيضا إلى أهمية هذا المجمع في تاريخ الكنيسة وفي علاقتها بغيرها من الأديان مثل اليهودية والإسلام.

البابا فرنسيس.. الهوايات والدور الكهنوتي

لا يخفي الكاتب إعجابه بالنموذج الذي يصدره البابا فرنسيس، فهو رجل الدين الذي يشاهد كرة القدم ويحب رقص التانجو. ويرى أن تلك الهوايات لا تتناقض بأي حال من الأحوال مع دوره الكهنوتي ولا تجرح سلام الكنيسة. فقد شكلت تلك الاهتمامات جزءا من تكوين البابا الحالي المنفتح على الجميع البعيد عن إدانة الأخرين. حتى استطاع أن يحقق توازنًا من الصعب الوصول إليه في قضية لطالما أرقت الكنيسة. وهي قضية زواج المثليين التي تصدى لها البابا في الأرجنتين حين كان أسقفا لبيونس اريس. ولكنه في الوقت نفسه رفض نبذ المثليين واحتقارهم ليحقق المعادلة الصعبة التي حافظ فيها على شريعة الزواج المسيحي. وعلى الأرواح المعذبة من اضطهاد المجتمع واحتقاره لهم وهو الأمر الذي لا يتماشى مع دور الكنيسة التي تدين الخطيئة لا المخطئ.

يقول مؤلف الكتاب لمصر 360 بالنسبة لبيرجوليو “البابا فرنسيس” الكنيسة ليست هرمية من فوق إلى أسفل بل العكس. فالبابا فرنسيس يرغب في نقل الكنيسة إلى مرحلة “السنودسية” أي اتخاذ القرارات بشكل جماعي. لإصلاح ومقاومة القساوة الروحية التي يرى الحبر الأعظم أنها سببا مباشرا في التجاوزات المالية. التي عاشها الفاتيكان وكذلك سيل الإساءات الجنسية والتعدي على أطفال وبالغين طيلة سبعين عاما. فلا يجب أن تتستر الكنيسة على الجرائم التي ارتكبت بحق مخدوميها مضيفا: إصلاحات فرنسيس للكنيسة تهدف إلى تغيير طريقة فهم الكاثوليك لواقعهم ولدعوتهم الرسولية. ليس بالبقاء بداخل جدران الكنائس بل للخروج إلى الأطراف المهمشة حيث إن الآخر بحاجة إلى المساندة والاهتمام.

المزج بين الدراسة اللاهوتية والخبرة الحياتية

ينتبه صاحب “طبيب النفوس” إلى ضرورة المزج بين الدراسة اللاهوتية والخبرة الحياتية في بابا الكنيسة. فهو يرى في البابا بنيدكتوس الذي تنحى ليترك الكنيسة تأتي بالبابا فرنسيس نموذج للاهوتي المتميز والباحث الجهبذ في العلوم الدينية. ولكن بنديكتوس يفتقر إلى تلك الخبرات الحياتية التي تمتع بها البابا فرنسيس من دراسته للكيمياء ثم إبحاره في العلوم الإنسانية كراهب يسوعي. عاش حياة الطبقة الوسطى الأرجنتينية بعدما ولد لأسرة إيطالية عانت الفقر والإفلاس في أوروبا وبحثت عن وطن جديد في أمريكا اللاتينية. بالإضافة إلى خبراته في حكم الديكتاتورية العسكرية هناك حين تسببت في انقسامات حادة بين الرهبان اليسوعيين. كل تلك الخبرات مجتمعة جعلت من البابا فرنسيس قائدًا إصلاحيًا. يجمع ما بين خبرة الرهبنة والحياة الروحية وبين الانخراط الحقيقي في صخب الحياة بعيدا عن أساقفة الأبراج العاجية.

 

ككاثوليكي مصري تأسس بين أحضان الرهبان اليسوعيين، يرى ناجي أن الهوية الفريدة للكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر. نابعة من كونها كنيسة تخدم المجتمع، تنشر الوعي من خلال المدارس الكاثوليكية التي تمثل خبرة تعليمية فريدة في تاريخ مصر الحديث. بالإضافة إلى المستشفيات والجمعيات الأهلية التابعة لها غير أن أزمة الأقباط الكاثوليك في مصر. -مثلما يرصدها ناجي- ربما تنبع من الاكتفاء بتاريخ كل تلك المؤسسات، دون مواكبة النمو والتطور الإرسالي والسياقي الحديث. الذي يفرض على الكاثوليك المصريين القيام بمبادرات لدعم جهود الدولة المصرية في مقاومة ظلام الانعزالية والانغلاق الطائفي والديني. الذي شهدته مصر على مدار العقود الأخيرة.

أزمة الكنيسة القبطية الكاثوليكية

يؤكد صاحب كتاب طبيب النفوس أن أزمة الكنيسة القبطية الكاثوليكية. ربما تكمن في عدم التوسع في تقديم الخدمات المجتمعية والتربوية والثقافية بالمجتمع. والاكتفاء فقط بما هو قائم وبما كان له من صيت بين الناس، ولكنه يؤمن في الوقت نفسه أن الكنيسة قد بدأت في ربط نفسها بكنيسة الفاتيكان. من خلال رسامة وانضمام أساقفة جدد لمجلس أساقفة مصر الكاثوليك. فغالبيتهم من الرعاة المتصلين بأحوال الكنيسة الكاثوليكية بروما على سبيل المثال الأنبا توما حبيب مطران سوهاج. الذي شغل منصب سفير الفاتيكان على مدار ٢٢ عاما في عده دول حول العالم قبل تسميته مطرانا لأحد أعرق الإيبارشيات الكاثوليكية في مصر.

يبرهن ناجي على تفاؤله بإمكانية نقل تعاليم القصر الرسولي إلى مصر. قائلا: أساقفة مثل الأنبا توما حبيب يمكنهم تعزيز حضور الكنيسة الكاثوليكية بمصر من خلال خدمة قضايا المجتمع المصري في الصعيد. وفي الأماكن المهمشة ومن خلال نقل لاهوت وفكر الكنيسة الكاثوليكية العالمية الرعوي ليتماشى مع أولويات واختيارات المجتمع المصري.