أعادت مأساة ما يزيد عن 30 مهاجرًا، والذين غرق زورقهم قبالة كاليه الفرنسية. خلال محاولتهم للعبور نحو السواحل البريطانية، مساء الأربعاء الماضي. الأضواء مرة أخرى إلى تفاقم الخلاف بين الجارتين اللتان سادتا العالم لما يزيد عن قرن من الزمان. حيث يتهم كل منهما الآخر بالتراخي في حماية جانبه من بحر المانش.
المأساة، وفق رواية أحد المسعفين، شهدها “قارب طويل قابل للنفخ يميل قاعه المرن إلى الطي عندما يمتلئ بالمياه”. والذي كان محملًا فوق قدرته الاستيعابية القصوى. حمل على متنه ما يقرب من 35 ضحية، من ضمنهم طفلة وخمس نساء إحداهن حامل.
ويُعّد هو الأكثر مأساوية منذ عام 2018، الذي بدأت فيه ارتفاع وتيرة استخدام قوارب التهريب بين البلدين. حيث لم يتجاوز عدد الضحايا في الأعوام الثلاث السابقة خمسة عشر غارقًا، وعشر مفقودين.
تبادل اللوم
بينما تستدعي الكارثة الأخيرة من حكومتي باريس ولندن الاتفاق على التعاون بينهما لوقف هذه المآسي. جاءت الخطابات الرسمية لتتبادل إلقاء اللوم والمسؤولية بين الجانبين. في وقت برزت في الحاجة لتفعيل أنشطة وكالة “فرونتكس” لمكافحة الهجرة غير الشرعية.
في البيان الصادر عن قصر الإليزيه مساء الأربعاء، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتعزيز فوري لوكالة “فرونتكس” الأوروبية. متعهدًا بعدم سماح بلاده بـ “تحويل المانش إلى مقبرة”. كذلك طالب باجتماع طارئ للوزراء الأوروبيين المعنيين بالتحدي الذي تطرحه الهجرة.
من جهته، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، إلى اجتماع للبحث في شأن الوضع في قناة المانش. مُعربًا عن إصابته بصدمة وحزن عميق لوقوع ضحايا، مشيرا إلى أنه يريد بذل المزيد من التعاون مع فرنسا لمنع العبور غير القانوني.
ومساء الأربعاء، أعلن متحدّث باسم داونينج ستريت أنّ رئيس الوزراء والرئيس الفرنسي اتفقا خلال مكالمة هاتفية على الضرورة “الملحّة لتعزيز جهودهما المشتركة لمنع عمليات العبور هذه، وفعل كل ما بوسعهما لتوقيف العصابات التي تعرّض أرواح أناس للخطر”.
لكن، ورغم تصريحات الطرفين. سحب وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين. دعوة كان قد وجهها لوزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتل، لاجتماع يناقش قضية عبور القوارب الصغيرة. كان من المقرر عقده اليوم الجمعة، حسبما قالت الداخلية الفرنسية لـ CNN.
وقال المتحدث باسم الحكومة الفرنسية جابرييل أتال إن باتل “لم تعد موضع ترحيب”. في أعقاب الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقد فيها تعامل باريس مع قضايا الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر.
وقال أتال لتلفزيون “بي.إف.إم”: تلك الرسالة تفتقر للياقة الرسمية ومحتواها غير لائق.
صحف بريطانيا: ماكرون يريد وضع العصا في العجلة
في إطار شد الحبل بين باريس ولندن، يشهد البلدان حربًا إعلامية انطلقت أولى قذائفها فور الحادث. فقد تصدّرت الأزمة عناوين الصحف البريطانية الصادرة صباح الخميس. ووصف معظمها الحادث بأنه “فاجعة إنسانية”، قامت بتحميل مسؤوليتها للسلطات الفرنسية.
ونشرت الصحف صورة لأحد قوارب المهاجرين أمام سيارة شرطة فرنسية، التُقطت قبل وقت قليل من فاجعة الغرق.
وتساءلت صحيفة “ميترو”: لماذا لم تقم فرنسا باعتقال هؤلاء؟ بينما قالت “دايلي إكسبريس” أن الشرطة الفرنسية لا تفعل شيئًا، في الوقت الذي ينطلق فيه قارب جديد باتجاه المملكة المتحدة.
وأشارت صحيفة “الدايلي ميل” إلى أن الصورة التقطت، يوم الأربعاء في السابعة و15 دقيقة صباحًا. أي قبل بضع ساعات فقط من الحادث. وأوضحت أن ذلك “يدفع الحكومة البريطانية إلى معاتبة فرنسا بسبب إهمالها”.
وفي الصحيفة نفسها، كتبت الصحفية سارة فين مقالًا وصفت فيه خفر السواحل الفرنسي بأنهم ” يجوبون الشواطئ لكنهم لا يفعلون شيئًا”.
وأضافت ساخرة: “ترسل الحكومة البريطانية ملايين الجنيهات إلى السلطات الفرنسية لاعتراض القوارب. أين تذهب هذه الأموال؟ في الستائر الجديدة للإليزيه؟”
وتابعت: تفادي هذا الوضع لا يتطلب مجهودًا خارقًا. إلا أن الرئيس الفرنسي يريد وضع العصا في العجلة. ليُظهر فشل بريطانيا في حماية حدودها بعد البريكسيت. هذا يمنعه من رؤية الكارثة الإنسانية التي تحصل أمام عينيه.
ما هي فرونتكس؟
هي الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل، تأسست في أكتوبر 2016، ومقرها وارسو ببولندا. وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي، ويعمل بها حاليًا أكثر من 800 موظف. بميزانية سنوية تبلغ حوالي 450 مليون يورو.
وتعمل الوكالة -إلى جانب الدول الأعضاء- في إدارة الحدود الخارجية لأوروبا. حيث تقوم بنشر حرس الحدود والسواحل، إلى جانب سفن دوريات وطائرات وسيارات دوريات، وغيرها من المعدات إلى دول الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إدارة الحدود.
وتقوم فرونتكس بجمع وتبادل المعلومات حول الجرائم على الحدود مع السلطات المحلية. وأيضا يوروبول -الوكالة الأوروبية لتعاون الشرطة- كما تقوم بتقديم معلومات في تحقيقات تهريب المخدرات.
ويمكن للوكالة كذلك نشر الأشخاص والمعدات في الدول غير التابعة للاتحاد الأوروبي، إذا ما وقعت اتفاقية تطلب مساعدة فرونتكس في إدارة حدودها.
ويعمل كل شهر حوالي 1500 من ضباط حرس الحدود والسواحل في مواقع مختلفة على حدود الاتحاد الأوروبي. ويساعدون السلطات المحلية في تنظيم الحدود، والمراقبة، وتسجيل المهاجرين، وجمع المعلومات عن الشبكات الإجرامية، ومحاربة تزوير الوثائق وغيرها من الجرائم العابرة للحدود.
وكل عام، يقوم ضباط فرونتكس بضبط مئات السيارات المسروقة والوثائق المزورة. كذلك يساعدون على العثور على المخدرات والسجائر المهربة إلى الاتحاد الأوروبي عن طريق البر والبحر. وكذلك في الكشف عن تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر عبر الحدود.
مشاكل الحدود
بدأت فرونتكس، في وقت سابق من العام الماضي، في إرساء الأسس لإنشاء فيلق حرس الحدود والسواحل الأوروبي. وهو أول قوة أوروبية رسمية بزي نظامي.
وبعد إطلاق الحملة الأولى لتجنيد أكثر من 700 ضابط حرس حدود وسواحل وتدريب المجموعة الأولى منهم ليصبحوا بمثابة العمود الفقري للفيلق الجديد. من المفترض أن تقدم هذه القوة دعمًا دائمًا للسلطات المحلية على مستوى حدودها الخارجية. وقد يعمل بعضهم مع الشركاء خارج الاتحاد الأوروبي.
ورغم الدفعة الأولى لقيامها، لا تزال الدول الأوروبية تعتمد بشكل شبه كامل على قوتها المحلية. ما قلل من أهمية الوكالة التي تعمل على تنفيذ استراتيجية الإدارة المتكاملة للحدود على المستويين الأوروبي والوطني.
لكن في منتصف يوليو الماضي، أصدرت مجموعة عمل أعضاء البرلمان الأوروبي FSWG المتعلقة بمراقبة عمل الوكالة. تقريرًا أفاد بفشل الوكالة في التحقيق ومعالجة أدلة تثبت انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان على الحدود، نفذتها دول تتعاون معها فرونتكس.
وتم إعلان نتيجة التقرير بعد أربعة أشهر من تتبع الحقائق. حيث استمرت تحقيقات أجراها ثمانية مسؤولين من أحزاب سياسية عدة في البرلمان الأوروبي.
ورغم أن النتيجة أفضت إلى عدم وجود أدلة قاطعة تثبت تورط فرونتكس في عمليات الإعادة القسرية أو عمليات ترحيل جماعية، على نحو مباشر. لكنه أوضح فشلها “في المعالجة اليقظة والتحقيق السريع والفعال في أدلة لديها. تدعم مزاعم انتهاكات الحقوق الأساسية في دول أعضاء، تنفذ عمليات مشتركة مع الوكالة”.
وأكد التقرير: “نتيجة لذلك لم تمنع فرونتكس حدوث الانتهاكات. ولم تقلل من فرص حدوثها في المستقبل”. لافتًا إلى وجود قصور في آليات عمل الوكالة، لاسيما فيما يتعلق بعمليات المراقبة والإبلاغ وتقييم أوضاع وتطورات الحقوق الأساسية.
تصاعد وتيرة الهجرة
منذ نهاية العام 2018، زادت عمليات الهجرة غير القانونية عبر المانش لمهاجرين يسعون للوصول إلى بريطانيا. رغم التحذيرات المتكررة من السلطات التي تؤكد على الخطر المرتبط بحركة الملاحة الكثيفة، والتيارات القوية، وانخفاض درجة حرارة المياه.
وقبل هذا الحادث، كانت حصيلة القتلى منذ مطلع السنة الحالية ثلاثة قتلى وأربعة مفقودين. وفي العام الماضي قضى ستة أشخاص وفقد ثلاثة آخرون في مقابل أربعة قتلى في 2019.
وصرّحت الإدارة البحرية لقناة المانش وبحر الشمال، خلال مقابلة مع وكالة فرانس برس، اليوم الجمعة، أن هناك “تسارعًا جديدًا في نوفمبر لمحاولات العبور التي تضاعفت في الأشهر الثلاثة الماضية. فيما كانت وتيرتها بطيئة في خريف السنوات الماضية.
وسجلت السلطات الفرنسية 15400 محاولة عبور وإنقاذ 3500 راكب خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري. بينما أوردت لندن أن 22 ألف مهاجر تمكّنوا من العبور خلال الأشهر العشرة الأولى من العام.
ونقلت الوكالة عن فيليب دوتريو، وهو أحد المسؤولين من الجانب الفرنسي، قوله: “اليوم أصبحت هذه الأرقام أكثر من الضعف. هناك 31500 مهاجر حاولوا مغادرة السواحل وتم إنقاذ 7800 منهم”.