لم يمر أسبوع على موافقة مجلس النواب على تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، تلك التعديلات التي تمنح رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية تسمح له باتخاذ تدابير في أحوال أخطار الجرائم الإرهابية أو تلك التي يترتب عليه كوارث بيئية، إلا وقد وافق مجلس النواب في جلسته العامة الثلاثاء الموافق 16 / 11 / 2021 على مشروع القانون المقدم من الحكومة أيضاً والمسمى بقانون مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية. وفي البدء لابد وأن نتسأل للمرات المتكررة متى سنرى مشروعات قوانين مقدمة من لجان مجلس النواب ذاته، ومن أعضائه ؟ ومتى لا يقف دور النواب على الموافقة على مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة ؟ وحتى لا يتم الرد بأن هذا أسلوب تشريعي دستوري ممنوح للحكومة، إذ إن لها الحق في التقدم بمشروعات للقوانين، ولكن الرد الأنسب، أن هذا بالفعل هو حق دستوري وأحد الأساليب أو الطرق للتشريع من خلال مجلس النواب، ولكنه طريق فرعي وليس رئيسي، لكون الأصل هو أن يقوم مجلس النواب بتفعيل سلطته أو وظيفته الرئيسية وهي التشريع، إذ أن دور النواب الحقيقي كاملاً هو ذلك وليس أن يقف الدور التشريعي عند حد تلقي القوانين من الحكومة ليقرها.

مجلس النواب
مجلس النواب

وإذا ما انتقلنا إلى هذا القانون المستحدث، فليس من مفر أن نقول أنه قد قام بنقل تلك الصلاحيات من قانون الطوارئ ذاته. حيث أنه قد تم تعديل قانون الطوارئ بموجب القانون رقم 22 لسنة 2020 ، والذي بموجبه تم استحداث الطوارئ الطبية أو الكوارث، كأحد أسباب فرض أو مد لحالة الطوارئ، وقد استحدث هذا التشريع مجموعة من الصلاحيات المخولة للحكومة، تم نقلها أو معظمها نقلاً حرفيا إلى قانون مواجهة الأوبئة، أهمها وضع قيود على حريات الأشخاص في التنقل أو المرور في أوقات بعينها سواء في مناطق بعينها أو على نطاق الجمهورية، كما سمح بتعطيل العمل كليا أو جزئيا في الوزارات والمصالح الحكومية، و تعطيل الدراسة بالمدارس والجامعات والمعاهد وغيرها من المؤسسات التعليمية، ووقف سريان مواعيد سقوط الحق، المواعيد الإجرائية الخاصة بالتظلمات الوجوبية، وتقييد الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، كما يجوز تقييد الاجتماعات الخاصة، ووضع قيود على تداول بعض السلع والمنتجات أو نقلها أو بيعها أو حيازتها، وغيرها من الصلاحيات أو الإجراءات التي أجاز القانون لرئيس الوزراء اتخاذها حال تطبيق هذا القانون، وقد قيل تبريراً لوجود هذا التشريع أنه قد جاء لأهمية المحافظة على صحة وحياة المواطنين من الأوبئة والجوائح الصحية، وذلك في إطار حرص الدولة على المصلحة العامة التي تمثل الغاية العليا لأي تشريع، وأن الدولة ملزمة بضمان الحقوق الصحية للمواطنين في مواجهة خطر الأوبئة بما تمثله من حالات طارئة تقتضي سرعة التدخل، كما أن هذا القانون قد جاء لسد الفراغ التشريعي بعد إلغاء حالة الطوارئ.
ولكن وبما إن الدولة ضامنة دستوريا لمواجهة الأزمات الصحية، وذلك يكون باتخاذ التدابير العلاجية اللازمة لها، ولكن اتساع الصلاحيات المخولة بموجب هذا القانون لرئيس الوزراء حتى وصلت خمسة وعشرين إجراءً، منها ما هو متعلق بالحقوق والحريات، كالحق في التنقل والحق في التجمع، أو غيرها من الحقوق التي يجيز القانون تعطيلها.
وأول ملاحظاتنا على هذا القانون هو أنه كمشروع مقدم من الحكومة، وكأن مجلس النواب قد بات موقوفا عن حد الموافقة على ما تقدمه الحكومة من قوانين، متناسيا أنه صاحب الاختصاص الأصيل في ذلك، كما وأن هذا المجلس كسابقه لم يقم ولو لمرة واحدة برفض أي مشروع قانون تقدمت به الحكومة، وهو ما يعبر عن سيطرة حكومية على مجريات العمل بالمجلس التشريعي بشكل كامل، وما يبرهن كذلك على عدم وجود لأعضاء تشريعيين فعليا داخل البرلمان كما كنا نلحظ في السابق.
وأفضل ما تم خلال مناقشة ذلك القانون بالجلسة العامة لمجلس النواب، وهو ما يؤكد وجهة نظرنا ما عبر عنه النائب / عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل، بحسب ما نشرته بوابة لأهرام الإلكترونية بتاريخ 21 نوفمبر من أنه يرفض هذا القانون من حيث الشكل، وأن هذا المشروع الذي بين أيدينا مجرد قصاصات ورقية لا يساعد على حل المشاكل، وأنه يتناقض مع الدستور، وأنه بشكل عام هناك مشكلة غير عادية في كتابة القوانين والتشريعات التي تصل من الحكومة إلى المجلس، وطالب الحكومة بتقديم قوانين بشكل منضبط. وإن كنت أؤيد رؤية النائب إلا أنني أخاطبه وغيره من أعضاء مجلس النواب، وأذكرهم بأن دورهم الحقيقي هو التشريع، بمعنى أن يقوموا هم أنفسهم بكتابة التشريعات والتقدم بها عن طريق اللجان المختلفة، حتى وإن كانت هنالك صلاحية دستورية للحكومة للتقدم بمشاريع قوانين إلا أن ذلك طريق فرعي يأتي في مرتبة لاحقة لمرتبة ذوي الاختصاص الأصيل وهو النواب أنفسهم.
ومن زاوية ثانية فإن الملاحظ لما ورد بهذا القانون فلا يجد اختلافات بينه وبين ما كان منصوص عليه في قانون الطوارئ، وما يدعم مقولة أن الدولة قد استعاضت عن صلاحيات قانون الطوارئ بنقلها إلى داخل القوانين لتصبح أكثر خطورة، إذ إنها في حالات القوانين العادية ستطبق بشكل دائم، يجد ذلك الأمر قد سبق وأن تم تمريره في تعديلات قانون مكافحة الإرهاب، كما أنه من الناحية الزمنية فإن هذين التشريعين المتلاحقين قد تم الموافقة عليهما من قبل مجلس النواب قبل أقل من شهر من إلغاء حالة الطوارئ، وكأن الدولة قد أعدت عدتها قبل أن تعلن عن إلغاء حالة الطوارئ أو عدم تمديدها بأن نقلت ما كان مخول لها من صلاحيات أو إجراءات استثنائية إلى المدونات التشريعية العادية قبل أن تقوم بإلغاء الطوارئ، وهو ما تؤكده حالة التتابع التي ظهر بها هذا التشريع وسابقه الخاص بتعديل قانون مكافحة الإرهاب.

كأن مجلس النواب قد بات موقوفا عن حد الموافقة على ما تقدمه الحكومة من قوانين، متناسيا أنه صاحب الاختصاص الأصيل في ذلك، كما وأن هذا المجلس كسابقه لم يقم ولو لمرة واحدة برفض أي مشروع قانون تقدمت به الحكومة، وهو ما يعبر عن سيطرة حكومية على مجريات العمل بالمجلس التشريعي بشكل كامل، وما يبرهن كذلك على عدم وجود لأعضاء تشريعيين فعليا داخل البرلمان كما كنا نلحظ في السابق.

وبشكل عام فإنه حتى وإن فوض الدستور المشرع في سلطة التشريع فإنه إذا ما ضيق المشرع من نطاق حق أو حرية وجاء تنظيمه قاصراً كان محلاً لرقابة القضاء الدستوري ، ذلك أن الدستور يكفل لكل حق أو حرية نص عليها الحماية من جوانبها العملية و ليس من معطياتها النظرية ، وتتمثل هذه الحماية في الضمانة التي يكفلها الدستور لحقوق المواطنين وحرياتهم والتي يعتبر إنفاذهما شرطاً للانتفاع بها في الصورة التي تصورها الدستور نطاقاً فاعلاً لها، وهذا ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في أكثر من موضع، ففي الحكم رقم 37 لسنة 9 قضائية دستورية فقد على أنه إذا خرج المشرع فيما يقرره من تشريعات على هذا الضمان الدستوري، بأن قيد حرية أو حقاً ورد في الدستور مطلقاً أو أهدر أو انتقص من أيهما تحت ستار التنظيم الجائز دستورياً، وقع عمله التشريعي مشوباً بعيب مخالفة الدستور.