في محاولة لحماية تبرعات المصريين من سطوة “أهل الثقة” الذين يتقاسمون بعضًا من أموال صناديق النذور بالمساجد والأضرحة، لجأت وزارة الأوقاف إلى الحسابات البنكية التي تخضع للرقابة، لمراقبة أموال النذور، وهي الخطوة اللاحقة لمنع صناديق التبرعات.
الواقع مليء بآلاف القصص الموثّقة تجمعها مشروعية واحدة، تجيز الحصول على أموال المصلين بالمساجد والمتبرعين “باسم الدين”. فتذهب لـ”البطون والفتة”، أو “تمويل بعض الجماعات المتطرفة أو أعمال غير نافعة”. فوضى في إدارة أموال المساجد منذ عشرات السنين، سعت الدولة مؤخرا إلى تقنينها.
وقررت وزارة الأوقاف مؤخرًا وقف تلقي التبرعات أو أموال الهبات والزكاة من خلال الصناديق الخاصة بالمساجد بكافة المحافظات. وأصدرت تعميماً بمنع تلقي التبرعات ورفع الصناديق الخاصة من المساجد وملحقاتها خلال 10 أيام من تاريخ صدور القرار. مع إحالة كافة المخالفين للتأديب.
جاء القرار كخطوة من الوزارة لضبط عملية التبرعات وإدراجها كأموال حكومية تخضع للرقابة والمساءلة. وذلك لمنع توجيهها في غير الغرض الذي خصصت من أجله، وغلق باب كانت تستغله جماعات راديكالية. وذلك لجمع أموال للإنفاق على أنشطتها، ومنع وسيلة من وسائل جمع الأموال دون رقابة قانونية. كما تدرس الوزارة بعض الوسائل لإمكانية استخدامها في التبرع، تحقيقا لأعلى درجات الشفافية والمراقبة لأموال التبرعات، كي تنفق في مساراتها الصحيحة.
ويشمل القرار جميع المساجد المضمومة للأوقاف ضماً كلياً، والتي يطلق عليها مسمى المساجد الحكومية. والمساجد المضمومة ضماً دعوياً والتي كان يطلق عليها مسمى المساجد الأهلية. وكذلك الزوايا والمصليات ومصليات السيدات وملحقات المساجد، والمساجد تحت الإنشاء، وكل ما يتصل بالمسجد من مرافق وملحقات.
واستثنى القرار مساجد النذور، وحددت الوزارة عددًا من الصناديق الخاصة ينظمها القانون ستظل موجودة، وهي 220 صندوق نذور في 190 مسجدًا عن طريق فتح حسابات بنكية لها.
خطوة ضد الجماعات الإسلامية
الباحث في الحركات الإسلامية ماهر فرغلي القرار يعتبر “خطوة مهمة”. وذلك باعتبارها “ستغلق باباً كانت تستغله جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية الأخرى لجمع أموال تنفق منها على أنشطة أنشطتها الإرهابية”.
يقول فرغلي لــ” مصر 360” إن “الجماعة كانت تسيطر على بعض الزوايا والمساجد ووجهت من خلالها أموال التبرعات للتنظيم. وكانت وسيلة لجمع الأموال دون رقابة قانونية للدعوة في سبيل الله، وهي كلمة عامة كانت تستغل لجذب الشباب في الجامعات”.
ويقدم الباحث تفصيلاً بهذه الأنشطة، بأن هناك 200 ألف مسجد وزاوية في مصر غير خاضعة للأوقاف وبدون أئمة. وهي تعمل بشكل أهلي ويشرف عليها بعض الأفراد ممن يطلق عليهم أهل البر، والعمل الصالح، غير معيين رسميا. بالتالي لا يمكن مراقبة المحتوي الذي يقدم بهذه المساجد، والأنشطة التي يديرها هؤلاء الأشخاص، كما لا يمكن الحكم على انتمائهم.
ورغم قوله إن القرار لا يحسم الأمر بشكل نهائي؛ لأن هذه الأوضاع نتاج تراكمات عصور سابقة. لكن فرغلي يشير إلى أنها بداية لتقنين ورقابة هذه الأموال والحد من الظاهرة.
تبرعات نقدية فقط.. هل الحل الأمثل؟
وأعلنت وزارة الأوقاف عدم قبول أي تبرعات أو أموال بغير طريق الدفع النقدي بالحسابات البنكية الرسمية. وذلك سواء الحسابات المركزية أم حساب مجلس إدارة المسجد المعتمد من وزارة الأوقاف. كما حددت مدة 10 أيام لرفع الصناديق منذ صدور القرار. وأشارت إلى أنها ستتعامل بمنتهى الحسم مع المخالفين سواء العاملين بالأوقاف أو غيرهم، باعتبار أن المخالفة تقع تحت طائلة جمع الأموال خارج نطاق القانون.
لكن ثمة نقطة ضعف يمكن أن تحول دون تحقيق الغرض من الخطوة السابقة. فعلى الرغم من وجاهة القرار بفتح حسابات بنكية للتبرع وحصول المتبرع على إيصالات رسمية. لكن بساطة المبالغ التي يتم التبرع بها في هذه الصناديق أثناء أيام الجمعة والصلوات الأخرى لا تحفز المتبرع على دفعها في حسابات رسمية، مما يجعل هذا الإجراء باباً خلفيًا لتحويل هذه الأموال بطريقة غير مباشرة لجيوب “أهل الثقة” بشكل شخصي؛ مما يزيد الأمر صعوبة وتعقيدًا.
خارج إطار الرقابة.. طريق خلفي لجيوب “أهل الثقة”
ويري عمرو عبد المنعم الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أن فتح حسابات رسمية للتبرع في البنوك لا يحل الأزمة. ذلك أن الناس لا تذهب إلى البنوك لوضع 5 أو 10 جنيات، وهي مبالغ صغيرة. لكن مع التراكمات وزيادة أعداد المتبرعين أثناء الصلاة تحقق قيمة ضخمة بالنهاية، مضافًا إليها أموال الزكاة.
لذلك، يقترح عمرو عدم منع التبرعات بهذه الصناديق وقصرها على الحسابات البنكية فقط. باعتبار أن الطريق البنكي سيزيد لجوء المتبرعين للأشخاص اللذين يثقون فيهم؛ لأن هؤلاء يمثلون للعامة رموزًا دينية ومحل ثقة. بالتالي سيدفع مبلغ التبرع بشكل شخصي وفي هذه الحالة يتكون الأموال خارج إطار الرقابة.
أما البديل، يقترح الباحث في حديثه لـ”مصر 360” وضع هذه الصناديق تحت إدارة لجان مشرفة من الأوقاف. وتشكيل مجالس إدارات جمعيات أهلية مشهرة تخضع للرقابة تكون كل جمعية مسؤولة عن عدد معين من المساجد والزوايا. ويجرى مراجعة مصادر الدخل وجهات الإنفاق بأوراق ثبوتية.
وأوضح أن هذه اللجان ستكون مسؤولة عن محاسبة مجالس الإدارات عن جهات الصرف والأنشطة التي يقومون بها بشكل رسمي وقانوني. وذلك لتوجيهها في أنشطة خيرية وخدمة نافعة، مثل عمل مشاريع علمية وعلاجية وخدمية تخدم أهالي المنطقة والمتبرعين. وقد تكون حافزًا على التبرع في العلن، حيث تترك مردودًا في صورة خدمة أو مصلحة.
متابعة ورفع الوعي
وذكر عمرو أن قرار الأوقاف تقنين أوضاع صناديق النذور والتبرعات سوف يحد من توجيه هذه الأموال للجماعات الراديكالية. لكنه لا ينهي الأزمة؛ لأن المشكلة تكمن في المساجد التي لا تخضع لرقابة وزارة الأوقاف والزوايا. والتي تذهب معظم أموالها عن طريق هذه الصناديق لدعم أسر المتطرفين المعتقلين، لذلك شدد على ضرورة متابعة وتنفيذ القرار.
إزاء ما سبق، يعيد فرغلي التنويه إلى أن العملية تحتاج إلى رفع الوعي لدي المواطنين من خلال حملات توعوية. وذلك للتنبيه على خطورة التبرع بشكل شخصي للأفراد محل الثقة وتوضيح أن ذلك يسمح باستغلال أموالهم بما يضرهم.
وقرار وزارة الأوقاف، يأتي ضمن خطة الدولة لتعزيز عمليات الدفع غير النقدي في إطار حوكمت المالية للرقمنة المالية. لتحقيق أعلى درجات الشفافية والرقابة على مصادر الأموال وجهات الصرف.
تحفظات على القرار
لكن، الطرق الصوفية أبدت تحفظها على القرار، واعتبرته موجهًا ضدها، حيث تحصل المشيخة العامة للطرق الصوفية على نسبة ١٠%؛ من إيراد صناديق النذور.
وقال الدكتور عبد الهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، ورئيس لجنة التضامن بمجلس النواب، إنه لم يجر التنسيق حتى الآن مع وزارة الأوقاف، فيما يخص صناديق النذور في المساجد التابعة للطرق الصوفية.
القصبي: المشيخة العامة للطرف الصوفية لديها التزامات مالية تجاه الأضرحة والمساجد غير الخاضعة لوزارة الأوقاف. والمجلس الأعلى ينفق ويشرف على الأضرحة والمساجد غير التابعة للأوقاف.
وأشار القصبي في تصريحات صحفية أن “صناديق النذور الخاصة بالمسجد الصوفية موجودة منذ إنشاء تلك المساجد. وأن عدد هذه المساجد يتجاوز الـ200 مسجد، وأي مسجد سيتم رفع الصندوق منه سنخطر الوزارة بأنّ المسجد تابع للصوفية لإعادته”.
وأعلن القصبي أن حجم أموال صناديق النذور تبلغ 30 مليون جنيه سنويًا من أموال التبرعات بمساجد الطرق الصوفية. ولفت إلى أن المشيخة العامة للطرف الصوفية لديها التزامات مالية تجاه الأضرحة والمساجد غير الخاضعة لوزارة الأوقاف. والمجلس الأعلى ينفق ويشرف على الأضرحة والمساجد غير التابعة للأوقاف.
توضيح من الأوقاف
ورد وزير الأوقاف محمد مختار جمعة على تصريحات رئيس الطرق الصوفية بأن قرار منع التبرع النقدي بالمساجد من خلال صناديق التبرعات لم يشمل مساجد الطرق الصوفية، لأن صناديق النذور في مساجد الطرق الصوفية لها قانون ينظمها.
وقال جمعة في تصريحات صحفية إن إلغاء صناديق النذور التابعة للطرق الصوفية لن يتم قبل الاتفاق على آلية مشتركة، مع مشيخة الطرق الصوفية، وذلك طبقاً لقانون حكم النذور.
وأعلن جمعة أن المساجد التابعة للطرق الصوفية في مصر تبلغ 143 ألف مسجد، من بينها 200 مسجد نذور. وسيتم عمل مرحلة انتقالية لها، بحيث يكون لتلك المساجد حساب بنكي. وأشار إلى أن قانون حكم النذور ينص على أن المبالغ التي تحصلها وزارة الأوقاف من النذور تذهب 10% منها إلى المشيخة العامة للطرق الصوفية.
وقبل 2014 كان إجمالي إيراد صناديق النذور 6 ملايين جنيه، وعندما جرى تطبيق الحوكمة وصل المبلغ إلى 30 مليون جنيه. وذلك من خلال نسبة الـ 10% التي تحصل شهرياً لصالح الطرق الصوفية. وفق الوزير محمد مختار.
وأشار وزير الأوقاف إلى أن صناديق النذور بمساجد الطرق الصوفية لا تفتح إلا بمفتاحين مع بعضهما البعض، أحدهما في الوزارة، والآخر في المسجد. ولا يمكن لأحد أن يفتح الصندوق بدون المفتاح الآخر.
نص القرار
المادة أولى: يحظر جمع أي أموال أو تبرعات أو مساعدات نقدية بالمساجد لأي سبب كان. ويُمنع منعًا باتًا وضع أي صناديق للتبرعات داخل المسجد أو خارجه من أي جهة أو أفراد. ويكون التبرع من خلال الحسابات الرسمية بالبنوك صندوق عمارة المساجد والأضرحة، حساب تبرعات البر وخدمة المجتمع بالبنك المركزي المصري.
المادة ثانية: يصدر رئيس القطاع الديني قرارًا بمساجد النذور التي يسمح فيها بوضع صناديق النذور على مستوى الجمهورية. خلال أسبوعين من تاريخه، مع تحديد عدد هذه الصناديق بكل مسجد وترقيمها ترقيمًا مسلسلًا وأماكن وضع كل منها بكل مسجد بناء على اقتراح مدير المديرية. وعدم فتحها إلا من خلال اللجان المشكلة وفقا للضوابط الموضوعة في هذا الشأن.
المادة ثالثة: لا يتم قبول أي تبرعات عينية إلا بموافقة السلطة المختصة وفقا للقوانين واللوائح المنظمة لقبول المنح والهبات والتبرعات. على أن تقوم الجهة التي تتسلم التبرعات العينية فور تسلمها باتخاذ الإجراءات اللازمة لتسجيلها عهدة وفقًا للإجراءات المخزنية. بعد التحقق من صحة المستندات الدالة على التبرع وقيمته، وفحص الأشياء المتبرع بها بمعرفة المختصين. مع إخطار الجهات المعنية في هذا الشأن في جميع الأحوال.
توفيق الأوضاع
المادة رابعة: على مجالس إدارات المساجد الرسمية الالتزام بما جاء بالمادة الأولى. وعليها توفيق أوضاعها بفتح حساب رسمي بأحد البنوك الخاضعة لإشراف ورقابة البنك المركزي المصري أو بالهيئة القومية للبريد. بناء على خطاب مكتوب ومعتمد من مدير المديرية وذلك لتلقي أي تبرعات مالية من خلال الدفع غير النقدي.
المادة خامسة: استثناءً من المادة الثالثة من هذا القرار، يمكن لمجلس الإدارة أو إمام المسجد بموافقة مكتوبة من المديرية التابع لها إمساك سجل معتمد من المديرية للتبرعات العينية الخاصة باستخدامات المسجد كلمبات الكهرباء، وأدوات النظافة، ونحو ذلك من المستهلكات الدورية. على أن يكون ذلك بموجب إيصالات معتمدة من المديرية وإثبات بيانات كل إيصال تبرع بالدفتر المخصص لذلك.
مادة سادسة: صكوك التبرعات موحدة القيمة سواء فيما يتصل بصكوك الأضاحي، أو صدقة الفطر أو الإطعام أو غيرها يصدر بتنظيمها قرار من الوكيل الدائم، على أن تكون جميعها مطبوعة من خلال الوثائق المؤمنة موحدة القيمة ومسلسلة الترقيم في كل مشروع على حدة.
مادة سابعة: على جميع مديري المديريات الإقليمية التنبيه على جميع الإدارات الفرعية والمساجد التابعة لها والعاملين بها بمضمون هذا القرار وأخذ علمهم به، وعلى السادة مديري المديريات ومديري الإدارات الفرعية وجميع السادة المفتشين متابعة تنفيذ ذلك بكل دقة ورفع أي صناديق مخالفة للتعليمات ووضعها بمخازن المديرية بعد فتحها بلجان تُشكل بمعرفة مدير المديرية وتورد المبالغ المالية الموجودة بها لحساب صندوق عمارة المساجد المشار إليه بالمادة الأولى في موعد أقصاه شهر من تاريخه.
المادة الثامنة: كل من يخالف ذلك يُعد خروجًا جسيمًا عن مقتضيات الواجب الوظيفي. ويعرض نفسه للمسألة القانونية سواء كانت جنائية أم مدنية أم إدارية. لما يمثله ذلك من جمع للأموال في غير الأحوال المصرح بها قانونًا واستغلال للوظيفة العامة في جمع الأموال بدون وجه حق.