مع إعلان المفوضية العليا للانتخابات العراقية، مؤخراً، انتهاء عمليتي الفرز والعدّ اليدوي للصناديق المطعون في نتائجها، بعدما اتهمت القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية المبكرة “أطرافاً محلية وخارجية” بالتورط في تزوير النتائج، واصلت الفصائل المسلحة احتجاجاتها والتصعيد ضد الحكومة. فضلاً عن تعبئة حواضنها السياسية والمجتمعية. بينما لم تتوقف عن الحشد والتهديد.
وفي بيان رسمي، قالت المفوضية العراقية إن “العملية تمت بحضور ممثلي المترشحين الطاعنين والمراقبين الدوليين والإعلاميين المخولين”. كما أوضحت أن “نتيجة العد والفرز اليدوي الجارية متطابقة مع نتائج العد والفرز الإلكتروني بنسبة 100%. وعرضت اللجنة المشكلة تقاريرها المرفوعة على مجلس المفوضين والذي أوصى بإرسال النتائج إلى الهيئة القضائية للانتخابات”.
غير أن البيان الصادر عن اللجنة التنظيمية للمظاهرات والاعتصامات الرافضة لنتائج الانتخابات في العراق، قد طالب، مطلع الأسبوع، بضرورة إيقاف عمل ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، ونبذها من بغداد.
وصرحت بلاسخارت، قبل أيام، من خلال الدائرة التلفزيونية المفتوحة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن “أية محاولات غير مشروعة تهدف إلى إطالة أو نزع مصداقية عملية إعلان نتائج الانتخابات، أو ما هو أسوأ، كالقيام بتغيير نتائجها عبر الترهيب وممارسة الضغوط، لن تسفر إلا عن نتائج عكسية”.
وعليه، اعتبرت اللجنة التي تضم الفصائل والقوى السياسية التي خسرت الانتخابات، أن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، ما تزال “تماطل في رمقها الأخير، رغم ترنحها حائرة وهي تتلقى الضربات اليومية التي تكشف حجم فسادها وإجرامها واستهانتها بمصائر ومستقبل العراقيين”.
وتابعت: “ثباتكم يضاعف إحراج المزورين جمعة بعد أخرى، والقضاء الشريف مستمر بحسم دعاوى الطعن، وكثيراً ما يقف إلى صف المشتكين وحقوقهم”.
وبحسب ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، فإنه “لا دليل على وجود تزوير ممنهج في الانتخابات النيابية التي شهدتها العراق. ويجب التعامل مع أي من المخاوف الانتخابية التي لا تزال قائمة من خلال القنوات القانونية القائمة حصراً”.
وأثناء جلسة لمجلس الأمن حول العراق، نقلت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” عن بلاسخارت أن “نتائج الانتخابات لن تكون نهائية إلا بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا عليها، حيث تقوم الهيئة القضائية الانتخابية بالبت في الطعون المقدمة إليها”. كما طالبت القوى السياسية بـ”عدم الدخول في هذا المنزلق”. لافتة إلى أن الانتخابات “تخللتها صعوبات، ولكن المهم أنها تمت إدارتها فنياً بشكل جيد. وهي عملية تستحق المفوضية وآخرون التقدير بشأنها”.
“الانتخابات البرلمانية الأخيرة بمثابة نقطة انطلاق مهمة على مسار أطول”
وأردفت: “في الواقع، يمكن أن تكون الانتخابات البرلمانية الأخيرة بمثابة نقطة انطلاق مهمة على مسار أطول نحو استعادة ثقة الشعب في العراق. لا يسعني اليوم إلا أن أقول إنه يتعين التحلي بمزيد من الصبر”. كما شددت على أنه “في حين أن خطر استمرار الانسداد السياسي حقيقي، فإن العراق بحاجة ماسة إلى حكومة قادرة على التعامل بسرعة وفاعلية مع لائحة طويلة من المهام المحلية غير المنجزة، وهذه هي المسؤولية الأساسية لكافة الأطراف السياسية المعنية”.
وعقّب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على تصريحات بلاسخارت، بأنها “تبعث بالأمل”، وتؤدي لبناء “فرصة جديدة لرافضي النتائج لمراجعة أنفسهم والإذعان للنتائج من أجل الشعب المتطلع لحكومة أغلبية وطنية”.
ووفق تغريدة للصدر على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، فإن على المحكمة الاتحادية “العمل بجد وحيادية” و”التعامل مع الطعون بمهنية”، وأن “لا ترضخ للضغوط السياسية”.
وجاء في تغريدة الصدر: “إننا بكل فخر واعتزاز إذ نعلن عن نزاهة عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ودقة مهنيتها في كل تفاصيل عملها فإننا نرفض التدخل بعملها من جهة ونؤكد على سلامة أفرادها والمنتمين لها من جهة أخرى”.
كما دان “كل الضغوطات السياسية والأمنية التي تتعرض لها المفوضية منذ أول يوم عمل لها حتى الآن”، بينما ألمح إلى محاولات البعض لتغيير مسار نتائج الانتخابات التشريعية والتي سوف تسفر عن “حكومة الأغلبية التي استاؤوا من بودار إشراقاتها”.
صراع الصدر والفصائل المسلحة
واللافت أن الصدر يخوض صراعاً حاداً مريراً مع الفصائل المسلحة، والقوى الولائية، وبخاصة بعد محاولة اغتيال رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، مؤخراً. وهدد زعيم التيار الصدري بالكشف عن تفاصيل وملابسات الحادث الذي ما يزال طي الكتمان. وذلك رغم إعلان المستشار السياسي للكاظمي بالتوصل لأدلة نهائية وقطعية حول الأطراف التي تقف وراء العملية.
وقال مستشاره السياسي للكاظمي، مشرق عباس، إن لدى القوى الأمنية “أدلة دامغة”، تتضمن صور ومقاطع فيديو، بخصوص محاولة استهداف منزل رئيس الحكومة بواسطة الطائرات المسيرة. وأكد عباس في تغريده أنه في “الأيام القادمة.. سيتم الكشف عن بعض الحقائق والأفلام والصور والأدلة عن عملية الاستهداف الغادرة التي نفذها الإرهابيون ضد رئيس وزراء جمهورية العراق مصطفى الكاظمي”. وتابع: “لن ننتبه إلى محاولات التضليل، كما نأسف لمن يتأثر بها غافلاً.. فالحقيقة لا تموت”.
غير أن زعيم التيار الصدري، أكد على أنه في حال لم يتم الكشف عن هذه التحقيقات، التي تحدث عنها المستشار السياسي للكاظمي، فقد “نضطر لكشفها مستقبلا”. موضحا أن عملية اغتياله “تعدٍ واضح وصارخ على السيادة وهيبة الدولة، يهدف إلى إثارة الفتنة”. وشدد على ضرورة “إلقاء القبض على من قاموا به وإنزال العقوبة المناسبة بهم”.
وفي حديثه لـ”مصر 360″ يشير الباحث العراقي منتظر القيسي إلى أن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية شكلت صدمة عنيفة لتحالف الفتح، المظلة السياسية للفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران المعروفة إعلامياً بـ “الفصائل الولائية. فضلا عن خسارة حليفها الأقرب “حركة عطاء” بزعامة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض لمعظم المقاعد.
يلفت القيسي في حديثه إلى أن “انشقاق الحركة (عطاء) عن ائتلاف النصر بعد انتخابات عام ٢٠١٨، كان له دور بارز في إحداث توازن مع ائتلاف سائرون، المسمى السابق للكتلة الصدرية، وتحديداً في ما يخص الصراع حول تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها تسمية المرشح لرئاسة الحكومة والذي أدى إلى حالة تعادل سلبي فرضت على مقتدى الصدر القبول بصفقة اقتسام السلطة مع الولائيين في ظل حكومة عادل عبد المهدي”.
وبالتالي، لا تعدو حالة الإنذار أو بالأحرى التصعيد المسلح الذي يلامس حدود الخطر والتهديد الأمني والسياسي، كونها أمراً جديداً أو عرضياً، بحسب القيسي، والذي يرى أنه منذ إعلان النتائج الأولية التي أظهرت تقدما ساحقا للكتلة الصدرية بفارق يقارب الستين مقعدا قابلة للزيادة، شعر الولائيون بتراجع وانحسار نفوذهم، وأن الأرض تهتز تحت أقدامهم.
ويبدو أن زيارة إسماعيل قاآني قائد فيلق القدس لبغداد، لمحاولة تهدئة التصعيد الميلشياوي، وتحديداً في أعقاب محاولة اغتيال الكاظمي لم تسفر عن نتائج عملية، خاصة وأن جهاز الاستشعار السياسي بإيران يدرك أن الفصائل المدعومة منها على شفير الخروج من المشهد السياسي.
“الدولة والميلشيا”.. الانتخابات العراقية وأزمة جديدة للسياسة والسيادة