أثارت حادثة اعتداء موظفي أحد فروع فودافون على عميل لها، قبل أن ينتهي الأمر بالتصالح، جدلا كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه أقل بكثير من التساؤلات التي تثيرها صفقة نقل الملكية المرتقبة لشركة “فوداكوم” بجنوب أفريقيا،  في خطوة مفاجئة وغير متوقعة.

تحقق “فودافون مصر” أرباحًا قياسية بالسوق المحلية، فخلال العام المالي 2020/2021 بلغت إيراداتها 29.34 مليار جنيه، مقارنة بـ 26.4 مليار جنيه خلال العام السابق محققة نسبة نمو سنوية بلغت 11%، كما تستهدف توزيع أرباح على مساهميها بنحو ١٠ مليارات جنيه العام الحالي بينها ٢ مليار جنيه، تم دفعها فعليًا في مارس الماضي.

تتصدر الشركة عدد المشاركين بخدمات المحمول بإجمالي 44 مليون مشترك بحصة سوقية تعادل 40%، كما تتربع على عرش عدد مستخدمي المحافظ الإلكترونية بإجمالي 11 مليون مستخدم بخدمة “فودافون كاش”.

استثمارات ضخمة لفودافون في مصر

ضخت الشركة استثمارات ضخمة تتجاوز  12 مليار جنيه خلال السنوات الثلاث الماضية بجانب 8 مليارات جنيه قيمة شراء الترددات الجديدة، واشترت شركتي “بى” و”مصارى” للمدفوعات الإلكترونية التابعتين لمقدم الخدمات المالية غير المصرفية، لتعميق مكانتها في الدفع الإلكتروني بمصر، بالتوازي مع خطط الدولة لتقليل التعامل بالكاش.

صفقة نقل الملكية الأخيرة لم تكن الأولى في محاولات فودافون العالمية للتعامل مع  حصتها في ذراعها المحلية بمصر، إذ تأتي بعد عام واحد من توقيعها مذكرة تفاهم لبيع محتمل لحصتها في مصر إلى شركة الاتصالات السعودية، مقابل 2.39 مليار دولار، لكن في نهاية العام تم إنهاء الصفقة.

أعلنت الشركة العالمية حينها عدولها عن البيع بسبب تحول مصر لإحدى الأسواق الرئيسية الكبرى بالمنطقة في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتطبيقات الداعمة لأنظمة عمل المدن والخدمات الذكية والشمول المالي.

بالفعل، قفز قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ليصبح أعلى قطاعات الدولة نموا بمعدل نمو 16 %؛ بالإضافة إلى مساهمته في الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 5% مع وجود على زيادة هذه النسبة لتصل إلى ٨٪ خلال ثلاث سنوات فقط.

بالتوازي مع ذلك النمو، استحوذت فودافون حاليًا على العدد الأكبر من المحافظ الإلكترونية بنسبة 65% خلال النصف الأول من 2021، كما ارتفعت أعداد المعاملات الإلكترونية التي تم تنفيذها بواسطة تلك المحافظ إلى 81 مليون عملية إلكترونية بالنصف الأول لعام 2021، مقارنة بـ29.5 مليون عملية إلكترونية بالنصف الأول لعام 2020،.

تبلغ قيمة حصة شركة فودافون العالمية في الذراع المحلية لها نحو 2.722 مليار يورو (3 مليارات دولار)  خالية من الديون، ما يعني أنها استثمار جيد حين مقارنة ذلك الرقم بالمبلغ الذي دفعته حين دخول السوق المحلية في نهاية التسعينيات حين شراء الرخصة الثانية بمبلغ لا يزيد عن 517 مليون دولار.

نقل الملكية سيتم من خلال تسوية حوالي 80% من مقابل الشراء ( 1.9 مليار يورو ) عن طريق إصدار 242 مليون سهم عادي جديد من “فوداكوم” لصالح شركة فودافون بسعر إصدار 135.75 راند جنوب أفريقي للسهم، لتزيد ملكية فودافون في زراعها  بجنوب أفريقيا من 60.5٪ إلى 65.1٪.

    شركة فودافون

تنقلات غريبة.. من فوداكوم؟

فوداكوم هي شركة اتصالات متنقلة في جنوب أفريقيا، تمتلك مجموعة فودافون العالمية نسبة 60.5% ويبلغ نصيب صندوق تقاعد الموظفين التابع لحكومة جنوب أفريقيا نسبة 13.54%، وتمتلك شركة ويتفيلد للاستثمارات نسبة 6.23%، وتتوزع باقي نسب الملكية على مجموعة من المستثمرين المختلفين، إضافة إلى حصص المؤسسين.

تقول فودافون العالمية إن نقل الملكية سيفيد السوق المصرية فيما يتعلق بالتكنولوجيا ويعزز روابطها مع السوق الأفريقية فـ”فوداكوم” تعتبر شركة خدمات اتصالات متنقلة وتقدم الانترنت لأكثر من 123.7 مليون عميل، وأصبحت ثاني مشغل شبكة في أفريقيا مجهز بشبكة 5 G مباشرة 

الجيل الخامس يمثل مستقبل التكنولوجيا في العالم حيث سيتم تطبيقه تدريجيا مع الوقت، واستخداماته تلبي احتياجات الأفراد مثل العلاج عن بُعد، وطرق مرور السيارات، ويتوقع تحقيقه معدلات قياسية حال دخوله مصر التي زاد فيها معدل إجراء المكالمات أكثر من 200 ضعف في 10 سنوات فضلا عن نمو معدل ترافيك خدمات الداتا 50% سنويا. 

خيارات مصرية 

أمام المصرية للاتصالات حاليا العديد من الخيارات في التعامل مع الصفقة، فإما البيع بنفس سعر نقل الملكية التي اتفقت عليه فودافون مع وحدتها الجنوب أفريقية أو الشراء استغلال لحق الشفعة أو بقاء الأمر كما هو عليه، على اعتبار أن استثمار المصرية للاتصالات حاليا في فودافون مصر ماليا وليس إستراتيجيًا.

وحال تفعيل حق الشفعة، تواجه المصرية للاتصالات تحد في تدبير مبالغ الصفقة التي تتجاوز 42 مليار جنيه مصري وتحويلها لدولار على اعتبار أن الشركة العالمية ستتلقى أموالها بالعملة الصعبة وأمهامها خيار الدخول في شراكة مع مؤسسات مالية محلية. 

وبلغ إجمالي الإيرادات المجمعة  لفودافون ١٧,٤ مليار جنيه خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة نمو قدرها ١٦% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق مدعوما بالزيادة في إيرادات خدمات البيانات والبالغة ٣١% متبوعة بالزيادة في إيرادات خدمات الصوت وإيرادات أخرى لوحدة أعمال الشركات.

الفرق بين الاستثمار المالي والإستراتيجي في كون الأول مالي بحت يرتبط بتحقيق الربحية أما الإستراتيجي فيرتبط بالسيطرة على حصة في شركة ما يعطي التمثيل في مجلس الإدارة والمشاركة في اتخاذ قرارها الإستراتيجي.

تتمثل استثمارات الشركة المصرية للاتصالات 170.9 مليون سهم في شركة فودافون مصر حققت من ورائها أرباحًا بلغت 2.3 مليار جنيه خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 1.6 مليار جنيه خلال الفترة المماثلة من العام الماضي.

خيار مرجح

يحكي رجل الأعمال حسن هيكل، الذي كان المستشار المالي لشركة فودافون في عرض شراء رخصة المحمول ، كيفية حصول المصرية للاتصالات على أسهمها، موضحاً أنها ارتبطت بإرجاء الرخصة الثالثة لمدة عامين مقابل دفع كل شركة محمول مبلغ 200 مليون دولار للدولة، وأن تشتري المصرية للاتصالات حصة 40 % من فودافون مصر، وجاءت بعد مفاوضات شاقة مع موبينيل وفودافون .

دخلت فودافون مصر السوق المصرية من خلال ائتلاف بين فودافون العالمية، وشركة إير تاتش، وبعض الشركاء المحليين والدوليين عام 1998، وعرفت وقتها باسم فون للاتصالات/ كليك جي إس إم سابقًا، وكانت المشغل الثاني للمحمول وبعد مرور عام واحد فقط استحوذت مجموعة فودافون على حصة إير تاتش،  كما استحوذت على حصة الشريك الفرنسي الدولي فيفاندي، وغيرت العلامة التجارية من كليك جي إس إم إلى فودافون مصر.

يقول هيكل إن أفضل الخيارات المتاحة أمام المصرية للاتصالات هو بيع حصتها بنفس السعر لفودافون عن طريق فرض هيئة الرقابة المالية عرض شراء على كامل الشركة، يتيح بيع كامل الحصة حماية للأقلية، والأمر موجود في كل دول العالم، موضحا أن الحكومة ستجني من وراء ذلك مبلغ دولاري ضخم.

يؤكد هيكل أن تحويل ملكية فودافون مصر لشركة تابعة للمجموعة العالمية في جنوب أفريقيا لا يجوز الموافقة عليه لعدة أسباب منها بيع شركة جنوب أفريقيا دون حق الشفعة للمصرية للاتصالات فيما يتعلق بحصتها بمصر ، علاوة على البيع من غير موافقة الجهات المصرية.

ورجحت فودافون العالمية الانتهاء من عملية لإتمام نقل الملكية بحلول 31 مارس 2022. لكن  نقل الملكية موافقة الجهات التنظيمية فى مصر ومن ضمنها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات الذي منحها الترخيص وهيئة الرقابة المالية وجهاز حماية المنافسة.

لن تغير “فودافون” علامتها التجارية مثلما حدث في جنوب أفريقيا التي غيرت اللون من الأحمر إلى الأزرق، والشركة ملزمة بالسماح للمصرية للاتصالات بإجراء الفحص النافي للجهالة في حالة البيع الجزئي أو البيع الكلي.

ووفقًا لهيكل، فإن قواعد السوق المفتوح لا تعني أن بيع وشراء شركات استراتيجية مفتوح بدون قواعد، ففي أمريكا وأوروبا لا يوافقون على عمليات استحواذ لأسباب سياسية، بخلاف الاحتكار، وحق الحماية الأمنية.

يقول البعض إن سلوك فودافون جاء بسبب الشكاوي التي ترد للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات من العملاء تجاه الشركة، والتي بلغت 36 لكل ١٠٠ ألف مشترك وتتعلق بنسبة 22% محفظة الأموال،  و20% جودة الخدمة، و19% فواتير/رصيد، و17% نقل الأرقام، و4% خدمة العملاء، لكن جميع شركات المحمول تلقت حجما قريبا في الشكاوي

وبلغ معدل الشكاوي من “أورانج” 41 شكوى لكل ١٠٠ ألف مشترك، بنسبة 28% فواتير/رصيد، و22% نقل الأرقام، و16% جودة الخدمة، و10% إشراك المستخدم في خدمات بدون علم، و8% محفظة أموال، أما شركة اتصالات فبلغ معدل الشكاوى التي تم تصعيدها 26 شكوى لكل ١٠٠ ألف مشترك، تركزت بنسبة 34% في نقل الأرقام، و26% جودة الخدمة، و13% محفظة الأموال، و12% فواتير/رصيد، و3% خدمة عملاء.

لو أقبلت “فودافون مصر” على بيع حصتها في أغسطس 2016 لكان الأمر مقبولا حينها على اعتبار أن المصرية للاتصالات حصلت على رخصة مستقلة لتشغيل المحمول وفي الوقت ذاته لديها حصة في فودافون لكنها واصلت في السوق وعززت استثماراتها.

تؤكد جميع المؤشرات على أن فودافون العالمية لن تضحي باستثماراتها في مصر ولن تتخارج، فالشركة البريطانية يعود تاريخ تأسيسها إلى  1984 ومدرجة في بورصتى ناسداك ولندن، وتمتلك فروعا في 24 دولة، وتحالفات مع شركاء محليين فى 42 أخرى.

واعتمد الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بدء العمل بالترددات الجديدة لخدمات الهاتف المحمول فى الحيز الترددى 2600 بتقنية TDD بحجم 40 ميجاهرتز من إجمالى حزمة الترددات التي حصلت على حق استخدامها شركات (فودافون مصر – اتصالات مصر – الشركة المصرية للاتصالات) باستثمارات تقدر بــ 1.170 مليار دولار.

قام الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بعمليات طرح الترددات الجديدة التي أسفرت عن حصول شركة فودافون مصر للاتصالات على 40 ميجاهرتز وشركة اتصالات مصر على 20 ميجاهرتز، والشركة المصرية للاتصالات على 20 ميجاهرتز، بما يعني أن فودافون حصلت على النسبة الأكبر.

 تؤكد المؤشرات المالية لـ”فودافون مصر” أنها دجاجة تبيض ذهبًا، وصفقة نقل الملكية  التي لم تتم حتى الآن غالبا لن تتم، والإعلان عنها بالنسبة لفودافون العالمية ما هي إلا في “حاجة في نفس يعقوب” فقط.