لايزال قطاع الثروات التعدينية وبخاصة مجال الذهب هو القطاع الأكثر جذبًا لرؤوس أموال شركات التنقيب العالمية في مصر خلال السنوات القادمة. بدعم الفرص الاستثمارية المتاحة، والتي تكللت بإعلان وزارة البترول، أمس، عن خطة لإنتاج الذهب من الكشف التجاري الجديد. بمنطقة إيقات بالصحراء الشرقية.

بهذا الاتفاق تكون إيقات ثالث شركة في مصر تقوم باستخراج الذهب والمعادن المصاحبة. حيث يعمل حالياً كل من شركة السكري وشركة حمش مصر، فهل يُعيد كشف “إيقات” مصر إلى خريطة الذهب العالمي؟ وما هي الفرص الاستثمارية المتاحة أمام شركات التنقيب العالمية ونسبة مساهمة المعدن النفيس في الناتج القومي للدولة؟

رؤوس الأموال ومسارات إنعاش الذهب

رغم معاناة القطاعات الاستثمارية بالدولة -في ظل تداعيات جائحة كورونا- من تراجع محفظة المستثمرين بها. إلا أن مجال الذهب لايزال قادرًا على جذب مزيدا من شركات التنقيب العالمية لاقتناص مشروعات جديدة. وبدء عمليات التنقيب عن مناجم تدفع الاقتصاد القومي إلى مؤشرات أكثر نموًا. بعد تقلبات أسعار النفط التي أهلكت موازنات حكومات العالم ومنها مصر.

ففي فبراير الماضي وقعت وزارة البترول 10 عقود مع 4 شركات إنجليزية، وكندية، ومصرية. لاستغلال 17 قطاعاً جديداً للبحث والتنقيب عن الذهب مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية بإجمالي استثمارات 11.2 مليون دولار.

وخلال الآونة الأخيرة، شهدت مصر تحولات كبيرة في صناعة الذهب بفضل التوسع في الاستكشافات عن مناجم جديدة للذهب. وطرح مزايدات عالمية أمام كبرى الشركات الأجنبية والمحلية للمنافسة على التنقيب في مناطق واعدة.

وتحركت الحكومة في عدة مسارات لإنعاش مجال الاستثمار في الذهب، على رأسها إجراء تعديلات تشريعية بقانون الثروة التعدينية. تُشجع المستثمرين على ضخ استثمارات ضخمة في مجال الاستكشاف وإزالة المعوقات. التي تهدد العائد على هذه الاستثمارات التي تتسم بالأساس بالمخاطرة المرتفعة.

وبالتوازي، عكفت الحكومة المصرية على التوسع في الاستكشاف وطرح مناطق جديدة واعدة أمام الشركات؛ لتحفيزهم على اقتناص مناطق جديدة لم تتعرض أية عمليات بحث من قبل.

وفي اجتماع ضم مجموعة من الوزراء الفترة الماضية، وجه الرئيس السيسي بتعزيز جهود تطوير قطاع التعدين في مصر بالتكامل مع الرؤية الاستراتيجية التنموية للدولة. وحوكمة المنظومة بالكامل إدارياً ومالياً، بما في ذلك التعاقدات مع الشركاء الأجانب. بهدف الاستغلال الأمثل لثروات مصر الطبيعية على رأسها الذهب وحسن إدارتها حفاظًا على حقوق الدولة.

5% زيادة مستهدفة بالناتج القومي للدولة

وتسببت حالة الركود التي عانى منها قطاع الذهب خلال العقود الماضية، في تحرك وزارة البترول. للوقوف على استراتيجية تُزيد من نسب مساهمة القطاع باقتصاد الدولة، بالتزامن مع تطوير إنتاج الغاز الطبيعي والتوسع في عقود التصدير للخارج.

ويقول الجيولوجي خالد الششتاوي، رئيس هيئة الثروة المعدنية، إن الدولة بدأت في الاعتماد على قطاع التعدين. كركيزة لرفع معدلات التنمية الاقتصادية وزيادة نسب مساهمته في الناتج القومي للدولة بنسبة تصل لـ 5%. خلال السنوات القادمة بدلًا من أقل من 1% حاليًا، وفي سبيل ذلك بدأ في توجيه استثمارات ورؤوس أموال الشركات الأجنبية. للبحث عن المعدن الثمين داخل مناطق الامتياز بالصحراء الشرقية الغنية بالاحتياطات الضخمة.

أضاف لـ “مصر 360″، أن مصر يمكن أن تصبح واحدة من بؤر صناعة الذهب المحورية في القارة إذا حقق عدد من الشركات والمستثمرين اكتشافات ذات جدوى اقتصادية، على غرار منجم السكري الداعم الأكبر للموازنة العامة للدولة حاليًا.

مليون أوقية احتياطي جديد

وربما أحد المؤشرات التي قد تزيد من احتمالية مضاعفة أعداد الشركات العالمية التي ستشارك في المزايدات التي ستطرحها الدولة لاحقًا. تلك الخاصة باكتشاف منجم إيقات في الصحراء الشرقية بإجمالي احتياطي يتجاوز حاجز المليون أوقية.

وفي سبيل ذلك، أعلنت وزارة البترول عن إطلاق خطة طموح لبدء الإنتاج المبكر من الكشف التجاري للذهب في منطقة إيقات بصحراء مصر الشرقية خلال الفترة القادمة. في ظل الاحتمالات المرتفعة لنسبة استخلاص ذهب الاكتشاف، حيث يبلغ متوسط تركيز الذهب 1.5 جرام في الطن.

منجم السكري
منجم السكري

ويعد الكشف الذي تحقق بمنطقة إيقات واعداً، ويبشر بنتائج إيجابية تزيد من إنتاج مصر من الذهب. في ظل وجود احتياطي يقدر بأكثر من مليون أوقية بحد أدنى، وبإجمالى استثمارات تتجاوز حاجز المليار دولار. كما يعد نتاجاً لاستثمار مصري خالص في مجال التنقيب عن الذهب واستغلاله من خلال شركة شلاتين المصرية. والتي تشهد شراكة ناجحة وتعاوناً مثمراً بين عدد من قطاعات الدولة.

وجاء تدشين الاجتماع الأول لشركة شلاتين كأحد ثمار برنامج وزارة البترول والثروة المعدنية لتطوير وتحديث قطاع التعدين لزيادة مساهمته في الناتج القومي. ووجه وزير البترول باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإقامة تسهيلات وبنية تحتية ذات كفاءة عالية. والالتزام بكافة ما يمكن تنفيذه من ضوابط واشتراطات لتحقيق الأمن للعمليات والمنشآت.

“إيقات” وعودة مصر لخريطة الذهب

عمرو مصطفى نائب رئيس هيئة البترول السابق، يرى أن مصر بدأت جني ثمار إصلاحات واسعة أجريت في مجال التعدين. بعد أن أقرت الحكومة المصرية تعديلات على قانون الثروة المعدنية، التي فتحت آفاقًا أكثر رحابة للاستثمار في مجال الثروة المعدنية. وبالتالي فإن كشف “إيقات” قد أعاد مصر على خريطة الذهب العالمية بفضل الاحتياطي الضخم للمنجم”مليون أوقية”. والتي ستزيد من نسب مساهمة المعدل النفيث في الناتج القومي للدولة خلال السنوات القادمة.

أضاف لـ “مصر 360″، أن إنتاج الذهب في مصر زاد خلال 2020، وبلغ نحو 14.1 طن. لكن خلال 2021 تراجعت قيمة صادرات الدولة منه بشكل كبير. وبالتالي كان لابد من التوصل إلى كشف جديد لمضاعفة حجم التصدير للخارج، وهو ما سيتحقق مع بدء الإنتاج التجاري من “إيقات”.

وتطرق إلى التعديلات الأخيرة في قانون الثروة المعدنية واللائحة التنفيذية التي أخذت في حسبانها آخر المستجدات في صناعة التعدين على مستوى العالم. وهو ما تم من خلاله تغيير النظم المالية، وأسلوب الطرح، كما تم فصل نشاط البحث عن الذهب عن نشاط الاستغلال.

أشار إلى أن تعديلات القانون تمثل دفعة جيدة لمستقبل صناعة التعدين في مصر. ولفتت إلى أن هذه الخطوة جذبت كبرى الشركات العالمية والمصرية بأول مزايدة للتنقيب عن الذهب. إذ تستهدف استراتيجية الوزارة حتى عام 2035 مساهمة الثروة المعدنية بنسبة 5% من الدخل القومي مقارنة بنصف في المائة حاليًا.

واصل: فبعد سنوات من عزوف الشركات الكبرى عن التنقيب، بسبب نظام اقتسام الإنتاج الذي كان معمولاً به في الماضي. تحول الأمر إلى نظام الضرائب التي تصل إلى 22.5%، والإتاوة التي لا تقل نسبتها عن 5%. إضافة إلى نسبة مشاركة مجانية لا يقل حدها الأدنى عن 15%، وفقًا للتعديلات الجديدة للقانون واللائحة التنفيذية.

مضاعفة عمليات التنقيب

وعدد خبراء التعدين أن يكون لتجارة المعادن النفيسة والتنقيب عن الذهب نصيب من الاستثمارات العالمية الموجهة لمصر السنوات القادمة. في ظل التطورات التي تشهدها البيئة الاستثمارية بمصر ولا سيما في ظل التوجه المصري لإنشاء “مدينة ذهب” وفق أحدث التقنيات. لصناعة وتجارة الذهب، تعكس تاريخ مصر البعيد في هذه الصناعة.

وكان نجيب ساويرس، وهو أحد كبار مستثمري الذهب في أفريقيا، أكد في تصريحات سابقة أن الذهب يجب أن يمثل 20-30% من محفظة جميع المستثمرين. -سواء المحليين أو الأجانب- في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة لمضاعفة عمليات التنقيب عن المعدن الثمين عبر إسناد مناطق امتياز جديدة إلى شركات البحث العالمية ومن ثم توجيه استثماراتها إلى قطاع الثروة المعدنية.

جبل إيقات
جبل إيقات

وقالت مصادر بوزارة البترول، إن القطاع يمتلك كما هائلا من الفرص الاستثمارية التي تحتاج إلى رؤوس أموال وتكنولوجيات حديثة للتنقيب عن المعادن ومنها الذهب. لذا اعتمدت الوزارة استراتيجية جديدة لدعم تلك الفرص والتي تقوم في الأساس على طرح مزايدتان بشكل سنوي أمام المستثمرين لمضاعفة عمليات الاستكشاف.

أضافت المصادر لـ”مصر 360″، أن هيئة الثروة المعدنية تُعد حاليًا قائمة بإجمالي المناطق. التي سيتم طرحها على المستثمرين للتنقيب عن الذهب في الصحراء الشرقية خلال العام الجاري. للزيادة فرص الوصول إلى كشف تجاري جديد خلال العام المالي الجاري 2021/2022.

الفرص المتاحة

لفتت المصادر إلى أن القائمة التي تُعد حاليًا ستشمل مجموعة من مناطق الامتياز التي أكدت الشواهد امتلاكها احتياطات كبيرة من المعدن النفيث. ومن ثم قد يكون هناك مشاركة لعدد كبير من شركات التعدين العربية والعالمية التي أبدى عدد منها استعداده لشراء كراسات الشروط بمجرد طرحها.

تطرقت المصادر إلى الفرص المتاحة فيما يتعلق بالمنطقة الصناعية لورش وكسارات الذهب في جنوب مصر. والتي جرى تخصيص 91 فدانًا تابع لها، وبالتالي ستوفر هذه الصناعة عدد من الفرص الاستثمارية المرتبطة بصناعة الذهب.

من جانبه لفت عمر طعيمة رئيس هيئة الثروة المعدنية السابق، إلى أن الحكومة تعكف حاليًا على توفير أغلب التقنيات التكنولوجية المطلوبة لدعم المستثمرين. بالتزامن مع تطوير البيئة الاستثمارية بمجال التعدين، لحصد العوائد وتوفير القوة البشرية والخبرات الوظيفية المتنوعة.

أكد لـ “مصر 360″، أن الحكومة تعمل أيضًا على تحقيق الدعم اللوجيستي وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات. إضافة لسهولة إصدار رخص الأعمال، لدعم نمو قطاع التعدين في مصر.

تقنين أوضاع التنقيب العشوائي

وعلى صعيد دعم الشركات المحلية؛ يقول رمضان أبو العلا أستاذ هندسة الطاقة بجامعة فاروس. إن الحكومة المصرية اتجهت لإنشاء شركة “شلاتين” للبحث والتنقيب عن الذهب. وتقنين أوضاع المنقبين العشوائيين. وعلى إثر ذلك جرى تخصيص 91 فدانًا لإنشاء أكبر منطقة صناعية لورش وكسارات الذهب في جنوب مصر.

أضاف أبو العلا أن الغرض من تأسيس الشركة جاء لزيادة الاستثمارات والقيام بأعمال البحث والاستغلال للخامات التعدينية في الصحراء الشرقية بمدينة شلاتين والبحر الأحمر. بما في ذلك إعادة استغلال مناجم الذهب القديمة الموجودة بالمنطقة. إلى جانب تقنين أوضاع الاستغلال العشوائي للذهب الموجود بالرواسب الوديانية.

صادرات الذهب خلال 8 أشهر

تاريخيًا، تُعد مصر واحدة من الدول الغنية بالثروة المعدنية وخاصة الذهب، كما أن الصحراء الشرقية المنطقة الرئيسية لاستخراجه. فضلاً عن بعض المناجم في جنوب سيناء وأسوان، وقد احتلت مصر المرتبة السادسة على الصعيد العربي. بحيازة 80.2 طن من الذهب أي نحو 6.8% لجميع احتياطاتها، بينما جاءت في المركز رقم 40 على المستوى العالمي. وفق تقرير مجلس الذهب العالمي، الذي يصدر بشكل دوري لترتيب دول العالم من حيث احتياطيات المعدن النفيث.

وبالرغم من الاحتياطيات الوفيرة وتاريخ التعدين الغني الذي يحتوي عن احتياطات ذهبية ضخمة. إلا أن مصر لديها منجم ذهب تجاري واحد فقط قيد التشغيل وهو منجم السكري. ولكن الآن تعتمد الدولة على ارتفاع أسعار الذهب وقوانين التعدين المعدلة، لجذب اهتمام الشركات القائمة على التنقيب عنه.

وعلى الرغم من جائحة فيروس كورونا، إلا أن إنتاج الذهب والحلي والأحجار الكريمة سجل طفرة في عام 2020. وكشف مجلس الذهب العالمي عن دخول مصر للسوق العالمية، من حيث عمليات الإنتاج.

وقال المجلس في يوليو الماضي، إن إنتاج الذهب في مصر زاد خلال 2020، وبلغ نحو 14.1 طن. وتضم قائمة كبار المنتجين 43 دولة، واحتلت مصر المرتبة 36 على مستوى العالم بين تلك الدول.

تراجع حاد في الصادرات

لكن الوضع لم يستمر كثيرًا وشهدت صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة تراجعًا حادًا خلال الـ 8 أشهر الأولى من 2021. وسجلت قيمة الصادرات نحو 750 مليون دولار خلال أول 8 أشهر من 2021، مقابل 2.212 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2020 بتراجع بنسبة 66%.

وأوضح التقرير الشهري الصادر عن المجلس التصديري في مصر، انخفاض صادرات الذهب والحلي والأحجار الكريمة خلال شهر يونيو الماضي. لتسجل 58 مليون دولار، مقابل 172 مليون دولار خلال نفس الشهر من 2020.

وصدرت مصر الذهب والحلي والأحجار الكريمة لنحو 32 دولة خلال الـ 8 أشهر الأولى من العام الجاري. من بينها 10 دول لم يتم التصدير لها خلال نفس الفترة من 2020. تضمنت (الصين، اليمن، اتحاد ماليزيا-مالاوي سابقا، غيانا الفرنسية، إثيوبيا، العراق، تشيلي، كوريا الجنوبية، زامبيا-روديسيا الشمالية، تونس).

وسيطرت كندا على نحو 48% من إجمالي صادرات مصر من الذهب والحلي والأحجار الكريمة. لتحتل المرتبة الأولى بقائمة المستوردين، بقيمة 360 مليون دولار، مقابل 512 مليون دولار، بتراجع نسبته 30%.

وتراجعت الإمارات لتحتل المرتبة الثانية بقائمة الدول المستوردة للذهب المصري مستحوذة على 37.5% من إجمالي الصادرات. بقيمة 281 مليون دولار، مقابل 1.545 مليار دولار، بتراجع 82%.