بعد أن تعرض طفلها للاختطاف والاغتصاب الجماعي. اضطرت اللاجئة السودانية ماري “اسم مستعار” إغلاق هاتفها. خوفا من انتشار الخبر ووصوله إلى ذويها. وأهل زوجها التي هربت منهم إلى مصر.

ماري التي قررت اللجوء إلى مصر بصحبة أطفالها الأربعة بعد تعرضها لعنف جنسي وأسري من زوجها وأهله على مدار سنوات. يرقد صغيرها الذي لم يتجاوز 12 عاما في المستشفى. إثر تعرضه للاغتصاب والطعن بآلة حادة. فيما رفضت السير في المسار القانوني خوفا على بناتها من انتقام الجناة، أو ذويهم. كما أن الحل المقترح دائما في تلك الحالات هو تغيير السكن، ما لا تستطيعه نظرا لضيق الحال.

أما اللاجئة الإريترية التي سلطت مبادرة “برّه السور” النسويّة الكويرية الضوء عليها. في إطار حملتها المعنونة بـ”العنف الجنسي في حالات اللجوء“. التي تتزامن مع حملة الـ16 يوماً العالمية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي. فتروي شهادتها عن ما تعرضت إليه في وطنها من ضرب وتحرش واغتصاب، كما فقدت وليدها أثناء رحلة اللجوء قبل القدوم إلى مصر أملا في بعض الأمان، ولكنها واجهت في مصر الكثير من المصاعب، وتعرضت للاعتداء الجنسي من محصل الكهرباء، لولا تدخل الجيران، وفي قسم الشرطة شرع الجميع في التضرع إليها بعدم اتخاذ اجراء قانوني بدعوى أن “الرجل غلبان”، وبالنهاية اضطرت لتغيير سكنها خوفا من انتقامه.

وبشكل خاص تهرب الإريتريات من بلادهن بصحبة أبنائهن. حيث يعمل أزواجهن بالجيش. ومع كثرة الهاربين من الخدمة العسكرية، يلجأ ضباط الجيش إلى القبض على زوجاتهن الاتي يتم اغتصابهن. فضلا عن العمل في بيوت القادة العسكريين كخدم بشكل أقرب للاسترقاق.

لاجئات تتعرض للعنف الجنسي في مصر
لاجئات تتعرض للعنف الجنسي في مصر

 الوضع الاجتماعي والاقتصادي

تعاني السيدات تحديدا بسبب وضعهن الضعيف مجتمعيا عديدا من العقبات. يضاف إليها إشكاليات اللجوء، ومصاعبه الجمة، في ظل محدودية المساعدات المقدمة من المفوضية المعنية بشؤون اللاجئين، والإمكانيات الضعيفة للمنظمات المعنية.

وبما إن جرائم العنف الجنسي هي جرائم الفروق الطبقية والاجتماعية بالأساس. فإن الكثيرات منهن عرضة لمحاولة واحدة على الأقل، لشكل من أشكال الاعتداءات الجنسية، خاصة في ظل خوف أغلبهن من عواقب البوح.

وخلال العام الماضي، تقدمت لاجئتان سودانيتان شقيقتان ببلاغ للنائب العام، تتهمان فيه محاميا وناشطا نوبيا ولاجىئا سودانيا، باغتصابهما في عام 2019 في مكتب المحامي المشكو في حقه بوسط القاهرة.

كما تم اتهام المحامي المذكور بالإتجار في البشر. من واقع استغلال سلطته كمحامي للاجئين، خاصة في ظل عدم وجود أوراق إقامة للأختين، فضلا عن خوفهما من الانتقام وإلغاء أوراق قبولهما بالمفوضية، وهو الاتهام الذي أنكره.

وعن ذلك تقول الفتاة لأحد المواقع الاخبارية المستقلة: «لما المحامي عرف إني قدمت شكوى استخدم لاجئة سودانية تانية تقول إني كذابة وأن فيه علاقة بتربطنا. هو بيقول إن العلاقة كانت بالتراضي، هو بيكذب، مكانتش بالتراضي. بيقول إني باعمل كدة عشان ملف التوطين، أنا بعمل ده عشان آخذ حقي».

ويعد لجوء اللاجئتين إلى المسار القانوني من الحالات النادرة. حيث يخاف أغلبهن من الانتقام، أو تعطيل أوراقهن، ومن ثم ترحيلهن إلى بلادهن الأصلية.

لاحقا ترددت أنباء عن محاولة انتحار الفتاة بعد تعرضها لحملات تشويه. وتكذيب من جانب المتهمين، فدخلت في حالة اكتئاب شديدة.

1231 حالة عنف جنسي 

وفقاً لتقرير مفوضية اللاجئين في القاهرة “خطة استجابة مصر لدعم اللاجئين، وملتمسي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء والعراق واليمن 2019”. تلقت المفوضية وهيئة الإغاثة الدولية “كير”. 1231 حالة تعرض للعنف الجنسي، والعنف القائم على نوع الجنس من الأفارقة والجنسيات الأخرى، وهو ما يشكل 81% من إجمالي الحالات المبلغ عنها خلال العام.

وتشمل هذه الحالات: 696 حالة اغتصاب، و239 حالة اعتداء جنسي، و155 حالة اعتداء جسدي، و109 حالة إيذاء نفسي/عاطفي، بالإضافة إلى 28 حالة زواج قسري.

وفي الواقع لا تقتصر الظاهرة على مصر فقد رصدت الجهات الدولية تفاقمها عبر العديد من بلدان العالم.

المنطق الطبقي للأزمة

ابتهاج عثمان إحدى المبادرات والناشطات السودانيات في قضايا اللاجئين في مصر. تشير إلى تواضع دخول أغلب اللاجئين، وارتفاع نسب النساء والأطفال بينهن. ما يضطرهن للسكن في أماكن شعبية، متواضعة طبقيا، مما يعرضهم لكافة أشكال الخطر بدءا من التحرش لفظا، وحتى الاختطاف، والاعتداء الجنسي.

وتتركز تجمعات اللاجئين داخل القاهرة في مناطق مثل عين شمس، وأرض اللواء، وفيصل.

وتشتكي عثمان من صعوبة التعامل مع أقسام الشرطة حيث يتم تأخير الإجراءات القانونية، بشكل لا يمكن اللاجئات من إثبات الوقائع ضدهن.

طول الإجراءات والعناية الصحية

والتأجيل وطول الإجراءات هي ما تعانيه أغلب اللاجئات حتى في التعامل مع المفوضية، بشكل يصبح أكثر خطرا في حال كانت المشكلة صحية، فالمساعدة الطبية ليست متوفرة طوال الوقت، حيث لا تتيح المفوضية أي مستشفيات خاصة ولكن يتم التعامل في حدود بعض المستشفيات الحكومية، التي تعاني ازدحاما شديدا وضعف الإمكانيات الطبية.

وفي حالات الولادة فوفقا لعثمان يتم عن طريق كنيسة الزمالك، ولكن بشرط وجود أرواق، وهو مالا يتوافر للكثيرات، مما يعرض حياتهن للخطر.

وتعاني الكثيرات منهن من مشاكل لها علاقة بالصحة الجنسية للسيدات، وضعف الإمدادات، قد توفر بعض المنظمات المساعدة فوطا صحية على سبيل المثال، ولكن يأخذ الأمر ردحا من الزمن حتى في أقل التفاصيل، كما أن مبلغ المساعدات لا يتخطى 1500 جنيه لأسرة تتكون من أربعة أفراد أو خمسة.

المفوضية ودور محدود

في الوقت نفسه لا توفر المفوضية أي دور رعاية للأطفال، فلا يستطيع أغلبهن العمل، حيث لا يجدن أماكن آمنة لترك أطفالهن، مما يزيد من صعوبة الوضع الاقتصادي، وفي أوقات “كورونا” أغلقت المفوضية أبوابها، ولاقى اللاجئون صعوبة في الوصول إليها عبر الايميلات، أو الهاتف، كما تعطلت المنح المالية المقدمة إليهم.

ويضطر أغلبهن إلى العمل بالمنازل خاصة المخالفات لأوراق الإقامة، وفي المنازل يسوء الوضع فيتعرضن للانتهاك الجنسي، بكافة أشكاله، حيث يستغل بعض أرباب العمل ضعف وضعهن.

تروي مريم “اسم مستعار” تعرضها للعديد من الانتهاكات الجنسية داخل المنازل، وفي المرة الأخيرة رفض أرباب المنزل دفع الأجر، كما تعرضت للضرب، والإهانة على يد ربة المنزل، كما إنها لم تستطع اللجوء إلى قسم الشرطة حيث لا تملك أوراقا ثبوتية.

كانت تقارير حقوقية عدة قد تناولت معاناة العاملات الأجانب في المنازل فى مصر، وأوصت بتفعيل استخدام القانون رقم 64 لسنة 2010 بشأن منع الاتجار بالبشر وتفعيل أساليب الوقاية من الظاهرة وحماية ضحاياها.

غياب التأهيل النفسي

كل هذه الانتهاكات يحتاج الخروج منها عملية تأهيل نفسي مكثف. وبحسب القائمين على مبادرة “بره السور”. فإن التأهيل النفسي بالمفوضية شديد المحدودية حيث تقف اللغة كعائق أمام التعامل مع اللاجئات. كما أن منظمات المجتمع المدني التي تهتم بتلك الحالات قليلة ومحدودة الإمكانيات، وجميعها تعتمد على الجهود الذاتية.

وتشير أرقام مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لعام 2019. إلى أن مصر تستضيف نحو 254 ألفاً من طالبي اللجوء الذين ينتمون إلى 56 دولة. بينهم 129 ألف لاجئ سوري و47 ألف لاجئ سوداني. و19 ألفاً آخرين من جنوب السودان. و18 ألفاً من إريتريا و16 ألفاً من إثيوبيا وتسعة آلاف من اليمن وستة آلاف من العراق ومثلهم من الصومال.