مستلهما أرواح زعماء النضال ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، اشتبك الدبلوماسي الجنوب أفريقي الشاب ليزيبا ماشابا، مع قوة من جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين حاولوا منع المزارعين الفلسطنيين من قطف ثمار الزيتون في بلدة قريبة من مدينة بيت لحم بالضفة الغربية قبل أسابيع.

أعطى ماشابا وهو القائم بأعمال سفير جنوب أفريقيا لدى السلطة الفلسطينية، درسا في الإنسانية لقوة الاحتلال التي أصرت على طرد الفلسطنيين من مزارعهم في بلدة تقوع شرق بيت لحم، وصرخ في قائدهم قائلا: «لقد جئنا هنا لنقف على معاناة المزارع الفلسطيني.. لماذا تضايق هؤلاء الناس؟.. لماذا تعتدون عليهم وهم لا يفعلون شيئا سوى قطف الزيتون؟.. كيف يمكن لهذا أن يكون خطيرا؟.. هذا المزارع يحمل دلوا بينما تحمل أنت سلاحا».

الجندي الإسرائيلي رد على الدبلوماسي الجنوب أفريقي قائلا: «أنت تحمل جواز سفر دبلوماسي.. وأنا أسألك هل من حقك منحهم الإذن بقطف الزيتون؟ غير مسموح لك بذلك.. لقد جئت لافتعال المشاكل».

كان مدير بلدة تقوع قد دعا ماشابا ونشطاء آخرين إلى فعالية للتضامن مع المزارعين الفلسطنيين الذين أصروا على قطف زيتونهم رغم التهديدات الإسرائيلية بمنع الاقتراب من هذه المنطقة.

قوة الاحتلال هددت بإنهاء الفعالية التضامنية بالقوة إن لم يرحل الدبلوماسي الغربي ومن معه، وعندما رفض ماشابا تلك التهديدات، أصدر قائد القوة أوامره لجنوده فأطلقوا قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع، واحتجزوا الدبلوماسي الجنوب أفريقي، ومعه عددا من نشطاء مقاومة الجدار والاستيطان والمزارعين.

انتهت الواقعة التي تم توثيقها صوتا وصورة في مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع خلال الأيام الأخيرة، ومع تداول المقطع عبر مواقع التواصل الاجتماعي استدعى الفلسطنيون والعرب في تعليقاتهم مواقف دولة جنوب أفريقيا التي وصفوها بأنها «أكثر عروبة من بعض العرب»، وذكروا مواقف زعمائها الذين ناضلوا ضد نظام الفصل العنصري في بلادهم وعلى رأسهم نيلسون مانديلا، أوليفر تامبو، وولتر سيسولو، وأحمد كاثرادا، وغيرهم ممن دعموا نضال الفلسطنيين وحقوقهم منذ خمسينيات القرن الماضي.

في تصريحات لاحقة قال ماشابا إن أسلافه مروا بنفس الظروف التي يعاني منها الفلسطنيون، «يعاني أهل فلسطين من اضطهاد وفصل عنصري وتمييز كما عانينا»، واصفا التجربة التي مر بها بمزارع الزيتون بإنها «تجربة فظيعة».

وأضاف: «هكذا كانت دولة جنوب أفريقيا في القديم.. دولة أبارتهايد (فصل عنصري) لا تحترم الإنسان ولا القانون، وللأسف تقف المنظومة الدولية عاجزة أمام هذه الانتهاكات»، واعدا بأن يستمر هو ودولته في النضال من أجل حقوق الشعب الفلسطيني حتى يقيم دولته المستقلة.

موقف جنوب أفريقيا الداعم للقضية الفلسطينية ليس جديدا ولا غريبا، فأصحاب الهم الواحد، ساند كل منهما الآخر منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، اجتمع خليل الوزير ممثل حركة فتح الفلسطينية بمسئول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الجنوب أفريقي ورئسيه اللاحق أوليفر تامبو في الجزائر عام 1965.

وتشاركت حركات التحرير الفلسطينية مع الحركة الوطنية الجنوب أفريقية منصة مبادئ وأهداف واحدة، تلخصت في السعي إلى الحرية والاستقلال والمساواة وتحقيق تقرير المصير، وإنهاء كافة أشكال السيطرة بالإكراه، سواء أكانت عبر الاحتلال الإسرائيلي أو عبر تشريع نظام الفصل العنصري، المعروف اختصارا بنظام «الأبارتهايد».

وكما أكد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من على منصة الأمم المتحدة عام 1974 على حق الشعب الجنوب أفريقي في الحرية والمساواة والحياة الكريمة، معلنا إدانته لنظام الأبارتهايد البائد، ووقوف الشعب الفلسطيني وتضامنه المطلق مع شعب جنوب أفريقيا، شدد المناضل الأممي الكبير الراحل نيلسون مانديلا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في بلاده في منتصف تسعينيات القرن الماضي على أن «حرية جنوب أفريقيا ستبقى منقوصة ما لم تحصل فلسطين على حريتها».

وأخيرا كان لدولة جنوب أفريقيا موقفا مناهضا لمنح إسرائيل صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي، وخاضت مع دولة الجزائر معركة ضد القرار الذي أصدره رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ومنح به دولة الاحتلال تلك الصفة في شهر يوليو الماضي.

كان التشادي موسى فقى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي قد أعلن في يوليو الماضي أنه قبل إسرائيل كمراقب في الاتحاد وفقا لطلبات تقدمت بها بعض دول القارة إلى المفوضية، مبررا موافقته بأن «ثلثي دول القارة استعادوا علاقاتهم بإسرائيل».

أعلنت جنوب أفريقيا حينها أنها ضد هذا القرار «غير العادل وغير المبرر»، ووصفت وزارة العلاقات الدولية والتعاون الجنوب أفريقية في بيان لها القرار بأنه «صادم للغاية، حيث صدر في عام، كان فيه الشعب الفلسطيني المظلوم مطاردا بالقصف المدمر واستمرار الاستيطان غير القانوني للأرض».

ولفت البيان إلى أن الاتحاد الأفريقي «لم يأخذ موافقة الدول الأعضاء قبل هذا القرار»، مشيرا إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين «تتناقض مع ميثاق الاتحاد الأفريقي والأسس التي اجتمع عليها».

وظلت جنوب أفريقيا مع الجزائر و5 دول أخرى، تدفع في اتجاه رفض منح إسرائيل صفة مراقب، حتى أرجأ المجلس التنفيذى للاتحاد الأفريقي في أكتوبر الماضي اتخاذ قرار في هذا الشأن إلى القمة الأفريقية المقرر عقدها فبراير المقبل.

وعليه فالتضامن الجنوب أفريقي مع القضية الفلسطينية وموقف الدبلوماسي الشاب تاشامبا ليس غريبا كما أسلفنا، لكن الغريب هو موقف العواصم الخليجية التي سارعت من هرولتها في اتجاه تطبيع العلاقات مع تل أبيب ودعم اقتصاد دولة الاحتلال التي لاتزال آلياتها العسكرية تقتل الفلسطنيين وتقصف منازلهم وتجرف أراضيهم.

الاتفاق العسكري بين دولة الاحتلال والمغرب جاء بعد عام من تطبيع البلدين علاقاتهما بمقتضى اتفاق ثلاثي تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأميريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

تروج تلك العواصم لما يسمى بـ«السلام الإبراهيمي» مع الكيان الصهيوني الغاصب وتدعو باقي الدول العربية سرا وعلانية إلى الانضمام لقطار التطبيع مع القاتل، متجاهلة دماء ضحاياه التي يأبى الاحتلال ألا تجف، فله في كل عام جريمة وكل مدينة وقرية فلسطينية ثكلى ويتامى جراء القصف الذي لم يتوقف منذ أن وطأت أقدامه هذه الأرض.

تظن تلك العواصم أن قربها وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل سيمنع عنها الأذى الإيراني، لا تعلم أن تل أبيب على استعداد أن تبيعهم لطهران لو توافقت المصالح وتوزانت القوى.

الأغرب والذي لم يكن يرد على خيال أحد، ما ذهبت إليه المملكة المغربية الإسلامية قبل أيام، عندما وقعت اتفاقا أمنيا عسكريا مع دولة الاحتلال، «يمنح إسرائيل دفعا قويا»، على ما قال بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي قبل أن يغادر المغرب.

المغرب توقع مع الاحتلال الإسرائيلي اتفاق تعاون عسكري
المغرب توقع مع الاحتلال الإسرائيلي اتفاق تعاون عسكري

رسم الاتفاق، الذي وقعه غانتس والوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي، التعاون الأمني بين البلدين «بمختلف أشكاله في مواجهة التهديدات والتحديات التي تعرفها المنطقة»، وفقا لوكالة فرانس برس، التي أشارت إلى أن الاتفاق «سيتيح للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا بسهولة، إضافة إلى التعاون في التخطيط العملياتي والبحث والتطوير».

قبيل ساعات من توقيع الاتفاق، ذهب الوزير الإسرئيلي إلى مدافن العائلة المالكة المغربية، ووقف أمام ضريحي الملك محمد الخامس والملك الحسن الثاني، وطلب مباركتهما للاتفاق وللسلام بين دولته والمملكة.

وقبل أن يغادر، وفي حدث غير مسبوق، شهد غانتس مع عدد من جنوده صلاة يهودية في كنيس «تلمود التوراة» بالرباط، للدعاء من أجل الجيش الإسرائيلي. وهي الخطوة التي وصفتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» بأنها «حدث نادر، وهو أن تسمع صلاة من أجل رفاهية جنود جيش الدفاع الإسرائيلي في بلد عربي، لا سيما عندما يكون بحضور جنود إسرائيليين».

الاتفاق العسكري بين دولة الاحتلال والمغرب جاء بعد عام من تطبيع البلدين علاقاتهما بمقتضى اتفاق ثلاثي تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأميريكية بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، المتنازع عليها مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

الاتفاق يستهدف بالأساس الجزائر الجارة العربية للمغرب، بحسب عبد المجيد تبون الرئيس الجزائري، الذي أعرب عن أسفه لاتفاق المغرب مع إسرائيل، مؤكدًا أن «تهديد الجزائر من المغرب خزي وعار ولم يحدث منذ 1948».

ولفت تبون إلى تصريحات نقلتها وسائل إعلام مغربية عن وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، قال فيها «نحن نتشارك مع المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران وهي تقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب».

الخزي والعار، الذي أشار إليه الرئيس الجزائري، سيلاحق كل من استعان بأعدائه ليواجه أشقاءه وجيرانه.. الخزي والعار سيلاحق كل من راهن أن التطبيع مع عدو العرب الأول سيحفظ له أمنه واستقراره.