قرر البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد «أفريكسيم بنك» إطلاق برنامج لتمويل صناعة السينما في أفريقيا. وذلك بإنتاج الأعمال الفنية والابتكارات بأنواعها المتعددة. وبتمويلات تصل إلى نصف مليار دولار سنويًا بصفة مبدئية. تعزيزًا لفرص القارة في تعزيز دخلها القومي من صناعة الترفيه. إذ يستهدف البرنامج تمويل الأفلام السينمائية والوثائقية والأعمال الابتكارية. وتشمل الفنون، والأزياء، والأفكار الإبداعية، إلى جانب كل ما يندرج تحت الابتكار، بهدف تنمية المجال. مع وضع التجربة الهندية التي تحولت فيها صناعة السينما لمصدر رئيسي لتوفير العملة الصعبة في عين الاعتبار.
الهند ومصر.. مقاربة بين النموذجين الأشهر بصناعة السينما
في 2020، وصل حجم صناعة السينما في الهند إلى نحو 138 مليار روبية (أي نحو 2 مليار دولار). بينما تجاوز عدد التذاكر المباعة سنويًا ملياري تذكرة (نصفه تقريبًا يأتي من مدن الجنوب الهندي). وقفز الإيراد السنوي للأعمال الهندية إلى 131 مليار روبية أي (1.6 مليار دولار) في 2019. وذلك مقابل 68 مليار روبية (نحو 965 مليون دولار في 2010).
ظلت السينما المصرية من أهم موارد الدخل لمصر في بدايات القرن الماضي. حينما كانت مصر تنتج 100 فيلم في المتوسط سنويًا. بينما أصبحت في الأربعينيات والخمسينيات ثاني مصادر الدخل في الاقتصاد المصري بعد القطن. ذلك قبل أن تتناقص تدريجيًا وتصل إلى 20 فيلمًا سنويًا في المتوسط.
كانت السينما المصرية ثاني أهم سينما في العالم بعد سينما هوليوود. ودعم ذلك نشأتها العريقة مع إنشاء ستوديو مصر عام 1934 على يد طلعت حرب. لكنها تراجعت حاليًا لتصبح في مراتب دول أحدث في النشأة مثل الهند ونيجيريا.
وواصلت السينما المصرية ازدهارها في الستينيات مع تبنيها من قبل الدولة في حربها ضد الملكية. فتم تأسيس 5 شركات متخصصة في الإنتاج والتوزيع والتسويق داخليًا وخارجيًا. وقد تناولت جميع المجالات من الريف والطبقات المهمشة حتى الأثرياء. فيما كانت النكسة عاملاً أساسيًا في تراجع الإنتاج السينمائي وصولاً إلى 20 فيلمًا في المتوسط.
صناعة السينما النيجيرية.. 80% من إنتاج أفريقيا
يعود تاريخ السينما النيجيرية إلى أواخر القرن الـ19. إلا أنها انطلقت بقوة في ستينيات القرن الماضي، بعد استقلال نيجيريا عن بريطانيا. وقد استفادت من مناقشة قضايا محلية للدول المجاورة. مثل الفقر المدقع الذي يدفع الأشخاص إلى التفكير في الهرب من أوطانهم إلى أوروبا، الأمر الذي جعل أفلامها تلقى رواجًا على مستوى النصف الجنوبي من القارة.
وتشبه السينما النيجيرية، حاليًا، السينما المصرية في أوج مجدها، بإنتاج متنوع بين الدرامي والغنائي والحركة والكوميديا والأعمال القصيرة والطويلة. إلى جانب التحديث المستمر مع خطة لتوزيع إنتاجها عبر الإنترنت، لتفادي تكاليف التسويق والتوزيع.
ويصح أن يطلق على السينما النيجيرية حاليًا أنها واجهة الفن في أفريقيا، بحجم إنتاج يصل إلى 80% من إنتاج أفريقيا السينمائي. فضلاً عن حجم إنتاج سنوي يتجاوز الألف فيلم. ما يعني أن ما تنتجه في أسبوع يعادل الإنتاج المصري في عام كامل.
ويظل انخفاض التكلفة الإنتاجية في نيجيريا سمة لصناعة السينما فيها. ذلك بتكلفة إجمالية لا تتعدى ربع مليار دولار سنويًا. لكنها تركز جهودها على الإنفاق على التسويق في القارة وأوروبا وأمريكا، بامتلاك دور عرض كاملة تعرض منتجها إلى جانب المنتج الغربي.
وقد قفزت صناعة السينما النيجيرية لتصبح الثانية عالميًا في حجم الإنتاج. وهي تأتي قبل السينما الأمريكية ذاتها. إذ قفز حجم مساهمتها إلى 5.1 مليار دولار في الناتج المحلي، لدولة تعتبر أسرع الاقتصادات نموًا في أفريقيا، جنوبي الصحراء الكبرى.
السينما النيجيرية تصل لـ 190 مليون شخص
ليس من المبالغة ذكر أهمية «نوليوود» للاقتصاد النيجيري. فصناعة السينما النيجيرية تدر 600 مليون دولار سنويًا. بينما تحتل المرتبة الثانية بعد الزراعة في قائمة أكبر أرباب العمل في نيجيريا. خاصة مع اتساع قنوات التوزيع، وانطلاق منصة Netflix كقنوات تمويل جديدة لصانعي الأفلام الشباب.
وتصنف بعض الأفلام النيجيرية حاليًا ضمن الأفضل في أفريقيا. ومن تلك الأفلام فيلم 76 الحنين إلى الماضي، الذي استدعى فيه منتجو الفيلم بالأزياء والعملات والسيارات والأدوات المنزلية والموسيقى التصويرية أجواء انقلاب 1976. وتم عرضه في 76 عرضًا لأول مرة في كندا ولندن ونيجيريا.
تقدم نيجيريا خدماتها لنحو 190 مليون شخص، شهيتهم للترفيه ليست شيئًا جديدًا. وهو أمر عزز في العقدين الأخيرين الرغبة في إنتاج أفلام قادرة على المنافسة على مستوى عالمي. ليس فقط على مستوى القصة الجيدة، ولكن جودة الصورة القياسية أيضًا.
وتقدم الحكومة النيجرية دعمًا كبيرًا لشركات التوزيع الصغيرة من أجل صناعة السينما. وفي سبيل ذلك، تعاقدت مع شركات عالمية في مجال التقنية والهواتف المحمولة. ومن هذه الشركات «آبل» الأمريكية، لتوزيع أعمال نيجيرية مقابل نسبة تقترب من 33% من العائد.
ويستفيد المنتج النيجيري من حضور كبير في الفعاليات الدولية. وقد استطاعت صناعة السينما النيجيرية خلق سوق واسعة، تجاوزت اعتبارات اللغة. فالإنجليزية هي اللغة الرسمية بالبلاد. ما يجعل منتجها مفهومًا من قبل جمهور السينما في العالم كله.
واقع السينما المصرية
لا يمكن تقدير الإيراد السنوي لصناعة السينما في مصر حاليًا. ذلك لأنه يتعرض لتذبذب مستمر. لكن في 2015 بلغ الإيراد السنوي 177 مليون جنيه، ارتفعت إلى 257 مليونًا في 2016، و316 مليونًا في 2017، و396 مليونًا في 2018، و633 مليونًا في 2019.
ورغم ذلك الارتفاع النسبي، إلا أن الإنتاج المصري يعاني منذ سنوات ظاهرة القرصنة الإلكترونية، التي دفعت بقطاع من المنتجين للخروج من السوق. فدخول أحد المشاهدين بكاميرا صغيرة وتصوير العمل ورفعه على الإنترنت، كفيل بخفض إيراد الفيلم بنسبة 60% على الأقل.
ويبلغ عدد شركات السينما العاملة في مصر حاليًا نحو 400 شركة. وتعد صناعة السينما في مصر من الصناعات كثيفة العمالة. إذ يعمل بها ما لا يقل عن نصف مليون عامل، 40% منهم بمرتبات ثابتة، و60% عمالة متغيرة، ترتبط بصناعة الأفلام بكل مراحلها وكل تخصصاته.
كانت الأجيال القديمة في مصر أكثر ذكاءً في التعاطي فنيًا مع أفريقيا، فاستهدفتها بأعمالها، حتى أن أوبرا عايدة الأشهر في تاريخ الأوبرا المصرية، تمت كتابتها لتستهدف القارة بقصتها عن وقوع قائد الجيش المصري «راداميس» في علاقة حب مع الأميرة الحبشية عايدة التي أسرها.
يشكو كتاب السيناريو في مصر من غياب الشركات الإنتاجية التي تتبنى مشروعاتهم، وتفصيلها المضامين الخفيفة قليلة التكلفة حتى لو التهم نجومها الجزء الأكبر من العملية الإنتاجية. وهي مشكلة في الصناعة لن تؤدي إلى تطور في المنافسة أو الوصول لمنتج قادر على جذب الانتباه عالميًا.
عودة السينما المصرية لصدارة أفريقيا تتطلب نقلة على مستوى الكم والكيف معًا، إلى جانب عودة الدولة للإنتاج السينمائي ودعمه، حتى يمكن للسينما المصرية العودة إلى المرتبة الثانية في مصادر الدخل القومي. فهي صناعة واستثمار قبل أن تكون ترفيهًا.