القاعدة تقول إنه يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتعايش مع فشل عملياتي، لكن ليس مع ضابط زير نساء. هذا ما كشفته الأيام الماضية مع تدفق الشهادات عبر حملة «أنا أيضًا/ #Metoo» لمجندات تعرضن للاعتداء والتحرش الجنسي على يد قادتهم العسكريين. وذلك على وقع أحدث الجرائم التي أدين بها جندي متمركز مع وحدة تابعة لنظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي. وقد فتحت الباب للتساؤل حول إيمان الإسرائيليات الذي يكاد يفقد بجيش، لطالما حشدته تل أبيب في مواجهة مخاوفها من جيرانها الإقليميين.

في خريف 2017 أطلقت حركة “مي تو/ أنا أيضًا” الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو كوسم عبر تويتر للتواصل الاجتماعي. وقد حظي الوسم بتفاعل عالمي أججه شروع عدد من النساء برواية قصص تحرّش تعرضن لها في حياتهن. وتحّول الوسم إلى انتفاضة نسائية عمت أرجاء العالم.

 

الفضائح الجنسية بالجيش الإسرائيلي منذ 2001

المقدم دان شاروني الذي وضع رهن الاعتقال في وقت سابق من هذا الشهر، لم يكن الأول في مسلسل فضائح الجيش الإسرائيلي. وفق ما رصده موقع «ذا ميديا لاين» الأمريكي، المتخصص بأخبار الشرق الأوسط. والذي وصف هذه الأزمة بأنها «تكشف حقيقة إشكالية كبرى ممتدة منذ العام 2001 داخل جيش الاحتلال». ذلك حينما أدين وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إسحق مردخاي قضائيًا بتهمة التحرش الجنسي في قضيتين مرفوعتين ضده.  

وفي الأسبوع الماضي، أدلى قائد سجن جلبوع، فريدي بن شطريت، بشهادته أمام لجنة حكومية، اطلعت أيضًا على تقارير من عام 2018، تفيد بأن المجندات اللاتي كن يؤدين خدمتهن العسكرية في السجن، طلب منهن إغواء الأسرى الفلسطينيين، وتعرضن عمدًا لخطر الأذى في السجن، من أجل الحصول على تنازلات من الأسرى. 

وفي أكتوبر الماضي أيضًا، أُدين ضابط آخر في جيش الاحتلال باغتصاب امرأة فلسطينية والابتزاز الجنسي. كما اتُهم بالتحرش بجنديات. الأمر الذي دفع إحدى أمهات هؤلاء الفتايات إلى التصريح لوسائل إعلام إسرائيلية بـ«لم نعد نؤمن بالجيش الإسرائيلي بعد الآن. الشعور صعب للغاية».

الفضائح الجنسية تهدد إلحاق النساء بالجيش

يرى العقيد رونين إتسيك، وهو خبير في العلاقات بين الجيش والمجتمع، خدم كقائد لواء مدرع في جيش الاحتلال، أنه على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي قد أحرز تقدمًا في مكافحة التحرش الجنسي خلال العقود القليلة الماضية. إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. وهو يشير إلى فساد في إجراءات مساءلة المتهمين بهذه الجرائم، لغرض تلافي الضجة الإعلامية. إذ أن هناك شائعات وأحاديث عن عمليات تجميد تخضع لها هذه القضايا. خاصة عندما تنتهي التحقيقات إلى طاولة شخص كبير. «حينها يحاولون التخلص من القضية، حتى لا يكون هناك ضوضاء»، على حد قول إتسيك.

ضابط إسرائيلي خلال محاكمته عن اغتصاب امرأة فلسطينية
ضابط إسرائيلي خلال محاكمته عن اغتصاب امرأة فلسطينية

وقد ألمح وزير الاستخبارات إليعازر شتيرن، في تصريحات الشهر الماضي، صراحة إلى هذا الفساد في مساءلة المتحرشين داخل الجيش. حين قال في مقابلة، إنه عندما كان رئيسًا لمديرية القوى العاملة في الجيش «كان يمزق شكاوى مجهولة المصدر ضد الجنود».

وقد تم إغلاق نحو 84% من قضايا الجرائم الجنسية في 2019 من قبل مكتب المدعي العام دون محاكمة، بحسب جمعية مراكز أزمات الاغتصاب الإسرائيلية. في حين أن 16% فقط من القضايا انتهت بإصدار لائحة اتهام. بينما يشير العدد المتزايد من الشكاوى عبر حملة «أنا أيضًا» إلى أن ضحايا التحرش الجنسي الإسرائيليين، جنودًا ومدنيين، يرفضون إسكاتهم.

اختبارات كشف المتحرشين

إن التخوف الإسرائيلي الأكبر يتعلق بامتداد الآثار المحتملة لهذه الفضائح الجنسية إلى تعزيز وإمكانات دمج النساء في الجيش. تقول العقيد احتياط، ميري إيسين، التي خدمت في الاستخبارات الإسرائيلية، إنه على الرغم من تغلب الجيش الإسرائيلي على هذه المشكلة بفضل التشريعات وتنفيذها خلال السنوات الماضية. فإن الفضيحة الأخيرة قد تستخدم بشكل واسع كأداة ضد إلحاق النساء بالجيش الإسرائيلي.

هنا، يقول إتسيك: «عندما جُنّدت في الجيش، اعتاد قائد اللواء اختيار مديرة مكتبه بناءً على مظهرها. إلا أن هذا الأمر تغير الآن. فقد مر الجيش الإسرائيلي بتغييرات مهمة، كما فعل المجتمع الإسرائيلي كله. هذه القواعد لم تعد مقبولة ولا يمكن تصورها بعد الآن». وهو يلفت إلى أنه بالمقارنة مع الماضي، هناك انخفاض كبير في الجرائم المتعلقة بالجنس. ويربط ذلك بمستوى الوعي، وتقدير الرجال للمرأة أكثر من ذي قبل.

ووفق إتسيك، فإنه كان ينبغي منع المقدم دان شاروني -المتهم الأخير- من خلال العديد من عمليات الفحص التي تجرى على قادة الجيش من رتبته. وتتضمن هذه العمليات الخضوع لأجهزة كشف الكذب، والتحدث إلى المتخصصين. إلى جانب الخضوع لاختبارات أخرى تهدف إلى تحديد المنحرفين داخل الجيش لاستبعادهم. وهو ما يبدو أنه فشل في قضية شاروني.