بينما تتراوح تكلفة استصلاح الفدان الواحد من الأراضي الصحراوية القابلة للزراعة من 200 إلى 300 ألف جنيه، تفقد الأراضي الزراعية في مصر 4 أفدنة في الساعة الواحدة، نتيجة للتصحر. ما يضع مصر في التصنيف الأول كأكثر دول العالم تصحرًا، فمصر هي صحراء بنسبة 96%، وهي دولة الصحراء رقم واحد في العالم، بحسب دراسة أعدتها الأمم المتحدة لتصنيف دول الحزام القاحل، في منتصف القرن الماضي.

لا يعني هذا التصنيف أن مصر بها مساحات صحراوية أكبر من غيرها من البلدان. بل هي تتسم بظروف مناخية تجعل أراضيها أكثر تصحرًا من غيرها، كما يوضح الدكتور سامر المفتي، الأمين العام السابق لمركز بحوث الصحراء. فـ 86% من أراضي مصر تقع تحت تصنيف شديدة القحوولة، و14% تصنف كأراض قاحلة.

الأراضي شديدة القحولة هي التي تستقبل معدلات أمطار أقل من 100 ميليمتر على المتر المربع. أما القاحلة فهي التي تستقبل معدلات أمطار أقل من 250 ميليمتر على المتر المربع. ويبلغ المتوسط العام السنوي للأمطار في مصر 10 مليمتر فقط على المتر المربع. ذلك وفق ما أفاد به الدكتور سامر المفتي، الذي قال إنه ليس هناك منطقة في العالم تدنت فيها معدلات الأمطار كما في مصر.

تضع هذه الحقائق مصر أمام تحديات كبيرة تهدد أمنها الغذائي، وأزمات لن نبالغ إن قولنا إنها تتلاعب بمستقبلها.

ما هو التصحر وما هي أسبابه؟

التصحر هو تردي الأراضي الزراعية والرعوية في المناطق الجافة وشبه الجافة، التي تتسم تربتها بالهشاشة الشديدة. حيث تَضعَف قدرة الأرض على الإنتاج وتفقد خصوبتها. وذلك إما بشكل جزئي، بانخفاض إنتاجيتها جراء عدد من العوامل. أو بشكل كلي فتخرج نهائيًا من كونها أراض زراعية أو رعوية، لتتحول إلى شبه صحراوية. إذن التصحر بتعريف بسيط إما أن الرقعة الزراعية قد ضعفت إنتاجيتها نسبيًا نتيجة لتدهور خصوبة التربة. أو أنها خرجت نهائيًا من الإنتاج بعد فقد التربة الخصوبة نهائيًا. أو لأسباب أخرى بشرية كالبناء على الأراضي الزراعية.

تتعدد وتتداخل العوامل المؤدية للتصحر. فهناك عوامل مناخية، وأخرى متعلقة بالنشاط والممارسات البشرية.

 النشاط البشري الضار في التعامل مع الأراضي الزراعية والمناطق الرعوية هو أيضًا أحد أهم عوامل التصحر.
النشاط البشري الضار في التعامل مع الأراضي الزراعية والمناطق الرعوية هو أيضًا أحد أهم عوامل التصحر.

عوامل التصحر المناخية

بعض هذه العوامل يرتبط بالطقس الجاف، حيث تزداد درجات الحرارة وتقل الأمطار، ما يتسبب في جفاف الأرض، وبالتالي تصحرها. كذلك الرياح الشديدة التي تجرف الكسبان الرملية إلى الأراضي الزراعية والرعوية. الأمر الذي يقضي على الغطاء النباتي، وعلى الكائنات التي تتغذى على هذه النباتات، ويهدد التنوع البيولوجي والتوازن الأيكولوجي.

ويتسبب الانجراف المائي نتيجة الأمطار والسيول في التصحر. حيث تجرف مياه الأمطار والسيول في طريقها المواد العضوية والعناصر الغذائية من التربة. لتستقر في النهاية في البحر الأحمر أو في قاع الوديان، كما يحدث في الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء، حيث لا تتوفر طرق الاستفادة من تلك المياه.

 النشاط البشري الضار في التعامل مع الأراضي الزراعية والمناطق الرعوية هو أيضًا أحد أهم عوامل التصحر.

الري السطحي

ويتخذ النشاط البشري أشكالاً مختلفة، منها نظم الري، حيث تتعرض الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا لعملیات تعریة وتجريف جراء الري السطحي، والري بالمیاه المخلوطة بمیاه الصرف الزراعي، وهي مياه زات نسبة ملوحة عالية، يؤدي إغراق الأراضي الزراعية بهذه المياه فيما يعرف بالري السطحي، إلى «تطبیل» التربة وزيادة نسبة الأملاح بها. في ظل الاستخدام الكثيف للأسمدة الكيمياوية، والامتناع عن مد الأراضي بالسماد العضوي. خاصة مع عدم وجود أنظمة صرف ملائمة لهذه الأراضي.

الزحف العمراني

بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصـاء، بلغت مساحة الأراضي الزراعية 10.3 مليون فدان عام 2019، منها نحو 6 ملايين فدان ضمن ما يعرف بأراضي الوادى والدلتا، وهي الأراضي التي فقدت ما يقرب من مليون فدان منذ الخمسينيات جراء عوامل التصحر وعلى رأسها الزحف العمراني.

ويرى خبراء زراعيون أن تعويض المساحات التي يتم فقدها من الأراضي الزراعية بالدلتا والوادي عملية صعبة مكلفلة جدًا، رغم محاولات الدولة التوسع في استصلاح الأراضي الجديدة، لأن كل فدان فُقد يستلزم لتعويض جودته وإنتاجه استصلاح 4 أفدنة من الأراضي الجديدة.

الرعي الجائر والتحول للزراعات المطرية

تقدر البيانات الحكومية وتصريحات المسؤولين حجم مساحة المراعي في مصر بنحو  11 مليون فدان (وهي تفوق حجم مساحة الأراضي الزراعية)، وتتوزع المراعي في الساحل الشمالي الغربي وشبه جزيرة سيناء والبحر الأحمر وحلايب شلاتين، وتعتمد على مياه الأمطار.

إلا أن دراسات وأوراق بحثية تشير إلى أن هذه المساحة قد تضاءلت إلى النصف. ذلك بعدما تعرضت للتصحر، سواء بسبب ندرة الأمطار خلال السنوات الماضية، أو بسبب الرعي الجائر في ھذه الأراضي، والتي يتم تحميلها بعدد من رؤوس الماشية يفوق قدرتها الرعوية. ما يؤدي إلا تآكل الغطاء النباتي، إضافة لتحویل جزء كبير من المراعي الطبیعیة إلى زراعات مطریة. حيث تؤدي عمليات الحرث والتحضير للزراعات المختلفة لفقد الغطاء النباتي الطبيعي، وتدهور التربة التي لا تتحمل طبيعتها الهشة هذه العمليات. وهي بذلك تتعرض لفقد خصوبتها والتصحر تدريجيًا.

التصحر.. ما يفقده العالم وما تخسر مصر

يؤثر التصحر وتدهور الأراضي الزراعية سلبًا على حياة ما يزيد عن 3 مليار شخص، بحسب الأمم المتحدة. بينما تهدد الظاهرة أكثر من 50 مليون شخص بالتشريد.

ويخسر الاقتصاد العالمي ما يزيد عن 42 مليار دولار سنويًا، هي سعر المحاصيل التي كانت ستنتجها الأراضي التي يلتهمها التصحر. وفقدت الأراضي الزراعية في العالم نحو 2 مليار هكتار  منها ما يزيد عن 500 مليون هكتار في أفريقيا وحدها.

المخاطر البيئية

يؤدي التصحر إلى فقدان التنوع البيولوجي فالعديد من الحيوانات والنباتات لن تستطيع الحياة في ظل الظروف الجديدة التي سيخلقها التصحر. خاصة تلك الأنواع المهددة بالانقراض.

تدهور الأرض وفقد التربة لخواصها وتوقفها عن الإنتاج، يعني انحسار المساحات الطبيعية ما يزيد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالتالي يؤدي إلى موجات من الأحداث المناخية القاسية، مثل حرائق الغابات والجفاف والفيضانات، والعواصف.

وليست هذه المخاطر سوى قدر بسيط مما يمكن أن تتعرض له الأرض من كوارث مناخية، جراء تصحر الأرض.
وليست هذه المخاطر سوى قدر بسيط مما يمكن أن تتعرض له الأرض من كوارث مناخية، جراء تصحر الأرض.

 

وتواجه مصر مخاطر عدة جراء ظاهرة التصحر، فطبيعة الأراضي المصرية وظروفها المناخية حيث الأمطار القليلة والطبيعة الصحراوية ومحدودية الموارد المائية، المتمثلة بالأساس في مياه النيل، تجعل من الصعب تعويض الأراضي الزراعية التي تفقدها البلاد جراء عوامل التصحر المختلفة، باستصلاح مساحات واسعة.

ليست أراضي الوادي والدلتا المعرضة للتصحر، هي ما يهدد الأمن الغذائي المصري فقط، بل فقدان مصر لمراعيها الطبيعية نتيجة للتصحر خطر كبير.

خلال السنوات الماضية، تراجعت الثروة الحيوانية لمراعى مطروح من مليون رأس إلى 450 ألفًا. ويعيش في مراعي مطروح سلالات من أجود الأنواع، مثل الخروف البرقي، وسلالات نقية من الماعز والإبل.

كما تحتضن مراعي مطروح نحو مائتي ألف فدان من التين تعيش على مياه الأمطار، وكانت تحتل بإنتاجها المرتبة الثانية بعد تركيا، هذا فضلاً عما تمتاز به مطروح من منتجات زراعية متميزة كالنعناع الجبلي والزيتون وعنب «براني» والبطيخ المطروحى. وهذه المراعي هي إحدى سبل تأمين الغذاء، كما أنها موطن للتنوع البيولوجي، لكنها تقع ضمن المناطق المهددة بالتصحر.

جهود مصر في مكافحة التصحر

اختلاف العوامل التي تؤدي لظاهرة التصحر، يجعل طرق مكافحتها تتخذ أشكالاً مختلفة واتجاهات متعددة. إذ تصدت مصر بشكل جاد للزحف العمراني على الأراضي الزراعية في الوادي والدلتا، خلال السنوات الماضية.

وعدل البرلمان المصري في عام 2018 المادة 156 من قانون الزراعة، حيث نصت بعد تعديلها على أنه: «يعاقب على مخالفة أي حكم من أحكام المادة 152 من هذا القانون أو الشروع فيها بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على مليون جنيه وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات». وتحظر المادة 152 التي أشار إليها المشرع «إقامة أية مبان أو منشآت في الأراضى الزراعية، أو اتخاذ أية إجراءات في شأن تقسيم هذه الأراضي لإقامة مبان عليها».

وتواجه السلطات المحلية بأجهزتها المختلفة مخالفات البناء والتعدي على الأراضي الزراعية بشكل أكثر حزمًاـ وهو ما لم يكن موجودًا في السابق.

تحييد أثر تدهور الأراضي

اتبعت مصر سياسة تحييد آثار التصحر، باستصلاح مساحات صحراوية لتحل محل المساحات التي فقدتها الرقعة الزراعية نتيجة التصحر، وهي سياسة أممية متبعة في العديد من البلدان.

في عام 2016، أعلنت الحكومة المصرية عن مشروع «المليون ونصف فدان»، وهو المشروع الذي أسند إلى شركة «الريف المصري»، وتشمل دراسة المشروع التنفيذ على ثلاث مراحل الأولى استصلاح نصف مليون فدان، والثانية تشمل 490 ألف فدان، والثالثة تشمل 510 ألف فدان. وينفذ المشروع في ثماني محافظات: الوادي الجديد، قنا، أسوان، مرسى مطروح، جنوب سيناء، الجيزة، المنيا، الإسماعلية.

وحتى الآن لا توجد أرقام واضحة عن المشروع ولا المساحات التي تم استصلاحها.

وفي مطلع العام الحالي، أعلنتت الحكومة عن مشروع الدلتا الجديدة لاستصلاح مليون فدان، ويقع المشروع على محور روض الفرج / الضبعة، فى نطاق الحدود الإدارية لمحافظات مطروح والبحيرة والجيزة.

لكن نقص الموارد المائية يقف عائقًا في طريق التوسع في مشروعات الاستصلاح.

مشروع الدلتا الجديدة
مشروع الدلتا الجديدة

الجدار الأخضر

نشأت الفكرة في الصين ثم نفذتها نيجريا، وفي عام 2007 أعلنت الأمم المتحدة تنفيذ المشروع الذي يمتد إلى 20 دولة أفريقية من بينها مصر. والمشروع عبارة عن إنشاء جدار أخضر من الغابات الشجرية، بهدف إنقاذ مليوني فدان من الأراضي الزراعية عرضة للتصحر. حيث سيعمل الجدار على حماية الأراضي من أخطار سفي الرمال التي تؤدي إلى التصحر الجزئي ثم الكلي. ويعمل الجدار في أحد مهامه كمصدات للرياح، إضافة للفوائد البيئية والاقتصادية المتعددة للمشروع.

بدأ المشروع في محافظتي المنيا والفيوم، ونفذ منه نحو 15%، لكن نقص التمويل يقف عائقًا دون اتمام المشروع. وبحسب خبراء دوليين، فإن أحد معوقات أخرى تقف أمام تحقيق المشروع لأهدافه، منها نظرة الحكومات للمشروع على أنه مجرد عملية غرس أشجار لإنشاء الجدار الأخضر، وليس كونه مشروعًا تنمويًا اجتماعيًا بيئيًا مرتبطًا ارتباطًا أساسيًا بالتنمية المحلية ومبادرات مكافحة الفقر.

تنمية المراعي الطبيعية

أحد أهم مجهودات الحكومة المصرية لمواجهة التصحر، والتي تمت بتعاون دولي هي مشروعات تنمية المراعي الطبيعية. ومنها مشروع «حمى التحجير» لوقف الرعي الجائر. حيث يتم وضع علامات حدودية  على المراعي لايمكن تجاوزها، حتى تنمو النباتات المتنوعة التي تحتضنها المراعي، وبعدها تحدد مواعيد السماح بالرعي.

وخلال فترات الحظر، تقدم قروض عينية للأهالي من الجهات الدولية والمحلية المشاركة في مشروعات تنمية المراعي، على شكل 4 أطنان من الأعلاف لكل شخص، بشرط أن يتقدم المستفيد ببما يثبت ملكيته لقطيع من الماشية.

كما تقدم هذه المشروعات دعمًا تسويقيًا لمنتجات المراعى المصرية سواء  الحيوانية مثل الخروف البرقي، أو الزراعية مثل البطيخ المطروحي والنعناع وزيت الزيتون والتين العنب. ذلك إضافة لصيانة الآبار وتطهيرها.

تحتاج مشروعات مكافحة التصحر بأشكالها المختلفة توسعًا كبيرًا، وزيادة في ميزانياتها، في ظل السعي والضغط لتعاون أممي جاد، لإيقاف هذا الوحش الذي لم يعد يزحف في بطء وصمت، بل يتجه نحونا بكل سرعته في ظل التغيرات المناخية الحالية.