تبعث عملية استئناف المفاوضات النووية، في فيينا، الإثنين الماضي، بأجواء “غير مريحة” بين إيران والقوى العالمية. سواء الولايات المتحدة أو دول الترويكا الأوروبية. حيث إن الجولة (الأولى) من المحادثات التي تبدأ في عهد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي. تكشف عن تباعد في وجهات النظر بين الأطراف المنخرطة والمتبقية في “خطة العمل المشتركة”. الأمر الذي يجعل من التوصل لاتفاق نووي جديد، عملية معقدة وصعبة، راهناً.

وبحسب مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، فإن الهدف الأول لطهران من المفاوضات في فيينا يتمثل في إلغاء جميع العقوبات المفروضة على إيران. وعشية انطلاق الجولة الجديدة من المحادثات النووية في فيينا، شدد كني الذي يرأس الوفد الإيراني في فيينا. على ضرورة “الإلغاء الكامل والقابل للتحقق للعقوبات ضد إيران”. وأضاف أن الهدف الثاني من مشاركة بلاده في المفاوضات هو “تسهيل انتفاع طهران بالعلوم النووية ضمن حقوق الشعب الإيراني”.

ويلفت الدبلوماسي الإيراني إلى أن الغرب، لا يهدف إلى الوصول لاتفاق. بل يريد الحصول على امتيازات من إيران. موضحا أن “أخطاء الماضي لا ينبغي أن تتكرر.. الشعب الإيراني لا يثق بالاتفاق النووي”.

وأردف: “على الغرب أن يدفع ثمن أي خرق لالتزاماته النووية”. كما أكد على أن بلاده “لن تخضع أبدا للتهديدات العسكرية والعقوبات والضغوط.. يؤيد الشعب الإيراني التعامل الواقعي مع الغرب”.

غير أن مساعد وزير الخارجية، أبدى استعداد طهران للانخراط في حوار “مبني على أساس الحصول على الضمانات. والتحقق من العمل بالتعهدات. وذلك من أجل تأمين مصالح الشعب الإيراني”.

حرمة الأسلحة النووية

في حديثه لـ”مصر 360″، يشير عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (مجاهدي خلق)، مهدي عقبائي، إلى التصريحات المثيرة واللافتة للرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية بإيران. فريدون عباسي، في حوار بمناسبة ذكرى مقتل العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده. الذي تعرض للاغتيال، نهاية العام الماضي، بينما يعد المسؤول عن تأسيس منظومة إنتاج القنبلة الذرية. حيث قال عباسي إن “اسم المنظمة التي كان السيد فخري زادة قد أسسها هو منظمة الأبحاث الدفاعية والابتكار”.

وتابع: “إذا أراد أحد العمل في مجال الابتكار الدفاعي، يحتاج إلى مجموعة واسعة من العلوم والتكنولوجيا. تفضي تلقائيا إلى القنبلة النووية والصاروخية والإلكترونية وغيرها من المجالات. لكن محظوريتنا بشأن الأسلحة النووية واضحة لنا. بسبب فتوى المرشد الإيراني علي خامنئي الصريحة بخصوص حرمة الأسلحة النووية. لكن فخري زاده هو من أنشأ هذه المنظومة. ولم تكن مشكلته الدفاع عن وطننا فقط. حيث إن النظام يدعم ما يعرف بجبهة المقاومة”.

المفاوضات النووية
المفاوضات النووية

وبهذه الطريقة؛ يتضح، مرة أخرى، أن النظام الإيراني :لم ولن يتنازل أبدا عن مشروع حيازة القنبلة الذري. وأن فتوى خامنئي الوهمية تعد الأداة الوحيدة لإخفاء مشروع صناعة القنبلة من قبل النظام”. يقول عقبائي.

وقبل أسبوع، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، بعد عودته من إيران. إن محادثاته المكثفة في إيران كانت “غير مثمرة”. وأكد أن “مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يتمكنوا من الوصول إلى إحدى منشآت النظام النووية في كرج. وأن ذلك يؤثر بشكل خطير على قدرة الوكالة الدولية للطاقة الذرية على القيام بواجباتها”.

المشاريع النووية للملالي

ومن ثم، فالسبيل الوحيد لوقف المشاريع النووية للملالي، هو تفعيل “ستة قرارات لمجلس الأمن الدولي. وإعادة فرض العقوبات الدولية. وتفكيك جميع المواقع النووية للنظام. ووقف كامل عملية التخصيب. وفرض أعمال التفتيش في أي وقت ولاي مكان”. يقول غروسي.

وإلى ذلك، قال مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف: “لدينا تصميم إيجابي بمعنى أنه لا بد من بذل كل الجهود لإنجاز المفاوضات بنجاح. لأن البديل لهذا يتراوح بين السيئ إلى السيئ جدا”.

وتابع: “الفرص للتوصل إلى اتفاق لا تزال قائمة. أما يوم غد فمن المرجو بالدرجة الأولى الاستماع إلى موقف شركائنا الإيرانيين في الجولة السابعة”.

كما قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، مطلع الأسبوع. إن بلاده وفرت كافة الظروف المواتية لجهة التوصل إلى اتفاق “جيد وسريع” في حال التزمت جميع الأطراف بتعهداتها.

وبينما ألمحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين بساكي، بثبات موقف إدارة بايدن من مسألة إعادة أحياء الاتفا النووي. إلا أن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، أكد على أن تصرفات طهران، في الفترة الأخيرة، لم تكن باعثة على التفاؤل. ولذلك، أوضح المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي. أنه من المحتمل أن تقوم واشنطن وشركاؤها بممارسات الضغوطات على النظام الإيراني، في حال استغلت المفاوضات باعتبارها حيلة لتحقيق قفزات مباغتة في برنامجها النووي.

الاتفاق النووي

وبعد انتهاء الجولة السابعة من المفاوضات، مؤخرا، غرد أوليانوف على تويتر: “اجتماع اللجنة المشتركة بخصوص خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) انتهى. واتفق المشاركون على خطوات عاجلة أخرى، خلال الجولة السابعة، من المفاوضات التي بدأت بنجاح إلى حد بعيد”. كما أكد المندوب الروسي، أن العملية التفاوضية “لن تكون سهلة”.

وأردف: “الخلافات خاصة بين إيران والأطراف الغربية، لا تزال كبيرة بشأن العديد من النقاط. لكن المناقشات التي تمت (الاثنين) ومحادثاتنا المنفصلة مع المبعوث الأمريكي الخاص، روبرت مالي، أظهرت أن الجميع بدون استثناء عازمون على تحقيق نتيجة إيجابية”.

ونقلت وكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعید خطيب زاده ، أن فريق التفاوض يركز في فيينا على قضية رفع العقوبات. مؤكداً أن “طهران لن تتعهد بأي التزامات غير واردة في الاتفاق النووي”. وتابع: “إذا دخلت الأطراف الأخری بنية حسنة لرفع العقوبات بدلاً من إهدار الوقت.. يمكننا القول إن المفاوضات ستسير على المسار الصحيح”.

وإلى ذلك، يوضح المحلل الدبلوماسي في بي بي سي، النسخة العربية، جوناثان ماركوس، أن الطموحات المتضاربة للدول المعنية بالملف النووي. تجعل النجاح في هذه المباحثات أمرا بعيد المنال. فمنذ أن تخلت إدارة ترامب عن الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018، أصبح من الشائع القول إن الاتفاق النووي دخل غرفة الإنعاش.

ويتابع: “ما هو الاتفاق النووي الإيراني وهل يعاد العمل به؟ يمكن أن يساعد هذا الأسبوع من المباحثات في تحديد ما إذا كان سيعلن عن موت الاتفاق نهائياً. أم أنه سيلوح بصيص من الأمل في إمكانية إنقاذ شيء ما، من شأنه إحباط أزمة جديدة في الشرق الأوسط. وسيشمل الاجتماع الرسمي في فيينا إيران، إلى جانب روسيا والصين وما يسمى بأوروبا 3، أي بريطانيا وفرنسا وألمانيا”.

الخيارات المتاحة

ويقول مارك فيتزباتريك، خبير الحد من انتشار الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. إن “السؤال الأهم هو ما إذا كانت الصفقة ستظل مفيدة بالنظر إلى الخيارات المتاحة في حال إلغائها، والجواب هنا هو نعم بالتأكيد. خاصة بالنظر إلى إجراءات التحقق المعززة التي فرضت على إيران بموجبها. لكن دعونا نفصل ما يريده مختلف الممثلين المشاركين في هذه الدراما من المحادثات القادمة”.

يقول علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية: “رغم أن الافتراض بأن الفريق المفاوض الإيراني الجديد سيقود صفقة صعبة يعد رهانا آمنا. لكن في الواقع من الصعوبة بمكان التنبؤ بما إذا كان الفريق، بالإضافة إلى مطالبه المتطرفة، يتمتع بالمرونة المطلوبة للالتقاء مع الجانب الأمريكي في منتصف الطريق”.

ويتابع واعظ: “أدرك جيران إيران في الخليج العربي أن الصفقة غير الكاملة أفضل من عدم وجود صفقة”. ويختتم: “لا يقتصر الأمر على أن الضغط الأقصى لم يحجم إيران، بل على العكس أطلق العنان لنسخة أكثر عدوانية في المنطقة باتت معها العديد من دول الخليج العربية. في مرمى تبادل إطلاق النار بين إيران والولايات المتحدة”. ومع تركيز واشنطن الاستراتيجي حاليا على الصين أكثر بكثير من الشرق الأوسط، يعتقد العديد من حلفائها الآن أن صفقة مُعاد صياغتها قد تصب في صلب مصلحتهم.