تمثل الثقافة المجتمعية في الكثير من المناطق الشعبية حجر عثرة كبير أمام محاولات التوعية، ورفع درجة وعي النساء بحقوقهن الشخصية. حيث تُمثّل العقيدة الراسخة عبر أجيال عدة، حائط منيع أمام الكثير من محاولات التغيير.

لذا، أطلقت مؤسسة قضايا المرأة المصرية، ضمن حملة الـ 16 يوم. حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان “الأمثال الشعبية وتأثيرها في العنف ضد النساء”. في محاولة لتوضيح العديد من الأمثال التي تُشجّع على العنف الأسري. أو -على الأقل- تحث المرأة على الصمت تجاه هذا العنف.

حملة الـ 16 يوم

وفق الأمم المتحدة، يعتبر العنف ضد النساء والفتيات هو أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعا على مستوى العالم. فقد أشارت أحدث التقديرات، إلى تعرض ما يقرب من امرأة واحدة من كل ثلاث نساء في سن 15 عاما أو أكثر، للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل الشريك الحميم. أو العنف الجنسي من غير الشريك، أو كليهما مرة واحدة على الأقل في حياتهن.

ويحتفل العالم في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة. وتقوم هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة بإطلاق حملة الـ 16 يوماً من الأنشطة لمكافحة هذا العنف.

وفي مصر، أطلقت الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي. حملة الـ 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، تحت شعار “أنتم أبطال أسرتكم.

وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي:” ندعم دائما وأبدًا سيدات مصر البطلات والمثابرات والمكافحات، ونؤكد على أن المرأة هي حجر الأساس لاستقرار الأسرة المصرية في كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة سواء كانت امرأة ريفية أو حضرية أو بدوية”.

وتركز حملة وزارة التضامن الاجتماعي على قضايا السيدات الأولي بالرعاية. مثل العنف ضد الفتيات اليتيمات، وضد السيدات اللاتي يعانين من مستوى تعليمي واقتصادي محدود. والسيدات المطلقات، والمرأة ذات الإعاقة، وكبار السن.

يحتفل العالم في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة

خبرة الأسلاف

تُعّد الأمثال الشعبية المتوارثة أحد أكبر الروافد التي تشغل حيزًا من الوجدان الجمعي للنساء الساكنات لتلك المناطق. والتي تُشكّل لدى الكثير من البسطاء قواعد حياتية مستمدة من خبرة الأسلاف، لا يجب الحياد عنها في أغلب الأحيان.

ووفق نورا محمد، مديرة برنامج مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية. صمم المركز الربع الأول من حملته التي تستمر حتى10 ديسمبر المُقبل، والذي يتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان. بحيث تتناول منشورات تفسّر مجموعة من الأمثال الشعبية الخاطئة، والتي تساعد على ترسيخ العنف الأسري.

تقول: الاعتماد على الأمثال كمرشد حياتي طيلة عقود أدى إلى استسلام الكثير من النساء وتفريطهن في الحقوق مع تحمل التزامات إضافية في بعض الأحيان. فمثل كـ “ضل راجل ولا ضل حيطة”، دفع الكثير من السيدات إلى الصمت وتحمل أعباء العائلة كاملة، في مقابل تواجد الرجل في المنزل، حتى وإن لم يفعل شيء.

وأوضحت أن الأيام الأربعة الأولى من الحملة تشهد تكثيفًا في عرض تلك الأمثال على قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بالمؤسسة، مع الاستعانة بتصميمات بصرية في المنشورات للتسهيل على المتلقي.

ليس كل النساء

في سياق آخر، تلفت سميحة محمد المحامية، والتي تعمل في كثير من قضايا الأسرة. إلى أن الموروثات الشعبية جعلت الحقوق لدى بعض النساء “نسبية”، حسب تعبيرها.

تقول: هذه الفئة تتمرد فقط في حال إذا كانت غير راضية عن الزوج، ترغب في الطلاق أو ارتبطت فعليَا بآخر. عندها تبدأ في البحث عن حقوقها وتتهم الزوج بالعنف والضرب. لكنهن لا يُمانعن الضرب نفسه إذا كانت الأمور بينها وبين زوجها مستقرة.

وتشير سميحة إلى أن النساء من الطبقات الشعبية أو الفقيرة هم الأكثر بحثًا عن الحقوق والوسائل القانونية اللازمة للمساعدة “هؤلاء يعلمن أن القانون هو الرادع الوحيد أمام أزواجهن. لذلك يبحثن عن حقوقهن، بينما الكثير من النساء الثريات يستخدمن وسائل ضغط أخرى للحفاظ على الحقوق، مثل المصالح الاقتصادية المشتركة”.

أمثال خاطئة

من أشهر الأمثال المتداولة “لبّس البوصة تبقي عروسة، والذي يتم ترديده على الفتيات أو النساء ممن لا يحظين بقدر كبير من الجمال. ولكن تهتم بملابسهن وبمظهرهن الخارجي، وكأن المجتمع يريد أن يكبت المرأة الغير جميلة مهما أبدت من اهتمام بنفسها. ودون النظر لعقلها او فكرها.

وبالرغم من أن مفهوم وقيمة الجمال نسبية وتختلف من شعب لآخر ومن مجتمع لآخر. ولكن عادة ما يتم استخدم هذا المثل من قبل “الحموات” لتقليل قيمة وجمال زوجة الابن -وكأن النساء سلعه يجب طوال الوقت أن تسعى لرضاء وقبول الجميع- وأنه يستحق من هي أكثر منها جمالًا ومظهرًا حتى ترضخ وتنصاع لأوامر زوجها وأسرته.

أما من الناحية النفسية فقد يزيد هذا المثل من التنمر على كثير من الفتيات والنساء -خاصة الزوجات- مما يزيد شعورهن بالرفض لشكلهن وصورتهن وعدم التقبل لأنفسهن. ويزيد من مشاعر القلق والحزن لديهن.

هناك مثل آخر هو ” آمن لحية ولا تأمن لوليه“، والذي يساهم من الناحية الاجتماعية في سحب الأمان من النساء. وأنهن غير مؤتمنات على الأسرار، كما يوصمهن بالغدر والمكر والخيانة.

وعادة ما يقال هذا المثل عن العلاقات التي تنسحب منها النساء. أو تقرر فض الشراكة، حتى وإن كانت معاملات مالية أو علاقات صداقة. ويقلل من فرص مشاركتهن في القرار. ويؤثر نفسيًا على الكثير من النساء، حيث يعزز من مشاعر عدم الثقة لديهن وتعزيز مشاعر التحقير من الشأن، وتقليل تقدير الذات.

وهناك مثل آخر متعلق بالإنجاب هو “الست اللي ما بتخلفش زي الضيف“. فالتي لا تنجب مصيرها أن تهمش وتهجر أو تترك المنزل دون حقوق، ولا استقرار لها في بيت زوجها.

فوفقا للأعراف والتقاليد المجتمعية السلبية، تعتبر المرأة هي السبب الأول في عدم الإنجاب وحرمان الأسرة من الأطفال. وأحيانا يحكم عليها بذلك دون إجراء كشف طبي على الزوج، وإذا لم تنجب فيكون مصيرها الطلاق بدون حقوق، أو تجبر على تقبل زواج زوجها من أخرى.

وعلى العكس، إذا كان الزوج لا ينجب، يأمرها المجتمع والمحيطين بالتحمل والصبر. فالزوجة الأصيلة هي التي تتحمل وتصبر وتراعى مشاعر زوجها، وكأن احساس الأبوة قاصرا على الرجال فقط.

شيء من التغيير

رغم المحاولات العديدة لتلك الحملات والقائمين عليها، إلا أن عقود من الوجدان الجمعي لا زالت تحاصر تلك المحاولات. والتي تتمثل فيما يُشبه المقاومة الفكرية من كبار السن من النساء. أو أولئك المسيطرات على الأخريات.

تشير ندى حبيب، المدير التنفيذي لمؤسسة “تحوت مصر”، إلى أن الكثير من السيدات المستهدفات من هذه الحملات لسن على علاقة قوية بوسائل التواصل الاجتماعي. وأن الكثير منهن لا يتعاملن معها إلا عبر أطفالهن.

تقول ندى لـ “مصر 360”: أكثر ما قد يؤثر في هؤلاء النسوة هو الجلوس معهن والحديث. قليل جدًا أن تجد أحد المنشورات يتم تداولها بينهن. فقط ربما يُعجب إحداهن منشور فتحكي لصديقاتها عنه.

ندى، التي تعمل مع أطفال السيدة زينب، تلتقي الكثير من الأمهات طوال الأسبوع. وتوضح أن هناك نوع من التغيير لمسته في ثقافة هؤلاء. بعد أن بدأ أطفالهن يتحدثون إليهن عن القيم والحقوق والواجبات.

تضيف: “ربما كان العمل على تنشئة جيل جديد غير متأثر بموروثات خاطئة هو سبيل آخر لتغيير مفهوم الموجودين حاليًا. فعند الحديث مع الأطفال، أجد الأمهات في اللقاء التالي يبدأن في الاستفسار عن النقاط التي أثرتها مع الأولاد”.

مشيرة إلى أن مراكز الشباب بدورها نقطة اتصال هامة إذا ما أرادت المؤسسات المعنية بحقوق المرأة الوصول للنساء المستهدفين سريعًا.