كثيرًا ما نقول «هو السؤال حُرُم؟» إذا ما أردنا أن نشطح بخيالنا في الأسئلة.. أليس كذلك؟ حسنا، يبدو أنني أتساءل وأشطح بعيدًا في عالم الأسئلة والافتراضات. كل مرة يتجدد النقاش والجدل حول موضوع تعدد الزوجات، تزامنًا مع خبر زواج فنان بزوجة ثانية على أم العيال، أو بصدمة اكتشاف سيدة أن زوجها تزوج عليها بأخرى، أو بانتشار بوستات تهنئة مريبة من الزوجة الأولى للزوجة الثانية أو لزوجها، أجدني أتابع أخبار الزوجات الأولى والزوجات التاليات والزوج الهانئ بينهما لا ينغص باله شيء. وأفكر -بشكل مجرد بعيدًا عن الدين- وأتساءل: لماذا لا يكون التعدد للنساء أيضًا؟

بالطبع، عند الكثير من المتدينين أو الرجال عمومًا يعتبر السؤال حُرُم فعليًا، ولا يصح أن أطرحه من الأساس ولا يرد في بالي. لكن هذا هو أمر الله فقد ورد. وعندما بدأت البحث بتردد كمن يفعل فعلة شنعاء، توقعت أن يجاوبني محرك البحث جوجل على سؤالي بالآتي: عيب وحرام اللي بتقوليه ده يا أستاذة. ولكنني فوجئت بأن هناك إجابات كثيرة ومقالات وتعريفات لتعددالأزواج. بل وتصنيفات للتعدد والتطور التاريخي لأشكال العلاقات الجنسية والزواج إلى الآن.

(1)

بالصدفة، كنت أشاهد في نفس توقيت الجدل مسلسل محدود الحلقات والمواسم، وهو مسلسل «Monogamy». في موسمه الأول يحكي عن أربعة أزواج أمريكيين أصولهم أفريقية من طبقة متوسطة إلى طبقة ثرية، تترواح سنوات زواجهم من 7 إلى 11 سنة، ليس لديهم أطفال. في نفس التوقيت، يصل كل زوجين إلى طريق مسدود في علاقتهم فيلجأون جميعهم إلى شركة أو مركز علاجي للعلاقات الأسرية -ماهية هذه الجهة تظل مبهمة حتى نهاية حلقات الموسم الأول- وتبدأ هذه الجهة التي تطلق على نفسها «التجربة» في طرح اتفاق بينها وبين الأزواج كل على حدة. ونفاجأ بأن الاتفاق عبارة عن لعبة تبادل الأزواج والزوجات. لكن بدون اشتراط ممارسة الجنس، فقط التعايش لمدة شهرين مع الشريك البديل وممارسة أنشطة كمشاهدة فيلم، أو إعداد العشاء سويًا، أو الذهاب للتسوق، أو الألعاب الرياضية أو زراعة الحديقة في منازل غير منازلهم الحقيقة. ويبدأ الأزواج في الانجذاب لبعضهم بعضًا، ونكتشف أن الجهة التي تدير اللعبة أو «التجربة» دفعت بالأزواج المتشابهين في معاناتهم نحو بعضهم، فحدث الأنسجام. البعض تمادى ومارس الجنس مع شريكه البديل، والبعض قاوم ذلك على الرغم من انجذابه العاطفي والجسدي..

حين عاد الأزواج إلى شركائهم الحقيقيين كانوا أدركوا أنهم أحبوا الآخرين وتعلقوا بهم. لكن حين جاء قرار الطلاق أو الاستمرار مع الشريك الحقيقي، قرر البعض استكمال الحياة الزوجية، لأنه أيضًا لا يزال يحب شريكه. ذلك رغم اعترافه بحب الشريك البديل. والبعض الذي قرر الطلاق كان من منطلق الغيرة أو شكه بأن الطرف الآخر لم يعد يحبه مادام مارس الجنس مع الآخر البديل.

ألقت حلقات المسلسل الست قنبلة في وجوهنا بهدوء، بعيدًا عن التوتر والمشاحنات الطويلة والجمل الحواراية الجدلية بين الأزواج. قنبلة أنه من الممكن أن يكون هناك شريك آخر غير الزوج/ة يشبهنا في ماضيه وآلامه وأحلامه ومعاناته، ولا يمنع هذا الأحساس/الاختيار أن نظل نحب الزوج ونُبقي على الأسرة.

(2)

بالبحث، وجدت أن أليكسيا شروت تعيش مع زوجيها دوغ شروت وجاكوب شروت ماكهافي وأطفالهم الثلاثة في مدينة مومي، في مقاطعة أوهايو في الولايات المتحدة الأميركية. كانت أليكسيا، التي تعمل كثاقبة لوضع الحلق في مختلف مناطق الجسد، في علاقة معروفة للجميع مع دوغ عندما قابلت جاكوب. وكان دوغ وأليكسيا متزوجان منذ خمسة عشر عامًا، عندما قررا إدخال جاك إلى علاقتهما. وذلك قبل ثماني سنوات. وفي يوليو 2016 أقام الثلاثي احتفالاً بالتزامهم الزوجي تجاه بعضهم البعض. وهم الآن أسرة واحدة يقومون بتربية ثلاثة أبناء فيما بينهم.

ليس في أمريكا فقط تمارس الحريات بهذا الهدوء، ولكن في جنوب أفريقيا يبدو أن هناك معركة بدأتها بعض النساء منهن موفومبي – 33 سنة. وكانت تتذكر أنها سألت والديها في طفولتها، عما إذا كانا سيظلان معًا لبقية حياتهما. وقالت لـ«بي بي سي»: «شعرت أنه من المفترض أن يكون الناس موسميون في حياتنا».

الآن، تعرّف موفومبي نفسها على أنها امرأة عابرة جنسيًا ومتعددة الأزواج. وهذه التجربة تخلق مساحة آمنة للأشخاص غير المتزوجين بزوجة واحدة في جنوب أفريقيا.

الوضع القانوني لوفومبي ومثيلاتها ليس خطرًا. إذ يوجد في جنوب أفريقيا واحد من أكثر القوانين الليبرالية في العالم. حيث يقبل بزواج الشخص من نفس جنسه. كما يسمح بتعدد الزوجات للرجال من المسلمين والمورمون والهندوس.

وتفكر الدولة الآن في تحديث قوانين الزواج الخاصة بها، وكجزء من ذلك، يطرح سؤال أساسي حول ما إذا كان سيتم السماح بتعدد الأزواج، بما يُمكن المرأة أن تتزوج بأكثر من رجل في وقت واحد. وقد تسبب ذلك ببروز معارضة شديدة في الأوساط المحافظة.

تدرك موفومبي أن هذه لحظة محورية بالنسبة للنساء في العلاقات متعددة الأزواج. وتقول: «إن الوضع الحالي متوتر، والكثير من معتقدات الناس تهتز.. لقد كان الرجال يتزوجون بأكثر من امرأة علنًا وصراحة وكانوا سعداء بتعدد الزوجات منذ أجيال وأجيال، لكن لا تزال المرأة توصم بالعار إذا ما فعلت الأمر ذاته، فثمة الكثير من الأشياء التي يجب تعلمها والقيام بها».

وأعثر على هذه الجملة التي بها أمل وقوة في حوارها مع «بي بي سي»: «عندما كانت أمي حاملاً بي، كانت تتظاهر من أجل حصول النساء على حق أخذ موانع الحمل دون موافقة الرجل. لقد كانت معركة مختلفة في ذلك الوقت، وهي معركة مختلفة بالنسبة لي الآن».

(3)

قد يبدو أن تعدد الأزواج هو تطور حديث للعلاقات الجنسية/ الزوجية، وجديدًا طرأ على المجتمعات، خاصة الغربية. وتسربت هذه الأفكار إلى مجتماعاتنا الهادئة الرصينة التي لا تقبل إلا بتعدد الزوجات فقط حسب شرع الله. ولكن يبدو أن العكس هو الصحيح، أو هذا ما اكتشفته.

ففي المجتمعات الآسيوية، خصوصًا الهندية، كان هذا النوع من الزواج سائدًا بشكل كبير، وأكبر دليل على ذلك الملحمة الهندوسية الشهيرة المعروفة بمهابهاراتاـ التي تقدم بوضوح صورة لدروبادي وهي برفقة خمسة إخوة كأزواج لها. وفي منطقة جاونسار باور لا يزال هذا النوع من الزواج قائمًا إلى الآن من قبل الباهاريس، وقد ورثوه عن أجدادهم الذين سكنوا سهول الهملايا. تزوج البنت للأخ الأكبر في العائلة، وتتحول زوجة لإخوانه الأصغر كذلك، مشتركين بذلك بشكل متساوي في الزوجة. كما ينتشر تعدد الأزواج بشكل كبير في منطقة التبت خصوصًا بالمناطق الريفية، على الرغم من حظره من قبل القوانين الصينية.

وتعدد الأزواج منتشر وموجود في القطب الشمالي الكندي، والأجزاء الشمالية من نيبال ونيجيريا والبوتان، وبعض مقاطعات الصين مثل سيشوان، وعند قبائل الماساي الكينية وشمال تنزانيا، وعند سكان أمريكا الأصليين. كما كان منتشرًا بين الغوانش سكان جزر الكناري الأصليين قبل دخول الإسبان. وقد منع هذا النوع من الزواج في الأديان الإبراهيمية الثلاث، وكان تقليد تعدد الأزواج يمارس في كينيا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، ولا يزال يمارس في الغابون، حيث يسمح القانون بذلك.

يبدو أن بعض أشكال تعدد الأزواج مرتبطة بالحاجة المتصورة للاحتفاظ بالألقاب الأرستقراطية أو الأراضي الزراعية ضمن مجموعات الأقارب، و/أو بسبب الغياب المتكرر، لفترات طويلة، لرجل الأسرة. في التبت، كانت هذه الممارسة شائعة بشكل خاص بين طبقة الساكيا الكهنوتية.

يرى البروفسور كوليس ماتشوكو، الأكاديمي الشهير في موضوع تعدد الأزواج، علامات مماثلة، ويقول: «مع وصول المسيحية والاستعمار، تضاءل دور المرأة، ولم تعد مساوية للرجل، وأصبح الزواج أحد الأدوات المستخدمة لبناء التسلسل الهرمي للسلطة».

فالأصل في العلاقات هو التعدد المسموح للطرفين، الرجل والمرأة، ولكن بانتشار السلطة الأبوية وتوسع الاستعمار، تراجع دور المرأة وتم حصرها في أدوار معينة وضعها لها الرجل.

(4)

العلم يقول إن هناك بعضًا منا -كفتيات- يميل لتعدد الأزواج polyandrous والبعض من الرجال يميل لتعدد الزوجات polygamy والبعض أيضًا يميل للزواج الأحادي ويكتفي بزوج أو شريك واحد مدى الحياة monogamy. والتاريخ يقول إن التعدد في فطرة المرأة أيضًا وليس مقصورًا على الرجال.

فهل كان يدرك الرجال القائمون على تأسيس السلطة الأبوية والدينية ذلك وقاموا بتحريمه ومنعه عن النساء لأبقائهن داخل الأسرة والعائلة وللتحكم في تسلسل وتوارث الأرض والنفوذ؟ بعض علماء الأنثروبولوجيا يؤكدون على ذلك التسلسل لشكل الزواج.

هل الدين الإسلامي حين وضع شرطي العدل والإنفاق في تعدد الزوجات كان بذلك يمنع التعدد للرجال بشكل غير مباشر أيضًا، لكن الرجل المسلم تجاهل الشرط بل وادعى أنه فعلاً يعدل وينفق بالتساوي الذي هو ضد طبيعة القلب والعاطفة التي تميل لشخص عن الآخر؟ «ولو حرصتم» فلا يحدث ذلك كما قال الله سبحانه وتعالى في نهاية آية التعدد. هل من حق المرأة أن تعدد ويكون لها شريكين؟ ماذا عن الأطفال والنسب؟ تحاليل الدي إن إيه أو ربط قناة فالوب أو حتى إزالة الرحم بعد أن تكتفي المرأة بطفل أو اثنين هو الحل. هل من الممكن حقًا؟ والسؤال الأهم: أيمكن أن يتم تقنين تعدد الأزواج للزوجة؟

وهل من حقي أن أحلم بزواج مدني يحسم المسائل المادية وتقسيم الثروة بين الطرفين بشكل واضح وكذلك الولاية على الأبناء في عقد مكتوب قبل مراسم الزواج الديني؟ وحينها لا نكتب قائمة ولا نريد مهرًا، ويصبح الزواج متكافيء والطلاق أيضًا متكافيء. حينها لن يضطر طرف للخيانة ولا للكذب ولا للزواج من أجل الجنس فقط. سيصبح كل طرف واضحًا وصريحًا لا يخشى الكشف عن ميوله وهواه. ومن حق الطرف الآخر أن يقبل أو يرفض. أن يصبح كل فرد حرًا في ممارسة ميوله دون الوصم أو العنف. أن نحيا جميعًا كما نريد لا كما يريد المجتمع الذي سيصبح حينها بدوره مثلنا ولا يدعي الفضيلة ولا يسير على روؤسنا بعصاه يمنع ويمنح.