لم تختلف انتخابات الاتحادات الطلابية التي تجرى هذه الأيام داخل عدد محدود من الكليات عن سابقتها، التي خلت من أي منافسة حقيقية. وهو ما كشفه حسم نسبة كبيرة من المقاعد بالتزكية، يرجح أن تذهب لمبادرة “طلاب من أجل مصر”. التي تغرد منفردة في الحرم الجامعي، وسط غياب من المستقلين والأحزاب السياسية.
وبعد أن كانت انتخابات الاتحاد الطلابية من المقاييس المهمة التي يستند إليها لفهم خريطة العمل السياسي لهذا البلد، بات انتخاباتها خارخ التغطية، كما تقول مؤسسة حرية الفكر والتعبير (أفتي) في قراءة أعدتها عن الانتخابات الطلابية بالجامعات المصرية في الفترة من 2011-2021، في ظل تعيين الكثير من أعضائها، وفوز آخرين بالتزكية.
اللافت للنظر في هذه الانتخابات هو عدم محاولة أيا من أحزاب المعارضة اختراق مساحة الجامعة، التي لطالما كانت حلبة للتنافس بين الأفكار السياسية، ومفرخة لإنتاج الكوادر، في ظل الارتكان لقرار حظر مزاولة الأسر لأي أنشطة سياسية، الصادر في العام 2014، حتى وإن حاولت القيادات الجامعية هذا العام إضفاء “صبغة ديمقراطية” على الانتخابات، بتصريحات عن عدم الإقصاء السياسي.
أحزاب المعارضة.. عزوف إجباري
يعزو مجدي حمدان، أمين مساعد حزب المحافظين لشؤون البحث والتطوير السياسي، غياب أحزاب المعارضة عن الانتخابات التي جرت هذا العام إلى ما أسماه بالرغبة في “تأميم العمل الطلابي” منذ 2014، فالتحالفات السياسية بحسب حمدان، باتت كلمة سيئة السمعة بالنسبة لمن يديرون هذا الملف، وينظر لها بنظرة الريبة والشك.
ففصلت الإدارات الجامعية منذ 2014 الآلاف من الطلاب سواء بشكل نهائي أو لمدة محددة نتيجة مشاركتهم في فعاليات سياسية داخل الجامعات. كما شهدت انتخابات 2015 التي جرت بعد عزل الإخوان من المحكم، شطب 2273 طالبًا من كشوف الانتخابات، وسيطر على هذه الانتخابات حسم العديد المقاعد في بعض الكليات بالتزكية.
كما شهدت الجامعات حالات عديدة للتضييق على المرشحين في الدعاية الانتخابية. بالإضافة إلى دعم بعض إدارات الجامعات وممثلين لوزارة التعليم العالي لبعض القوائم المحسوبة على الدولة، وفقا لما رصدته مؤسسات حقوقية.
وبحسب ورقة “أفتي”، فإن الدولة تحكم قبضتها على الجامعة منذ أن أعلن لمجلس الأعلى للجامعات برئاسة الدكتور خالد عبد الغفار، في 2017، اعتماده اللائحة الطلابية الجديدة، القائمة حتى الآن. واشتملت شروط الترشح في اللائحة الجديدة على بنود تعسفية من بينها: أن يكون الطالب مستجدًّا في فرقته – أن يكون له نشاط طلابي موثق – أن يكون محمود السيرة حسن السمعة – ألَّا يكون قد وقع عليه جزاء تأديبي – ألَّا يكون قد حكم عليه في عقوبة جنائية مخلة بالشرف والأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره – ألَّا يكون منتميًا إلى أي تنظيم أو كيان أو جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف القانون.
وبحسب الورقة، فإن الدولة استهدفت باللائحة الجديدة أمرين رئيسيين: أولهما أن تلغي مستوى اتحاد طلاب مصر وبالتالي تجتنب تمامًا إمكانية فوز طلاب معارضين أو حتى طلاب يتمتعون بقدر من الاستقلالية في كيان يعتبر الممثل الشرعي لطلاب مصر. أما الأمر الثاني فهو التشدد فيما يتعلق بشروط الترشح، وبالتالي تسهيل المنع من المنبع لأي طالب قد تبدو عليه علامات المعارضة أو الاستقلال.
انتخابات الاتحادات الطلابية برعاية الشباب !
تشير المفوضية المصرية للحقوق والحريات -في ورقة سياسات حول “الاتحادات الطلابية الأزمة.. ومسار الحل“، إلى تعديلات اللائحة التي تفرض تصفية للمرشحين حسب الانتماء السياسي باعتبارها “موقف رسمي من وزارة التعليم العالي على مدار سنوات تلت العام 2011، يبرز رغبة في تحجيم تواجد الاتحادات الطلابية، والحد من نقل الخبرات بين الاتحادات التي كانت تتم عن طريق تعاقب الاتحادات المنتخبة كل عام دراسي”. وتقول المفوضية إن هذا الأمر تسبب في عزوف عدد كبير من الطلاب عن المشاركة في الاتحادات الطلابية أو الاهتمام بوجودها من عدمه.
كما أن التعديلات التي أجريت على اللائحة كفلت تقييد وتضييق السياق الانتخابي. ومنحت للجامعة -ممثلة في رعاية الشباب- ميزة التحكم في المنافسة والفوز والخسارة والإطاحة بمرشحين في مرحلة الطعون بكل سهولة. وذلك بداعي الأسباب القانونية والانتماء لكيان إرهابي أو محظور.
“طلاب من أجل مصر”
في هذه الظروف، ظهر الكيان الجديد المسمى بمبادرة “طلاب من أجل مصر” الذي ينظر له باعتباره امتدادًا للمؤسسات الحزبية المحسوبة على الدولة. وذلك بسبب مشاركتها في فاعليات الدولة وحفلات التخرج العسكرية وتنظيم الانتخابات وحضور مؤتمرات الوزراء وندوات الجامعات. إلى جانب رتبط اسم المبادرة واللوجو الخاص بها، بجمعية “من أجل مصر”، التي دُشّنت في 25 مايو 2016، برئاسة عضو الهيئة العليا السابق لحزب “مستقبل وطن” السابق، الدكتور محمد منظور.
جامعة القاهرة سبق أن احتضنت حفل تدشين المبادرة الطلابية باعتبارها صاحبة الفكرة، في احتفالات ذكرى حرب السادس من أكتوبر، بمشاركة 1000 طالب من كل جامعات مصر.
وفي تصريحات سابقة، قال المنسق العام للمبادرة وعضو هيئة التدريس بجامعة القاهرة، الدكتور عمرو مصطفى، إن الفكرة موجودة منذ منتصف 2015 بهدف تدريب الخريجين على المشروعات الصغيرة. ومع صعوبة التواصل مع الخريجين اتجهت الفكرة إلى الطلاب.
هذه المجموعة التي تقدم نفسها في ثوب تنموي لا يخالف إدارة الجامعة بحظر الروابط السياسية، باتت جواز السفر الآمن للمرور إلى كرسي الاتحاد، حيث اكتسحت انتخابات العام الماضي بنسبة 96.2% من مقاعد اللجان على مستوى الجمهورية.
ويرجح مراقبون للعمل الطلابي في مصر أن تظفر المجموعة بنصيب الأسد، كالعادة، من المقاعد، التي حسم أغلبيتها بالفعل بطريقة التزكية، فيما تجرى انتخابات على بعض المقاعد في عدد من الكليات.
الخوف من سيناريو الأمل
يدلل القيادي بحزب المحافظين مجدي حمدان على الرفض الأمني والقيود المفروضة على نشاط الأحزاب بمحاكمة أعضاء تحالف الأمل الذي تشكل داخل أحزاب شرعية لخوض منافسات برلمان 2021، لكنهم وجدوا أنفسهم يقبعون خلف القضبان، وهو ما يخشاه أن يتكرر في كل مناسبة تفرض على الأحزاب التنافس وطرح أفكارها للجمهور، مشيرا إلى أنه لا توجد أحزاب ستسمح بالتضحية بشبابها لمجرد الرغبة في ممارسة السياسة.
يشير حمدان إلى أن دور الشباب في حزب المحافظين يقتصر الآن في ظل عدم امتلاك أسر جامعية على شقين: التوعية بقيم السياسة والعمل العام، ثم محاولة جذبهم إلى أفكار حزب المحافظين، دون أن يتحول هذا النشاط إلى أكثر من ذلك في الوقت الحالي.
ما يثير الانتباه أن الأسر الحزبية القوية التي فرضت نفسها بقوة على الساحة الطلابية عقب ثورة 25 يناير، مثل أسرة الميدان التابعة لحزب الدستور، لم تعد تحتفظ بقواعدها وتلاشى حضورها تدريجيا حتى انتهت دورها كغيرها بقرار وزارة التعليم العالي بحظر ممارسة السياسة في 2014.
يوضح وليد العماري، المتحدث الإعلامي باسم حزب الدستور، أنه بحظر العمل السياسي داخل الجامعة لم يعد هناك ما يسمى أسرة الميدان، وبات الحزب بلا كوادر طلابية بعد تخرج جميع أعضاء هذه الأسرة في الجامعة، لذا يجد العماري صعوبة في بناء قاعدة طلابية جديدة في وقت قصير، وبالتأكيد ليس قبل أن تقرر وزارة التعليم العالي السماح للأحزاب بالعمل في الحرم الجامعي.
لا يخفي العماري، في حديثه، أن اعتقال العديد من طلاب الجامعات، الذين انخرطوا في أحداث سياسية، منذ 2014، من الهواجس الأساسية عند أحزاب كثيرة حين يطرح ملف العمل الطلابي على الطاولة، فالأمان الشخصي للأعضاء بات أساسيا في هذه المعادلة، فلا أحد يريد المخاطرة.
ومع العزوف الإجباري عن المشاركة، اقتصر نشاط اللجان الداخلية مثل التعليم على تفسير منظومة المناهج التعليمية الجديدة، وطرحها للنقاش في صالون سياسي أسبوعي يعقده الحزب افتراضيا لأعضائه.
الرمزية الأكبر على سقوط هذا الملف هو تعطيل أمانة للشباب داخل أغلب الأحزاب المصرية المعارضة في السنوات الأخيرة، حتى مكتب الطلاب الذي كان همزة الوصل بين شباب الجامعة واللجان المركزية بالحزب لم يعد له موجود، وفقا لتقديرات حزبيين مصريين.
من يدفع فاتورة غياب السياسة؟
قيادي حزبي معارض، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، قال إن مخاطر التغييب المتعمد للسياسة عن الجامعة لا يدفع ضريبته الأحزاب السياسية وحدها، بل الدولة المصرية، فما حدث أن السنوات الماضية لم تفزر أشخاصا يفهمون معنى السياسة وهو ما سينعكس بالسلب على الأجيال.
“الجيل الحالي تخرج بدون ممارسة أي نشاط سياسي لمدة 4 سنوات، فماذا سيفعل عندما يتخرج؟ لن يهتم بأمور عامة عكس غيره، بات أمامنا الآن جيلا تربى على عمل سياسي محظور، تغيب عنه ثقافة الاختلاف وطرح الأفكار، مما يصعب مهمة الأحزاب والبلد بشكل عام” يضيف القيادي الحزبي.
القيادي الحزبي الذي شارك في أكثر من معركة انتخابية طلابية بمطلع الألفية، لا يتعامل بجدية مع الوعود التي أطلقها عدد من رؤساء الجامعات هذا العام، بخصوص عدم الإقصاء السياسي، والتشجيع على ممارسة النشاط الطلابي، التي اتضح أنها لم تترجم على أرض الواقع هذا العام، ربما لأنها جاءت متأخرة بالتزامن مع انطلاق العملية الانتخابية، أو لكونها لم تكن حقيقية في الأساس، خصوصا أن الجامعة مازالت تحظر عمل الأسر السياسية، متسائلا: “كيف أخوض الانتخابات بدون عمل حزبي على الأرض، بلا مقر، بلا دعاية، بلا تواصل مع الجمهور”.