جاءت تصريحات رجل الأعمال ياسين منصور في لقاء مع مقدمة البرامج لميس الحديدى صادمة، تحديدا لأبناء الطبقة الوسطى. عندما سألته عن أقل سعر للفيلا في أحد مشاريعه العقارية الجديدة فكانت الإجابة أربعة مليون جنيه. معقبا “طبعًا أنا مستهدف المتعلمين الشباب من الطبقة المتوسطة بسعر مناسب لدخلهم الشريحة دي هي التارجت بتاعي”.
فمن هي الطبقة المتوسطة التي يستهدفها ياسين وغيره من رجال الأعمال بمشاريعهم العقارية؟
في بحث الدخل والإنفاق الذي يصدره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. الذي يؤشر إلى أن الدخل الأسبوعي بالعام 2020 انخفض إلى 915 جنيه، عن العام 2019 الذي وصل فيه إلى 1283 جنيه. أي ما يعادل 3660 جنيه شهريا، و44 ألف جنيه تقريبا سنويا.
وفيما يخص الدخول المتوسطة فتقدر بـ مايقارب من 59 ألف جنيه سنويا. أما خط الفقر القومي فيقف عند الرقم 8.8 ألف جنيه.
كانت مستشارة الجهاز القومي للتعبئة الإحصاء دكتورة هبة الليثي قالت “وفقًا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. فقد عانى نحو 74% من المصريين من تراجع الدخول كنتيجة لإجراءات مواجهة كوفيد-19”.
وطبقا للأرقام السالفة الذكر فإن حجم الانفاق على السكن يمثل حوالي 20% من الدخل.
الأرقام اختلفت في مبادرة التمويل العقاري من البنك المركزي والتي اعتبرت أن شريحة متوسطي الدخل والمستفيدين بمبادرة 3%. لن يقلوا عن 10 آلاف جنيه للأعزب، و14 ألف جنيه للمتزوج، أي ما يوازاي بالترتيب 120 ألف جنيه. و168 ألف جنيه سنويا، وهي الدخول التي يعتقد أن نسبة 20% منها تنفق على السكن بما يوازي 34 ألف جنيه سنويا بالنسبة للشخص المتزوج، وعليه تحتاج الأسرة 117 عام تقريبا للوفاء بمبلغ الأربعة ملايين.
الطعام في مقابل السكن
وبحسب منظمة “مرصد العمران” فان الإنفاق على السكن أحد أقل النفقات مرونة في تغير الطلب. فقد تستغني الأسرة عن وجبة من وجباتها الثلاث في اليوم بدلًا من أن تفقد البيت الذي يأويها. لذا فكل موجة من ارتفاع الأسعار تعني أن تضحيات كبيرة ستُبذل في بنود الإنفاق الأخرى من أجل الحفاظ على “البيت”.
وقد تسببت إجراءات الإصلاح المالي التي بدأتها الحكومة خلال الربع الأخير من عام 2016 في رفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية. لتتسارع وتيرة زيادة الأسعار في بنود الإنفاق المختلفة وتصبح التضحية من أجل المسكن أكثر إيلامًا. وبخاصة على الفئات المتوسطة الدخل والفقيرة.
بل إن الإنفاق على السكن ومستلزماته كان أحد العناصر المتأثرة بخطة الإصلاح. سواء بشكل مباشر فيما يتعلق بالقرارات المرتبطة بتكاليف الطاقة للمنازل. أو بشكل غير مباشر من خلال تأثر أسعار العقارات بالأزمة المالية الجارية.
وعليه زادت التضحيات من أجل الحفاظ على السكن الأساسي ومستلزماته. ولكن هل تستطيع هذه التضحيات بالوفاء بمبلغ أربعة ملايين جنيه كسعر لأصغر فيلا في كومباوند ياسين على سبيل المثال؟
تراجع الطبقة الوسطى
الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني يشير إلى مسح المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن مختلف الطبقات في مصر الذي صدر عام 2016. ودراسة الدكتور أحمد حسين حول “التحولات في بنية المواقع الوسطي وأوضاعها” التي أوضحت حدوث تراجع في بعض شرائح الطبقة الوسطى ما بين 1976 و 2006. حيث تراجعت نسبة أصحاب الأعمال الصغيرة الذين يشغلون أقل من خمس عمال من 7.8% إلى 3.2%.
كما حدث نمو في شاغلي المهن الفنية والعلمية الذي وصلت نسبتهم إلى 22.2% والمديرون والإداريون الذين يمثلوا 4.7% من المشتغلين.
وخلصت الدراسة إلى نمو الإجمالي العام للواقع الوسطي من 31.3% الي 41.2%. ولكن بحسب الميرغني فداخل الطبقة الوسطي توجد شرائح متعددة، والمشروعات العقارية تتوجه للشرائح العليا فقط.
وبشكل أكثر تفصيلا اعتبر الميرغني أن في فترة من الفترات لعبت الهجرة للدول العربية دور مهم في زيادة التراكم لدى الطبقة الوسطى. وحتى الآن تشكل تحويلات المصريين العاملين في الخارج أكبر مصادر النقد الأجنبي. التي ارتفعت من 16.8 مليار دولار عام 2015 إلى 30 مليار دولار في 2021. إضافة إلى أن العاملين في قطاع الاستثمار الذي أصبح 3.7% من المشتغلين وهم يشكلون الشريحة المستهدفة للتسويق العقاري للوحدات التي تبدأ بأربعة مليون.
زيادة العرض من الإسكان الفاخر
مقابل ذلك ووفقا للميرغني تتصاعد معدلات الفقر بشكل مطرد ولكن في سوق العقار يزيد العرض من الإسكان الفاخر بصورة مبالغ فيها. والكثير من المشاريع العقارية نسب الإشغال بها لا تتجاوز 10% ورغم ذلك يوجد توسع مستمر في الوحدات المعروضة لهذه الطبقة.
بينما الإسكان الذي تقدمه الدولة من خلال صندوق الإسكان الاجتماعي. يتطلب مقدمات ضخمة وأقساط كبيرة تفوق قدرات مجمل الطبقة الوسطى.
لذلك عندما يطرح أحد أهم أغنياء العالم مشروع تبلغ تكلفة الوحدة التسعين متر بها أكثر من أربعه مليون جنيه. فهذا طبيعي ومنطقي لأنه يرى الشريحة العليا من الطبقة الوسطى فقط وهو نفس ما يفعله ساويرس والمرشدي وهشام طلعت مصطفي في مشاريعهم العقارية. وفقا للميرغني، إذ يستهدفون شريحة من الأجانب والعاملين بالخارج القادرين علي سداد هذه المبالغ. بل لقد أصبح تملك العقار شرطا لمنح الأجانب الجنسية المصرية.
ويقول الميرغني “الواقع المشكلة ليست في المنصور فقط. ولكنها مشكلة تشمل كل المستثمرين العقاريين الذين لا يرون إلا 3% الي 7% فقط من المصريين. وهم الذين يخططون لهم ويبنون الفلل والشاليهات والمنتجعات السياحية”.
وتابع: “يراهن هؤلاء على أن التسويق يمكن أن يرفع المبيعات محلياً ودولياً. ولو قدمت هذه الشركات ميزانيات حقيقية بالإنفاق على الدعاية والإعلام سنعرف أنهم يعتمدون على ترويج الأحلام والأوهام”.
أرباح مليونية رغم الركود
ومع كل ما نراه من مبالغة شديدة في أسعار هذه الوحدات إلا أن المطورين العقاريين يحققون أرباح مليونية ويراكمون ثروات ضخمة. لأنهم حصلوا على الأراضي بأسعار رمزية من الدولة ووصلت لهم البنية الأساسية للمرافق والتي تحتوي جزء كبير من التكلفة. بحيث أصبح هذا النوع من الإسكان يحصل علي ارض مدعمه ومرافق مدعمه يبيعها بأسعار عالمية وليست أسعار مصرية بحسب الميرغني.
دخول الدولة على خط الاستثمار العقاري مشكلة في رأي الميرغني الذي يرى أن الدولة دخلت في لعبة العقار من بداية عرض الأراضي. والوحدات بالمزاد وفتحت باب المضاربات مثلها مثل أي مطور عقاري. بحيث أصبح هناك خشية من انفجار فقاعة عقارية كبرى في مصر وأسعار شقق العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة خير شاهد على ذلك.
لقد أدت هذه السياسات إلى جعل سعر الشقة في دبي أرخص من سعر الشقة في القاهرة. وأصبحت مصر ثاني دولة تقتني العقارات في الإمارات بعد السعودية وفق الميرغني. الذي قال “يجني رجال الأعمال مليارات من الأرباح على مشروعات لو تم تسويق 25% منها. غطت تكلفة المشروع وكل ما يزيد علي ذلك هو مكاسب وأرباح صافية تصب في جيوب هؤلاء المليارديرات”.
ويبقي السؤال هل شركاتهم مقيدة في مصر وكم مقدار الضرائب التي سددوها على هذه الوحدات المليونية؟!
مجتمع الكومباوند
الاقتصادية الدكتورة سلوى العنتري أعتبرت أن تصريح ياسين يعبر عن فهم طبقة مهمة ومؤثرة في صنع القرار. للمجتمع المصري بشكل قاصر ومحدود، معقبة “وصل الأمر إلى وضع غير مسبوق نتيجة انعزالهم عن المصريين. الأمر أصبح بمثابة دولة داخل الدولة”.
وفسرت العنتري وضع هذه الطبقة وانعزالها التام عن مشاكل المجتمع وفهمه. بعد أن أصبحوا منغلقين على أنفسهم في مجتمع الكومباوند، التي لايقدر على تكلفته غيرهم. وقالت زاد الوضع تفاقما بعد انتشار التعليم الأجنبي وخلق أجيال جديدة منعزلة عن غالبية المصريين من محدودي الدخل. وهي مسائل تشكل تهديدا للبنية والقيم المجتمعية غير بسيط، فضلا عن صور اللامساواة الصارخة.
وترى العنتري أن ما يحدث من طفرة عقارية كان مقصود بها الأجانب والسياحة بالأساس. ولكن بعد العديد من المحاولات والمؤتمرات، فشل رجال الأعمال في تسويق عقاراتهم للخارج. فتوجهوا للشريحة التي ينتمون إليها بمشاريعهم، فهي مشاريع تمثل فشل في رؤية هؤلاء للمجتمع من وجهة نظر العنتري. التي تؤكد أن نسبة المعروض لا يناسب إطلاقا الطلب من منطلق اقتصادي رأسمالي بحت.
وانتقدت العنتري خوض الدولة مجال العقار الاستثماري من ناحية. مما يشجع على استمرار رجال الأعمال في مساعيهم لتلبية احتياجات شريحة ضئيلة من المجتمع دون الاهتمام بمطالب الأغلبية.
في الوقت نفسه ترفض سلوى مبادرات التمويل التي ترى أنها ليست مفيدة للجميع. كما انها تخصم من الدخل مايوازاي 40% على بند السكن فقط، وهو ماتراه غير عادل. حيث لا يجب أن يتجاوز الانفاق على السكن نسبة الـ 20% من الدخل، وأن المواطنين أولى بالدعم من رجال الأعمال.